الملك لير

 آخر عروض المسرح الوطني في لندن

 

قدم المسرح الوطني في لندن (National Theatre Live)  آخر عروضه المسرحية رائعة شكسبير الكبرى (الملك لير) بإخراج متميّز للمخرج الكبير سام مانديز ( (Sam Mendesوفي يومين متميّزين (21-22 حزيران 2014) تمكن جمهور المسرح الاسترالي من متابعة وقائع العرض على شاشة سينما نوفا(Nova) بأديلايد (Adelaide) عاصمة الجنوب الأسترالي حيث قامت هذه السينما بنقل وقائع العرض لجمهورها الاسترالي نقلا حياً ومباشراً.

 تميز العرض الذي لعب دوره الرئيس (الملك لير) الممثل الانكليزي سايمون راسل بيل ((Simon Russell Beale بالعصرنة متجاوزا عصر شكسبير وعصر مسرحيته التي كتبت بين عامي (1603) و(1606) ليحط رحاله في زماننا الموسوم بالتآمر، والدسائس، والمعارك النفعيّة،  والشخصية، والطبقية، والفئوية، والطائفية.

كانت الأزياء بلا ملامح محددة في العرض فهي تنتمي مجتمعيا لأي بلاط لا تزال الدسائس فيه تحاك وراء الكواليس أو تحت جنح الظلام فالملك على سبيل المثال لا الحصر لم يرتد الزي الملكي البريطاني، ولم يضع التاج على رأسه، وملابس الجند لم تحمل أي اشارة تدل على هويتها القومية أو الوطنية أو الدينية هذا فضلا عن قطع الاكسسوارات التي استخدمت في العرض المسرحي (مثل قطع السلاح الروسي كلاشينكوف) للتأكيد على تدويل هذه الدسائس.

ومما امتاز به العرض أن ديكوره لم يكن فخماً كما هو سائد في المسرح الشكسبيري وقد أكتفى مصممه بقطع يسهل نقلها وتشكيلها في أي مسرح داخل لندن وخارجها فالبلاط على سبيل المثال مؤثث بثلاث مناضد خصصت لجلوس بنات الملك الثلاث كما أن كرسي الملك لم يكن فخما هو الآخر. ونظرا لتميّز العصر باستخدام الطاقة الكهربائية فقد أتيح للعرض استخدام المصابيح المنضدية المحدثة بدلا من الشموع أو المشاعل التي تضيء عادة جوانب القصر الملكي هذا فضلا عن استخدام لاقطات الصوت (المايكروفونات).

 خلفية المسرح وجوانبه مطلية باللّون الأسود مع وجود لطخات باللون الرمادي مما يدلّ على سوداوية الموقف، وتشاؤمية الحال، وتراجيدية الحدث، وقد كان العرض غارقا في الظلام طوال ساعات العرض (ثلاث ساعات ونصف) أما المؤثرات فقد استخدمت كمكملات لبناء الحالة النفسية للمثل والجمهور معا فقد أوحت لنا تقنيات السينما الحديثة سماع الرعود من فوقنا والعواصف من جوانبنا حتى أننا لم نميّز أول الأمر ما إذا كانت تلك الرعود حقيقية أم غير حقيقية خاصة ونحن نمر الآن بموسم الشتاء الاسترالي، وينطبق هذا على الطائرات الحربية التي كانت تحلق فوق رؤوسنا ملحقة الدمار بأرض المعركة. ثمة ميزة أخرى هي ان المخرج عمل على ربط الخشبة بصالة العرض بممر توسط القاعة والخشبة استخدم لخروج الملك بعد زوال ملكه الى عامة الناس. الممر إذن فسّر لنا تحوّل الملك الخطير من الحياة المرفهة ومن النعيم الملكي إلى حياة الشعب ومعاناته المدمرة. وهذا ينطبق على شخصية (كنت) وإن اختلفت الأهداف.

مثّل الشخصيات الرئيسة كل من: ستانلي تاونسيند في دور كنت، وستيفن بوكسر بدور غلوستر، وتوم برووك بدور ادغار، أما بنات لير الثلاث فقد أدت دور غونريل الممثلة كيت فليتوود ، وأدت دور ريغن الممثلة أنّا ماكسويل، وأدت دور كورديليا الممثلة اوليفا فينال. لقد ابلى الممثلون جميعا بلاء حسنا، وتظافرت جهودهم بشكل خلاق فظهروا على الخشبة كفريق عمل متناسق يشدّ بعضهم بعضاً، واستطاعوا كفريق أيضا سدّ الفراغات على الخشبة بطريقة عوّضت العرض عما افتقده من قطع الديكور، وبهذا استأثروا بإعجاب جمهور النظّارة وتصفيقهم في صالة المسرح وفي صالة السينما على حد سواء. ومن الجدير بالذكر أن الممثل الانكليزي سايمون راسل والذي أدى دور الملك لير بمكنة كبيرة، وقدرة هائلة كان المخرج سام مانديز قد اختاره لأداء الدور بعد أن أعجب بأدائه لدور هاملت عام 2000 على خشبة المسرح الوطني نفسها. وهو من الممثلين المقلّين، وبحسب المعلومات التي حصلنا عليها فان هذه هي المرّة التاسعة التي يلعب فيها دورا رئيساً على خشبة المسرح الوطني البريطاني.