قراءة في (تنوعات الإنجاز التشكيلي
صباح الأنباري
صدر كتاب (الفنان علي الطائي.. تنوعات الإنجاز التشكيلي عبر مسيرته الفنية) الذي
سهت دار النشر عن ذكر اسمها وسنة طبعها له ورقمه الدولي.. الخ. وهذا يعني أن الكتاب
عملياً غير موجود في الأرشفة الدولية.
في الصفحة الأولى من الكتاب وبدلا عن هذه المعلومات التقليدية والضرورية وضعت صورة
الفنان علي الطائي مكبرة وهو يقف أمام إحدى لوحاته الفنية التي اشتغل فيها على
الحرف العربي كأُسٍّ توالديٍ نتج عنه عدد من اللوحات التي شكّلت مجموعة متميزة ضمن
تجربته المنوعة أسلوبياً وهذا يعني أن الفنان حاول أن يشكّل رؤيته بأكثر من أسلوب
فني واحد، وهذا ما أقره بنفسه حين قال في كلمة الكتاب الافتتاحية:
(لم التزم بأسلوب واحد، بل استخدمت أساليب مختلفة مثل المدرسة الانطباعية،
والواقعية الحديثة، والاتجاه التجريدي لشكل وجمالية الحرف العربي)
وعلى صفحة الإهداء نقرأ ما كتبه من كلمات خصّ بها الجميع: عائلته، وإخوانه،
وأصدقائه يقول فيها:
اهدي لكم مطبوعي عن المنجز الفني
لمسيرتي التشكيلية عبر سنين حياتي
ومن هذا القول نفهم إنه حدد مادة الكتاب كلّها بحدود تجربته التشكيلية الخاصة فقط،
وان الكتاب بمجمله سيكون عرضاً تفصيلياً لمسيرته الفنية خلال سني حياته مع أن حياته
لم تتوقف بعد، وان إنجازه لا يزال مستمراً، وهو مواظب على الإبداع حتى اللحظة، ومن
هنا يبدو لي أن إنجاز الكتاب في هذه المرحلة جاء مبكراً بعض الشيء وسابقاً لما
ستؤول إليه التجربة في نهاية المطاف. ومن كلمته في الصفحة العاشرة أيضاً نقرأ له
الكلام الآتي:
(صورت الطبيعة مباشرة، وبعد ذلك انتقلت الى معالم المدينة واكتشاف الأسرار الكامنة
وراء الأشكال الهندسية والسطوح، ومنح المضمون قوة الإيحاء، والشكل قوة التعبير،
وعملية الاختزال للأشكال، والخروج من المحدود الى اللامحدود واستخدمت مختلف
التقنيات في تنفيذ أعمالي.)
هذه هي الخطوط العامة في تجربته الفنية التي أراد من الكتاب عرضها على متابعي فنه
الإبداعي طوال مسيرته الفنية وهي مسيرة طويلة فعلاً رسّخت تجربة الطائي ومنحتها
ديمومة ثابتة، وسيولة فنية ديناميكية ومثلت مرحلة، بل مراحل مختلفة من حياته.
تعدد الأساليب تستعرض ثقافة الفنان وقدرته على تجاور الأساليب الفنية المختلفة
محلياً وعالمياً، ولكنها في النهاية لا تمنحه الخصوصية المطلوبة وان بدت أفكاره
خاصة تماماً.
وفي موضوع (سيرتي الفنية) استعرض الطائي حياته منذ ولادته في (جديدة الشط) التابعة
لمدينة بعقوبة والى أخر ما قدمه من الأنشطة الفنية محلياً وقطرياً. السيرة - من
وجهة نظرنا الشخصية بشكل عام- هي أقرب الى الببليوغرافي
(bibliography))
منها الى السيرة الفنية.
وبعد السيرة مباشرة نقرأ بعض المقالات التي كتبت عنه من قبل كتاب أكاديميين أو
صحفيين أو نقاد
جاء في المقالة الأولى للدكتور جواد الزيدي (الرسم.. وتغريب الموجودات الواقعية) ما
يأتي:
(بعد إيغاله في الرسم التعبيري المستند الى شيئية الواقعية الموضوعية بمواصفاتها
المرئية المألوفة استطاع الفنان علي الطائي أن يقوض تلك الأبنية المعمارية المرتبطة
بالحنين للأمكنة الجميلة الكامنة في الضمير وتصيرها خطابا مرئيا يعانق ذلك الهوس
حين صورها بقدرة احترافية وتودد كبير. ولكنه إثر إعلان انزياحه عن مواصلة الأسلوب
وتتبع الأثر ومعالجته وإعادة إنتاجه محاولا البحث عن مثابات أكثر حداثة تتخذ شكلاً
مفارقاً يحدده مكوث الأثر داخل الذات وإمكانية التفاعل معه ضمن آليات ترتبط بمنهج
مفارق على المستوى البناء البصري وتعالقه الداخلي المختلف بفعل اشتراطات عقلية
وحدسية تستند الى قراءات مغايرة....)
وفي المقالة الثانية التي كتبها د. ماضي حسن نعمة والموسومة (تنوعات الفروع
التشكيلية لدى الفنان علي الطائي) جاء فيها ما يأتي:
(تخرج في معهد الفنون الجميلة وهو رائد من رواد الحركة التشكيلية في ديالى.. شارك
في اغلب المعارض التي أقيمت في المحافظة وساهم بتشكيل عدد من الجماعات الفنية فهو
عضو في جماعة باء التي تشكلت في بغداد وعضو في جمعية الشباب التي تشكلت في ديالى
وله مشاركات مع الفنان مؤيد الناصر منها عمله في نحت تمثال الفلاحة وجه ديالى
وهويتها وكذلك مساهمته في نحت تمثال العلامة مصطفى جواد الذي يعد من المهمين في
المجالات الثقافية والأدبية والعلمية).
كما كتبت إيمان الوائلي عن (معرض الفنان علي الطائي.. رموز مقدسة في طقوس فنية) جاء فيه:
(معرض الفنان علي الطائي السابع هو محاولة جريئة ومحكمة مسؤولية للتعامل مع الحرف
العربي من خلال صياغته برؤية تشكيلية خاصة مما أتاح له ابتكارات جديدة لشكل آخر
ينطلق منه لبناء هيكلية اللوحة الفنية بمزاوجة تقنية عالمية متميزة بالفضاء الواسع
والحركة المستساغة عن طريق إيقاعات حروفه وألوانه)
بعد هذا ينتقل بنا الطائي الى عرض اللوحات الزيتية في فصل كامل ثم اللوحات المرسومة
بمادة الأكريليك بفصل كامل أيضا متبوعاً باللوحات المائية وصوره الشخصية وصوره مع
لوحاته المختلفة أو مع بعض الفنانين الكبار. ومن خلال الاستعراض العام للوحاته
كلّها يظهر بشكل جلي كم الإبداع الذي سعى الطائي الى تحقيقه وضمّه الى مجمل تجربته
الطويلة.
ثمة ملاحظات عن الكتاب بشكل عام منها ما ذكرناه في مطلع مقالتنا هذه ومنه أيضا ما
يتعلق بالهفوات اللغوية والنحوية فضلاً عن ضرورة الإشارة الى أن الطائي لم يضع في
الكتاب إلا بضع مقالات اختارها بقصد أو دون قصد لتلقي الأضواء على تجربته الغنية
المثمرة وانا اعرف أن ما كتب عنه كان أكثر من هذا العدد المحدود ومنها ما كتبته
شخصياً عنه وتضمنه كتابي الموسوم (الرسم والفوتوغراف في مدينة البرتقال)، ولم ينتبه
الطائي الى ترقيم الصفحات الأولى والتي هيمن فيها الرقم (2) من الصفحة الأولى وحتى
العاشرة.
وبعد انتهائنا من قراءة كتاب الطائي، وبعد المشاهدة والتأمل في لوحاته التي تضمنها
الكتاب لا يسعنا إلا أن نتمنى للطائي المبدع الاستمرار على دأبه في العطاء الجميل،
والإنجاز الفني المميز، والفرادة في أسلوبه أو أساليبه المختلفة. ونختم قراءتنا بما
ختم به كلمته الافتتاحية قائلاً:
(أرجو من الله أن يوفقني في الاستمرار ومواصلة مسيرتي الفنية)