سيمياء العلامة البصريّة والسمعيّة

في مسرحيّة (طقوس صامتة)

 لصباح الأنباري

 

أ. د. فاضل عبود التميمي

جامعة دَيالى

 

ملخّص:

  تسعى هذه(الدراسة) برؤية سيميائيّة تواصليّة  إلى قراءة مسرحيّة (طقوس صامتة) للمؤلّف صباح الأنباري من خلال وقفة نقديّة أمام علاماتها البصريّة التي تتعلّق بمعطيات الصورة التي لها صلة بما يشاهد المتلقي من عناصر مكوّنة للعرض المسرحي: الشخصيّة، والأزياء، والإضاءة، والمنظر، والمكياج، فضلا عن وقفة أخرى عند العلامات السمعيّة التي لها صلة بالموسيقى، والغناء والرقص، والتصويت المختلف، وغيرها من وسائل انتاج الصوت، وقد اعتمدت -الدراسة- على عدد من المراجع النقديّة التي يسّرت الدخول إلى مشكلتها، وأضاءت متنها، وأسهمت في اظهار نتائجها.

مدخل:

  نشرَ المسرحيّ العراقيّ صباح الأنباري مسرحيّة (طقوس صامتة) في العام 1994([1])، ليدخل مضمار المسرح الصامت وهو ينهج ((نهجا تجريبيا محدثا يراوغ تعسف الرقابة، وعصف الرقيب، وسلطة المتعسفين متخذا من الحلم غطاء، ومن الشعر جرسا، ومن القصّة بوحا، ومن الدراما شكلا، ومن الصورة أداة، ومن الصمت لغة))([2])؛ تلك كانت باكورة ابداعه في مجال المسرحيّات الصوامت التي  عُرف بها واشتهر فيما بعد، والمسرحيّة الصامتة تعتمد على الحركة في الفضاء التخيلي من دون الحاجة إلى كلام، تظهر من خلال قصّة أو حكاية، ويكون الإيماء فيها مهيمنا؛ فهو اللغة التي تتربّع على سير الأحداث بلا نطق وحوار لفظي، والمسرح الصامت  بحسب تعريف الأنباري ((مسرح جماعي، شأنه شأن المسرح الجماعي في مسرح الكلام، يشترك فيه ما يقتضيه العرض من الممثلين، ويسند فيه التعبير ليس إلى المسرد الكلامي الملفوظ، وإنّما إلى المسرد الحركي، وما يتبعه من تشكيلات، وتكوينات جسديّة فرديّة أو جماعيّة، أو حركة مجموعات، فهو مسرح بصريٌّ يضجُّ بالكلام ولكن من غير كلام))([3])، هكذا تقوم بنية المسرحيّة الصامتة، وقد نظّر لها مبتكرها الأنباري بإيجاز غير مخل.

  وللمسرحيّة الصامتة التي ابتدعها صباح الأنباريّ خطّةٌ إخراجيّةٌ منفتحةٌ على آفاق واسعة، اعتمد فيها لغة عالميّة يفهمها الجميع؛ هي لغة الجسد المؤلّفة من الحركة، والإشارة والإيماءة التي جميعها تسهم في تشكيل سيمياء علامات بصريّة، وسمعيّة في  المَشاهد التي يشارك فيها عددٌ من الممثلين([4])، والإيماءات لغة المسرح الصامت لها أثر كبير في عمليّة (السمطقة) المسرحيّة التي تزيد من مصداقيّة المشاهد للسرد المسرحي والممثلين، فهي تستعمل لأغراض مختلفة إشاريّة وتوكيديّة([5])، والمسرحيّة الصامتة  -والحال تلك- تختلف عن البانتومايم الذي هو مدار عنايته ممثلٌ صامتٌ واحدٌ، بينما هي تعجّ بعدد من الممثلين.

ما السيميائيّة:

  ممّا لا شكّ فيه أنّ السيميائيّات بحسب معجم (روبير) نظريّة عامة للأدلة يكون سيرها داخل الفكر، والمجتمع([6])، وأنّها علم يدرس العلامات([7])، وهو من العلوم التي لها صلة بالأدب: ((موضوعه العلامة ومنهجه التحليل))([8])، وهو فضلا عمّا ذكر قراءة منظّمة هدفها الوصول الى العلامة، والوقوف عند عتباتها بقصد الكشف عن طاقاتها الكامنة، ومخزونها الفاعل في المتون الأدبيّة، وغيرها من خلال الاحتكام إلى التعالق بين الدوال و المداليل؛ وأنّ ((الموضوع الرئيس للسيميائيّات السيرورة المؤدية إلى إنتاج الدلالة؛ أي ما يطلق عليه في الاصطلاح السيموز(semiosis والسيموز في التصوّر الدلاليّ الغربيّ الفعل المؤدي إلى انتاج الدلالات وتداولها))([9])، وهذا يعني أنّ له وظيفتين تتضافران في سبيل رصد تشكّل الدلالات، ومعرفة طرائق انتشارها.

    وللسيميائيّة أن تقارب المسرحيّة بوصفها نصّا، أو عرضا يتواصلان دلاليّا مع (علامات) ذات مرجعيّات مختلفة تتعلّق بممارسات حكائيّة داخل النصّ تتيحُ للمتلقي أن يكتشف ارتباط الممثل -وهو يعيش داخل المسرحيّة- مع تتابع الأحداث، وتحولاتها للإحالة على مقدار الانشغال  بما هو خارج النصّ أيضا، والعلامة في أيسر مفهومها ((كلّ ما تضعه الثقافة بين أيدينا هو في الأصل والاشتغال علامات تخبر عن الثقافة، وتكشف عن هويتها، فالضحك والبكاء، والفرح، واللباس، وطريقة استقبال الضيوف، وإشارات المرور، والطقوس الاجتماعيّة، والأشياء التي نتداولها فيما بيننا، وكذلك النصوص الأدبيّة، والأعمال الفنيّة كلّها علامات تقعيد؛ أي تحتاج إلى الكشف))([10]) الذي يحيلها إلى مداليل.

   يراد بالعلامة في هذا البحث ((كل ما هو على خشبة المسرح))([11])، فهي عملة ذات وجهين: دال ومدلول، والعرض دالّ ومدلوله الموضوع الجمالي الكامن في الوعي الجماعي لدى المتلقين الذي يتعلّق بالشخصيّات، والمكان والزمان([12])؛ والعلامة استنادا إلى ما فات من تفصيل جوهر فاعليّة الإنسان في وجوده، ووسائله الدالّة على تطوره، وموقفه من الحياة حتى صارت منظومة لها جهازها الكاشف عن دوالها ومداليلها، ولها صلة بالعرض المسرحي، فهي اشارة  دالّة تقوم بدور مهمّ في تلقي المسرحيّة من خلال فهم دلالة العُروض البصريّة، والسمعيّة التي لها صلة بما يشاهد المتلقي من ((معطيات الصورة الحركيّة المتمثّلة بالعناصر المكوّنة للعرض المسرحي وهي: الشخصيّة، والأزياء، والإضاءة، والمنظر المسرحي، والمكياج، والموسيقى والأغاني، والمؤثّرات الصوتيّة))([13])، التي لها صلة بالغناء، والرقص([14])، والتصويت المختلف، وغيرها من وسائل انتاج الصوت.

   كانت المسرحيّة، ولمّا تزل ميدانا مفتوحا على تجارب السيمياء في التواصل، والدلالة، والثقافة نظرا لغناها العلاماتي، واقترانها بالجمال المرئي، والمسموع وغيره، وهو يظهر من خلال الاحتكام إلى التعالق بين الدوال والمداليل، دون أن ننسى أنّ المسرحية تتواصل دلاليّا مع (علامات) ذات مرجعيّات مختلفة تنفتح على ممارسات الحياة التي لها صلة بما هو خارج النصّ، وخارج خشبة المسرح، وداخله أيضا؛ أي مجموعة الأنساق التواصليّة التي ترتبط ((في المقام الأول بالحواس؛ أي أنّها تحدّد الإحالات الأولى للإدراك الحسي المبني على الالتقاط  المباشر لما يوجد خارج الجسد الإنساني))([15])، وله صلة بالتفكير المسرحي.

  ترى هذه (الدراسة) أنّ التواصل الذي تنتهجه يجعل من الإشارات فعلا تواصليّا مع الآخرين في الحياة وفي المسرح معا، عن طريق الإيماءة التي هي  نظام من أنظمة الاتصال يوجد في البنيات السيميائيّة التي تشكّلها الأنواع الأخرى عبر اللسانيّة، وغيرها شرط اعتراف المتلقي بشرط القصد([16])، الذي يجتمع مع الدال والمدلول لغرض التوصيل، وفهم العلامة في نمطيها الطبيعي والمصنّع، في ظلّ وجود مرسل ومرسل إليه، وجسد يومئ بوصفه ((نسقا تواصليّا له امتدادات في كلّ مناحي الحياة العاطفية والعقلية والمخياليّة))([17])، وله القدرة على انتاج الدلالة، وهذا يعطي فكرة مؤدّاها أنّ سيمياء التواصل يتحكّم في فضاء مهم من فضاءات المسرح المفتوحة على إشكالات الحياة.

بناء المسرحيّة:

   بُنيت مسرحيّة (طقوس صامتة) من ثلاثة مشاهد، وملحق  سمّى المؤلّف صباح الأنباري كلّ واحد منها بـ(مُصْمَتْ) توافقا مع سيمياء المسرحيّة الصامتة القائمة على الصمت بوصفه لغة اتصال بين الممثلين أولا، ثمّ بين الممثلين والمتلقين، اشترك في تمثيلها عددٌ من الممثلين الصامتين: الرجل ذو الملابس البيض، وزوجته وابنه، والرجل القصير، والشاب دميم الخلقة، والرجلان الأول والثاني، والسيّاف، وشابتان ومجموعة من الناس، والمسرحيّة في بنيتها الكليّة في القراءة والتمثيل تحدث نوعا من التوتّر النفسيّ للمتلقي، من خلال وجود الظلام الذي يعمّ فضاء المسرح، والموسيقى، والأصوات الأخرى التي تمّ استعمالها في النصّ، ومن ثمّ في  العرض([18])، بمعنى أنّ مَشاهد المسرحيّة (مصامتها) قد أثّثت بما يتناسب وأحداثها التي تعتمد على الحركة، والتصويتات الثقافيّة المصنوعة.

المصمت الأول:

العلامات البصريّة:

   يحيل المُصمت الأول على وجود علامات بصريّة مختلفة تمثّلت في ظهور الرجل ذي الملابس البيض يقف يسار المسرح وحيدا يبدي تعجّبه من هرولة الناس، فيحاول إيقافهم لكنه يفشل، فالرجل هنا علامة مستعارة من الحياة لها وظيفة تقترن بالحدث، وقد اختار جهة اليسار لينتمي إليها، واليسار في المعطى السياسيّ مصطلح يمثل تياراً فكرياً وسياسياً يسعى لتغيير المجتمع إلى حالة أكثر مساواة بين أفراده([19])، ويشير الزيّ الذي يرتديه الرجل عادة إلى النقاء، والطهر مما يجعله مختلفا عن باقي الرجال، فهو مختلف عنهم لا ينتمي إلى عاداتهم، وتقاليدهم، وله أن يراقب الأحداث([20])، وهذا ما يتيح للمتلقي الوقوف عند تلك الدلالة؛ دلالة الملبس، ودلالة اختيار الحيّز المكاني، وغيرها؛ تلك التي سيربطها مع الأحداث القادمة بوصفها علامات تشير إلى الموضوع الذي يعبّر عنه من خلال فهم يقترن بالأفكار العامّة([21]) التي تتعامل مع البياض على أنّه لون مهيمن بين جميع الألوان له صلة بثقافة الإنسان، والأحداث التي يعيشها، وله وظيفة ترتبط بالطهارة، والنور، والغبطة، والفرح، والنصر، والسلام([22])، فضلا عن ذلك فهو لون يرمز للصفاء، ونقاء السريرة، والهدوء، والأمل، محبّ للخير، والبساطة في الحياة، ويحيل على عدم التقيّد، والتكلّف([23])، بمعنى أنّه لون السلام والمحبّة.

  تُنفتح أضواء حمراء في فضاء المسرح؛ وهي علامة اصطناعيّة ناتجة عن قرار إراديّ واع([24]) يتعلّق بطبيعة العمل المسرحي، واللون الأحمر علامة مركّبة أخرى انفتحت على علامات أخرى تعلّقت بطبيعة هذا اللون الذي يشير إلى مرموزات سياسيّة معروفة تعلّقت بالحرية، والفكر؛ فهو لون العواطف الثائرة، والحبّ الملتهب، والقوّة، والنشاط، ورمز النار المشتعلة، يستعمل أحيانا للإحالة على رمزيّة  الغضب، والقسوة، والخطر، والعنف، والثورة([25])، ولي أن أربط دال هذا اللون بمدلول جهة اليسار التي اختارها الرجل ليقف مراقبا للأحداث، لأتساءل هل كان المؤلّف الأنباريّ واعيا لحقيقة الجهة التي اختارها، أو جاء بها من دون قصد؟ نعم كان واعيا، هذا ما ترشّحه القراءة الدقيقة لفكره، ونشاطه الثقافي، وانحيازه غير المشروط للحريّة، والفكر، والجمال.

    وللون الأحمر صلة مباشرة بالتوقّف عن المسير؛ لأنه يشير صراحة إلى ضرورة الخطر وضرورة الوقوف، وضرورة انتظار اللون الأخضر لغرض العبور....هنا تتوقف الحركة على المسرح توافقا مع مدلول اللون لترتفع دكّة صغيرة فيكوّن الآخرون حلقة حولها ترقص فوقها امرأة شبه عارية، والعري كاملا، أو ناقصا في المسرحية الصامتة يُدرك جوهره ((بعيدا عن فعل السرد، إنّه يتخلّص من كلّ حكايات الكون ليحكي قصّته))([26])؛ أي سيمياءه الخاص الذي لا يفهم إلا من خلال تأويل الحدث نفسه.

   يمسكُ السيّاف بيد المرأة إيذانا بقطع رأسها فيقطعه لترتقي امرأة ثانية الدكّة نفسها، فيمسكها الرجل ذو الملابس البيض غير أن المرأة المعدّة لقطع الرأس تضرب رأسه بقضيب حديد فيسقط أرضا، يفيق من ألمه وقد اقتربت منه فتاة جميلة تحمل اضمامة ورد يحاول الإمساك بها لكنّها تهرب، هذا الحدث يعطي فكرة عن طبيعة الرجل ذي الملابس البيض الذي ظهر بنسق سيميائيّ مركّب يحيل على دلالات متعدّدة يمكن استحضارها من طبيعة الدور الذي ظهر فيه، وهو عادة ما رمز إلى الخلاص، ولكن الخلاص مِنْ مَنْ؟ وكيف؟ هنا يكون للمتلقي الانموذج قدرة واضحة على تأويل الدلالة التي يمكن أن تستخلص من طبيعة اللون، والحدث معا.

  إذا كان منظر السيّاف الذي يهوي بسيفه على رقاب النساء واحدة بعد أخرى في المشهد يعطي فكرة عن طبيعة القتل، والظلم الذي لحق المرأة في أدوار حياتها المختلفة في مشهد يحيل على طقس خاصّ بالقتل المتعمّد في ظلّ مدينة تحتقر النساء([27])، فإن وجود الرجل ذي الملابس البيض لم يكن سيّئا بدليل محاولة مسك المرأة المعدّة للذبح ربما لإنقاذها، فيما يدخل رجلان إلى المسرح يمشيان باتجاه الرجل يجبرانه على الركوع يكتّفانه، يصعد السياف إلى الدكّة يحلّ وثاقه، فيسمك الرجل سيف السياف لكنّ السيف يصعد إلى الأعلى ليكون مسلّطا على رقاب الجميع، وتنطفئ الاضواء.

  هذا هو المشهد الأخير في المُصمت الأول وفيه تتحوّل مدلوليّة السيف من حالتها الخاصّة إلى حالة عامّة يسلّط من خلالها على رقاب الجميع بوصفه رمزا، والرمز علامة العلامة؛ أي العلامة التي تُنتج قصد النيابة من علامة أخرى مرادفة لها، ومعنى ذلك أن العلامة اللغويّة يصير لها مدلولٌ آخر([28])، كما هو حال السيف في المشهد، ومثلها العلامة البصريّة، ورمزيّة السيف رمزيّة عابرة للثقافات تحيل على معنى واحد هو القتل؛ الرؤية القديمة التي سبق للمسرحي صباح الأنباري أن تنبأ بها لتصبح الآن واقعة، وقد تحقّقت على مدار السنوات السابقة التي تربّع فيها الإرهاب بمختلف أشكاله فوق رؤوس الجميع.

  ممّا سبق تبيّن أن حركة الأجساد بشكلها التناوبي في (المُصمت) تمتلك ((سلسلة لا متناهية من الوضعيّات المحتملة:(حركات معزولة، حركات يضمّها التأليف البسيط والمركّب، أوضاع مبهمة، وأخرى صريحة، همس وصراخ، حكايات، أفراح ومآسي) إنّه الكلام في حالة الكمون: إن وجود الجسد مرتبط بما يصدر عنه، فحالة السكون هي بؤرة التوقيعيّة منها سينبثق الفعل، ومنها ستنبثق الأشكال))([29])، مقترنة بحالتي السكون، والصمت المبدع.

العلامات السمعيّة:

   كانت العلامات السمعيّة للمُصمت الأول أصواتا ثقافيّة هدف المسرحي من خلالها إلى التواصل مع العرض المسرحي مثل: الموسيقى ، فهي دالة صوتيّة كونها محاكية لثقافة المجتمع بوساطة نظام من الرموز الصوتيّة وثيقة الصلة بموضوع المسرحية([30])، تمثّلت في المسرحيّة بوجود آلة (الصَّنْج) التي يضرب بها في فضاء المسرح، والصَّنْجُ آلة موسيقيّة؛ قرصين من النحاس تصدر موسيقى ايقاعيّة عالية التصويت، تشد إحداهما باليد اليمنى والأخرى باليسرى، ويكون ايقاعها هابطا وصاعدا حيث أنها ظهرت في عصر الفراعنة، وتستعمل في الفرق العسكرية([31])، ولاسيّما في الاستعراضات، والاحتفالات العسكريّة التي يراد منها شحذ الهمم، وصناعة تجمعات مؤيدة لسياسة ما.

  وفي المسرحية تصويتات أخرى تمثّلت في صرخات نسويّة، وعويل وهذه التصويتات عادة ما تقترن بوجود حملات الإعدام، والاعتقالات، ومشاهد توديع الجنائز، ولحظات الاحتضار التي تعطي فكرة عن الموت، وطقوسه المختلفة، فضلا عن وجود ضربات طبول؛ تلك التي عادة ما تقترن مع طقوس الحرب، وثمّة أصوات لأبواب لبواب تفتح ثم تغلق محدثة جلبة وضوضاء، وهمهمات؛ وهي عادة ما ترمز إلى الحيرة التي تلازم المؤسسات الحاكمة وهي تواجه معضلة ما فيكون صوت انفتاحها واغلاقها  كناية عن عدم الاستقرار والتيه الفكري، والبحث عن قرار ما منقذ، وثمّة صفير داخل المسرح وباطنه وهو عادة ما يقترن بالنهايات، ولا سيّما السائبة، وعدم الرضا؛ تلك النهايات التي لا طائل من ورائها، وهذه جميعها أصوات مكمّلة للجو العبثي الذي تعيشه المسرحيّة كان الإتيان بها ضرورة تُستكمل من خلالها المسرحيّة بعدها التصويتي والمدلولي.

  وكان للمرأة الناهد أن رقصت على إيقاع الصفير، والهمهمة يتبعها رجل ضخم يؤديان حركة ايقاعيّة شبيهة برقصات التعري، في هذا المشهد نفسه تحضر المتناقضات في فضاء المسرحيّة، ويكون للرقص فيها دلالة على حالة العبث التي تعيشها المرأة، وهي تغذي رقصها بالصفير، فضلا عن حضور الرجل الضخم خالقا شكل النشاز في المشهد.

    ترتفع أصوات الطبول منذرة بالحرب، والموت الزؤام والخطر، وثمّة موسيقى غرائبيّة، وأصوات أقدام تذكّر بالمسير العسكري، وضربة صَّنْج قوية تحيل الجو إلى طقس غريب مأزوم، وصوت صفير وهمهمة، وقهقة تشبه النحيب، هنا تشتبك الأصوات المختلفة لتخلق عالما فوضويّا تتخلّله تحوّلات طقسيّة مختلفة تتعارض مع بعضها لتسهم في خلق جوّ صاخب له دلالته التي تلتقي مع الدلالة الكبرى للمسرحيّة.

   إن قراءة المشاهد البصريّة والسمعيّة للمُصمت الأول تشير إلى وجود قانون تضاديّ مبني على  وفرة الدوال المتضادة في مداليلها، ولها سلطة استحضار اللون وضده، والحركة ونقيضها ،والفعل وما يخالفه، والحضور وغيابه، وقد  نظّم ذلك القانون حركة المشهد وتصويته؛ أعني التضاد البصريّ والسمعيّ الذي شمل المُصمت كلّه لندرك من خلاله سيمياء المشهد بصريّا وصوتيّا وهذا ما تمثّل في  انطفاء الضوء ثم توهجه في الختام، فضلا عن وجود أبواب تفتح ثمّ تغلق بقوّة، وثمّة ظلام وثمّة إضاءة، وثمّة رجال عراة، وآخرون بملابس زاهية، وكان أن حضرت امرأة ناهدة وناحلة في الوقت نفسه يتبعها رجل ضخم، وثمّة صبيّة فائقة الجمال تقترب من الرجل ذي الملابس البيض تم تتراجع، ليدخل المسرح رجلان أحدهما من يسار المسرح، والآخر من يمينه، يتقدّمان، والرجل يتراجع، يختفون جميعا في العتمة، و يظهرون ثانية لتنزل الدكّة إلى باطن المسرح، ثمّ ترتفع تدريجيّا، فضلا عن سماع قهقهة الحاضرين التي تشبه النحيب.

المصمت الثاني:

العلامات البصريّة:

   بُني المُصمتُ الثانيّ من علامات بصريّة تمثّلت في نهوض الرجل ذي الملابس البيض، يستدير فيرى شبيها له بملابس سود، ((هذا الشبيه ما هو إلا رمز للشيطان الذي يحرّك كلّ إنسان على سطح هذه الأرض بحسب رغباته))([32])، فهو مصدر للشرّ في المشهد، يتقدّم الشبيه من الرجل يتراجع الآخر يطارد الأول الثاني يخرج الرجل ذو الملابس البيض من المسرح ليعود وبيده فأس يختفي الشبيه تظهر مرآة من أعلى المسرح تُرى فيها صورة الشبيه بملابس بيض يتغير لونها نحو الأسود يخرج الشبيه رأسه من المرآة يبتسم ساخرا... موسيقى صاخبة... يهوي الرجل ذو الملابس البيض بالفأس على المرآة تتكسّر... أصوات متداخلة... يجلس القرفصاء، يعمّ الظلام المسرح كناية عن انتهاء المُصمت.

  يحيل نهوض الرجل على سيمياء فعل قادم، وإنْ كان المشهدُ يجري تحت سلطة تأثير حالة ما،

 يرى الرجل ذو الملابس البيض رجلا شبيها له؛ سيمياء الشبه تعني وجود قرين، أهو للإغواء أو للضلالة؟، ربّما لهما معا، فالقرين يحمل سيمياء انشطار الذات داخل المسرحيّة ((في بنية نصيّة مشخّصة تتحرّك بوصفها الحضور الآخر المادي المرئي للذات الداخلية، وتكون ملامحه مستوحاة من طبيعة التجربة الشعوريّة الجوانيّة لنكون إزاء شخصيّة متكاملة اخرى))([33]) تقدّمها المسرحيّة ولها سيمياؤها الخاص.

  يختفي الشبيه في اللحظات الأخيرة لتظهر مرآة كبيرة يرى فيها الرجل صورة الشبيه، ولكن بسيمياء تغيير لون الملابس دلالة على تغيير الأدوار والحالات، وللمرآة في شكلها الظاهر في المشهد وظيفة عكس الصور وتوضيح حقيقتها بعيدا عن التزييف، فهي تمتلك وظيفة الكشف، وإعلان المستور بعيدا عن أي سلطة أخرى.

   قيام الرجل بحمل الفأس والضرب على رأس المرآة سيمياء انتقام لها ما يسوغها في المشهد، ومحاولة انفراده في الموقف كي يكون سيد الحالة على خشبة المسرح حركة ليست غريبة عن سيميائه، وهو خير من دافع عن السلام والأمان، يجلس القرفصاء فينتهي المشهد، هل كان جلوسه بداية أو نهاية للحدث؟ قرفصاء الرجل تعني توثّبه، واستعداده لعمل ما.

العلامات السمعيّة:

   تمثّلت علامات المُصمت الثاني السمعيّة في موسيقى صاخبة مدوّية عمّت المسرح، ثمّة صوت شظايا تتكسّر خارج المسرح قطعة قطعة تترافق مع ضربة الفأس على رأس المرآة تتوقّف الموسيقى، أصوات متداخلة غير مميّزة تتحوّل إلى ضجيج، وصخب لا يطاق... تختفي ليعمّ الظلامُ المسرحَ... ارتفاع الموسيقى أحال على صخب مدوّ حاول أن يغطي على مساحة الحدث الأبرز في المشهد ليدفع الرجل الشبيه كي يسد أذنيه ثم يختفي.

   قراءة المشهد بعلاماته البصريّة والسمعيّة يحيل على وجود قانون التضاد نفسه أيضا، فمن خلال وجود الرجل بملابس بيض، والشبيه بملابس سود يتبيّن لنا جوهر العلامات السيميائيّة الدالة على فعل الخير لصاحب الملابس البيض، وفعل الشر لمرتدي الملابس السود، كلاهما يحضران في مشاهد المسرحيّة بسيمياء متضادة، يتقدم الرجل فيتراجع، يتقدم الرجل ذو الملابس البيضاء يتراجع الأول، يهرول إلى خارج المسرح ليعود ثانية فلا يجد الشبيه، يبحث يتوقف عن البحث، يتغيّر لون ملابس الشبيه من الأبيض إلى الأسود... تغيير لون الملابس هو تغيير في طبيعة العلامة، وتحولّها من شكل إلى آخر تبعا لوظيفة اللون في المشهد، فالعلامات هنا مؤشرات دالة على وفق الظروف التي تظهر فيها، فضلا عن سيميائها الآخر؛ خاصيّة الاستعمال الذي تمنحه العلامة نفسها([34])، للمتلقي... تتعالى الموسيقى، وتتوقّف تسمع أصواتا متداخلة يسدّ الرجل أذنيه؛ لا يسمع... تختفي الأصوات.

المصمت الثالث:

 العلامات البصريّة:

  كان المُصمت الثالث قد بُني على سيمياء حركة الرجل ذي الملابس البيض، وامرأته، وابنه، وهم يتّجهون نحو الجسر، فالأجساد في المُصمت  تتحرّك بوصفها دالّا متكاملا ينبئ عن مدلول، ثم يجدون جثّة فتاة في مقتبل العمر يقفون عندها ينحّيانها لكنّ ابنهما يعبر إلى الضفة الأخرى؛ ضفة النور، وهي الضفة التي أرادت المسرحيّة التبشير بها بوصفها المخلّص من سوء العاقبة، يتوقف الرجل وامرأته في منتصف الجسر دلالة عدم اكتمال المسير، يظهر عددٌ من المسلحين يضيّقون الدائرة حولهما تتّجه أنظارهم نحو جسد الزوجة يتفرّق الجميع بإشارة من شاب دميم  يقترب من الرجل يزدريه، يشتهي زوجته ينقضّ الجميعُ على الرجل ذي الملابس البيض بإشارة من الشاب الدميم، يوثّقونه إلى الصليب تحاول المرأة التخلص، والشاب الدميم يحاول اغتصابها فلا يتمكّن ثم ينتهي المُصمت.        

 العلامات السمعيّة:

  تمثّلت علامات (المُصمت الثالث) السمعيّة في ضربة صنّج في بدايته أعقبها في النهاية اعلان الموسيقى نهاية الليل، وانبلاج الصبح الجديد، الضربات الصنجيّة عالية الطبقة، مع الموسيقى في المشهد بنية مهمّة في المشهد، وللمتلقي مشاهدا أو قارئا أن يدرك سيميائها بوصفها علامات مصنوعة بواسطة آلات لها صلة بطبيعة العرض، وثقافة المتلقين من خلال تصويتاتها المحزنة والمنفّرة، فهي تتواءم وتتشاكس وتلقي المتلقين.

مصمت خيال الظل:

  جعل المؤلّف صباح الأنباري ملحقا للمسرحيّة سماه (مُصمت خيال الظل) وهو أحد مظاهر الفرجة الشعبيّة في المسرح يؤتى به  بهدف توصيل الحالة التي يريد المؤلّف ايصالها بشكل أكثر عمقا([35])، ليفتح نافذة التلقي على علامات بصريّة، وأخرى سمعيّة متعددة أمكننا الوقوف عندها بحسب الآتي من التفصيل:

العلامات البصرية:

  يدخل رجلان منطقة خيال الظلّ يمسكان بإحدى يدي المرأة وساقيها، ثم يرمي الشاب القبيح نفسه عليها، يستلّ حربة أحدهما فيطعنها في فخذيها، يتمكّن منها، يختفي خيال الظلّ لتبدأ الحقيقة تركّز الإضاءة على الرجل ذي الملابس البيض، تتمدّد زوجته تحت الصليب مضرّجة بالدم، يدخل ثلاثة فتيان ينزلونه من الصليب يهربون خارج المسرح مذعورين والرجل ذو الملابس البيض يزحف نحو زوجته يقبّلها يبكي بصمت يستدير نحو الجمهور وكأنه يريد أن يقول شيئا لكنه يصمت.

   تدخل مجموعة من الرجال يتقدّمهم رجلٌ قصير القامة بملامح قاسية ولحية مدبّبة يتفرّق عنه الرجال بتشكيلات تنسجم والموقف.... يتقدم نحو الرجل يمدّ يده للمصافحة لكنّ الرجل يشيح بوجهه عنه، فيكوّن الرجال حلقة حول الرجل ذي الملابس البيض يشهرون بوجهه حرابهم يطعنونه سويّة يقف لحظة وهو ينظر صوب الجسر ثم يسقط ميّتا.

   إنّ النظر نحو الجسر سيمياء يعني أنّه المعبر نحو الخلاص، فدلالة الجسر تحيل على فكرة مؤدّاها أنه وجه الانتصار كما أنه مفصل الهزيمة في آن واحد.

   تحاول المجموعة الوصول إلى الضفة الأخرى تتصاعد ألسنة النيران، والجميع يتقافزون يتقدّمون ثمّ يتراجعون، تصاعدُ ألسنة النار يحيل على وجود علامة صناعية تتمثل في ايقاد النار التي هي علامة على وجود مدلول يتعلّق بالحرق، وهو فعل متعمّد يمكن تأويله، والعلامة الصناعية عادة ما يتدخل الإنسان في صناعتها، ووجودها بوصفها مدلولا له صلة بالحدث، وسيمياء حركات المجموعة انجاز لمشروع مليء بالبياض، والاجزاء غير المكتملة التي تمثّل البعد الايحائي، والامتلاء الدلالي في أبهى صوره، والجسد شبيه بالوحدات المعجميّة يعيش على واقع الاستعمال الأمر الذي يجعل من إيماءة واحدة منبعا لسلسلة من التأويلات([36])، التي تشكّل مع بعضها مدلولا واضحا لا يمكن تجاوزه.

   تبدأ صورة الطفل بالارتفاع تدريجيا مع ارتفاع اللهب لتهيمن على المكان، وينبلج الصباح الجديد في دلالة سيميائيّة حاكمة؛ هي دلالة حضور الطفل بوصفه أيقونة علاماتيّة تحيل على   تمثيل واقعي ينتقل إلى الذهن المتلقي ليترسّخ فيه بوصفه موضوعا([37])، وله أن يتفاعلُ مع نهاية العرض ليستدعي مزيدا من الدلالات التي يمكن تأويلها لحظة العرض، أو عند القراءة، فصورة الطفل كانت المادة الأساسيّة التي حاكت الواقع، وعبّرت عنه من خلال مشاركة العالم صوريّا، فهي قولٌ بصريٌّ يشير إلى مفاهيم متعدّدة ذات علامات تكونُ العلاقة فيها بين الدال والمرجع قائمة على المشابهة المنتجة لأفكار تخلق رؤية متناظرة ضمن إيقاع متحرك([38])، ولها سلطة الجذب والشدّ بوصفها دالا ومدلولا في الوقت نفسه، وقد خلا المُصمت من العلامات السمعيّة تماما؛ تلك التي يحتاجها أسلوب الفرجة بوصفه بنية مشاهدة بحاجة إلى وسائل تصويت.

    أراد المؤلّف صباح الأنباري في (خيال الظل) أن يقول: إنّ الشرّ، والعنف، والجهل مهما زاد وغلظت أفعاله سيأتي الأمل بنهايته، وتتغيّر الأحوال([39])، وبهذا الإقفال جدّد الأنباريُ -كما هو دائما-عهد الحياة مقرونا بالتفاؤل.

   إنّ صورة الطفل في ظل عمليّات القتل التي سادت المسرح حملت سيمياء البشرى، والخلاص من صور القتل الجماعي والفردي التي تخيّلها المؤلف قبل وقوعها، فقد كان متحسّسا لما جرى، ويجري في قابل السنوات من تأريخ العراق.... وماذا عن سيمياء القانون التضادي؟، اشتمل المصمت على صور تتضاد من خلال دخول ثلاثة فتيان إلى المسرح ثم هروبهم، وتقدم الرجلُ ذو الملابس البيضاء ثمّ تراجعه على خشبة المسرح، يقفُ ثمّ يسقط ميّتا، فيما يحاول الرجال الوصول إلى الضفة الأخرى، فيتراجعون بفعل ألسنة النار يتقدمون نعم ثمّ يتراجعون في حركات إيمائيّة واضحة امتلكت شأنها شأن الوحدات اللسانيّة مستوى للتقرير وآخر للإيحاء([40]) وحسبي أنها تحيل على لغة يفهمها الجميع.

وبعد:

     فإن المهيمنة السيميائيّة التي تحكّمت في طبيعة هذه المسرحيّة تمثّلت في بروز ظاهرة الثنائيّات الضديّة التي أدّت دلالة مزدوجة انفتحت على معنى معيّن، وآخر ضدّه بُنيت عليه مداليل النصّ وهو يستند إلى طبيعة الصورة والحركة التي أعطت فكرة عن شكل الحوار والصراع بين شخصيّات المسرحيّة في مشاهدها... فالتضادُ سيّد الموقف كان في البلاغة العربيّة ولمّا يزل إيقاع توافقٍ بين ما هو في غاية التخالف؛  مثل ذكر الإحياء مع الإماتة، والابكاء مع الضحك، ونحو ذلك؛ أي أن له خاصيّة الجمع بين المعنى وضده([41]).

   إنّ هيمنة لغة التضاد في(طقوس صامتة) وعرضها بطريقة التوازي التضادي القائم على تماثل واضح بين طرفين في السلسلة اللغويّة يحيل على تبني مبدأي التشابه والتضاد([42])، وهما مبدءان قائمان على أساس التعاكس في الدال، والمدلول في تشكيل دلاليّ تتوازى فيه الصور الطباقيّة في سياق يشهد للمسرحيّة  بالشدّ الأسلوبي، وتقديم الدلالة، ونقيضها بالاعتماد على إبراز شكل السرد، وتقديم صورته عن طريق الجمع بين المعنى المتناقض: (المتضاد) وغيره؛ ذلك الذي يقود إلى إيجاد (مقابلات) نسقيّة تجمع في بنائها اللغوي أكثر من معنى متضاد في سياق تسوّغه حاجة المسرحيّة إلى بناء أسلوبيّ مغاير للسرد الاعتيادي حتى يأخذ شكلا نسقيّا تعبيريّا محدّدا.

  هيمن التقابل في مشاهد المسرحيّة على السياق العام للسرد، وتحكّم في تحديد طبيعة النسق الصوري بوساطة سلطة التعارض بين دلالات الألفاظ في المشهد نفسه، تلك التي ((تسهم في تشكيل وحدة بلوفونيّة قائمة على التعارض الجدلي بتراتبيّة متوازنة وصولا إلى المغزى العام للعرض))([43])، وهذا أعطى فكرة مهمّة مؤدّاها أن حضور التضاد أسهم في اغناء الدلالة الكليّة للنصّ، ولاسيّما في المسرح القائم على تداول الفكر.

  لقد أسهم تضاد الدلالات البصريّة والسمعيّة في المسرحيّة بإعطاء فكرة أخرى عن دراميّة الحدث الدائر في ظلّ سرد صامت اشتمل على وجود زمان، ومكان، وحدث ، وشخصيّات، وحوارات صامتة محمّل برؤى مستلّة من قيعان غائرة بالقدم والمعاصرة لا تريد أن تبتعد عن فحوى حواراتنا المعاصرة، أمكن  رصدها في سيناريو الأحداث  في المسرحيّة، وهي  تنتمي إلى علامات مركّبة تستند في انتاج دلالاتها إلى أكثر من علامة تحال على أنساق مختلفة داخل العرض نفسه([44])، فالعلامة المركّبة تستدعي تلقّيا مركّبا أيضا بسبب تركيبها الدلالي الذي عمل متضافرا مع علامات أخرى.  

الخاتمة:

 أولا: اعتمدت مسرحية (طقوس صامتة) على التشكيل الصوري الصامت من جهة الممثلين، وهو تشكيل يحتاج في أدائه إلى سلسلة أفعال وحركات تشكّل مع بعضها علامات بصريّة أمكن الوقوف عندها وتفسيرها وتأوليها، واعتمدت تشكيلا صوتيّا تعاونت على وجوده: الموسيقى، والصرخات الإنسانيّة التي لها صلة بأحداث المسرحيّة، فضلا عن أصوات صرير الأبواب، وغيرها وهي جميعا أسهمت في تقديم المسرحيّة متكاملة العرض.

ثانيا: قامت المسرحيّة على سلسلة من الأحداث التي لها صلة باستلاب حريّة الإنسان، ومحاولات التخلّص من التعسف، وسوء الأحوال، وهذا يعني أنّ المسرحية انتمت إلى نصّ حكائيّ يمكن تمثيله، وتلقي مدلولاته، وتشكيلاته.

ثالثا: أحال نصُّ المسرحيّة على رؤية يمكن إخراجها، والتمتع بمشاهدتها، فالأحداث ليست بالغريبة عن الواقع المعيش؛ لأنها جزء من ماض لمّا يزل يعيش في اصقاع واسعة من خريطة حياتنا والعالم.

رابعا: أحال نصّ المسرحيّة من خلال ثنائيّة الصمت: الإيماء على لغة عالميّة ليس من الصعب فهمها في أي مكان من العالم.

خامسا: تضافر العلامات البصريّة مع السمعيّة في المسرحيّة أسهم في تقديم دلالات كبرى بمدلولات انفتحت على الحياة تمثيلا لأهمّ المشكلات التي تواجها، ولا سيّما في أزمنة الحروب، والحصارات، ونقصّ جماليّات الحياة.

الإحالات:



[1] - ينظر: المجموعة المسرحيّة الكاملة: صباح الأنباري: المجلد الأول: منشورات ضفاف: 2017: 71.

[2] - كتاب الصوامت: صباح الأنباري: دار التكوين: ط1: 2012: دمشق: بيروت: 41.

[3] - نفسه: 8.

[4] - ينظر: المجموعة المسرحيّة الكاملة: صباح الأنباري: المجلد الأول: 46-53

[5] - ينظر: معجم السيميائيّات: فيصل الأحمر: الدار العربية للعلوم ناشرون: ط1: 2010: 105.

[6] - ينظر: نفسه: 13.

[7] - ينظر: الاتجاه السيميولوجي ونقد الشعر: د. عصام خلف كاظم: دار فرحة للنشر والتوزيع: ط: 2003: 18.

[8] - إشكاليّة المصطلح في الخطاب النقدي العربي الجديد: يوسف وغليسي: الدار العربيّة للعلوم ناشرون: ط1: 2008: 226.

[9] - السيميائيّات مفاهيمها وتطبيقاته: سعيد بن كراد: دار الحوار سورية: ط2: 2005: 33.

[10] -  نفسه: 29.

[11] -  العلامات في المسرح: كير إيلام: نقلا عن سيزا قاسم: مدخل إلى السيميوطيقا: السيميوطيقا حول بعض المفاهيم والابعاد: ج1: ط2: منشورات عيون المقالات: المغرب: 241.

[12] - ينظر: معجم السيميائيات: 103.

[13] - مسرح الدمى دلالات سيميائيّة –تربويّة: د. زينب عبد الأمير أحمد: الدار الجامعيّة للطباعة والنشر: بغداد: 2018: 53.

[14] - ينظر: نفسه: 56.

[15] - السيميائيّات. مفاهيمها وتطبيقاته..: 30.

[16] - ينظر: معجم السيميائيّات: 85.

[17] -  السيميائيات مفاهيمها وتطبيقاته...:189.

[18] - ينظر: بحث في البانتومايم والمسرحيات الصوامت: أسماء أحمد محمد شاهين: ضمن كتاب: صوامت صباح الأنباري في مرايا المسرح الجامعي: اشراف وتقديم: د. سيد علي إسماعيل: قوس قزح للطباعة والنشر: كوبنهاكن: د. ت:19.

[19] -  ينظر: ويكبيديا: الموسوعة الحرة: شبكة الانترنيت: في 4/ 5/ 2023.

[20] - ينظر: بحث في البانتومايم والمسرحيات الصوامت: أسماء أحمد محمد شاهين: 20.

[21] - ينظر: معجم السيميائيّات: فيصل الأحمر: 55، وينظر مرجعه.

[22] - ينظر: اللون: محمد يوسف همام: مطبعة الاعتماد ط1: القاهرة: 1930 :7.

[23] - ينظر: علم عناصر اللون: فرج عبو: ج 2: دار دكفن: إيطاليا: 1982: 137.

[24] - ينظر: العلامة في المسرح: مدخل إلى سيمولوجيا فن العرض المسرحي: كاوزان تاديورز: ترجمة ماري الياس: مجلة الحياة المسرحيّة: دمشق: ع 34-35: وزارة الثقافة والإرشاد القومي: دمشق: 1985: 39.

[25] - ينظر: الرسم واللون: محي الدين طالو: مكتبة أطلس: دمشق: 1961: 72، وعلم عناصر الفن: فرج عبو: دار دكفن: إيطاليا: 1982: ج2: 136.

[26] - السيميائيات مفاهيمها وتطبيقاته...: 215.

[27] - ينظر: صوامت صباح الأنباري: 20.

[28] - ينظر: معجم السرديّات: 89.

[29] - السيميائيات مفاهيمها وتطبيقاته..: 210.

[30] - ينظر: مسرح الدمى....: 71.

[31] -  ينظر: ويكيبيديا الموسوعة الحرة.

[32] -  صوامت صباح الأنباري: 21.

[33] - بنية قصيدة الشخصيّة في الشعر العراقي الحديث: من مرحلة الريادة حتى 2000: د. علي عز الدين الخطيب: الدار العربيّة للعلوم ناشرون: ط1: 2015: 128.

[34] - ينظر: العلامة: تحليل المفهوم وتأريخه: إمبرتو ايكو: ط1: المركز الثقافي العربي: بيروت: 2007: 95.

[35] -  ينظر: نفسه: 21.

[36] - ينظر: السيميائيّات مفاهيمها وتطبيقاته...: 199.

[37] -  ينظر: معجم السيميائيات: 79.

[38] - ينظر: الاتجاهات المسرحيّة متعة المشاهد وحتمية التجديد: آراء وتساؤلات: د. علاء كريم : مكتب عدنان للطباعة والتصميم: بغداد: 2019: 26.

[39] - ينظر: صوامت صباح الأنباري...: 21.

[40] -  ينظر: السيميائيّات مفاهيمها وتطبيقاته..: 205.

[41] -  ينظر: معجم المصطلحات البلاغية وتطورها: ج2: د. أحمد مطلوب: المجمع العلمي العراقي: بغداد: 1986: 253-254.

[42] -  ينظر: التوازي ولغة الشعر: أحمد مختار عمر: مجلة فكر ونقد: الأردن: ع18: 1999: 79.

[43] - مسرح الدمى...: د. زينب عبد الأمير أحمد: 58.

[44] - ينظر: نفسه: 65.

المراجع:

1-    الاتجاه السيميولوجي ونقد الشعر: د. عصام خلف كاظم: دار فرحة للنشر والتوزيع: ط: 2003.

2-    الاتجاهات المسرحيّة متعة المشاهد وحتمية التجديد: آراء وتساؤلات: د. علاء كريم: مكتب عدنان للطباعة والتصميم: بغداد.

3-    إشكاليّة المصطلح في الخطاب النقدي العربي الجديد: يوسف وغليسي: الدار العربيّة للعلوم ناشرون: ط1: 2008.

4-    بحث في البانتومايم والمسرحيات الصوامت: أسماء أحمد محمد شاهين: ضمن كتاب: صوامت صباح الانباري في مرايا المسرح الجامعي: اشراف وتقديم: د. سيد علي إسماعيل: قوس قزح للطباعة والنشر: كوبنهاكن: د. ت.

5-    بنية قصيدة الشخصيّة في الشعر العراقي الحديث: من مرحلة الريادة حتى 2000: د. علي عز الدين الخطيب: الدار العربية للعلوم ناشرون: ط1: 2015.

6-    التوازي ولغة الشعر: أحمد مختار عمر: مجلة فكر ونقد: الأردن: ع18: 1999.

7-    الرسم واللون: محي الدين طالو: مكتبة أطلس: دمشق: 1961.

8-    علم عناصر اللون: فرج عبو: ج 2: دار دكفن: إيطاليا: 1982.

9-    العلامة: تحليل المفهوم وتأريخه: إمبرتو ايكو: ط1: المركز الثقافي العربي: مشروع كلمة للترجمة: بيروت: 2007.

10-  العلامة في المسرح: مدخل الى سيمولوجيا فن العرض المسرحي: كاوزان تاديورز: ترجمة ماري الياس: مجلة الحياة المسرحية: دمشق: ع 34-35: وزارة الثقافة والإرشاد القومي: دمشق: 1985.

11-  كتاب الصوامت: صباح الانباري: دار التكوين: ط1: 2012: دمشق: بيروت.

12-  اللون: محمد يوسف همام: مطبعة الاعتماد ط1: القاهرة: 1930.

13-  المجموعة المسرحية الكاملة: صباح الأنباري: المجلد الأول: منشورات ضفاف: بيروت: 2017.

14-  مدخل إلى السيميوطيقا: السيميوطيقا حول بعض المفاهيم والابعاد: سيزا القاسم: ج1: ط2: منشورات عيون المقالات: المغرب.

15-  مسرح الدمى دلالات سيميائيّة – تربويّة: د. زينب عبد الأمير أحمد: الدار الجامعية للطباعة والنشر: بغداد: 2018.

16-  معجم السيميائيّات: فيصل الأحمر: الدار العربية للعلوم ناشرون: ط1: 2010.

17-  معجم المصطلحات البلاغية وتطورها: ج2: د. أحمد مطلوب: المجمع العلمي العراقي: بغداد: 1986.

18-  ويكبيديا: الموسوعة الحرة: شبكة الانترنيت: في 4/ 5/ 2023.