نظرة الى كتاب الصوامت

          محمد الاحمد

محمد الأحمد

صدر عن دار التكوين 2012م.. كتاب “الصوامت” للمسرحي المبدع “صباح الانباري”، ويقع الكتاب في 288ص، وتمهد بإهداء، ومقدمة بقلم “عبد الفتاح رواس قلعة جي”، ثم لحقهما ثلاثة فصول.

 

الاول تضمن مسرحيات الصوامت، وأسس تجنيس البانتومايم أدبياً، الثاني المسرحيات الصوامت، والثالث تجربة الصوامت في مرايا النقد المسرحي، مقالات، سبق أن كتبها البعض من المهتمين بالكاتب، ونتاجه الشخصي.

اكتب ـ هنا- انعكاساً لما قرأته فيه. “الصورة الكرتونية المطبوعة على ورق الكارتون، أعني بها خشبة العرض، ولا أعني بها غلاف الكتاب، وسأحاول أن أجري تطبيقاً صورياً فيه زمناً، وسرداً نابضاً بالحركة العملية، والعلميّة “.صرتُ على يقينِ تام بان (مثلا تخيلوا معي) صورة فوتغرافية بحجم كفّ اليدّ، وبرغم امتلائها بالشخوص، واي كان عددهم، او قلتهم، وبما فيها من مساحات فراغ او امتلاء.. انها تحتاج جدياً الى وصفها بالسرد، وتلك الجدية قد تقتضي مني كواصف سردي، بتقسيمها كمستطيل الى مقاطع عدة، واكون اولاً مقاطعا اوتاراها، فتصير مثلثاث اربعة، ومن ثم تقسم قواعد تلك المثلثات الى نصفها، فتتكون عندي مجموعة من المثلثات المتساوية قدرها ثمانية، تلتقي بالرأس، وقد تأخذ ارقاماً، رؤوسها ملتقية بنقطة واحدة... هكذا تتحول الصورة الى صفّ يسهل عليّ تغطيته، واحداً تلوّ الآخر. ويسهل علي تغطيته سردياً انطلاقاً من نقطة المركز. وستتحول عندي الى مساحة سردية، وفق ما أراها وحسب تسلسلها، متحولة الى موصوفة واثر اخرى من الكلمات. ثمة اشياء سوف تتحرك داخل عقلي الذي اكتب منه الى القارئ الذي أكتب اليه، لاني أريده أن يفهم وجهة نظري تجاه ما أريده أن يفهمه. تلك الكلمات سوف تتلاقح مع معلومات، وثقافات كنت قد تأثرت بها، وآمنت بها، وعلي ان ادعم بها ما اريد الوصول اليه.. هكذا تتحول الصورة الى خريطة من الكلمات، ممتدة لتصف المثلثات المقسمة لوحدة قطعة الكرتون. تكشف كيف يتفاعل معها الأبداع، مع هذه اللحظة المشتعلة.. كاني حولت الصورة الى حركة كلمات لها صورة حركة الكلمة، بحساب الزمن الذي هو مقياس السرعة التي يتحرك بها شيء ما.. اي .. مقياس لسرعة الحركة.. لقطع مسافة معينة. إن للزمن بعد فيزيائي- رابع- للمكان حسب النظرية النسبية. ولكنه لا يعدو كونه وسيلة لتحديد ترتيب الأحداث بالنسبة لمعظم الناس. فالزمن أمر نحسّ به أو نقيسه، أو نقوم بتخمينه، وهو يختلف باختلاف وجهة النظر التي ننظر بها بحيث يمكننا الحديث عن زمن نفسي أو زمن فيزيائي أو زمن تخيلي. هل يمكننا حصر الزمن مبدئيا بالاحساس الجماعي للناس كافة على توالي الأحداث بشكل لا رجوع فيه، هذا التوالي الذي يتجلى أكثر، ما يتجلى بتوالي الليل النهار، وتعاقب الأيام كفرض على الناس تخيل الزمن بشكل نهر جار باتجاه محدد لا عودة فيه. بعد أن لاحظ البشر أن العديد من الظواهر الفيزيائية بدءا من حركات الشمس إلى تساقط الرمل من وعاء زجاجي إلى اهتزاز “نوّاس” بسيط تأخذ فترات زمنية متساوية حسب تقديرهم مما دفعهم لتطوير ميقاتات وأدوات لقياس الزمن باستخدام هذه الظواهر، فأوجدوا المزولة الشمسية ثم الساعة الرملية ثم البندول.اذ تم اعتبار الزمن أحد المطلقات- الفترات الزمنية الفاصلة بين حدثين مختلفين ثابت بالنسبة لكافة المراقبين، وهذا أمر حافظ عليه “نيوتن” باعتباره شيئا مطلقا كونياً ثابتاً في أنحاء الكون، ويجري أبدا كجملة فيزيائية تتحرك بانتظام أو بتسارع، تتحرك حركة دائرية أو مستقيمة.

بعد ان تحول السرد الى صورة، والصورة تحولت الى سرد. التقي مع ما قاله استاذ المسرح العبقري “محي الدين زنكنة” عندما تشكك بقدرة تحويل السرد الى صورة متحركة (يفرّ من قراءة المسرحية، ويقرأها على مضض- ص 268) الى خشبة المسرح، تشاركها الاضواء، والمؤثرات الموسيقية، وربما، حتى توجيه انبوب يصدر نثيث ماء ليرش القليل من الماء على وجوه الحاضرين.. عندما يتطلب ذلك في قاعة العرض، أو بواسطة مقاعد تهتزّ تحت المشاهد، لتعطي بعداً اخراً، وعمقاً حسياً بان الارتجاج يشعر الحاضرين بعمق المسرد الصوري، متحولاً الى وجود مقنع، وببعد خامس (مخادع)، كما تقول التقنيات الحديثة. (3d,5d) .. تساندها حركات انيقة رشيقة، لممثل مزموم الشفتين، فالفيزياء الحديثة قامت بإنزال الزمن عن عرشه، وإلغاء صفة الإطلاق التي اتصف بها عبر السنين، فنظرية النسبية الخاصة اعتبرته أحد مكونات المسرح الكوني التي تجري فيه الأحداث وبالتالي أصبحت لكل جملة فيزيائية زمنها الخاص بها الذي يختلف عن زمن جملة فيزيائية أخرى.  فاعود ايضاً الى اشارة “مشتاق عبد الهادي” حيث كتب (الشخوص الصامتين وحركاتهم التي تستفزّ القارئ والاديب، والدكتاتور- ص 169)..

يمكنني الجزم بعد ما اسلفت: -

لقد استطاع المبدع “صباح الانباري” بنباهة تقنية التحويل من السردية الصورية – الصورية السردية - المكتوب الى صورة، بنجاح، حسبما تمثلته: بأن المكتوب تحول الى حيوية حياة نابضة. حتى لو لم تحضر الادوات السينمية الكاملة، ومن المستحيل في قاعة فقيرة الممتلكات كقاعات عروضنا المسرحية.