صباح الأنباري وتجنيس المسرحيات الصوامت أدبياً
عبد العليم البناء
منذ عرفته كان الأنباري صباح متنوعاً ومجدداً في عطائه الإبداعي فخاض بدراية وتمكن
وحرفنة في عوالم الشعر والمسرح والسرد الروائي والنقد الأدبي والتصوير الفوتوغرافي،
وانطوى حراكه الإبداعي، إذا جاز التعبير، على الكثير الكثير فقد مارس الإخراج
المسرحي وله إسهاماته الواضحة منذ خطوته الأولى حين ساهم عام 1974 مساعداً للمخرج
العراقي الكبير سامي عبد الحميد في مسرحية (مهاجر بريسبان) التي كتبها العربي
المغترب جورج شحادة لتترى تجاربه في إخراج مسرحيات عدة لفرقة بعقوبة للتمثيل نسبة
إلى مدينة بعقوبة التي ولد فيها عام 1954 وكذا الكتابة للمسرح عبر نصوص متنوعة
الأشكال والمضامين ومن ثم النقد المسرحي والأدبي عبر إصدارات مختلفة بلغت السبعة
عشر إصدارا داخل وخارج العراق.
وهنا يكمن بيت القصيد دون أن نتوسع في التطرق إلى باقي منجزه الإبداعي إذ عمل
الأنباري على مغايرة مقصودة في تجنيس المسرحيات الصامتة (البانتومايم) التي خاض
غمارها بقصدية واضحة بتفعيل نوع جديد من (المسرحيات الصوامت) التي أبدعها وجمعها في
مجلد أول تحت عنوان (المجموعة المسرحية الكاملة) التي صدرت في بيروت عن دار منشورات
ضفاف بدعم من الهيئة العربية للمسرح التي اعتادت على دعم وطباعة العديد من المشاريع
والدراسات والنصوص المسرحية بهدف ترصين وإشاعة الثقافة المسرحية عربياً.
الأنباري الذي يعتقد أن الإنسان يعقل بصريا أكثر مما يعقل سمعياً لم يقدم لنا عبر
كتابه هذا مجموعة نصوص مسرحياته الصامتة حسب، وإنما حاول أن يؤسس لهذا النوع من
المسرحيات بتنظير متكامل لها ولطبيعتها وجوهرها وأسلوبها المختلف إلى حد بعيد عن
النص المسرحي التقليدي أو الكلاسيكي عبر فصلين كان أولهما قد مثل الجانب التنظيري
الذي أشرنا إليه في كسر لقاعدة التقديم أو المقدمة التي يلجأ، بعضٌ من الكتّاب
المسرحيين والشعراء والقاصين، عبرها إلى تصدير مجاميعهم بها فجاء تحت عنوان واضح
(المسرحيات الصوامت وأسسها التنظيرية والتطبيقية).
في هذا الفصل يبتدئ الأنباري بالحديث عن رؤيته تجاه (المسرحيات الصوامت من الفعل
إلى التجنيس) حيث يلج إلى التعريف بالأسباب التي دعته إلى تجنيس هذا النوع أدبياً
كما هو الحال مع المسرحيات الحوارية الصائتة- كفن درامي- عبر العصور، وان تصبح
فرعاً من فروع الأدب العربي والعالمي نظراً لامتلاك الأخيرة قدرة لا تدانيها قدرات
الفنون الأخرى في المزاوجة بين الفن والأدب حيث يؤكد أن " نص العرض الصامت إن وجد
فانه يركز على جملة من التوجيهات تعنى بحركة الممثل وترسم مخطط لها في كل لحظة من
لحظات الفعل على الخشبة".
وبما أن البانتومايم يحتاج إلى الفعل لا القول، وأن هذا الفعل يحتاج إلى دالات توضع
في سياقات خاصة لتؤدي إلى مدلولات ذات معان محددة ومقصودة بعيدا عن بضعة أفعال
حركية بهلوانية لتتعدى ذلك إلى تضمنها قصة وحبكة وموضوعة وشخوصاً كلها تؤدي دوراً
مهماً متضامناً مع الموضوعة الإنسانية للعرض والنص وهذا هو الذي يرى إنه قد " أهلها
لتكون قابلة للقراءة كخطاب أدبي فضلاً عن كونها جنساً فنياً يعمل على زحزحة الأجناس
الأخرى ليحتل رقعة واسعة ومتميزة".
جريدة المدى ع 3930 ت 23/ 5/ 2017