الصراع الدرامي فـي صوامت الأنباري المسرحية
إسراء عبد الله عبد الرؤوف*
أولا. الصراع
الصراع عند الأنباري دائما ما يكون صراعا عنيفا قاسيا بين قوتين غير متكافئين إلى
حد ما.
فالصراع القائم في مسرحية (سلاميات في نار صماء) بين الرجل والمرأة من جهة والقوى
التي تحاول تفريقهما على مر العصور واختلافها من جهة أخرى.
أما جوهر الصراع الدرامي عند الأنباري فينقسم إلى:
1.
فئة تزرع الخوف والرعب عن طريق التعذيب والقهر والتي بسببها تقام الحروب والنزاعات.
2.
فئة يقع عليها فعل الخوف والرعب عن طريق التعذيب والقهر.
كما في مسرحية (حلقة الصمت المفقودة) حيث القوة الظالمة المسيطرة والغاشمة التي
تحاول أن تفرض سيطرتها على القوة الأخرى ممثلة بالرجل الذي يرفض الخضوع لها،
ويقاومها بكل ما أوتي من قوة وإن كانت القوة محدودة لديه.
من الظاهر في (هرم الصمت السداسي) أن الصراع صراع فردي بين السجين ونفسه في معرفة
القوة التي يواجهها ولكن الكاتب حول الصراع من صراع فردي إلى صراع جمعي بعد مقتل
العساكر الثلاثة بطريقة وحشية.
الشخصيات:
الشخصيات في صوامت الأنباري رمزية تشير إلى جنس معين، وليست شخصيات بعينها أي تكون
بمعناها العام ولا تمثل حالة خاصة فهي غير واضحة المعالم أو الملامح مثل: رجل،
امرأة، عسكري، تابعون، راقصون، شياطين.شهد نص (حلقة الصمت المفقودة) استخدام حشود
بشرية هائلة من خلال مجموعات من الذئاب البشرية ومجموعات الكلاب البشرية ومجموعات
الثعالب البشرية هذا إلى جانب مجاميع المهرجين والراقصين من القردة. كل هذه الأعداد
الكبيرة أنا شخصيا لم أتخيل كيف تحركت على خشبة المسرح. هل كان الكاتب صباح
الأنباري قد كتب مسرحياته الصامتة من أجل القراءة فقط وليس للعرض خصوصا مع استخدامه
للكثير من المؤثرات البصرية والسمعية التي لا تتوافر إلى حد كبير في مسارحنا؟!
خصوصا أنه كان يسعى إلى خلق جنس أدبي جديد يقوم على تنمية واستخدام جانب التخيل عند
الجمهور وهو ما نجح فيه بالفعل.
المكان والزمان
الأنباري قدم صوامته دون محدودية للزمان أو للمكان، فلم نجد لصوامته مكانا محددا أو
زمانا نستطيع من خلاله أن نعرف ما هو الإسقاط الذي يحاول أن يوقعه وهذا ما قاله في
الأسس التي أقام عليها صوامته. ففي (هرم الصمت السداسي) عند لحظه سريان الدم ووصوله
إلى الجمهور مع عدم محدودية الزمان يمكن لأي قارئ أن يتخيل أن هذا صراع قائم منذ
الأزل ولا يزال مستمراً.
الإخراج
يقول الأنباري إن الصوامت تتضمن على قصة في كتاب النص المسرحي الصامت وأن هناك خطة
إخراجية مرنة. أتفق معه في أنه استطاع أن يقوم بتشكيل خشبة المسرح بطريقة رائعة في
خيال القارئ من خلال توزيع الأماكن على خشبة المسرح والإضاءة والموسيقى كل ذلك جعل
الأنباري يقدم سينوجرافيا وتشكيل رائع لصوامته.ولكن أنا لا أتفق معه في رأيه أنه قد
كتب الصوامت بخطة إخراجية مرنة لأن مسرحياته أو صوامته لا تتحمل أي وجهة نظر
إخراجية أخرى فهو لم يترك مسافة لأي مخرج آخر غيره فلو أراد أي مخرج أن يغير في
الإخراج الذي وضعه الأنباري لتغير المعنى وضاع الهدف الذي يريده الكاتب فهو لم يترك
سوى شيء واحد فقط للمخرج يقوم به وهو ملابس الأشخاص ففي الأربع صوامت محل دراستي لم
يبرز الأنباري أو يحدد ملابس أي شخصية من الشخصيات باستثناء (هرم الصمت السداسي)
عندما وصف ملابس الجندي وهو يرتدي بذته العسكرية وأيضا الثلاث شياطين وصف ملابسهم
بأنها سود وأقنعتهم سود وعلى ظهورهم عباءات سود مثل التي يرتديها الكهنة يقول
الأنباري إنه اعتمد في صوامته على الفن التشكيلي أو التشكيل الصوري وتعاقب الصور
وتداخلها لكي يتشكل المعنى العام وهو ما ظهر بوضوح في (سلاميات في نار صماء) الذي
استخدم فيه الكاتب شكل المونتاج والتي جاءت العنونة فيها لتدل على تعددية المشاهد
واستقلاليتها من خلال لفظ (سلاميات ) والتي تعني عظام الأصبع التي تمتاز بعملها
المستقل ولكنها في ذات الوقت لا تعمل إلا في ارتباط مع بعضها بعضا ففي داخل النص
يوجد مشاهد متعددة ولكل مشهد معناه ولكن المعنى العام لا يتضح إلا باكتمال المشاهد
جميعا.
تعد اللغة أحد الأسس التي أقام الأنباري صوامته عليها إذ يقول إن مخاطبتها بلغة
كونية تقربها من الجميع دون الحاجة إلى ترجمة. وهذا ما نجح فيه بالفعل. إذاً
الصوامت تعتمد على لغة الجسد ومن المعروف أنها لغة عالمية تتيح لأي شخص أن يعرف
المعنى المراد من الحركة سواء أكانت عن طريق الإشارة أو الإيماءة أو الحركة فهي
أقدر على البوح وأبلغ في التعبير عن الذات. يقول الأنباري إن من الأسس أيضا احتواء
الصوامت على قصة أو حكاية مأخوذة من التراث الإنساني أو من الواقع. وهذا ما حدث
فعلا في (هرم الصمت السداسي) التي عبرت عن الصراع العربي الإسرائيلي أو كما جاء في
مسرحية (سلاميات في نار صماء ) والتي ناقشت إحدى المشاكل الاجتماعية من خلال قصة
الحب التي يرفضها المجتمع. يقول الأنباري أيضا إنه اشتغل على الجملة الفعلية وابتعد
عن الجملة الإسمية من أجل أن يبعد صوامته عن الوقوع بفخ القصة أو الرواية السردية
وبالفعل اعتمد على الجمل الفعلية في كل صوامته من أجل الحركة ففي (شواهد الصمت
المروضة) استخدم جملا فعليه مثل: يظهر في الخلف رجال أحياء/ يقفون بخشوع/ يظهر
الرجل/ ينزل الرجل/ يخلع كل منهم ملابسه/ يرفع سوطه/ يؤدون حركات النشور/ يشهر
الرجل مسدسه/ يتقدم أحدهم نحو الرجل/ ينهض الأموات السابقون واللاحقون. وفي (هرم
الصمت السداسي) يتلوى السجين تحت الغطاء/ يسقط على الأرض/ تسقط في الفضاء الخالي/
يرفعون أيديهم/ ينظر إلى ما وراء الكواليس/ تتصاعد ضربات الطبول/ تطفأ الأنوار/
ينظر إلى الجمهور/ يتوقف في وسط المسرح.
الموسيقى
اعتمد الأنباري على الموسيقى بشكل كبير في إظهار وتوضيح المعنى الذي أراده في
الصوامت وأعطى القارئ فكرة عن العرض منذ البداية. ففي (شواهد الصمت المروضة) بدأ
العرض بسماع صوت همهمة كورالية أو مارشال جنائزي مما يدل على قسوة الأحداث ورهبتها
في البداية، ثم بعد ذلك تتعالى موسيقى طقسية وموسيقي رعب أيضا مما يدل على استمرار
الخوف والرهبة لدى الأشخاص الأحياء.
الديكور
والإضاءة:
كان الديكور في (حلقة الصمت المفقودة) عبارة عن ثلاث مسطحات مختلفة المساحات بعضها
فوق بعض بشكل هرمي وسط المسرح وفي قمة الهرم يوجد كرسي فخم مما يدل على وجود فوارق
طبقية وصراع. وفي (سلاميات في نار صماء) يركز الأنباري على بعض الأحداث المؤثرة من
خلال الإضاءة التي ينير بها شيئا معينا دون باقي خشبة المسرح كأن يضاء المسرح في
بقعتين فقط يظهر فيهما الرجل والمرأة كما في المصمت الثاني.
النهايات درامية ومأساوية عادة وهي تعبر عن مدى الظلم والمعاناة التي عاشها الأشخاص
والصراع القائم طوال أحداث المسرحية والتي تظهر في النهاية بصورة بشعة. ففي (شواهد
الصمت المروضة) تنتهي بوابل من النيران تتساقط على جمهور النظارة. وفي (هرم الصمت
السداسي) يجري الدم نحو الجمهور وسط دهشتهم.
*كاتبة
من جامعة طنطا بمصر. والمقالة جزء من كتاب سيصدر عن دار قوس قزح في الداتمارك قريبا.
جريدة العالم ع 2027 ت 20/ 8/ 2018