الأنباري ينجو من فخ المهنة ونشوة الكتابة في مذكراته المونودرامية

فاروق صبري

 

الصورة واللغة تخلقان  النص المسرحي، لتجسده الشخوص، لكن أن يُجسد شخص واحد نصاً متكاملاً فهُنا  تأتي ميزة العمل المسرحي الذي تخلقه النصوص المونودرامية، وفي كتاب "مذكرات  مونودرامية" للكاتب صباح الأنباري، تضمن العديد من النصوص المسرحية التي لم  يكن هاجس الاختلاف والتباين شكلانياً أو بروبوكاندا "ابتكاريا".

كان هاجس الكاتب تعميق تجربة الكتابة جمالياً وفكرياً وتوسيع الفعل المسرحي التجريبي وتنويعاته وأجناسه وترسيخ لغة المسرح المنطوقة والبصرية والمفتوحة على التأويل وإثارة التساؤلات وطرحها على القارئ / المشاهد وتحريض وعيه على المشاركة أو المعارضة لما يقرأ أو يشاهد في عوالم مشحونة بالرؤى والرؤيا.

.بالرغم من المنافي الطويلة إلا أن مرجعية كتاباته ظلت تتأسس من وقائع جرت وتجري في وطنه. تلك الوقائع ببيئتها، وشخوصها، وأحداثها يدعوها الكاتب إلى فضاء التخييل ليصوع منها نصوصاً عراقية الهوية والطقس ولكنها أيضاً إنسانية الوجع والحلم.

وقد تضمن الكتاب ثلاثة فصول، يدور الأول حول ألواح ورقم مونودرامية مثل نص "سدرة في حديقة الأمة" والتي تحدثت عن واقع الحال وزيف ما نتوقعه حقيقة حيث يختتم الكاتب نصه قائلاً "توقفت عن تمثيل دور النخلة عندما أعلنت النخلة عن نبوءتها ببقاء الحال على ما هو عليه إلى أجل غير مسمى، وهذا هو ما خشيت منه كشجرة معمرة معاقة ومصابة بالتشاؤم القهري ولم يبق لها إلا أن تعود.
اما الفصل الثاني فتضمن نصوصا مونوسبايكرية كما في نص "إطلاقة واحدة حسب" يتحدث خلاله عن ألم الوطن وما دفعه الشباب فيه من أثمان من خلال نصه "لست الوحيد الذي باع شبابه للوطن الجريح، دعني أودعك يا أبي، دعني اتبارك بلحيتك البيضاء كقلبك الكبير، وقل لامي انني لم استطيع توديعها على الرغم من لهفتي القاتلة لسماع صوتها الحنون للمرة الأخيرة."
أما فيما يخص الفصل الثالث من مونودرامات تعاقبية مثل نص الجلاد والضحية والتي تتضمن جزءين.
خلال تجربة الكاتب الطويلة والممتدة من أول نثر له في "زمرة الاقتحام" إلى آخر نص كتبه "إطلاقة واحدة حسب "لم يسقط الأنباري في فخ "مهنة" الكتابة ونشوة "حرفيتها" التقليدية بل أطلق صهيل المغامرة والخروج من السائد والتسابق صوب الجديد والمبتكر وإذا كان الابتكار من ضرورات الإبداع فإنه جعل من الأول فضاء اجتمعت فيه المعرفة مع المغامرة ولهذا جاءت محاولاته وخاصة في نصوصه الصوامت والمونودراما التعاقبية غير مسبوقة ككتابة مسرحية تحمل الجديد الحامل لبذور تجديدات قادمة.