ثنائية التناقض بين الواقعي والرمزي

1/2

ملحق ثقافي
الثلاثاء 6/9/2005
د.حمدي موصللي

 

الملخص : مـدخل لفهم الشكل أولاً 1ـ مشكلة الشكل المسرحي ( 1إن مهمة الفن ـ بمقدار ما يمكن للفن أن تكون له مهمة على الإطلاق ـ وبالتالي مهمة مسرحية هذا العصر أيضا خلق شيء ملموس ،

شيء له شك.. ) في القرن المنصرم اختيرت تسميات مثل مسرح اللامعقول ومسرح  القسوة ثم تركت جزئيا لأنها شديدة التقييد ،،وقد كتبت مسرحيات مهمة فيما بعد من قبل مسرحيين على اعتبار أنهم جدد منهم : أدوارد ألبي وجون آردن وهارولد بنتر وبيتر فايس ..بينما تابع كتاب أقدم من أمثال جان آنوي وصومايل بيكيت ،وجان جينيه ويوجين يونيسكو كتابة أعمال رئيسية ،وكذلك فإن الاعتراف يتزايد بمساهمة كتاب أكثر قدما مثل تشيخوف وشو وبيراندلو وبريخت في انبعاث المأساة ـ الملهاة Tragicomedy ـ وفي الاتجاه التي سارت به. لقد أصبح العالم سوقا عالميا أكثر من أي وقت مضى . حول الضحـك والدموع ديلمونتي : انني أمثل أي شيء ..مسرحيات كلاسيكية .. حديثة ..مآس أو ملاه . ايزابيل : ولا يحدث معك تشويش بينها أبدا ؟!.. ألا تخلط واحدة بأخرى ؟ ديلمونتي : لم يكن ذلك يحدث في الماضي مطلقاً . كانت الملهاة ملهاة والمأساة مأساة ! ولكن مع مسرحيات التي تُقدم لنا هذه الأيام ،بالطبع . ـ هذا الحوار من مسرحية / عشاء مع العائلة / لجان آنوي ..يروي أخو غارسيا عن أخيه قوله: (2 إذا كانت هناك مشاهد لا يدري فيها الجمهور ما يفعل ،هل يضحك أم يبكي ،فإن ذلك يكون نجاحا لي ..) إن مثل هذا التصريح لكاتب مسرحي ،لم يكن من الممكن الإدلاء به في أي قرن سابق إلا قرننا . حيث نواجه الآن سلسلة خصبة من المسرحيات التي ترفض أن يُحشر بها تحت اسم (مآس )أو(ملاه ) .. إن المسرحية الآن ـ كبناء للعلاقات المتغيرة بين الشخصية والحدث والمكان والزمان والمتلقي ـ تدخل اليوم مجالات حسية غير محددة ،تكشف عن نفسها في تنوعات لا تنتهي ، ولم تعد مجموعة المصطلحات / المأساة الهزلية ـ Farcical Tragedy والملهاة المحزنة ـ Pathetic Comedy ـ الدراما الكوميديةـ Drama Comic ـ إلى الدراما المصطنعة ـ Drama Pseudoـ ..إلخ من المصطلحات المعروفة / تفي بالغرض لوصف أو تحليل العلاقات التي أنشأها تشيخوف وبراندلو وجان آنوي وبريخت وبيكيت وآخرون ..هولاء هم الكتاب الذين يعطون أفضل مثال على الإتجاه الجديد للمسرح المعاصر في القرن الماضي وفي القرن الواحد والعشرين . ـ للأسف مازال كتاب المسرح العربي يتخبطون بين هذه التصنيفات ،وكثيراً ما يحدث التباس عند تقييم المسرحية ،ووضعها تحت هذه التصنيفات .يقول رونالد بيكوك :(3 .. تجدر الإشارة إلى حقيقة بسيطة هي أن المسرحية يجب أن تكون أحد شيئين : إما مأساوية أو شديدة الإثارة للمشاعر..) على كل حال هذا القول برأيي لم يخرج عن إطار المصطلح إلا بحدود ..التبسيط على الأغلب ..على كل حال أنا شخصياً أدعوا مع الذين يطالبون بالكف عن استخدام هذه المصطلحات وتقسيماتها ( تصنيفاتها ) ـ genres and sup genres ـ أي أن يكونا مقياساً يجب أن يبقى يعتمد شدة التأمل ووحدة التعليق اللذين تدعو إليهما المسرحية على طريقة ( 4 بولونيوس بخصوص ابنته أوليفيا في هاملت ) ولكن علينا أن نؤكد على مسألة هامة هي أن المسرحية ( لها كل الحق في أن ترفض أن تكون مأساة فاشلة أو ملهاة فاشلة ) على أساس التجاوب الذي تطلبه ليس من أي النوعين ،وإن الأشكال والمصطلحات التي تستعملها لا تحمل أية علاقة لأي من النوعين ـ على هذا الأساس يمكن اعتبار مسرحية الكاتب المسرحي العراقي صباح الإنباري .. ( زهور وعقارب ) لا تنطوي تحت أي مصطلح والمسرحية لا تحوي أي شيء عدا ما تحويه .. أي أنها ليست تلميحا لأي شيء عدا الشيء الذي تريد قوله ،وهي ليست مجازاً ولا ينبغي أن تفسر بطريقة أو بأخرى إلا بما تريد أن تقوله هي ، أو تدلل عليه . هي كراس مسرحي غاضب عن شخص فردي ( الأب) نصف متزن وصلب الرأي والمسرحية تبتعد قليلاً فقط من أن تكون مأساة ،وتذكرني بمسرحية إبسن ( عدو الشعب ) وتحديداً شخصيةـ الدكتور توماس ستوكمان ـ الغاضب دائما ونصف مضحك وصلب الرأي عنيد ،والذي يضحي بكل شيء في صراعه مع الأكثرية المتضامنة . 2ـ ( زهور وعقارب ) بين يدي المسرحية المؤلـف :5 صباح الإنباري ـ كاتب وناقد ومخرج محترف . المسرحية : لا تتبع التقسيم الفصلي ،ويمكن اعتبارها مكونة من مشهد واحد مستمر للنهاية . العنوان أولاً : زهور وعقارب ثنائية التضاد لمفردات تحمل معانيها دلالات مباشرة واقعية نحو: الخير والشر ـ القوة والضعف ـ السيد والعبد ـ الحرية والقهر ..الطاغية والشعب ..الخ وغير مباشرة ( رمزية ) نحو : الجمال والقبح ـ الزهور والعقارب ـ هذه الثنائيات التي تحمل معانيها كما أشرنا دلالات تنم عن فهم لواقع معاش وراهن يومي تقصده الكاتب عن عمد ليقحم المتلقي فيه ويجبره على التعاطي معه سلباً وعلى الغالب إيجابا وهذا يعود برأيي إلى نوازع الفرد بالاختيار أولاً : كأن يكره ..كأن يُحب ..وإلى مقـدار الوعي بأطيافه المتعددة ( السياسي والاجتماعي والاقتصادي وحتى التاريخي) والكم النوعي الذي يمثله هذا الوعي . ملخص المسرحية باختصار : حكاية أسرة غنية يتزعمها أب متسلط على ولدين له هما ( سديد ونوار ) ومجموعة خدم وموظفين متعاونين معه ( كالطبيب ) بالإضافة إلى شخصيات غير متعاونة مكملة لنسيج الحدث وهما شخصيتان نمـوذجيتان في المسرحية ( المرأة وداد والفنان ) . المشهد العام يرينا / صالة مؤثثة بأثاث فخم . تزين جدرانها لوحات زيتية غاية في الجمال . تطفأ الأضواء . موسيقى ومؤثرات غرائبية وإضاءة غير ثابتة تبرق عدة مرات قبل أن نسمع صرخة نوار / المصدر المسرحية / .. نوار : ( صارخا . متألما ) آخ خ خ خ خ .. لقد لدغت .. لقد لدغت يا أبي الأب : ( بدهشة من خلال الظلام أيضا ) لدغت .. لدغت !! .. كيف ! ؟ / المصدر المسرحية / ـ من الوهلة الأولى نشعر أن هناك أمراً ما شديد الخطورة يقع،وبذات الوقت هو مرعب،ومخيف لا ملامح له لا شكل، وغير مرئي يقوم بعملية اللدغ.. يضعنا في دائرتي التساؤل والاستغراب ؟! من هو ؟ كيف هو؟ شكله؟..ملامحه ؟ ..لِمَ لم يظهر!..أين هو يختبئ ؟!.. الخ هذه الأسئلة الملحة تزداد غموضاً لوقت تجعلنا نلح عليها ضمنيا لدرجة التشكيك الذي نتقبله متضامنين بدءا مع الوالد الذي يتهم ابنه سديد بعملية اللدغ وذلك للتقليل من استغرابنا ( تواطؤ ) وللتقليل من حالة عدم الاستقرار ( حالة الخوف التي تسيطر على المكان بما فيه ) ..وعلى الآخر المتلقي / قارئ أو متفرج /.. سديد : ( بتجاهل ) هل لدغ شقيقي حقا ؟ الأب : سديد .. أنا الذي يسال ( صمت ) كنتما معا قبل أن يصرخ .. أليس كذلك ؟ سديد : نعم الأب : إذن .. أنت تعترف انه تركك ليلدغ سديد : لا الأب : كيف لدغ إذن ؟ سديد : لم افهم الأب : بل أنت تفهم سديد : أبي .. أنا لم الدغ شقيقي حتى تحدثني بهذه الطريقة الأب : بالتأكيد .. أنت لست عقربا أو أفعى .. أنت اكبر من ذلك بكثير( بأمر ) اسمع .. أنا اعرف انك الوحيد الذي يستطيع أن يدبر لعبة الظلام ( المصدر المسرحية ) .. ـ يستمر البحث عن الفاعل بضغط شديد من قبل الأسرة( الأب ) والخدم ويستمر معه التساؤل ويزداد التوتر والصخب ومعه الخوف على الجميع حين يعلن طبيب المنزل : الطبيب : ثمة حالة تسمم غريبة يا سيدي الأب : ماذا ؟ ( ينظر إلى سديد نظرة شزراء) الطبيب : نجلك تعرض لحالة لدغ من كائن غريب الأب : كائن غريب !! ماذا تقول أيها الطبيب ؟ الطبيب : دعني اشرح لك الأمر سيدي الأب : حسن .. تفضل الطبيب : عندما بدأت بمعاينته تبادر إلى ذهني انه مصاب بالتسمم جراء لدغة عقرب سام جدا .. ولكن ماأن أمعنت النظر إلى ذراعه ، التي تضخمت ، على نحو غريب ، حتى تأكد لي إن ما تعرض له شيء مختلف تماما سديد : ( متدخلا ) وما ذلك الشيء أيها الطبيب ؟ الطبيب : شيء أجهله لعدم حدوثه من قبل .. حضرتك تعرف أنني تخصصت بدراسة السموم كلها ولكنني لم اعرف سما بإمكانه أن يفعل ما فعله هذه السم الغريب بذراع شقيقك.. لذا حقنته بمضاد حيوي و أرسلته إلى المستشفى لإجراء المزيد من التحاليل المختبرية ( المصدر المسرحية ) ـ وتزداد الشكوك لتبتعد عن الولد (سديد ) ولتقترب من المجهول الذي يشير إلى كائن غريب رهيب وظروف مرافقة لظهوره واختفائه لا تقل غرابة / انعدام الرؤية مع أن المكان مضاء /... وتستمر هذه الحالة ويستمر معها من جديد الشك والوهم تارة ،والتصديق تارة أخرى إلى أن ينبلج الأمر وتظهر اللوحة المعلقة إلى الجدار السبب في كل ما يحدث ،واللوحة عبارة عن مجموعة من الزهور ،و العقارب تتحرك بينها . الخادم : فهمت سيدي (يخرج الأب ثانية) يا الهي لا أعرف كيف حدث لي هذا .. أنا بالتأكيد أنا أتوهم مثلهم ؟  يصمت . يفكر ) يخيل إلي أني لم أكن أتوهم .. بل .. إن شيئا ما ، في الصالة ، هو الذي بعث في نفسي هذا الوهم .. ترى .. ما هو .. ها ؟ .. ما هو؟.. آ .. تذكرت .. اللوحة .. (يلتفت الى اللوحة يصرخ ) لا (يغطي عينيه بيديه ثم يبعدهما ببطء . يدقق النظر) عجبا ما هذه اللوحة الغريبة المفزعة( يدقق النظر أكثر ) ويلي .. أي قدرة تمتلكها هذه العقارب العجيبة (يصمت) لكن العقارب ليست كائنات غريبة كما يقول سيدي (يفاجأ ) ها .. ما هذا ‍؟ .. إنها تتحرك (يدقق النظر) تتحرك بالفعل .. من يصدق أن عقارب في لوحة كهذه يمكن أن تتحرك بهذه الطريقة ( مندهشا ) انظروا إنها تحاول الهجوم على الزهور (يدير ظهره للوحة .. (المسرحية المصدر) ـ وتمر المسرحية بعدة مواقف ( لتذليل الشك والالتباس ) من أن اللوحة هي مصدر كل الإشكاليات والمتاعب والخوف الذي أصاب الجميع (ويقع الخادم ضحية لدغ أخرى سببها عقارب اللوحة ويحمل إلى المشفى .. ويستمر الجدل من جديد حول اللوحة .. بين الأب ومدير المنزل وبقية الخدم إلى أن يتم التأكد تماما من أن العقارب في اللوحة المسؤولة عن حالات اللدغ المستمر ) قبل أن تبدأ مرحلة البحث عن مصدر اللوحة و من الذي حملها إلى المنزل ؟ من أين مرسم أو معرض جاءت ؟ ومن هو الفنان الذي قام برسمها ؟ ثمة أسئلة بدأت تأخذ طريقها عبر مخيلة الأب. بعد ذلك يتم الاتصال بصاحبة معرض بيع اللوحات السيدة وداد التي تؤكد أن اللوحة مشتراة من مخزنها ،والذي قام بشرائها هو مدير المنزل ،وأن هذه اللوحة كانت في المستودع ولم تعرض للبيع بسبب : المرأة : لسبب واحد هو أنني لم اعرضها للبيع وآثرت الاحتفاظ بها في مستودع اللوحات الأب : لماذا ؟ المرأة : لأنني أحسست بالقرف وأنا انظر إليها .. أحسست أنها تشوه الجمال بطريقة سحرية ؟ ! (المصدر المسرحية) ـ القرف : حالة مقززة ناتجة عن إحساس عميق لدى الفرد (رد فعل على ما هو غير طبيعي) وطبيعيا إحساس وداد صاحبة المعرض بهذا التشوه (نقيض الطبيعي ) يعزز حالة الرفض لدى المرأة وداد لكي ترفض هذه اللوحة وتطلب من الفنان الذي رسمها من أنها مختلفة الأسلوب ؟ والأسلوب هنا هو حالة تركيبية ذات طابع سيكولوجي مرضٍ مغاير للحالة الإنسانية العادية المتزنة (زهور حالة سامية وعادية للجمال)و (عقارب حالة مقززة مكروهة مزعجة لدرجة القتل ،والقتل حالة غير عادية) ومن حق السيدة وداد الإنسانة أن تدفع باللوحة إلى المستودع ،وعدم عرضها للبيع (طبيعة التركيب السيكولوجي المغاير للمرضي ) . الأب :( مندهشا ) بطريقة سحرية ؟ المرأة : نعم الأب : الا يمكنك ، رجاء ، أن توضحي هذه العبارة المرأة : أنا لا املك لها إيضاحا محددا . كل ما في الأمر .. أنني أحسست بها هكذا الأب : وماذا أيضا ؟ المرأة : أقنعت الفنان بعدم عرضها لاختلاف أسلوبها عن الأسلوب الذي رسم به بقية لوحاته الأب : أقلت لاختلاف أسلوبها (المصدر المسرحية) ـ بعد ذلك تبدأ عملية التأثير المتبادل بين الأب وبين اللوحة التي تكشف عن دواخله ونوازعه النرجسية (الأنا العليا) فتدفعها إلى الخارج و تسيطر عليه فتحوله إلى عقرب هائج يهاجم كل ما حوله وحتى أقرب الناس إليه (ابنه سديد) إلى أن يبدأ في التحول إلى حالة اتزان جديدة غير مستقرة . الخادم : (الى سديد) سيدي .. ثنائية التناقض بين الواقعي والرمزي 2 من 2 د. حمدي موصللي خلصني أرجوك. سديد :( يحاول تخليص الخادم من أبيه ) أبي (الأب يترك الخادم ينفلت منه ليمسك بسديد) أبي .. ماذا تفعل .. انك تهاجمني ( يصرخ به ) أبي الأب :( ينتبه لنفسه ) ها .. سديد .. ماذا حدث .. ما سبب كل هذا (المصدر المسرحية) ـ وتستمر الأحداث إلى أن يصل أخيرا الفنان الذي رسم اللوحة برفقة أحد أتباع الأب الأمنيين بالقوة (رجل مخابرات) ،ثم يحاول الأب أن يعتذر بلباقة عم فعل به رجل الأمن (المحض) مؤكدا غباء هذا الجهاز الذي لا يفرق بين الفن وغيره . ويدور حوار طويل بينهما عن الفن والطبيعة وعن ابتكار مصطلح الواقعية السحرية الذي تبناه الفنان لتوضيح الطريقة التي بواسطتها يعبر عن فهم الطبيعة .. إلى أن يأخذ الحوار طابع الصخب والانفعال في عدم فهم الآخر (الأب) للفنان ..الأب الذي يصر على المسألة السحرية (الشعوذة) والفنان الذي يصر على الحالة الإبداعية للفن من خلال عمل الألوان والفرشاة .. الفنان : أنت تحاول اتهامي بالشعوذة .. أليس كذلك ؟ الأب : كلا .. لكني ، فقط ، أريد التأكد من قدراتك السحرية الفنان : يبدو انك أخطأت في طلبي يا سيدي ..فأنا لست الشخص الذي تريد .. أنا فنان .. مجرد فنان يتواصل مع العالم والحياة من خلال فرشاته وألوانه .. ولا يعرف أي شيء عن الشعوذة ( المصدر المسرحية ). sويصر الأب على أنَّ الفنان قد مارس السحر فجعل عقارب هذه اللوحة أداة تدمير موجهه له بغرض تدميره والقضاء عليه ,تبدأ عملية الأبتزاز والتهديد من قبل الأب للفنان الذي يرفض كل أساليب الإغواء المادي وحتى التهديد بالقتل الأب :  متراجعا) معك حق .. لا أحد ، اليوم ، يقوم بعمل دون مقابل .. سأمنحك عشرة آلاف دينارا عن كل عقرب تحوله الى فراشة الفنان : عشرة آلاف فقط ؟ الأب : لا . سأمنحك مكافأة إضافية .. بضعة آلاف أخرى الفنان : آلافك ، هذه ، يا سيدي ، كلها ، لا تعادل تغيير عقرب واحد الأب : حسن .. أنا موافق الفنان : موافق ؟ على ماذا ؟ الأب : على دفع هذا المبلغ لقاء كل عقرب من عقاربك الفنان : وأنا غير موافق الفنان : حين تكتمل اللوحة وتعرض للناس فإنها تصبح ملك مرحلتها .. لا ملك الفنان الذي أنتجها الأب : هذا يعني انك تريد رفع ثمنها الفنان : الإبداع لا يعادله ثمن مهما كان الثمن باهظا  المصدر المسرحية). والقتل برأيي الأب هنا هو قتل الإبداع (مرهون بقتل الفنان وتحطيم الريشة وبعثرة الألوان ..) أي تحطيم اللوحة وما فيها من زهور وحتى العقارب والتي هي انعكاس داخلي لحالته المتسلطة الأنانية (الأنا العليا) وقتل العقارب يعني (قتل الأب.. انعكاس سيكولوجي للحالة التي هو عليها) الأب : ينظر الى الرجل ذي المعطف الطويل الذي ما يزال واقفا يصغي عند الباب .. أنت .. تعال (يشير برأسه الى الفنان فيسحبه بقوة نحو الخارج) توقف (يتوقفان) لن اسمح لك بمقابلتي ثانية الا والفرشاة بيدك .. هل فهمت ( الفنان يكتفي بابتسامة معبرة خفية تشير حنق الأب ) خذه (يخرجان . الأب يتوجه الى اللوحة) لقد أرسلته الى الجحيم (يشير في اثر الفنان) وسأجعلك تلحقين به الان أيتها الفاجر (يتقدم منها اكثر وسأجعل من زهورك ، هذه ، وقودا لجحيم لم يحلم به ساحر يوما (يتقدم اكثر) وسأرمى رمادك على اكبر مزبلة في المدينة .. ها .. هل .. تعتقدين أنني خائف منك أو متردد في تنفيذ ماأريد .. حسن .. حسن .. سترين ان سحرك كله غير قادر على الوقوف بوجهي .. وان لا أحد يستطيع عصيان أمري .. ما أريده هو الذي ينفذ .. وما تريدينه أنت ليس سوى هراء .. هل تسمعي(المصدر المسرحية). أخيراً ينفذ وعيده متحديا اللوحة وعقاربها بالقضاء عليها .. يهجم عليها بالوقت الذي نسمع به المؤثرات ذاتها التي حدثت في المشهد الأول حيث نرى و نسمع الأصوات والمؤثرات الغرائبية نفسها . ونرى الإضاءة تخفت قليلا ثم تطفأ ليبرق الضوء عدة مرات خلال تقدم الأب وتراجعه أمام اللوحة . وما ان يظلم المسرح حتى نسمع صرخة الأب . تفتح الإضاءة خافتة على المسرح . نرى الأب في وسط الخشبة ماسكا يده .. متألما غير مصدق ما حدث . يستمر وقوفه وتحديقه باللوحة لفترة وجيزة .. تختفي بقعة الإضاءة ، من عليه ، تدريجيا مع الموسيقى لتضاء اللوحة ، في الوقت نفسه ، تدريجيا أيضا مع الموسيقى . تستمر الإضاءة مركزة عليها مدة قصير قبل أن يسدل الستار(المصدر الأخير المسرحية) . هل مات الدكتاتور ، السيد ، المستغِل بفتح التاء وكسر الغاء ، المتسلط (الأب) كلها رموز لشخصية قالت أنا (الأن ) .. الرأي الفني المكان : جاء مكملاً للحدث و ملازما له في آن واحد (مترف ومحدود ) .. وقد أجاد الكاتب استغلال المكان بطريقة جيدة ساعدته عناصر السينوغرافيا الأخرى في عكس تفصيلات الحالة ،و أ برزت جمالياً علاقاتها المختلفة على الرغم من تناقضاتها ضمن نسيج الحدث . / اللوحات ـ المؤثرات على مختلف أشكالها / الزمن : ملازما للمكان مقيد ،ولا يمكن فصله عنه وهو الفترة الممتدة منذ لحظة بداية المشهد حتى موت الأب . بعدها يصبح حرا غير مقيد ( لأن الزمن في النهاية هو طليق ) .. ولأن المقولة الأخيرة للمسرحية تعني الإنعتاق .. الشخصيات : أجاد الكاتب بتقنية المحترف رسم شخوصه ،ولعل شخصية الأب (المتسلط) وما حملها من أفكار ونوازع للشر والتسلط وحب السيطرة / تعكس صورة واقعية للحدث الراهن لكثير من الشخصيات المخيفة على الصعيدين العام ( ملك جائر ـ حاكم دكتاتور ـ عسكري قائد وعسكر مجرمون وشعب مقهور) وخاص (عائلي ـ طائفي ـ قبلي ـ عشائري ـ أُسري) كلها رموز لواقع راهن ويومي ضاقت بها مساحات الأوطان . أما شخصية الفنان (بقعة الضوء ومبعث الأمل في هذه المسرحية) وهي مشكلة في حياتنا الثقافية والفنية وهي ( كيف يمكن للفنان أن يحافظ على عطاءاته ومستواها والتزامه بأفكاره التي يريد لها أن تكون فاعلة وبناءة وسط انحدار الفن على أيدي البعض ،وتوجهه نحو مستويات تجارية / المرأة التاجرة وداد /. أما بقية الشخصيات فكانت عادية مكملة يمكن الاستغناء عن بعضها وهذا لن يؤثر على استمرارية الحدث وشفافية الفكرة في النهاية . (شخصية الابن نوار أو شخصية أحد الخدم مثلاً) .. الرأي الفكري مجموعة من الأفكار المطروقة والعادية صاغها الكاتب ،وعبر عنها رمزياً بفكرة أحادية الجانب تعني (الإنعتاق أو الحرية) بأسلوب أخرج هذه الأفكار من سطحيتها ودلالات معانيها ليعمل على صهرها في بوتقة واحدة بعد أن غاص بعمق إلى مكوناتها الداخلية ليعكسها على شكل لوحة قالت الكثير مم نطمح أن نقوله نحن ،وإن شابها المباشرة أحياناً . اللغـــة المسرحية جانب التخيل في اللغة / التكنولوجيا الحديثة باتت كفيلة اليوم أن تغني الكاتب المسرحي عن اللجوء إلى تلك الخدع اللفظية /.. ما أردت قوله أن الحشو اللغوي الذي يضاف عادة للنص الدرامي للحاجة لم يعد مطلوباً وهذا يعني أن كاتباً عظيما كشيكسبير لو كان يعيش في عصرنا لاستغنى عن تلك الزيادات كما يقول الصديق وليد اخلاصي ـ على كل حال هذا الكلام لا يخص اللغة المسرحية في مسرحية زهور وعقارب ـ وعند الحديث عن جانب التخيل في اللغة في المسرحية المذكورة جاء التكثيف اللغوي ليكمل ببراعة رسم اللوحة التي اتكأت المسرحية عليها ..هذا الجانب عزز مقولة المسرحية فهرب من السردية إلى الاختصار والتبسيط، إضافة في أنها أسهمت في تقليل الأخطاء التقنية التي يقع فيها الكثير من كتاب المسرح عند رسم الحوار . باختصار : الحوار جاء في معظم التراكيب / لين ومرن ـ سهل التركيب والحفظ بالنسبة للممثل ـ دلالاته السيميائية واضحة ومعبرة عن الحالات والإرهاصات لدى الشخصية بشكل جيد وواضح/ .. مآخذ على تقنية النص لاحظ : نوار : أبي أسرع .. أرجوك(يعتصر نفسه )سيقتلني السم . جملة يعتصر نفسه في وسط الظلام غير مرئية للنظارة ومحسوسة بالنسبة للقارئ وحملة : نوار : (صارخا متألما) نادي على خادمي بدل وقوفك ، أمامي ، كالأبله وحملة نادي على خادمي / طالما أن الأب هو الذي يحق له أن يملك ويأمر ..الخ فلا يجوز لهذه الجملة أن تقال على لسان الابن ولأن الابن نوار لا يملك سوى هذه الجملة على لسانه وبعض الصراخ ثم يختفي في المسرحية نهائيا وبالتالي ستترك هذه الجملة تفسيراً آخرا وتساؤلاً في الذاكرة . الطبيب : شيء أجهله لعدم حدوثه من قبل .. حضرتك تعرف أنني تخصصت بدراسة السموم كلها ولكنني لم اعرف سما بإمكانه أن يفعل ما فعله هذه السم الغريب بذراع شقيقك .. لذا حقنته بمضاد حيوي و أرسلته الى المستشفى لإجراء المزيد من التحاليل المختبرية جملة إنني تخصصت بدراسة السموم .. هذه من اختصاص أطباء الجرثوميات ( العاملين في المخابر الخاصة والشرعية والكيمياء ) وبالتالي طالما أن الطبيب هو طبيب العائلة أو الأب كما جاء ذلك على لسان الأب يفضل حذف هذه الجملة .. ـ بالإضافة إلى بعض الهنات هنا وهناك ..وهذا لا يقلل من أهمية النص المسرحي الجميل الذي يهب نفسه مباشرة للخشبة .. د. حمدي موصللي

..............................................................

1 ـ فريدريتش دورينمات / مشاكل المسرح / problems of theatre ..new York ,1958 - p.30ـ راجع ـ the dark comedy - the development of modern- comic Tragedy - J.H.STYAN /1968ـ منشورات وزارة الثقافة السورية /1976/..

 2 ـ المصدر السابق

3 ـ R.Peacock ,The Art of Drama - ( London 1957 ) P.189 / كتاب فن المسرحية / 4 ـ بولونيوس والد أوفيليا في مسرحية هاملت لوليم شكسبير

 5 ـ ولد الناقد والكاتب المسرحي صباح مسلم عبود( صباح الانباري) عام 1954 / عام 1976 تخرج من أكاديمية الفنون الجميلة ـ بغداد / قسم الفنون المسرحية / من إصداراته ثلاث مسرحيات صامتة عن اتحاد كتاب العرب بدمشق بعنوان ( انفلاق الزمن ) وهي مسرحيات من الخيال العلمي . وله مؤلفات أخرى في البحث ( البناء الدرامي في مسرح محي الدين زنكنة وكتاب آخر بعنوان (ارتحالات في ملكوت الصمت وهي مجموعة مسرحيات صامتة.)..

.................................

عن الانترنيت ـ موقع مسرحيون‏

 نشرت في :

صحيفة الثورة السورية .. التصنيف ملحق ثقافي‏ ..التاريخ: الثلاثاء23/8/2005‏                   الرقم : 17789‏