مـــقــاربـة
نــقـدية
بـدايات الــقـول وشهوة النهايات
نجـيب طــلال
خـيل لي أنني رأيت دجـلة نمـراً جريحاً
غـرسوا السكين في قـلبه؛ فـراح يقطر دماً غريباً، دم بلون الحبر ؛؛؛
)شـهـوة الـنهايات(
رؤيــة القول:
عـبر العالم -
الافتراضي-
تعرّفت عـن المبدع صباح
الأنـباري تلك الشخصية الهادئة في مظهرها؛ والفاعلة بصدق تصوراتها وتموقـفاتها؛
تجاه أي إبداع التقـطته
[الشبكة
العنكبوتية] يمارس شغب التواصل الحق؛ لكل مــا اطـلع عـليه بتمعن وروية؛ وارتاح
لقـراءته بمعـناه الاستفـزازي ومن ثمة يعلّق أو يـردّ عـليه؛ دونما مزايدة أو
تجميل في الكتابة؛ وأبعـد من هـذا يمارس عـنف القـراءة بقـراءة
موازية؛ تشعـر من خلالها بشـاعـرية مفـرطة؛
وحساسيـة
فـنان ذوّاق لمعنى الحرف وربط الكلمات؛ والأمـر طبيعي بالنسبـة إليه؛ بحكم عـشـقه
للصورة التـي كانت هي مصـدر إلهــامه الفني؛ قـبل أن تـكون مصدر عـيشـه في زمن
أرضـه وتربته ـ الأصل ـ ورغم رهافة حـسه وتذوقـه لسحر الكلم وأيقـوناته؛ فـطبيعة
دواخله فـوارة بعـنف الأزمـنة وقـسـاوتها، والأمر
بدهي للعديد مـن الإخـوة - العراقـيين - الذين نـفـتهـم الأقـدار
إلـى المنافي والغـربة [التي/ نصيب منـها صنعها
(طمع الـكراسي (
يصبح شط بابل
والفـرات مزركـشا (جـثتا) ومـزينـا ببرك (دمـاء)
وبالتالي من بداخلها
(أو) خارجها
يعيش شبح الدم والقـتل والاعتقال والتشريد؛ بحـيث أغـلب
[المغتربين] يفجـرون:
مواقـفـهم/
غـضبهم /انهيـاره
/ عجـزهـم/
عـبر
فـنون القـول بمـا فـيهم الفـنان ـ صباح الأنباري - وإن كان في
الأصل مخرجا مسرحيا؛ لـقـد سلك شـهوة الكتابة المسرحـيــة بـنفـس ورؤيـة مختلفة؛
يعيد صيـاغة الواقع المـأساوي والدامي الذي أصاب ويصيب أبـناء جـلدته وتربـته على
أيدي الطغـاة وعـملائهم الذين ليسوا محـررين أو
دعـاة
السـلام، لأرض هي أصلا محـررة من براثين الـذل والمـهانة، إذ السـؤال الذي لـم
يطرحه أحـد لحـد الآن سواء من لدن الإخـوة العراقيين أو
الـعرب
*
ماذا استـفادت [العـراق] تحـديدا من إزاحـة ما كان يسمى في نظرـ
المعارضين – ديكــتاتور
الـبلد ؟؟
بكل بسـاطة؛
قـذف أكثر من 180 مليون قـنـبلة؛ بما فـيها العـنقـودية/ الـغـازية/ قذائف
الـنابالـم/ اليورانيـوم/ فـوق رؤوس البـلاد والـعـباد؛ وتـلويث الفـضاء بمـواد
كيماوية خطيرة؛ فـرضت خـللا في الـتوازن الطـبيعي وسلامــة الـحـياة بكل مـكوناتها
الـهوائية/ الـمائية/ الـحيـوانية/ البشـرية/ ورغـم هـاته الحقائق المضاف إليها قتل
الأبريـاء والمدنيين؛ بـطرق سـادية وأكثر وحشية/ لاتزال هـنالك أفـكار مريضة
وسـخيفة تؤيـّد ما وقع ومـا يـقع؛ وبالـتـالي فـمـهما كانت الردود سواء سياسـوية/
ذاتـوية/ عـشائـرية/ شـعـوبية / ديماغـوجـية/ فـواقع الحال يكشف واقـعـه بدون رتـوش
أو تزويـق أو الاستماع للبلاغـات [الكاذبة] من المنطقة[الخضراء] التي هي أصلا منطقة {قاتمة}
بحيث شاهـد
القـول مـكشوف بالـوثائق والصـور، ومـوثـق في العـديد من النـصوص المسرحية
(الحالية) والتي كتبت من لدن ـ عـراقيين ـ ليس المجال الآن للإشارة إليها ولكتابها؛
فالمتتبع والمهتم؛ يمـكن أن يصل إليها عـبر المـواقع؛ فهي منـشورة ومنـتشرة بكثافة؛
بحيث أغـلبها تتقاطع في استعراض دمـوية الحـيـاة ومـأساتها ومعاناة الإنسان
العـراقي وقـهــره السيزيفي بسبب ويلات العـدوان والدمار التي تقـض مضجعه يوميا
وبشكل تراجيدي، ومـريب للغـاية؛ إضـافة لـما يتعرض له من خـوف ورهـبة وقـمع وتعسف
واضطهاد وتعـذيب فـي كل الأمـكنة مـن طـرف الطغـمة؛ الباغـية المتجبرة في الأرض؛
وهـاته الـوضعية الغـرائبية والمثـيرة تتجسـد في أعمال الـمبدع - صباح الأنباري –
لكن الذي يـلـفـت الانتباه في أعـماله الـدرامية؛ أنها لصيقـة بأحـداث الـواقع
الدموي والـعـنفي الذي يتعـرض لـه أبناء جـلدته؛ كـأنـه مـنوجد في معمعان العمليات؛
وجـزء لا يتجـزأ من الـوقـائع التي تحدث لهـذا أو ذاك؛ وهاته العلاقة لا تـفـسر إلا
من زاوية الـتـألـق الـوجداني الطـافـح بـعشـق التربة وأهـلها؛ وخـاصة فـضـاء
ولادتـه وعـيشـه وذكريـاته ( بـعـقـوبة) التي تـعتبر مدينة (البرتـقال) التابعـة
لمحافـظة ( ديالي) وبالتالي فـالـفـعـل الـوجداني المضمر بين ثـنايا نصوص –
الأنباري – يتداخل فـيها الجـزء (بعـقـوبة) بالـكل (العـراق) بمعنى مـا يمس الـجـزء
يمس الـكل؛ والرؤية ليست عـشائرية أو طائفـية بل تـنم عـن مفهوم القـومية
والـوحدوية ؛ من هـنا يتداخل العـقـل بالشعـور وكلاهـما باللاشعور؛ ممـا تتمـظهر
لـغة /عـلامة – الصمت – في أعـماله الدرامية؛
قــول
الــقــول
**********
بشكل جـلي
تبرز رؤيـة الـقـول من خلال [شـهـوة النهايات] بحيث يقـدم الإهـداء بصيغة الجزء
للكل
(إلى صلاح
العـراقي وكل عـراقي رأى بعض ما رآه صلاح) وهـذا أسلوب؛ يـدفع بـالمتلقي ممارسة
الجدل الفـكري بين نوعـية الأحـداث/ الشخوص؛ المـتمظـهرة والمتمركزة هـنا أوهـناك؛
وذلك لبناء حـقـيقة يمكن أن تتعايش مع حقائق أخرى، بحـيث الأحداث ليست مفـصولة عـن
السياق الذي تتخبط فـيـه (العراق) وإنما هي حالات ومظاهـر أنتجهـا الاحتلال إذ
السياق يسـاهـم إلـى حـد بـعيد في إعـادة ترتيب الرؤية الأحادية لـما هــو جـمعي؛
بحكم مقـتضيات التواصل الإنساني وإكـراهاته، لـيتحول [الجـزء] إلى صـيغة [كـلية]
إلا من خلال استحضار ما يوحـد ويجمع، في الزمان وفي المكان؛ لتـحقـيق التـفاعـل.
بحـيث (صلاح) خـاص مـن الـعام؛ أو هـو بمثابة أنموذج [الكل] (غادرتُ مدينتي الصغيرة
وحططت الرحال في المكتبة الوطنية وجلست بين رفـوف) فـسياق الحوار يرتبط من/ إلى/
و(المكتبة) رمـز(كلي) انطلاقا مـوقعها ( العاصمة) وبـؤرة للحضارة وتاريخ أمـة؛
وبالتالي فـنص [شـهـوة النهايات] تـعامـل بـهذا المنظور) لإبراز عـوالم الإرث
النفـسي والاجـتماعي المشترك وخـلخـلة المناطق الانفـعالية للذات الإنسانية؛
وبالـتالي يمكن أن يندرج (النص) في سياق [أدب السجون] وإن كــان هـذا الـنوع دائما
يتأطر في الرواية/ الشعـر؛ ولـما لا في (المسرح) باعــتباره يتـخـذ منحى مـا وراء
الأسوار من قـضايا وأحـداث هـي مريبة ومـفـجعة؛ يتداخـل فـيها الزمـان والـمكان في
آن؛ والمنحى الذي اتخـذه – الأنباري- نـوعـية مغـايرة فـي الكتابة الدرامية، إذ
ليـس بالضرورة تناول مـوضوع [السجـن] وما يحيط بـه من إشكاليات وصراعات وآهـات
ومـعاناة ؛ إلا مـن خلال(المعايشة) كما يعتبره أصحاب الواقعية وما تناسل عـنها؛ بل
هـو يفـرض نـفـسه؛ بحكم وضعية القـهر وأنواعه التي يتـعرض لها الإنسان؛ ووضعـية –
العراق– لا يمكـن فـهـم وتمحـيص الفوضى العارمـة التي تعـيشها؛ إلا باقـتحام ما
يحـدث جـوانية [الأسوار] وأسـراره المريبة؛ وفي تـقـديري فالمـبدع – صباح الأنباري
– كان ذكيا؛ ومدركا للعبة الفـنية حـيـنما اعـتـبر النص من خارجه [مـقـدمات] ومن
داخله [بـرولـوجا] عـلى لسـان(صـلاح): لأدلي بشهادتي أمامكم؛ أو لأنـقـل لكم ما
حـدث بالضبط ليلة أدخلوني سجــن (أبو غـريب) زاعـما أن شهادتي ستكون برولوجا
معاصرا، أو مقـدمة لمسرحـيته التسجيلية (شهوايات) وتعنى، كما قال لي(شهـوة
النهايات) وهـنا يكمن قـول الـقـول؛ والـحامل لـمنظور مزدوج:
(1)
شـهـوة
الـقـتل والتخـريب = الذي مـارسته وحـشـية الطغمة الإمبرياليـة وحـلفائها وعـملائها
(الـخونة) الذيــن كانوا يدعـون/ الوطنية والقـومية؛ وتناسـوا بأنهم يتواطأون مع
أكبر [الدول المارقة] كما يسميها- تشومسكي- فـي كتابه؛ ونـفـس العنوان [الدول
المارقة] يوظفه- وليـم بلوم- في كتابه(*) وهـا [هـم] يـنظرون ما خلـفـته (الشـهوة)
مـن وضع مـأساوي /كـارثي/ تـخريبي/ الـذي يؤثث ربـوع وحـيـاة وفـضاء وأركان العراق؛
وتـلك نتيجة حـتمية حيـنما تـلتقي (شـهوة) الانتقـام والحـقـد الدفـين ضـد التربة
والإنسان؛ مـما تنطـلق الـغرائز والرغبات من كل القـيم الإنسانية /الأخلاقـية
/العقائدية/ ليتفجر المـخزون المحموم بالأمراض والـعقـد (النفـسية) بلا كـوابح؛
يـكتوي بلهيبها الكل؛ لكي يتحول الآدمي إلى قـطيع من البهائـم؛ و(المـؤسف) لـقـد
(تحول) بواسطة الــشر والدمار والقـتل المعلـن والمداهـمات الوحشية في كل مكان
والتخـريب الذي منيت بـه (العراق) وأهـلوها باسم الـديمـقـراطية والحـرية
والانعتاق، ليست سوى اسم آخـر للشهـوة (البهيمية/ الـهـمجـية) يـتقاسمها (المحتل/
الخونة) والتي وصلت إلى نهاياتها، بعد استباحة الدماء التي وصلت حـد الاغتصاب
الجنسـي بأشكال بشـعة وتسفـيه الأعـراض؛ وتشويه بكـارة النساء والرجال؛ على حـد
سواء؛ لـم يسبق لـها مثيل في تاريخ القـتل والحـروب؛ وتلك رغـــبة تولد عـنها فـعل
إرادي منبثق عـن الشهـوة، التي كشفـتها دهاليـز سجـن [أبوغـريب] عـن صور الاغتصاب
والتعـذيب والتنكيل بأبشـع أشكاله؛ تتجاوز[السادية] إذ ليس غـريبا أن يظهر فـيلم
[أولاد الشيطان] أبطاله أطفـال(**) وبالتالي ما وقـع فـتح زوايا مـتعـددة أمـام
صـفحات الـتاريخ التي تـركز عـلى:
(2)
بـدايات الـقـول/ شـهوة الكتابة : وفي تـقـديري هـذا مـا يـهـدف
إليه المبدع ـ صباح الأنباري؛ بحكم أن الكـلمة فـاضحة وتختلس اختلاسا من قـهر الزمن
وعـوائده، لتبقى شاهـدة على جـبروت [الدول المارقة] واستبدادهـم معـية أعـوانهم
المنبطحين؛ وبالتالي فانطلاق شـهوة الكتابة/ التاريخ؛ بأسلوب (درامي) واختيار [سجن
أبو غـريب] يعـد وعـيا شـقـيا حاملا لـهـموم- الوطن- وانتكاسته المؤلمة؛ فالنص
بصيغـته الحـكائية وتوظيـف لعــبة التمثيل داخل التمثيل؛
سـلـل التسـلل إلى وجدان المتلقي وفي غـفـلة من العقـل وآلـيات الرقـابة؛
بحـكم أنه يصيغ بنائية تفـاصيل الحـياة الإكراهـية/ التدميرية، بين الأسوار؛
والأبعاد التي أدت بـ( صلاح) أن يكون ضحـية الاعـتقال؛ جوانية الزمان وفـق غـايته
الصريحة وكـذا الضمنية التي أدارها (الـمحـتل)
المـتـخيـل
والـواقـع:
****************
مـن خـلال المشهـد الأول يتداخل
المتخـيل بالـواقع؛ وذلك لـخلق قـدرة عـلى تصور المشاهـد والأشياء والشخوص.
وبالتالي فالمخيال بتقاطعه بالـواقع يستطيع بقـدرته التركيبية الخاصة تـحقـيق
تـوليف بيـن الشعور وضـده لإنـتـاج صـور تتداخل فـيها الأحاسيس والأشياء والألـوان؛
وذلك انطلاقا من الإضاءة الـزرقاء الـباهـتة التي تسمح ببقاء الظلام منتشرا في
أرجاء المسرح الذي احتل نصفه الأيمن مقـهى شعبي بينما احـتــل نصفه الأيسر متجـرا
لبيع المواد الغـذائية؛ عدد من الرجال يقـفـون مصطفـين في طابور طويل لاستلام
مـوادهم التموينية من(صلاح العراقي) رجل في الأربعـين من العـمر غـزا الشيب رأسه
باكرا؛ فـمن أكد لنا هـاته الصورة؛ تـندرج في سياق المتخيل أم الـواقع؟ بداهة
فالصورة رمزية كانعكاس مـوحي أو ملتبس لكل-عـراقي- بسيط؛ يعيش حياة شعبية/ بسيـطة،
وبالتالي فهـي تعـبر عـن الخارج (الواقع) إلى الداخل(المتخيل) وذلك لتوليد سلسلة
مـن الرموز الشبيهـة بـ(صلاح) مـن أجـل بنـاء المعنى؛ من خلال الملاحظة المباشرة
للأفـعال التي قـام بــهـا [الطغاة] فـي حق الآلاف من(العـراقـيين) رغـم أننا نجـد
في أرشيف المتعقـلين اسم (كفاح صالح/ 44 سنـة ) بحيث نفـس المشهد يبرز تلك الصور
ورمزيتها القاتمة: مداهـمة جـنود المارينز بقـفـزة واحـدة، خـشبة المسرح؛ تتوقـف
الحـركة فـترة قـصيرة على الخشبة، توقـفا متزامنا مع آخر ضربة قـوية من قطع
الدومينو(..) يدخل من منطقة أسفـل اليمين رجل يضع على وجهه لثاما أسودا؛ يشير بيده،
نحـو المتجر فـينقـض رجال المارينز عــلى صاحب المتجر يقيدون يديه بينما ينقـض
بعضهم الآخـر على رواد المقهى ويقـيدون أيديهم؛ وكذلك يفعلون مع الرجال في الطابور؛
يفـتشون المتجر؛ يحمل أحـدهـم كيسا كبيرا من الخيش.؛ يفـتحه.. يرى ما بداخله يبتسم
ظافـرا ويفـرغ محتوياته في وسط المسرح فـتتدحرج منه رمانات يدوية ومسدسات واعـتدة
خفـيفة. فـهاته الصور لــم يعشـها- الكاتب- عـن قـرب؛ وفي( المشهد2) يكون النص
صريحا عـلى لسـان المـخرج: (لقد نسيت أنك قصصت للكاتب تفاصيل ليلتك المشؤومة
فكـتبها بالطريقة التي رآها مناسبة) وبالتالي فـهي نتاج واقع معاش؛ تحرك المخيال
عـن أشده لإبراز ذاك الإحسـاس المشترك والروح الرابطة بين المغتربين الذين
يتألمون(نفـسيا وروحيا) لـما يحـدث للمقـيمين الذيـن يتعـذبــون (جسديا) باعـتبار
أن المتخيل معطى نـفـسي قـبل كل شيء؛ وبالتالي ما حـدث لصلاح حسب المنظور النصي؛
لـه تقـاطعات متعـددة بـصور واقـعية؛ رغم اختلاف الأمكنة والشخوص؛ كحالة (نادية)/
مـثلا/ فـتصريحاتها بـعـيد خروجها من الاعتقال؛ شبيهة فـيما ورد (كنت أزور إحدى
قـريباتي فـفـوجئنا بقـوات الاحتلال الأمريكية تداهم المنزل وتفـتشه لتجد كمية من
الأسلحة الخـفـيـفة فـتقوم على إثرها باعـتقال كل من في المنزل بمن فـيهم أنا) فالعلاقة بين المتخيل والواقع (الحكي)= "حضرت هـذه الليلة بناء على
طلب مخـرج المسرحية الأستاذ (يذكـر اسم مخـرج المسرحية) ورجائي أن لا تظنوا أنني
تاجر أسلحة بغيض يعـرف كيف يستغل ظرف الانفلات الشامل فيكسب من تجارته التي لم يصرف
عـليها، من جيبه، فلسا واحدا.. وأجهل، في الوقت نفسه، من أيـن أتت كل تلك الأعتـدة
وكـيف وضعت مع المواد التموينية داخل متجري؛ ولا أعـرف من هو ذلك الملثم الذي وشي
بي وقــاد المارينز إلى متجـــري". بـداهـة الـحكي يرتبط أساسا بما هـو أسطوري/
تـاريخي/ خـرافي/تـراثي/ لكن هـاهـنا حكي من الـواقع وثنايـاه ؛ مـما يفــرض لـغة
الترميز والتصريح وتارة التداخل بينهما وذلك نتيجة الـعنف المضاعـف الذي يحـدثـه
الـواقع تجاه المتخيل؛ وهـذا يتجلى بـوضوح فــي خطاب الاعـتراض/ بين (صلاح/ الممثل)
و( المخرج/ المفترض): "يـا أستاذ لا يجـوز لـك أن تحولـني إلــى حكواتي أو قـصخون،
عـلي أن أوصل الفـكرة للناس حسب...أنا رجل من هـذا الزمان ولا يليق بي أن ألـبس
ملابس الحكواتي، ولا أن أتلاعـب بمشاعـر جمهور النظارة". نستشف هـا هـنا عـنف
المتخـيل؛ الذي يفرض استيهاماته الرمزية/ النـفـسية؛ مـما أحـدث نـوعا من التهجين
بين الأسطورة/ الخرافة/ التاريخ/ من خلال استحضار(الجـنية) كـرمـز في (المشهـد8/6/4/2/)
بنـوع من الـتكـثـيف؛ مـما تعـددت دلالاتها في السياق النصي وذلك لـممارسة عـملية
الهدم/ البناء؛ بين واقـع كـيف كان (و) كـيف أصبح؛ نـتيجـــة (الشـهوة): "سرنا غـير
مبالـين بالـرصاص؛ تجـولنا في أماكن مخـتلفـة من بغـداد؛ رأينا حـرائق الكـرخ
والرصافة وتوقـفـنا أمام مبنى الفـنون".. فـمثل هـذه المشاهـد تتكرر على لسان
(صلاح) حـسب المواقع الأثـرية والأمكـنة الترفـيهية والمنشآت العامرة؛ التي عـمها
الخـراب القاتل والدمار الـوحـشي؛ فالانتقال (المعنوي) من السجـــن وإكراهاته
ومأساتـه إلى خارجه؛ نموذج للمـسرحة الذكـية والناتجة عـن متخيل أكـثر جـنوحـا
للمطلق؛ نـحو الواقع وانعكاسه عـليه؛ والتي تـفـرض (إخـراجا/ دراماتورجـيا) أكثر
ذكاء؛ وذلك لخلق التفاعـل وتـفــجـيـر:
الــرمــز
والــذات
***************
كـثافة (الـرمز) في [ شـهوة النهايات] لـه مبرراته وطبيعـة تمـظهره؛ وذلـك
ارتباطـا بالمتـخيل وعـنف الواقــع؛ ولاسيما أنـه يكون فاتحا ومساعـدا لـقـراءات/
سياسية/ فـكرية/ إبداعـية/ بـمنظور مـغايـر لكل الـدلالات المدركة وراثيا، والتي
تقع ضمن دائرة الثقافة التراثية، وبالتالي فـ(الرمـز) يمنح النص أبعادا نفـسانية
وروحانية مـوغـلة في مكونات الذات؛ مما ينتج معه خـلخلة لنمطية الإيحـاءات
الخـطابية، مادام هـو فـي بنيتـه لغة ورسالة وفـعل من أفـعال الإنسان، وبالتالي
فاستحضار(الجـنـيـة) كرمـز مـوروث ومتوغـل في المخـيال الشعبي؛ وعـلاقـتها المفاجئة
بـ(صلاح) في عـوالمـه المـكهربة؛ تـعـدد(الـرمز) للمستويات ومختلف الدلالات
والحقـول:
•
هـل هي الحضارة؟=(اذهـب الى المكتبة الوطنية وافعـل ما ينبغي لـك
قـبل فـوات الأوان)- (المشهد2)•هـل هـي الــوطن؟=(كان جسدها مضمخا بالـنفط وعابقا بشذى جذور النخيل
ومن ثناياه شممت غـرين دجلة وطين الفـرات)- (المشهـد2)•
هـل هي الـتدوين؟=(أتريد أن تكون خـفـيا في عـصر بات كل شيء فـيه
يرى بوضوح؛ ما حاجتك إلى الاختفاء(..) أريد أن أرى الحقائـق بعيني كي أعـقـلهـا،
بعد أن رأيتها بعقـلي فأدركـتها)- (المشهـد2)
•
هـل هي المقاومـة ؟=(آن لك أن تنهض أيـها العـراقي وتفـعل ما هـو
بانتظارك)- (المشـهد4)
•
هـل هي
الـحـيرة؟=(..ازددت حيرة وأردت أن أسالها من تكون، ولماذا تجلس إلى جانبي، وعما إذا
كانت مأمورة من قبلهم، فـرسمت بسبابتها علامة السكوت)- (المشـهد4)
•
هـل هي الصبـــر؟= (تذكرت أن المرأة/ الملاك قالت لي وهي تطوف علي
في الرؤيا.. احفـظ دموعي فأنها طريق نجاتك أيها العراقي)- (المشهد6)
•
هـل هـي الـحـرية؟=.اندلق نور أبيض من ذلك الثقب.. سحبت أصبعي
منبهرا (..) خلت أنني أقـف برهبة أمام نصب الحـرية(المشهد6)
•
هـل هي روح جواد سليم؟=( يطاردونك لأنك تحتفظين بروح جواد سليم..
لماذا يطاردونني أنا إذن؟(المشهد8) وبنوع من التمعـن هي الكل في الكل؛ لكن التماهي
الذي يعيشه المبدع- الأنباري- بالصورة والتشكيل؛ طفحـت [الذات] بشكل مباشر؛ حـينما
تم توظيف (الجـنية) كقـرين لروح (جواد سليم)=(فـنان تشكيلي) وقـد غـلفـته ولبستـه
بشكل غـريب روح جواد سليم (تساءلت في سري؛ ماذا يعني هـذا.. ها؟ أأنا في حضرة روح
الجنية أم في حضرة روح جواد سليم !) فـ[الرمـز] هـاهـنا غامض ومـلتبس؛ ولن يـحـقـق
قـدرة التفـسير على نحو عـقلاني وموضوعي النزعة؛ وذلك نتيجة تداخـل الذات بالـرمز
والرمـز بالمتخـيل؛ مـما تمـظهرت الرموز كـتخيلات وتعبيرات اللاواعية وصور؛ رغـم
أنه ذكر أسماء ذات وزن في الفـن التشكيلي (تحـديدا) لكن سقـط في[التـعمية]
و[الانتقائية] رغم أن
بعضا منها عاش
التنكيل والتعذيب في سجن [أبو غـريب] كـ(عـلي القيسي) الذي أشار إليه سريـعا
بالقـول النصي: (لأنني ساهـمت في تأسيس جمعـية لحقـوق الإنسان، ومرة لأنني شجبت
الإرهاب، وأخـرى لأنني ساهـمت فـي إصدار صحـيفة محلية جريئة مع أنني لم أقـم بأي من
هـذه الأعـمال)(المشـهد6) وبالتالي فـحمولة النص [لـلرمز] وتغـلغل [الذات] في
أنسـاقه؛ سـاهـم في غـموض قـدرة الرمز في امتلاكه كينونة التفاعـل بين عـناصر اللغة
والـواقع بمعنى: أن الـواقع يعـيش إيقاع الخـراب والتقـتيل والتدمير والحسابات
السياسية؛ أكيد أنها برزت في [المعتقـل] لكن تبئير الـوضع كله في [جـواد سليم]
كرمـز للفـن والإبداع؛ وأحـد المساهـمين في تمثال [الحرية] لا يعني أن يـقارن بـها؛
بحيث أن الواقع [العراقي] لا يبحث عـن [الـحـرية] بل عـن الخلاص من[ المحتل/
عـملاؤه] وإن كان القصـد من [الحـرية] التي تـكررت في النص (6 مـرات) بصيغ مختلفة؛
خـروج (صلاح/ الـعراقـيين) مـن سجن[ابو غـريب] ولقـد تم الـتعبير عـنها بـوضوح في(المشهد5):
(يظهر فـيها المقاتل العراقي وهـو يحطم قـضبان السجن لينطلق نحو الحرية؛ تثبت صورة
المقاتل على الشاشة ويظلم المسرح) فالـطرح مقـبول؛ مـن عـدة زوايا، لكن باستحضار
روح [جـواد سليم] فالوضعية كـسرت ثـنائية [الاعـتقال/ الحـرية] وفي نفس الآن كـسرت
ثنائية [الإبداع/السياسة] بحيث تم تغليب [الذات = الـفـنية/ اٌلإبداعـية] عـن
[الـذات= الـفـنية/ السياسية] بحـيث خصص (المشهد5) كله للفـــن التشكيلي والنحتي (كاليري)
وما أصابه من دمار على يدي (الغزاة) ورصاصهم الفـتاك؛ معـتبرا ذلك من ضمن (شهـوة
النهايات): (يخرج صلاح من مخـبئه. يتأمل حجم المصاب الذي ألحق باللوحات؛ وينظر) إذ
من خلال الواقع الكارثي؛ وجدليته بالواقع السجني المأساوي، وإدخال [جواد سليم]
بينهما كـ[رؤيـة] كان من باب الأولى توظيف [السجـين السياسي المجهـول] بدل
[الحـرية] وذلك لتحقـيق تقابل الثنـائيات؛ باعـتبار أن كل عـراقي(شريف/ هـو) سجين
سياسي مجهول كمـا عـبر عـنه [جواد سليم] في إبداعـيته النحـتية. عـلما أن(النص)
يعـطينا المنظوم الإبداعي أنه (تسجيلي) والمسرح التسجيلي؛ أساسا مسرح سياسي
بامتياز؛ بغض النـظر أن كل إبـداع يحمل بعـدا إيديولوجيا/ سياسيا؛ لكن في [شهوة
النهايات] يحضر البعـد الإيديولوجي في سياق اعتقال(صلاح) لكن المنظور السياسي؛ فـيه
نـوع من الغموض؛ إذ لا يكفي الإشارة التي وردت في (المشهد2): (يشير إلى الشاشة،
فـتظهـر عـليها صورة قاعة الأمم المتحدة من الداخل وتحتها ترجمة تقـول: يتواجد
الأمريكان في العراق بصفـتهم محـتلين لا محـررين) وفي هـذا الإطـار نستشـف؛ تداخل
الذاتي بالرمـزي؛ والرمزي بالمتخيل والمتخيل بالواقـع؛ نظرا لـغـموضية والتباسيـة
(الواقع/
العـراقي) فـمن هـذا المنطلق؛ اعـتبر النص( شـهـوة الـنهايات) مقـدمـة أساس لبـداية
شـهوة الكتابة؛ وسعيـا مـنا أن يتـحقـق ذلك؛ ارتباطا لمـا قاله ( صـلاح/ لسان
الكاتب) في(المشهد الأخير/8) (بهيأته الطبيعـية متوجها إلى جمهور النظارة) إلى هـنا
انتهت؛ مقـدمتي لمسرحـية شهوايات، ولكم أن تحضروا فـيما بعـد لتشاهـدوا؛ فــصولها
اللاحــقـة.
...................................................................................
استبيــان
*
مصطـلح [
الدول المارقة] وظـفه – رونالد ريغان في أواسط الثمانينيات؛ تجاه الدول الخارجة عـن
الطاعة.
*
كتاب – الدول
المارقة: حكم القـوة في الشؤون الدولية – لنعوم تشومسكي سنة2003 ترجمة وتحقـيق
محمود عــلي عــيسـى.
*كتاب – الدول
المارقة: دليل إلى القـوة العظمى الوحيـدة في العالم- لوليم بلوم سنة2003وله كتاب-
قتل الأمل سنة 2006 وهـذا كان موظفا في وزارة الخارجية الأميركية؛ لكنه استـقال
عـام1967من منصبه احتجاجاً على التدخل الأميركي في الـفـيتنام؛ فـتوجه إلى العمل
كصحافي حـر.
**
أولاد الشيطان/ The
Children ]مـن إخراج[ توم شانكلاند] سنة2010 أول فـيلم رعـب يقـوم ببطولته
مجموعة من الأطفال؛ يمارسون القـتل في حق كل أفـراد العائلة؛ فـردا فـردا بطرق
وحشية ومـريبة؛ بـعـدما تحولوا لـوحوش كاسرة؛ تحـركهم شـهوة الـدم.