حُبكةُ الصمت 4/4

( سلاميات في نار صماء ) (1) - أنموذجا

بلاسم الضاحي

الحُبكة :  من (حبكَ الشيء حبكاً : أحكمه ، وحبك العُقْدَةَ قوى عقدها ووثقها) (2 )

والحُبكة : -intrigue-(تسلسل الأحداث الذي يؤدي إلى نتيجة القصة) (3) وعرفها( بنتلي) (4) بذلك العنصر في تقنية المسرحية الذي يضفي شكلا على الفعل . وقسم القصة إلى : القصة الخالية من الحبكة التي تتتابع فيها الأحداث طبقا لتتابعها الزمني ، فلكل حدث داخل المسرحية حبكته وزمنه بحيث لا يؤثر حذف أي حدث على مجمل المسرحية .

والقصة ذات الحبكة التي تعتمد على البناء المنطقي بربط كل حدث من هذه الأحداث بما يسبقه أو ما يليه في الحكاية التي تعتبر الحبكة إحدى وسائل تقديمها . وذهب (ارسطو) (5) إلى أن المسرحية تنطوي على عنصرين هما : الشخصية والحبكة ،وان الحبكة هي العنصر الذي لايمكن الاستغناء عنه في المسرحية وقسم الحبكة إلى ثلاثة عناصر مهمة هي :البداية / تبيان المشكلة التي تعالجها المسرحية

البداية / الجزء الذي يطور العناصر التي طرحها التمهيد (البداية) .

النهاية / أزمة الحد الأعلى من الإحساس بالتوتر وغالبا ما تكون اللحظة التي يتحول فيها ( حظ البطل ) .

وجاء بعد (ارسطو) كتاب ونقاد منهم من اتفق معه وحذى حذوه ومنهم من عارضه وخطأ زعمه بأن الأركان الستة التي تقوم عليها المأساة والحبكة أهمها .

وقد استبعد ( ي. م . فورستر ) الحبكة حيث ذهب إلى القول (إن الشخصية وليست الحبكة هي ( الطاقة المعبرة)(6)

) معتمدا على إن الشخصية هي التي تقدم الحكاية من خلال نمو فعلها وعلى الروائي والمسرحي أن يحبك (الفعل) . وكان (هنري جيمز) اكثر شمولا من (فورستر) عندما قـــال (بإمكان التبادل بين الحبكة والشخصية) (7)

 وتعاقب النقاد والكتاب وربطوا الحبكة بمفهوم (الطاقة) أي الفعل في الزمن وحركة الأفكار المعبرة وذهب بعضهم إلى أن الحبكة تقليد كلاسيكي مهمل يجب أن يلغى من القاموس الحكائي والنقدي والاعتماد على حبك (الفعل) وهذا مجال بحثنا عن ماهية الحبكة في النصوص الإيمائية الصامتة التي تعتمد على الفعل المرسوم بواسطة الحركة التي يشكلها الجسد بصورة مرئيــة (مُحفزَة) من فعل محبوك .

وعند العودة إلى (سلاميات في نار صماء) النص الأنموذج الذي قسمه المؤلف إلى خمسة مشاهد كل مشهد منفصل عن الذي يسبقه أو يليه كحدث له زمنه الخاص هذه المشاهد ترتبط مع بعضها بزمن عام خارج زمن كل حدث على حدة (لتولد) هذه الأحداث (فكرة) غير مقروءة بمعنى إن في هذا النص :

أولا – نصان متداخلان،نص مقروء داخل المتن ونص غير مقروء خارج المتن يشير له النص المقروء (خفية) ويستمد منه خطابه وبنيته وآلياته .

ثانيا – خمسة نصوص متداخلة مرة وأخرى منفصلة في بنيتها وحكايتها التي ترشدنا إلى فك رموز النص غير المقروء إيحائيا وقراءة خفية للخطاب العام .

أشير هنا إلى أن (النص غير المقروء) ليس مناقضا للنص (المقروء) بل يستمد نتائجه التي يتوصل لها المتفرج من النص المقروء نفسه لأن (النص الصامت) قراءة مرئية مجسدة للفعل .وعودة إلى المقدمة التي قسم فيها ( بنتلي ) القصة إلى خالية من الحبكة وقصة ذات حبكة نجد أن (سلاميات في نار صماء) لاتقبل هذا التقسيم فهي بلا حبكة لأنها مقسمة إلى مشاهد مستقلة عن بعضها البعض في الحكاية والزمن متوحدة مع بعضها ومكونة حكائيتها وزمنها فان هذه الأحداث إنما حدثت (للرجل والمرأة) وهما البطلان المروي عنهما هذه الأحداث لتشكل حدثا واحدا عاما هو (الحكاية)

فالمشهد الأول / رجل وامرأة يظهران خلف (السايك) المضاء يتمرغان ، يحاولان الثبات في مكانهما دون جدوى يسقطان ، يحاولان الصعود إلى مكانهما مرة أخرى (مكان سعادتهما) فيفشلان ويسود الظلام . المرأة تكرر أفعال الرجل الذي يضم باقتي الورد إلى بعضهما إشارة إلى اتحاد وتلاحم الخير والحب ، يبحث عنها وتبحث عنه دون أن يلتقيا يحاولان مرة أخرى أن يلتقيا فتسقط (صاعقة) من فضاء المسرح فيتفرقان . يحاولان مرة أخرى فيسقط من فضاء المسرح (سيف ضخم ) يحول دون لقائهما يطاردهم فينهزمان ويحاولان فيسقط من فضاء المسرح (مشبك حديدي) على شكل قضبان يفصل بينهما ويطاردهما فيدفعهما إلى خارج المسرح فيصرخان صرخة قوية.                                                    

 المشهد الثاني :

  يدخل الرجل إلى المسرح يبحث عنها وسط الزحام ، يراها يتبعها كذلك هي تدخل تبحث عنه وتخرج وكأنهما يهربان خوفا من حادث آخر ، يتوقف الضجيج ، تطفأ الأضواء.

المشهد الثالث :

               يظهران داخل المسرح يحاولان الاقتراب من بعضهما فتدخل عليهم ثلاثة كلاب بشرية تنقض عليهم يحاولان الدفاع عن نفسيهما دون جدوى ، تطفأ الأضواء .

 المشهد الرابع :

               يظهران وقد ربط كل منهما بحبل يحاولان الاقتراب من بعضهما فيفشلان . يدخل رجلان مقنعان وكل منهما يمسك بطرف من طرفي الحبل يلفانهما به يتوقفان عن الحركة تماما يدخل رجل مقنع آخر يشير بقتل الرجل والمرأة يطلقان عليهم الرصاص يتوقفان عن الحركة وكأنهما قد فارقا الحياة .

 المشهد الخامس :

                تظهر التماثيل الثلاثة كما في المشهد الأول تحتها نعشان ينزل التمثال الأول ذو اللحية البيضاء يشير إليهما بالعودة إلى الحياة فينهضان ليتوجهان نحو التمثالين ينزل الأول نحو المرأة والثاني نحو الرجل ، يتراجعان فيصطدمان بالتمثال الأول ذي اللحية البيضاء الذي يشير إلى التمثالين بأن يوقفاهما عن الحركة ويشير أيضا إلى التمثالين بالخروج ، فيخرجان ، يعطي إشارة خاصة فتطفأ الأضواء فتظهر السنة اللهب الصم وهي تتصاعد شيئا فشيئا ينسحب الكهل ذو اللحية البيضاء تاركا الرجل والمرأة يكتويان باللهيب المحرق حتى تنزل الستارة

رجل وأمرأة أحبا بعضهما لكن هذه الأقدار الشريرة حاولت أن تضع بأحداثها التي شاهدناها كل المعوقات التي تحول دون أن يكتمل هذا الحب .

 

 

         الهوامش :

1- ارتحالات في ملكوت الصمت/مسرحيات صامتة/صباح الأنبا ري/ دار الشؤون الثقافية العامة/بغداد 2004

2- معجم الوسيط

3- معجم المصطلحات النقدية/مجدي وهبه/كامل المهندس/

4- فن المسرحية/فردب . ميلت/ جيرا لد بنتلي/

5 ـ نفس المصدر/بتصرف

6  ـ الحبكة/اليزابيث ديل/ترجمة عبد الواحد لؤلؤة/موسوعة المصطلح النقدي/دار الرشيد للنشر 1981

7 ـ نفس المصدر