المقروء والمنظور في حداثة المسرح العراقي

قراءة/ عامر صباح المرزوك

   منذ ان بدأ الكاتب المسرحي والناقد صباح الانباري الكتابة عن المسرح العراقي وهو يحاول رصد المتميز منه تأليفا وإخراجا ، والتركيز على النصوص والعروض المسرحية العراقية المبدعة التي تميزت في تقانيتها وتجربيتها مشتغلا على الصورة كبنية أساسية في تحليله النقدي لمكوناتها الجمالية. 

 صدر مؤخرا كتاب (المقروء والمنظور ـ تجارب إبداعية محدثة في المسرح العراقي) عن دار سردم للطباعة والنشر في السليمانية. وسبق للانباري ان اصدر عدة مؤلفات، منها: طقوس صامتة، ليلة انفلاق الزمن، البناء الدرامي في مسرحيات محيي الدين زنكنة، ارتحالات في ملكوت الصمت، المخيلة الخلاقة.

    قسم المؤلف كتابه إلى تمهيد وثلاثة فصول وزع فيها نقوداته التي تناولت عددا من المسرحيات العراقية وناقشت الظواهر المسرحية المحدثة، احتوى الفصل الأول (المقروء) بمسرد تاريخي ـ نقدي عن تاريخ المسرح العراقي وتأصيله وعصرنته، ثم دراسة عن التشخيص الدرامي في مسرحية كريم جثير، اذ مهد المؤلف لمعنى التشخيص الدرامي واشتغاله عالميا ووصولا إلى مسرحية (الحداد لا يليق بكاليجولا)، والموضوع الثاني هو (المكان وحالة الضيق في مسرحيات جليل القيسي)، وهو كاتب مسرحي وقاص سبعيني، عرف بأسلوبه الواقعي المتميز، ووضوح رؤاه وجزالة كلمته، وبساطتها، ورشاقتها، وتناوله لموضوعات اجتماعية تصب في هموم الناس، واهتماماتهم. أما الموضوع الثالث (رؤيا استقرائية لعوالم الجرافات الدرامية للكاتب قاسم مطرود)، أسس (مطرود) رؤياه الدرامية في مجموعته (الجرافات لا تعرف الحزن) على عالمين متباينين، الأول واقعي يفضي إلى آخر تخيلي، والثاني ذاكراتي يلتحم بهما موجهات فكرية، ودرامية تتساوق مع طبيعة الخطاب المسرحي في كل منهما. والموضوع الرابع (المونودراما وأزمة الشخصية الوحيدة.. مسرحية بنيان صالح (منيكان) أنموذجا، وتتجلى الأزمة من خلال شخصية الخائطة الوحيدة في مسرحية (منيكان) التي لا تجد من تحاوره أو تشتكيه أو تفصح له عن أزمتها غير تمثال المنيكان الثابت دوما في مشغلها، والحاضر في ذهنها، والمشخص ضمن حياتها وعزلتها المستديمة.

       بينما تناول المؤلف في الفصل الثاني (المقروء والمنظور) مسرحية (للروح نوافذ أخرى) للكاتب قاسم مطرود، ومسرحية (العلبة الحجرية) للكاتب محيي الدين زنكنة.

   أما الفصل الثالث (المنظور) الذي افتتحه بنظرة عامة عن الرقص الدرامي ووصولا إلى فرقة (اكيتو) و(مردوخ) في العراق ومناقشة عروضهم وبياناتهم ، ودراسة ثلاثة عروض: المخطوطة اليومية، وبعد الطوفان، وتحت فوق/فوق تحت. ثم تناول المؤلف مسرحية (احدب نيوتردام) التي أعدها وأخرجها كريم جثير، والتي أراد لها ان تكون علامة واضحة على طريق المسرح العراقي الجديد. والموضوع الثالث (سوداوية الأحداث وتشاؤمية الرؤيا في العرض المسرحي (حمام بغدادي) وهو من تأليف وإخراج جواد الاسدي، وهذا العرض شاهده المؤلف ضمن عروض أيام عمان المسرحية الثانية عشر بشراكة عراقية/سورية. بينما تناول في الموضوع الرابع والأخير (المجسات الجمالية في عرض النصار (نساء في حرب).

   وبهذا قدم المؤلف دراسة مهمة رفد فيها المسرح العراقي وأضاء فيه اضاءات جمالية على نصوص، وعروض مسرحية لم تدرس من قبل ولم يطلع عليها القارئ العراقي والعربي، وهذه خصيصة تحسب للمؤلف الذي عرفته مثابرا وحافرا في عالم الإبداع العراقي رغم تغربه، وانشغاله المستمر.