بانوراما  مسرح زنكنه

البنية الفنية للدراما بين الفردي الخاص والجمعي العام

سليمان البكري

القسم الأول

  الدراما كلمة يونانية تعني الحدث . والدراما والملحمية والشعر ثلاثة فروع للنوع الأدبي الواحد(وهي تعني إبراز  الأشياء من واقع  الحدث وحده . وساطة حوار يؤديه الممثلون يتضمن الديالوجات والمونولوجات المسرحية) ولا حياة للدراما بغير هذه الوظيفة . الوسيلة لجوهرية في الدراما هي (الحوار) الذي من شانه تشريح الشخصيات الدرامية وتحدد  الأبطال الدراميين تقديم  علاقاتهم مع بقية النماذج والأدوار المسرحية من ناحية ومن مواقفهم الدرامية من ناحية أخرى . والدراما هي النوع الأدبي المؤثر الذي يسمح بالتداخل في التعبير ، بمعنى تقسيم الحوار على اكثر من شخصية رابطة جميعهم وحواراتهم في موضوع واحد وفيها يقدم المونولوج للممثل الواحد والتعبير عن المواقف الحساسة والداخلية والنفسية المضطربة مندمجة  في مغامرة الأحداث منطلقة من واقع الحوار للشخصيات . التركيب الأدبي للدراما ينطلق مـن ( مقدمة الصراع) أو الافتتاحية البرولوج ثم العرض العام لمدخل المسرحية في (الفصـل الأول) حيث  توضع   صلب المشكلة أو (العقدة) أحيانا تزحف إلى (الفصل الثاني) حيث يتمظهر الصراع بمظاهر مختلفة صعودا   إلى القمة أو (الذروة) ليأتي الحل الأخير فــــي ( الفصل الثالث ) وهناك مسرحيات يمتد فيها الصراع إلى فصل رابع وخامس في اتجاهين وفق مفهوم كلاسيكي هما (التراجيديا) و (الكوميديا) أي المأساة والملهاة واتجاه يتوسطهما يطلق عليه ( التراجيكوميدي).هذا المفهوم للدراما المنطلق من مرجعيات ووثائق ومؤلفات   مسرحية عينت بالدراما ومفهوماتها تنظيرا وتطبيقا وعبر كثافة المضمون الذي قدمته لمعنى الدراما أتساءل كيف تعامل صباح الأنباري مع الدراما في بنيتها وأشكالها ومضامينها وهو يقدم تجربته النقدية المسرحية الأولى في  متابعة جادة مبدعة لمسرحيات المبدع الكبير محي الدين زنكنه ، هذا ما أحاول عرضه وتقديمه في هذه الدراسة  من خلال قراءتنا لكتابه (البناء الدرامي لمسرح زنكنه).

              1 ـ مسرحية السر : تعتمد هذه المسرحية في بنائها الدرامي على (وحدة وصراع الأضواء) صـ 25 كما يقول الانباري فتعرض قوتين متناقضتين (امتيازها الغدو والإرهاب والقسر اسرائيلية) معتدية،وفلسطينية وسلاحها الإقدام والصبر والجلد والأيمان بالفكرة والقضية ) ص25 وفي مقارنة بين القوتين يؤكد (الناقد أن القوة مهمتها طغت وتجبرت فهي (لن تستطيع أن تطفئ وهج فكرة رائعة تجذرت في أعماق إنسان مهما تعددت  أساليب تلك القوة ومهما ازدادت عنفا وأهابا وشراسة) ص26 في تعامل الناقد مع شخصيات المسرحية يرى أن المؤلف زنكنه قد أخطأ بهذا  إذ جعل من الضابط الصهيوني حاييم على درجة كبيرة من الجبن والخوف والانهيار لكنه يبرر هذا الخطأ تحت يافطة المرحلة التي كتبت بها المسرحية عام 1968 والتي كان ينظر إلى العدو من خلالها بالصورة (الكاريكاتيرية ألا واقعية) ص26 بهذا الاتجاه يتطابق الناقد مع المؤلف في إدانة التصرف الفردي للشخصية الفلسطينية في نموذج مصطفى وفق ما تمليه المصلحة الخاصة فهي ثورة حين تكون مصالحها بعيدة عن أي تأثير سلبي ومتراجعة متخاذلة بقدر ما تمليه عليه مصلحتها بين محمود/الإيجابي   ومصطفى/ السلبي يتابع الناقد البنية الدرامية للمسرحية من خلالهما في تناقصهما السلبي والإيجابي ومن خلال صراع النقيضين فيهما فهما وسلوكا .

 الانباري يرى أن موت محمود مع موت الشخصيات الصهيونية يربك مفهوماتها البطولة لدى المتلقي فيقول بالموت تنتهي (المسرحية وكان البطولة  لا تحقق إلا بموتهما وموت أعدائهما وكان ليس أمام البطل الإيجابي أي خيار آخر بعد  أن وضعه زنكنه في ظروف استحال عليه النفاذ منها إلى أي خيار آخر غير الموت) ص28 .

يبرر الناقد هذا الاتجاه في رسم الشخصيتين ويرى انه كان لزاما عليهما أن يختارا بين اثنين ، أن تموتا لتعيش القضية أو  أن يعيشا لتموت القضية فاختار مصطفى أن يحيا ذليلا واختار محمود أن يموت شهيدا . هذه النتيجة في فعل المسرحي وضمن البنية الدرامية للمسرحية ذات الفصل الواحد الذي يجب أن تتحقق فيه كثافة درامية ، موقف دراماتيكي إلا أن مسرحية (السـر) تشعبت كثيرا في الحوار والشخوص والموقف والعقيدة والحل (وهي أمور غير مطلوبة) ص28 . من مسرحية الفصل الواحد هذه القناعة لدى الناقد متأتيا من   شروط الفصل المسرحي الواحد وأصوله الدرامية ( المنطلق أصلا من القانون الدرامي الذي يحدد الفصل المسرحي ويعطيه صفقه العامة ) ص29 مسرحية (السر) كمحصلة درامية بمالها وما عليها كانت نقطة البداية لأعمال مسرحية لاحقة أعطت زنكنه بصمته الخاصة التي صار معروفا بها وكانت الزورق الذي أبحر فيه في   فيض أمواج عالم المسرح المتعب الجميل .

 

               2ـ مسرحية الجراد/البناء الدرامي لهذه المسرحية اعتمد تحرير النص من السرد القصصي باتجاه دلالات رمزية ذات عمق خاص أوسع شمولية من القص وفيها يواجه الإنسان قدره/وجوده/حريته/ زاء الجراد . تحولات السرد م الفردية في القصة إلى الجماعية في المسرحية يؤشر طبيعة البناء الدرامي الذي  تعامل معه زنكنه وتابعة الانباري ناقدا عبر مفهومات (البطولة الجماعية لا تعني إلغاء دور الفرد إلغاء تاما من عمليتها بل أنها تؤكد دوره شريطة أن يتجلى من خلال المجموع لا من خلال الذاتية المغلقة) ص35 . البناء الدرامي اعتمد عملية توازي الشخصيات من خلال عوائل تمثل بالتالي رموز المجتمع تلك الرموز ظلت غير واضحة في تصاعد البناء الدرامي عبر عملية هجوم الجراد على المدينة شخصيات الأب/ الأعرج/الشاب/الزوج/الفتاة /الزوجية /الأم مما يقود إلى اختلاف في الرؤى بين مواقف توفيقية وأخرى رافضة وثالثة غير واضحة مثل الأعرج الذي خاض حربا وفسرها ولا يعرف المتلقي (لم خاضها ، وضد من) ص39 في الجانب الأخر من الشخصيات المسرحية ثمة الرجل ذو البدلة البيضاء/البائع/الفلاح هؤلاء ضد الجراد وشخصيات/وكيل شركة الاستيراد والتوزيع/ صاحب المعمل/المختار من خلال سلوك تلك الشخصيات يتصاعد الباء الدرامي كما يرى الناقد من انعكاس اختفاء المبيد على الآخرين ، فمنهم يعرف أين اختفى المبيد وآخرون لا يعرفون ، يؤشر الانباري رمز المبيد والجراد إلى الرأسمالية .. المبيدة نسبة إلى لفظة مفردة (المبيد) في    المسرحية ، فالمبيد هو( المقاومة  الفعلية والفعالية للإنسان والقدرة الكامنة للوقوف بوجه التيارات المعادية له) ص45 . ظهور الجراد يكون على دفعات في بناء درامي ومشاهد مبدعة وصراع يأخذ فضاءات الحوار والفعل المسرحي حتى يوشك أن يقتل سكان المدينة ، لكن الحياة أقوى من الجراد فثمة ضوء  يشرق ويسطع    في المسرحية وسط عتمة الجراد ودمويته هو الطفل الجديد الذي ستلده المرأة ، انه رمز لاستمرار الحياة   والوقوف بوجه الجراد وتحقيق حياة افضل يتواصل بعدها  الانباري إلى أن مسرحية (الجراد) برموزها وغرائبيتها ودلالاتها الكثير  تشكل تطورا نوعيا للآلية المسرحية لدى زنكنه وأنها دعوة لاختيارين حياة كريمة تحقق وجود الإنسان وحريته أو مسخها في الاتجاه الذي تبغيه الرأسمالية والنظم العملية والدكتاتورية التي تسير بركبها .

 

                  3ـ مسيرة السؤال/البناء الدرامي يعتمد على توظيف التراث العراقي الأصيل في حكايات شهرزاد ولياليها الألف الماضي ونقلها من الماضي إلى الحاضر بصورته المعاصرة . الدراما في المسرحية تبدأ بالقتل وتنتهي بالقتل وتطرح خروج صفوان للناس بعد أن كان يعمل في الخفاء وتحوله للعمل علانية .هذا التحول يشكل موضوع الحكاية في خطاب زنكنه المسرحي الذي يجهر بالقول أن صفوان رمز للحرية ولا بد  لهذه الحرية أن يمارسها الناس وتخرج من إطار الأفكار إلى الواقع . يرصد الناقد البناء الدرامي للمسرحية في   إطار المسرح الملحمي البرختي دون التقيد بل الخروج عن أطره الخاصة نحو محلية وطنية ، صفوان رمز الحرية في دائرة الصراع بين الأطراف ذات المصالح المتناقضة يدخل السجن لكن قاضي القضاء يظل قاضيا للقضاء وصاحب الشرطة يبقى صاحبا للشرطة وعلى خليفة الدمار والإرهاب تظل السلطتان الدينية والدنيوية حكرا عليهما وعلى خلفهما وعبر هذا التناقض الإرهابي في الفردية السياسية والصراع الاجتماعي الطبقي والسياسي تطرح  مــــسرحية (السؤال) لم يحدث هذا بين صفوان العالم الحكيم وقاضي القضاة وصاحب الشرطة   والسؤال يمتد من الماضي إلى الحاضر المعاصر وهذا يدعو الملتقي لإشهار صوته (أوقفوا كل هذا).

                    4 ـ مسرحية العلبة الحجرية / البناء الدرامي فيها له علاقة ببيئة مكانية ذات صفات   أمريكية حيث منبع الرأسمال العالمي تاريخيا بعد الرأسمال الأوروبي صعودا إلى عولمة الألفية الجديدة ، الدراما تتعامل بموقف تضاد مع الرأسمالية وهي تستند إلى (ينابيع الفكر والوعي ومعرفة حقيقتها المضيعة وحقيقة أن أمريكا ليست العالم وان العالم ليس أمريكا) ص76  وهنا تؤثر البنية الدرامية وحدة وصراع الأضداد من  داخل الرأسمالية ( حيث أن موضوعاتها حبلى بالانفجارات والطاقة التدميرية التي تعمل على تفتيتها من الداخل كما تحبل الرأسمالية بتناقصها هائلة تؤدي حتما إلى زوالها من المجتمع الإنساني الدراما من خلال حوار شخصيتي المسرحية السيدة عجوز ( زور ستون ) والفتاة تقوم على فضح وكشف الزيف الأمريكي الرأسمالي   بان (العالم هو أمريكا وأمريكا هي العالم) ص77 مع جملة أكاذيب  أمريكية تتعلق بالطبيعة والحياة و   الإنسان مما يجعل الفتاة تعيش سجنها الداخلي خوفا من الخروج إلى الشمس والعالم لمعرفة الحقيقة (زور ستون).

رمز أمريكا التي تفترس  وتقتل أبنائها في حروب دائمة من اجل رأسمال/فيتنام/كوريا/أفريقيا/ اليابان/كوبا/أفغانستان/العراق/حروب مدمرة وصفحات مرعبة من تاريخ

الإرهاب الأمريكي وهي شهود على ما تقوله المسرحية.تتصاعد الدراما بظهور الشاب ذي الأفكار التقدمية الإنسانية في استناده إلى التاريخية العراقية في(كلكامش) وبحثه عن الخلود من اجل سعادة الإنسان ورفاهيته واكتشاف معنى الوجود هذا الفكر الذي يغذي الصراع الداخلي يقود إلى تغيير ي موقف الفتاة وخروجها من دوامة المفهومات الأمريكية المظلمة ومواجهة العالم ومعرفة الحقيقة وبهذا تحقق البنية الدرامية موضوعة الاختيار كنقطة تحول دراماتيكي في الصراع ورفض الفتاة طروحات (روزستون) رمز  أمريكا  وتخرج معية الشاب الرمز الفكري / الثوري لمواجهة الحياة .

 البناء الدرامي في مسرح محيي الدين زنكنه/صباح الانباري/دار الشؤون الثقافية بغداد 2002.

1 ـ الدكتور كمال عيد/فلسفة الأدب والفن/الدار العربية للكتاب/ليبيا ـ تونس

1987 .

2 ـ المصدر نفسه .

 القسم الثاني

  مسرحية الزهور/في ابتعاده عن التقريرية يؤشر الناقد الانباري نجاح زنكنه في بناءه الدرامي لمسرحية لمن الزهور عبر عالم المسرحية الفتى (المسكون بفكره وقيمه الإنسانية العالية ) ص84.البنية الدرامية تعتمد العقدة الأوديبية في علاقة الابن بالأم وعلاقتهما بالمكان، فيسبب عدم  توفر إمكانية الدخول إلى المصح (باعت الأم جسدها) لرجل هو (أساس الإحساس الا مباشر بعدائية الابن للمكان ) يقيم الناقد علاقة بين إحساس الابن اتجاه أمه وبين (هاملت) شكسبير في حقده على (عمه الذي امتلك أمه بعد أبيه) ص87 العقدة الأوديبية لا تكشفها المسرحية بشكل متكامل بل تتعامل تدريجيا عبر تفاصيل وأحداث وحوار  الأم مع ابنها وجعلها تنمو تدريجيا حتى تتضح عبر شخصيتين تعرضتا للسقوط ( الأولى حين سقطت ضحية للجنون والثانية حين سقطت ضحية للعوز ) ص87 يتابع الناقد علاقة الابن بالصبية / الشخصية المؤثرة في تحولاته / ويعتبرها حالة جمالية مثلي) ص79 يريدها شبيهة لامه في كل شيء في شعرها القصير وجمالها وحتى   في حالة رضاها عنه ويود ان يتبادل معها الصور شان والدته التي تحمل صورة زوجها في حقيبتها ذلك الزوج البعيد المسافر الذي أنقذها من السقوط .

هذه العلاقة في تقليد الابن لامه وأمنياته غير المتحققة في الحياة يقربه كما يرى الانباري من ولع الابن بأمه حدا غير طبيعي وصولا إلى (العقدة الاوديبية) التي تفرض عليه الكشف عن حبه لامه بكلمات و أفعال جعلت الأم مترددة في قبولها ورافضة أحيانا ( ص.9 البناء الدرامي يتصاعد من خلال تواصل علاقة الابن بالصبية وتشبيهها بأمه في حالة رمزية تتضمن (الأم و المرأة) فتتضح العقدة الاوديبية  في الفعل والحوار وحتى في الأمنيات .

يرى الناقد ان موقف الأم من ابنها يجسد العقدة الاوديبية بوضوح حين لمسه  لشعرها لأنها تعيش السقوط  وعقدة الذنب التي تذكرها بالرجل الذي لمس جسدها واسقط عفافها .. يشير الناقد إلى ان شخصية  الابن مع شخصية الرجل ترفضها الأم لأنها )9 رمز مشترك للفحولة )9 ص91 .

السؤال المطروح بعد كل هذا :- لمن نقدم الزهور . هل نقدمها للابن العليل أو للام التي تعيش إحساسا   بالذنب وتود الخلاص منه ؟ أو نقدمها للصبية التي تسكن ذهن الفتى المريض في المصحة ؟ مثلها مثل(جوكوستا) في مسرحية (أوديب ملكا) الجواب من خلال مؤشرات النقد يوضح ان الزهور تقدم للصبية (الحلم الرمز) البعيد الذي أراد زنكنه ان يتحقق ضمن مؤشرات تغيير الواقع الاقتصادي وحسابات دوره الفاعل في سعادة الناس وان يكون ذلك التغيير مقرونا بتغيير نوع النظام السائد اجتماعيا ص91 وبالتالي  فالدراما ومن موقف أنساني عام اجتماعيا/ اقتصاديا/نفسيا تجعل الزهور للابن وللام وللصبية،والثلاثة رمز اجتماعي يحتاج الزهور في رمزها أيضا من اجل علاقات صحية إنسانية موسوعية في تداخلها سلبا وإيجابا ورفع راية المحبة من اجل مجتمع افضل وحياة يسودها الحب والتعاون والإخاء.

مسرحية مساء السلامة أيها الزنوج البيض العنوان (ثريا النص) كما يقول المبدع محمود عبد الوهاب  وعنوان المسرحية يعطي دلالة رمزية في مزاوجة لم تعنى باللون العرقي قدر عنايتها بالوضع الإنساني الذي يعانيه الإنسان الأبيض الأمريكي كما هو حال المعاناة القائمة في مجتمع الزنوج السود . الناقد يؤشر من موقع فكري وحشية الرأسمالية واستغلالها للجميع . مفهومات المسرحية التي اعتمدت النقيض اللوني الأسود والأبيض  (لم يكن مقصودا بذاته بل للحالة التي تنم عنه وطبيعة تلك الحالة) ص95 المونودراما في اعتمادها الشخصية الواحدة التي تعاني من قسوة الأشياء حولها وشخصية (سوران) في مونو دراما (مساء السلامة أيها الزنوج البيض) تعاني من :-

1ـ المكان/الملجأ الكابوسي تحت العمارة

2ـ الاغتراب والضيق والاختناق جراء اصطدامه بجدار كبير من الأشياء القاسية المحبطة

3ـ الصدام العائلي في مفهومات الحياة وتهكم الأب من ابنه إزاء حبه للموسيقى مما يقوده 

     إلى التمرد والرفض .

4ـ علاقته السيئة بزوجته التي لا ترى فيه سوى رجل فاشل وتعمل على تدميره .

5ـ منغصات الأشياء في الحياة مثل/الساعة/ المدفأة/زجاجة الخمر/تتوازى  

 مع منغصات الزوجة التي تضع أمامه العراقيل وتقيمها ضده مشروع حياتها البعيد عن الإنسانية وفي غرائبية   تثير التساؤل لم يضع النص الجواب لها ويعاود سوران الصرفة (آه ما اشد قسوة الأشياء حولي).

البناء الدرامي يحاول اختراق تلك الأشياء وتعريتها من اجل وصول الشخصية إلى مدينة الحلم الدائم الذي  يعيشه و الانغمار في ممارسة تأليف الموسيقى التي ستخرجه من هذه الدوامة .. الاحتجاج بصورته الدرامية يجسد صرخة المبدع في وجه العصر . 

 الرديء عصر العولمة وسيطرة الرأسمال كما يرى الناقد طموح سوران يحلم إضافة اثر جديد إلى الآثار   الإنسانية في محاولات متلاحقة تتساوق مع حلمه في تجاوز سلبيات الواقع ، لكن تلك السلبيات تحد من فعاليته وطموحه واصحاب راس المال الذين اسماهم الانباري (عبيد المال كان لابد من التعامل معهم بالقوة في كل  شيء وفي المقدمة الموسيقى الملغومة بالإبر و لا تدع أحدا يرتاح أو يبقى على الحياد) ص101 هذه الآليات تقوده إلى إبداعه في كتابة (مدينة الموسيقى) سيمفونيته وملحنته التي يقابل بها عبيد المال.                                                                 

 مونودراما النص المسرحي اعتمدت على جانبين في التعامل معه ، الأول صراع ذاتي/ داخلي لسوران واخر  خارجي اعتمد مقدرة المؤلف في توصيل هذا الصراع الى المتلقي من خلال سوران الذي أبدع زنكنه في التعامل باليات الصراع الفكرية المختلفة التي جسدت طبيعة البناء الدرامي للمسرحية .

مسرحية حكاية صديقين/البنية الدرامية فيها تعتمد تحديد(جوهر الصراع وطبيعته القائمة على أساس  الأرباح والمنافع) ص 105 المؤلف يستثمر هذه الحالة  على لسان جوق رباعي يوضح أبعاد الشكل الفني  الذي تتخذه المسرحية(القص والتمثيل) باتجاه المفهوم البر شتي الملحمي القائم على أساس الإيهام النسبي موضحا مفهومات اقتصادية تتمسك بالملكية الخاصة التي تقود إلى الفردية والأنانية والجشع وهذا يؤدي الى صراع من اجل الوصول الى الغاية .

يوظف المؤلف ثيمة الحلم في بناء الدرامي للمسرحية وعلاقة الكذب القائمة بين الأب و الام والأبناء   وموضوعة البحث عن جرار الذهب في الصحراء ، دراما الموقف يقود المؤلف نحو نسق تجريبي في البنية    الدرامية من خلال توظيف الشاشة السينمائية في تصاعد الحدث وتعقيد الموقف فيلجا عبر حوار داخلي/ذاتي تتوضح من خلاله طبيعة الحدث عبر منطق الفئة البورجوازية وحقيقتها في تجلي لمنطق الربح والخسارة رغم الحوادث والظروف التي أتاحها المؤلف زنكنه لشخصيتي المسرحية بالالتزام الإنساني في سلوكهما إلا انهما   تجاوزا كل الخطوط الحمراء بسبب أخلاقياتهما البورجوازية . وظلا يحملان قذارة طبقية لم يتمكنا من التطهر من رجسها . المسرحية في بنائها الدرامي وغرابة شخصيتها تشكل في نهاية المطاف تهديدا للسائد من الالتزام   الجمعي و الأخلاقية العامة وتتحول نحو الاضطراب والانهيار وهو مرض بورجوازي تفشيه بورجوازية الحصار مسببة إشكاليات مختلفة في مجتمع يناضل ويعمل على تجاوز معوقات الحصار الإجرامي الظالم . مسرحية رؤيا الملك : الرؤيا هي العالم الداخلي للشخصية ، وهي المفردة الأولى المركبة من كلمتين لعنوان المسرحية (رؤيا الملك) البنية الرامية تعنى بشكل خاص بالعالم الداخلي للملك ستافروب وماندانا في تداخل ثنائي للعنوان  الرئيس الذي أراد به زنكنه إقامة تناص بين مسرحية (اوديب ملكا) قاموسيا تعني الحلم وهو ما تقيم عليه المسرحية عمارتها الفنية وبنائها الدرامي الرؤيا / موازاة درامية مع موضوعة النبي موسى وفرعون التي لم يشر  إليها الناقد الانباري وموضوعة (اوديب ملكا) لسوفكليس التي أكد عليها الناقد واجهد نفسه كثيرا في معادلات جمع وضرب من خلال مفهومات زنكنه التي بثها في الحوار في نهاية المسرحية الى انتهاء زوبعة الملك في بحثه عن الطفل الذي سيقتله فيعرف انه ابن قائده العسكري روسيتمرو فيذبحه لكن الأزمة تظل مستمرة لان  الدم والقتل مؤشران خطيران يقلقان الملك بالخوف على عرشه المهدد بالزوال .

هكذا تعددت وتنوعت رؤى الناقد صباح الانباري إزاء البناء الدرامي في مسرحيات زنكنه فمن مفهومات البطولة والالتزام بقضية الأرض والتمسك بها والتضحية من اجلها في مـــسرحية ( السر) وتحولات المفهومات الفردية الى الجماعية ومواجهة الخطر في مسرحية (الجراد) عبر الرموز المتداخلة بالواقع المعاصر والصراع الفلسطيني ـ الصهيوني  الدائم وبشارة استمرارية الحياة والوقوف بوجه العدو والانتصار عليه . يضاف لذلك حرص الناقد على إظهار قدرة المؤلف في توظيف التراث دراميا في مسرحية (السؤال) والعودة الى شهرزاد العراقية الجميلة وحكايات لياليها الألف وتوظيفها توظيفا معاصرا يحسه المتلقي في نبض الفرد والشارع    والمجتمع والتأكيد على المفهومات الفكرية الإنسانية ووعيها ومعرفة حقيقتها في مـــسرحية (العلبة الحجرية) وحقيقة ان أمريكا ليست هي العالم وان العالم ليس أمريكا.

  ان الناقد صباح الانباري يكشف عن خبرات مبدعة في متابعة إبداع المسرحي الكبير محي الدين زنكنه موضحا خفايا البناء الدرامي في مسرحياته وتعامله مع العقدة الاوديبية  في مسرحية (لمن الزهور) وفضح  وإدانة الاضطهاد والتفرقة العنصرية للزنوج (البيض) (السود) في مجتمع الرأسمال الأمريكي في مسرحية (مساء السلامة أيها الزنوج البيض) وتوظيف المفهوم البرختي في مسرحية (حكاية صديقين) (والتعامل فنيا مع موضوعية في مـــسرحية (رؤيا الملك) كل هذا يؤشر الجهد النقدي في المتابعة المثابرة لأعمال محي الدين   زنكنه ووضعها في دائرة الضوء ملتزما هموم الإنسان (ان يكون أو ان لا يكون) والنضال الدؤوب من اجل وجوده وحريته.

 

.............................................................................................. 

???????????????????????? البناء الدرامي في مسرحية محي الدين زنكنه/دار الشؤون الثقافية العامة/ بغداد 2002 

1ـ الدكتور كمال عيد/ فلسفة الأدب والفن/الدار العربية للكتاب/ليبيا ـ تونس 1978 .

2ـ المصدر نفسه .

3المصدر                                         

نشرت في:

-         صحيفة الجريدة ـ العدد 26 ـ التأريخ 14/8/ 2003 بغداد

 - صحيفة الجريدة ـ العدد 32 ـ التأريخ 4/9/2003   بغداد