حيدر عبد الخضر
عن دار الشؤون الثقافية العامة في العراق صدر للكاتب و الناقد المسرحي صباح الانباري كتاب جاء تحت عنوان "البناء الدرامي في مسرح محيي الدين زنكنه يتناول الكتاب مجموعة من الدراسات النقدية التي كتبها المؤلف حول الإصدارات المسرحية المطبوعة للكاتب منذ مسرحية "السر" 1968 ، و حتى آخر مطبوع له عام 2001 "مسرحيات" .
أبتدأ الكتاب بمقدمة عن سيرة الكاتب زنكنه بعنوان "سيرة قلم مداده نسغ الحياة" يسلط فيها المؤلف الضوء على الظروف و الأوضاع التي ولد فيها الكاتب و هي عبارة عن مأساة كانت تكبر في ذاته مثل كائن حي تمور بها . و كانت مدينته "كاور باغي" الذاكرة الأولى التي نبتت فيها أحلام الكاتب محاصرة بالرعب و الخوف من المجهول ، فوجد في لذة الكتابة و طقوسها المعادل الموضوعي لتحقيق موازنته الوحيدة بين هذا الواقع المعتم و الأحلام اليتيمة ، فكانت الكتابة هي الاكتشاف و التجربة الجمالية الفريدة، فكتب كثيرا و مزق كثيرا.. و جرب كثيرا. و يمكن اعتبار عام 1967 هو الانطلاقة حيث حمل زنكنه العالم على راحتيه و حمل معه أنفاس "كاورباغي" المتقطعة و المدماة، لقد صار ينظر إلى الكتابة منذ ذلك العام على أنها فعل للتغيير و المسؤولية إزاء الآخرين و الوطن و يرى أن "لا قيمة للكتابة التي لا تفعل شيئا..التي لا تتحول إلى فعل مغير للذات و المجتمع" . "فالكتابة لا تعني عنده نقل الحياة كما هي على الورق، بل هي عملية خلق جديد للحياة تتحرك على وفق منطق جديد هو منطق الفن ..الذي يرفض كل شئ لا يحمل تبرير وجوده" .
ثم يتحدث المؤلف عن مفهوم الكتابة لدى محيي الدين زنكنه و كيفية تعامل الكاتب مع مواضيع متعددة منها التراث الذي يشكل مادة فنية خصبة و ارتباط ذلك التراث بالمعاصرة و بالمعالجة و الموقف الإنساني و هذا ما يفسر لجوء و توظيف الكاتب لهذا المفهوم . بعدها ينقلنا المؤلف إلى جانب التداخل السيكولوجي لدى الكاتب باعتباره يجمع بين شخصيتين (العربي و الكردي)
ودور ذلك في إكسابه ملامح شخصية جديدة اكثر إنسانية و رسوخا في الوجدان العام، و هذا أيضا أضفى على كتاباته اهتماما بالفرد و المجتمع على حد سواء،باعتبار أن الإنسان مجموع علاقاته بالآخرين، انه ينظر إلى شخوصه على انهم العنصر الأكثر فعالية و تأثيرا في مجرى الصراع.. ينظر إليهم باعتبارهم كيانات مستقلة .
بعدها يتحدث المؤلف عن الصراع في نصوص زنكنه مشيرا إلى انه يأخذ وجوها متعددة:فقد يكون صراعا داخليا متمثلا في صراع الشخصيات مع نفسها في مونولوجات طويلة أو قصيرة مشبعة بأفعال حركية و أخرى انفعالية أو تدميرية تكسب خطابه المسرحي صنعة درامية خالصة تزيح من أمامها الصفات السردية لكن دون أن تلغيها، و قد يكون الصراع خارجيا متمثلا بصراع الشخصيات فيما بينها أو يكون الصراع مع قوى قدرية تقع خارج ذواتها. ينتقل بعدها المؤلف إلى كيفية تعامل الكاتب مع موضوعة الحوار على أساس انه يمثل "القطب الثاني" في صناعة الدراما بصورة يوائم فيها الكاتب بين الحوار و بين الشخوص و السرد عبر لغة مشتركة هي لغة الكاتب المسرحي المجرب، وهو من القلائل الذين يجيدون هذه اللغة و فصيحها و يؤمنون أيمانا كبيرا بقوتها، ثم يشرح المؤلف دور الكتابة في تطويع الأدب لخدمة المسرح، لذا فقد كان قاصا في المسرح، و مسرحيا في سائر قصصه و أعماله الروائية.
ثم يعود بنا المؤلف إلى البدايات التاريخية لنشوء وعي الكاتب، و معاصرته لانتكاسة الخامس من حزيران التي دفعته إلى مواقع اكثر ثورية في الكتابة و اكثر عملية في المعالجة و يتحدث المؤلف بعدها عن مسرحية "السؤال" التي يعتبرها من المحطات المهمة في الكتابة و التأليف لدى زنكنه والتي تخطت حدودها الإقليمية و عرضت في عدد من الدول العربية، بعدها يتعرض المؤلف لدور الكاتب في حضور التمارين الخاصة بمسرحياته بصورة جعلته يطلع على الكثير من علل المسرح و يشخص صعوباته و معاناته. ثم يتكلم لنا المؤلف عن النقاد و الدارسين الذين تناولوا مسرحيات زنكنه .
بعد ذلك ننتقل إلى المحاور الرئيسية التي توزع عليها الكتاب و التي جاءت على النحو الآتي:
1-مسرحية السر، المقاومة و الموت و البطولة المتحققة
2-مسرحية الجراد، و قد قسمت إلى أربعة محاور فرعية للدراسة
3-مسرحية السؤال،دراسة المسارات الدرامية في مسرحية السؤال
4-مسرحية العلبة الحجرية، الانفلات من بؤرة المكان في العلبة الحجرية
5-مسرحية لمن الزهور، الزهور و بنيتا التطابق و الخيبة
6-مسرحية مساء السلامة، قسوة الوصول إلى المدينة/الحلم
7-مسرحية حكاية صديقين، سر حكاية الصديقين
8-مسرحية رؤيا الملك، متغيرات معادلة الرؤيا في رؤيا الملك .
ثم ينتقل بنا المؤلف بعد ذلك إلى ببليوغرافيا محيي الدين زنكنه نطلع فيها على جداول متنوعة لمنجزاته القصصية و الروائية و المسرحية التي نشرت و عرضت و حصلت على جوائز و أهم الكتابات و الدراسات التي تناولت هذه الإنجازات العديدة للكاتب و سجله الإبداعي حافل بالكثير منها. يقول المؤلف بهذا الشان "..كثيرون أولئك الذين لا يعرفون زنكنه كما ينبغي أن يعرف مبدع مثله و من عرفه منهم ما زال يجهل عنه الكثير، و لكي يتضح لمن لا يعرف أن نصوصه استأثرت بأفضل ما يمنحه العراق من جوائز فنية و أدبية..و إني خلال تأليفي للكتاب وقعت على عدد كبير من مصادر دراسة زنكنه من منشورات له في الصحف و المجلات فعملت على أرشفتها، لست زاعما بأنه أرشيف كامل، و لكنه اكمل صورة في المستطاع..آمل أن يجد الباحث في أدب زنكنه في هذه الببليوغرافيا ما يسهل عليه مهمته.."
بعد ذلك ننتقل إلى المصادر و المراجع التي اعتمد عليها المؤلف في كتابه هذا الذي يعكس وعيه و مثابرته و جهده الكبير في إضاءة جانب مهم و متميز لأحد مبدعي الحركة المسرحية و الأدبية في العراق .
………………………………………………………
نشرت في:
- صحيفة العرب العالمية ـ العدد 6604 ـ التأريخ 27/2/2003 لندن