محيي الدين زنكنة يظفر اخيرا بقراءة عميقة لأعماله
عمّان – علي عبد الأمير

لم تشهد المكتبة العراقية عملا عن كاتب مسرحي عراقي ، على الرغم من العلامات المتفوقة للمسرح العراقي ، وظهور طائفة من الكتاب المسرحيين الذين وضعوا نصوصا ليس من الصعب تسميتها من بين عيون الادب المسرحي العربي .
**
أقراء المزيد **
الكاتب والناقد المسرحي العراقي صباح الانباري اراد ان يسد هذا النقص فاصدر كتابا عن المؤلف المسرحي محيي الدين زنكنة ضمن منشورات "دار الشؤون الثقافية العامة "في بغداد، وحمل عنوان "البناء الدرامي في مسرح محيي زنكنة" . كان عمل الأنباري رائدا في الإحتفاء النقدي بمؤلف مسرحي ، صحيح ان كتبا عدة صدرت عن تاريخ المسرح العراقي وعن قضاياه الموضوعية وظواهره الفنية ، إذ صدرت كتب عن مخرجين مسرحيين كالمخرج الراحل ابراهيم جلال ، وكتبت رسائل جامعية عن مؤلفين مسرحيين ، لكن كتاب صباح الانباري ظل الأول في مجاله.
ضم الكتاب مقدمة وسيرة للكاتب زنكنة وثمانية مباحث ، تضمن كل منها قراءة معمقة لمسرحية من مسرحيات المؤلف الذي لطالما توهجت المسارح العراقية برؤاه . ولم يفت الأنباري ان يضمن كتابه ، ببلوغرافيا لقصص زنكنة ورواياته فضلا عن مسرحياته ، وما كتب عنها من نقد ومراجعات في الدوريات والكتب .

في مقدمة كتابه يوضح الأنباري "لم اتقيد ، وانا ادرس مسرحياته ( زنكنة)الثماني وهي "السر ـ الجراد ـ السؤال ـ العلبة الحجرية ـ لمن الزهور ـ مساء السلامة ايها الزنوج البيض ـ حكاية صديقين ـ رؤيا الملك" بمذهب نقدي واحد آو مدرسة محددة واحدة ذلك لقناعتي بان كل نص ابداعي يبتكر قوانينه وشروطه الخاصة ، ولكنني في الوقت ذاته افدت من التجارب النقدية الحديثة (...)على وجه الخصوص ، وحاولت ان ابين من خلالها مميزات اسلوبه وتفرده في الابتكار وقدرته المستمرة على الخلق والابداع على حد سواء " .

اما المباحث الثمانية التي دارت على مسرحيات زنكنة فقد تناولت مضامينها وقضاياها الموضوعية ، وهي قضايا اجتماعية وسياسية مهمة تبرز في كل زمان ومكان " سرمدية الوجود الإنساني " . فالمؤلف الكردي الأصل ينحاز في اعماله الى قيم الدفاع عن الحرية ومحاربة الظلم والطغيان والاستغلال وقيم الزيف والضلال و منوها بدور المثقف في المجتمع ، ضمن معطيات فنية لم يضح بها لصالح " نواياه الإيجابية".

و تناول الأنباري في دراسته العناصر الفنية التي يشملها "البناء الدرامي" متوقفا عند الصراع والشخصيات و الحوار، والعلاقات التي تربط بينها. وربط عند دراسته المسرحيات بين قضاياها وقضايا قصص زنكنة ورواياته وعموم انجازه الأدبي ، وموازنا في الوقت نفسه، بينها وبين اعمال تنتمي الى المسرحين العربي والغربي.ولعل هذا كله ناتج عن متابعة الكاتب الطويلة لمسرح زنكنة وادبه، والصداقة العميقة التي تربط بين الاثنين، وتفاعله مع المسرحيات وقراءته كل ما كتب عنها.

وفي حين توقف الأنباري عند مسرحية "السؤال" وهي اهم مسرحيات زنكنة، ( استأثرت من بين سائر المسرحيات العراقية الرصينة باهتمام النقاد والدارسين والمخرجين العرب واقدامهم على عرضها برؤى مختلفة وافكار متباينة) فهو يرى ان " محيي الدين زنكنة بذل جهدا لافتا في كتابة هذه المسرحية ، معتمدا على اكبر منجز حكائي تراثي "الف ليلة وليلة" و منتقيا منه حكاية شكلت العمود الفقري لهيكل حكايته الجديدة، ورسم من جغرافيتها مسارات عديدة مختلفة تلتقي وتتشابك احيانا عن عقدة السؤال المهم الذي سيظل حاضرا وقائما على امتداد مشاهد المسرحية".

وفيما افاض الانباري في تبيان العناصر الفنية لكل مسرحية من مسرحيات زنكنة الا انه لم يجعل لكتابه خاتمة يورد فيها الخصائص العامة لمسرح صاحب " السؤال" ، انطلاقا من ان كتابه كان في النقد وليس في تاريخ الأدب.

كتاب الأنباري مؤشر على تطور النقد المسرحي في العراق، مثلما هو احتفاء مهم وان جاء متأخرا بكاتب مسرحي يصوغ عمله الأدبي بجدية والتزام منذ ستينات القرن الفائت دون أي تراخ حتي مع ضغوط " ضعف البصر " التي باتت تحاصر زنكنة في مكانه بعيدا عن الوسط الثقافي في بغداد حيث يقيم في مدينة بعقوبة .

والكاتب المسرحي والروائي والقاص زنكنة ولد في مدينة كركوك ( شمال ) العام 1940 ، درس في كلية الاداب بجامعة بغداد وتخرج منها العام 1962 ، عمل مدرسا للغة العربية ، ثم تفرغ لكتابة المسرح والرواية بالعربية والكردية

http://home.planet.nl/~algab000/a64.htm"