في
تجربة الفنان صباح الانباري مخاضات التعبيرفي الزمن الصعب
سعد
السعدون
لاشك أن التغيير الواضح في الحياة التكلنوجية المتغيرة قد جعل للإنسان استجابات جديدة مغايرة كما أن الواقع وتعقيداته التي أفضت إلى مزيد من التهميش للإنسان خلق جواً جديداً لدى المبدع في ابتكار خامات جديدة يتحرٌك خلالها . والمسرح كفن مركب ملتصق بحركة المجتمع لايمكن له أن يحيا خارج نطاق حركة التطور الدائبة التي تشهدها كافة مجالات الإبداع الفني والأدبي ولاريب أن أي تطور يطرأ على المسرحية كنص أدبي لابد أن يطال أولاً المحتوى الفكري لها قبل أن ينعكس على شكلها وبعد أن تتناغم عناصر الشكل والمضمون ضمن قالب معين وتصبح في عداد التقنين يمكن أن تدخل (المسرحية) إلى فضاء التجنيس بمعنى إنها حملت خصائص وسمات جعلتها تندرج تحت يافطة ذلك الجنس أو اللون الأدبي . ولعل حياة الإنسان الذي يعيش في عصر مشحون بالصراعات الدموية المغلفة بآلية المكننة البحتة جعلت الفنان أو الأديب يبحث عن ما يتلائم من أنواع الفن التي بات يحتاجها المجتمع فلم يعد هناك موضوع مثالي يمكن الإدعاء بأنه الأفضل أو أن الموضوع بالنسبة لعصرنا المتغير قلق الإنسان . بل أن عدم الاستقرار أصبح هو ذاته شيئاً مستقراً كذلك الأدوات وفي تجربة الكاتب والناقد صباح الانباري خصوصية الأسلوب الذي هو من البديهي جزء من حياة الفنان والأديب وفي رحلة البحث عن أدوات تعبير جديدة هنا تفرض التسميات نفسها قد يتحفظ الفنان الانباري على التسميات والتصنيفات التي تطلق في ميدان الفن المسرحي ولكن من خلال أعماله لاسيما التي كان ينوء من خلالها بغطاء الصمت يحاول البحث عن حرارة الحياة ذاتها لأن تكون حية . والتصنيف شيء مطلوب لكن يبدو أن شواغل الفنان أعمق من مسألة التصنيف ومن المعروف أن الحياة بعمومها هي مادته الخصبة وأشخاصها موضوع عمله وخلال بحثه فهو لا يلتقط أو يتصيٌد المألوف والعمومي منها بل طرافة وأهمية الموضوع هي التي غالباً ما تحدد الخيار والموضوع لديه لايأتي جاهزاً كما يبدو يكفي أن تومض ملامحه الأولية حتى يصطاده ليكشف عن حالات مجتمعه العراقي الذي عاش الأنين والحسرات لأكثرمن ثلاثة عقود ومازال حتى الآن يئن . وما يحسب للكاتب أن موضوعاته التي يعالجها عبر نصوصه يحاول دائماً وضعها في اطار فني رائدي إن صح التعبير وفي ذلك التقاط الدهشة واستخلاص الحبكة من الواقع فالفنان عندما يفاجأه هذا الواقع وخلال هذه اللحظة الوامضة ، يكون في حالة تسمح له برؤية أكثر دقة من عمل الكاميرا ثم يأتي بعد ذلك الأسلوب ليلبي هذه الحالة الانفعالية والفنان الانباري دائم التعبير كما تعكسه نصوصه المكتوبة وعروضه المسرحية عن حجم الإنسان العراقي المسحوق لكن باسلوب رمزي تتوارى إشارات التعبير فيه خلف الشكل ،والايماءة ورمزية الشخصية التي تحمل إيقونتها الخاصة كما في نصوص ) شواهد الصمت المروٌضة) التي أراد الفنان صباح عبرها أن يتنقٌل في كهنوت الصمت علٌه يجد ضالته لايجاد بلاغة تعبيرية جديدة تعبٌر عن كارثية الواقع المعاش.فالخطاب المسرحي لديه يعتمد على الصوت والصمت وصولاً إلى تحقيق المعنى.ومن الملاحظ منذ فترة وحركة التجريب المسرحي العراقي تشهد حراكاً مختبرياً إزاء إعادة تفعيل آلية الحوار المسرحي على نحو يتواءم مع سياق الأنماط الجديدة للعرض التي أضحت تولي إهتماماً لعناصر الشكل على حساب الحوار أحياناً فالشكل يعتبر أبرز أجزائها بكل تفاصيله الصغيرة والكبيرة بما فيها عمل الممثل . فالحوار بات عنصراً مكملاً لحركة الصورة التي تعد الكيان البصري للعرض . أما في المسرح الصامت فإنه على الرغم من أنه يتجاوز في خطابه حدود اللغات إلا أن إنسانيته كفيلة بإيصال المعنى ويبقى المسرح الصامت أو ما يسمى (بالبانتوميم) مسرحاً يحتكم إلى نص ذي لغة خاصة قائمة على حزمة استشرافات متجاورة مفعمة بالدلالات الساكنة ويعتبر الممثل في المسرح الصامت العصا السحرية التي تحرك منظومة العرض عبر تسخير جميع الموجودات ويأتي في مقدمها جسد الممثل الذي يستنطق حوار النص بواسطة الايماءة والحركة والتكوين المسرحي فضلاً عن عمل الموجودات الأخرى
سعد السعدون