مسرحية

 زمرة الاقتحام (لـصباح الأنباري) بين أدب الخيال العلمي وأدب السيرة

 منتظر عبد الحسين محسن

تضمّن البحث المحاور الآتية:

١ -الإطار النظري: هو إضاءة نقدیة في مصطلحي أدب الخيال العلمي وأدب السيرة الذاتية بأنواعه٢

 -2الإطار التطبيقي: تضمن ملخص المسرحية، وتمثّلات أدب الخیال العلمي من خلال عنصري الزمن وخلق الشخصيات، وتمثّلات أدب السيرة من خلال السیرة المهیمنة، فابتدأنا بالسیرة الموضوعیة وشفعنا بالسیرة الذاتیة .

 -3الخاتمة: وهي تلخیص لما توصل إلیه البحث من نتائج ومن أهمها:

إن أدب الخیال العلمي هو نوع من الأدب  الحدیث  یفید  في  بنائه  من  معطیات  العلم  والتكنولوجیا  لیشید  عالمه  الخاص  الذي  یتناغم وتطلعات الإنسان  المعاصر  لما  هو  جدید،  وهو  ما  وجدناه  في  المسرحية  إذ  اعتمدت  فكرة  التوالد  أو الاستنساخ  البشري  أساساً  في  بناء  أحداثها. إن المسرحية مثّلت فرادة أدبیة في  تركیبها  وبنائها،  لأنها جمعت الأضداد في بوتقة عمل أدبي واحد، فالقارئ یجد فیها الخیال العلمي الجانح نحو عوالم غريبة عن عالمنا ماثلاً، إلى جوار السیرة التي لابد وأن تحیل على واقع خارجي؛ لتحقق غایتها وهدفها الأساس ماثلة أیضاً، وذلك ینمّ عن إمكانية كاتب حصیف متقن لصنعته، ومتمكن من أدواته الفنیة واللغویة. لقد عالجت المسرحية  هموماً  إنسانية  عامة  وخاصّة،  فالعامة  تمثّلت  بسياسة  الطغاة  في  استعباد البشر  وتطویعهم لمآربهم  الدنيئة،  والخاصّة  تمثّلت  بما  تعانیه  الطبقة  المثقفة  سیّما  الكتّاب والمبدعين من  ضغوط السلطة تصل إلى الاعتقال والتعذیب وحتى التصفیة؛ كیما یطوّعوا أقلامهم لتمجیدهم النظام ورموزه

المبحث الأول:

الجانب النظري (أدب الخیال العلمي وأدب السیرة إضاءة في المصطلح:

أولاً (أدب الخیال العلمي )science fiction literature(هو أحد الأنواع الأدبیة الحدیثة التي وظّفت الخیال المقترن بالتطورات العلمیة والمبتكرات التكنولوجیة في بناء عوالم الروایات والقصص ومن ثم المسرحیات، وقد كان ذلك منذ الأربعینات من القرن العشرین بشكل رسمي، مع العلم أن الولادة الحقیقیة لأدب الخیال العلمي في العصر الحدیث بوصفه جنساً سردیاً كانت على ید الروائي الفرنسي) جول فیرن ١٨٢٨١٩٠٥( والإنجليزي) هربرت ویلز ١٨٦٦١٩٤٥)   في القرن التاسع عشر، إذ كتبا قصصاً وروایات تنبّ أت بالكثیر من اختراعات القرن العشرین ، من الطائرة الى الغوّاصة إلى الهبوط على سطح القمر إلى مسرحية) زمرة الاقتحام (لـ)صباح الأنباري (بين أدب الخيال العلمي وأدب السيرة العدد ٥٢السنة ، ومنها روايات ) فیرن( )خمسة أسابيع في منطاد ورحلة إلى مركز الأرض وعشرون ألف فرسخ تحت الماء(  وغيرها من روايات هذا الجنس الدبي)٤(.ویُ عرّف أدب الخیال العلمي بأنه )) نسق وصيغة خاصّة في الكتابة الإبداعية يتكون من ركیزتین أساسیتین وهما  المخیّلة  الأدبیة  الممتزجة  بالحقائق  العلمیة  المجرّدة،  والتي  یستقي  منها  الكاتب  عناصر  التكوین الأساسیة  لهذا  الأدب،  والحقائق  العلمیة  ذاتها  المستمدّة  من  الطبیعة  والواقع  والابتكارات  والمخترعات والتكنولوجیا الحدیثة الممتزجة هي الأخرى بمخیّلة الكاتب (()٥(.و یسمّیه  مجدي  وهبة  و  كامل  المهندس  )الروایة  المستقبلیة  أوالقصص  العلمي  التصوّري(  وهو    ))ذلك الفرع من الأدب الروائي الذي یعالج بطریقة خیالیة استجابة الانسان لكلّ  تقدّم في العلوم والتكنولوجیا ، ویعتبر هذا النوع ضرباً من قصص المغامرات ، إلاّ  أن أحداثه تدور عادة في المستقبل البعید أو على كواكب غیر كوكب الأرض ، وفیه تجسید لتأملات الإنسان في احتمالات وجود حیاة أخرى في الأجرام السماویة ، كما یصوّر مایمكن أن یتوقّع من أسالیب حیاة على وجه كوكبنا هذا بعد تقدّم بالغ في مستوى العلوم والتكنولوجیا، ولهذا النوع من الأدب القدرة على أن یكون قناعاً للهجاء السیاسي من ناحیة ، وللتأمّل في أسرار الحیاة والإلهیات من ناحیة أخرى .(()٦(.وقد اصطلح علیه )ابراهیم فتحي( في معجمه بـ)القصص العلمیة/ science fiction( وهو عنده ))سرد قصصي یعتمد الخیال فیه على المعرفة والنظریات والحدوس العلمیة في الحبكة والفكرة الرئیسیة والمشهد ،  والقصص  العلمیة  ضرب  من  ضروب  الخیال  الجامح  تشكل  الفروض  العلمیة  أساسه  ویعتمد  على الاستنتاجات المنطقیة التي إن تكن محتملة الوقوع فهي غیر قابلة للملاحظة الآن مثل رحلات الفضاء والمغامرات في كواكب أخرى .. إلخ ، وكانت القصص العلمیة معروفة على الأقل ابتداءً من القرن الثاني فقد  ابتدع  لوسیان  الكاتب  الیوناني  بطلاً سافر  إلى  القمر  كما  كتب  جول  فیرن  )في  عشرین  ألف  فرسخ تحت البحر( قصصاً علمیة منذ مایربو على قرن مضى.(()٧(.وعند  الأدیب  الدكتور)طالب  عمران(  هو))الانتقال  عبر  آفاق  الزمن  على  أجنحة  الحلم  المطعّ م بالمكتسبات العلمیة، وغالباً مایطرق مؤلفوه أبواب المستقبل بتنبّؤاتهم دون زمن محدد فهو نظرة واسعة

مسرحية)زمرةالاقتحام (لـ)صباحالأنباري (بينأدبالخيالالعلميوأدبالسيرةالعدد ٥٢السنة ٢٠١٩٥٥٠على  العالم  یدخل  فیها  العلم  فیمتزج  بحقائقه  مع  خیال  الكاتب،  ترسم  أحداث  تنقلك  إلى  المستقبل،  أو الماضي السحیق، فتثیرك وتذهلك . والرابطة بین الخیال والعلم رابطة مؤطّرة، متماسكة ومن یكتب في هذا النوع  من  الأدب  لن  ینجح  دون  ثقافة  علمیة  ممتازة  یستخدمها  في  أحداث  قصصه  وروایاته(()٨(.  وفي جوابه عن سؤال وجّه إلیه حول نفاذیة أدب الخیال العلمي إلى هموم الناس ومتاعبهم وطموحاتهم الكبیرة یقول: ))قد یكون أدب الخیال العلمي فاعلاً لو وظِّ ف في الاتجاه الصحیح، حیث یمكنه أن یحكي عن هموم الناس ومتاعبهم وطموحاتهم.. ویمكن أحیاناً أن یمتزج بواقعهم لیحذرهم من الأخطار المحدقة بهم، عن طریق طرح مشاكل التلوث والمرض والتفجیرات الذریة.. وحتى عن طریق خلق عوالم شبیهة بعالمهم یفرض فیها الأبطال الحل الصحیح لمشاكل مجتمعاتهم في السیاسة(()٩(.أمّا الدكتور)ابراهیم حمادة( فلم یرد عنده هذا المصطلح وإ نما مصطلح آخر یقترب كثیراً في مضمونه من مضامین  المصطلحات  السابقة  وهو  المسرحیة  الفنتزیة  )fantasy  Play(  أي)الخیالیة(  وتعني  عنده ))مسرحیة قائمة على مسرحة الخیال إلى عوالم وهمیة لاتشاكل الواقع ، ولربما تجاوز السرحان فیها إلى آفاق الغیبیات البعیدة ، وما فوق الظواهر الطبیعیة ... وقد تستخدم المسرحیة الفنتزیة نظریات في العلوم الطبیعیة لم تكتشف بعد ، كما یحدث عادة في المسرحیات العلمیة ، كما یمكن تحمیلها مدلولات ترمز إلى واقع سیاسي ، أو أخلاقي ، أو دیني ... إلخ (()١٠(.وأدب الخیال العلميالروائي أو القصصي منه والمسرحي-أدب أفكارأكثر منه أدب بناء فنّي جیّد أو شخصیات مدروسة؛ لأنّ  غایته الأساس هي إثار ة خیال القارئ إلى أقصى حدّ ممكن؛ لینتقل به عبر هذه الإثارة إلى تصوّرات كُتّابه عن العوالمالغریبة التي تدور فیها الأحداث، أو لیصل برسالته إلى عمق الكیان الروحي والعقلي للقارئ)١١(.ومما  تقدّم  یخلص  البحث  إلى  نتیجة  معرفیة  لهذا  النوع  من  الأدب  قوامها  أن  أدب  الخیال  العلمي  هو: ضرب من الأدب النثريالروائي أو القصصي أو المسرحيیجنح نحو الخیال الذي یستمد أدواته من العلوم  الحدیثة  بمختلف  صنوفها،  وما  وصلت  إلیه  من  مكتشفات  وتقنیات  بیولوجیةوصناعیة...إلخ  ؛ لیبتكر لنفسه عالماً مختلفاً عن عوالم الأنواع الأدبیة الأخرى، ومن ثم لیُسقط على ذلك العالم المبتكَر

مسرحية)زمرةالاقتحام (لـ)صباحالأنباري (بينأدبالخيالالعلميوأدبالسيرةالعدد ٥٢السنة ٢٠١٩٥٥١رؤیاه وفلسفته على هیأة شبكة معقدة من الرموز أو الأقنعة الفنیة التي یمرّ ر من خلالها مایشاء أو مایراه واجباً إیصاله إلى الجمهور ، وبخاصّة الموضو عات التي تصوّر العلاقة بین السیاسة والمجتمع ، أو قوى الخیر والشر المتصارعة منذ الأزل، أو التحذیر من الاستعمال السيء للعلوم والتكنولو جیا الحدیثة في غیر  صالح  البشریة،  وقد  تكون  بعض  نماذج  هذا  الأدب  عبارة  عن  نبوءات  واستشراف  للزمن  المستقبل مبني على معطیات الحاضرالمكتنزة بالاحتمالات الممكنةوغیر الممكنة أحیاناًبعد أن یسلّط علیها الأدیب مسبار خیاله ومنظاره الدقیق المتفحّص لطبیعة الحقائق العلمیة ونوامیسها الثابتة والمتغیرة ، وهذا النوع من الأدب یضرب على وتر الزمن فیكون -بالنسبة للقارئ-زمانه الحاضر هو المستقبلوماضیه هو الحاضر كما في المسرحیة مدار بحثنا .  ثانیاًأدب السیرة )Biography literature(:إنّ  أدب السیرة مصطلح عام متشعب تنضوي تحته أو تنبثق منه اصطلاحات لمفاهیم عدّة تتداخل فیما بینها  تداخلاً  یصعب  ولایستحیل-معه  وضع  حدود  فاصلة  أو  مائزة  لكل  مصطلح  من  تلك المصطلحات  المتفرعة  منه؛  ولذلك  اختلف  أهل  المعجمات  والنقّاد  والباحثون  في  تعریف  هذا  النوعمن الأدب  تعریفاً  جامعاً  مانعاً ،  وممّا  تفرع  منه  من  اصطلاحات:  السیرة  الذاتیة،  السیرة  الموضوعیة،  السیرة الذهنیة،  البیوغرافیا،  ترجمة  الحیاة  الشخصیة،  تاریخ  الحیاة  ،السیرةالذاتیة  الروائیة  ...  إلخ،  ولكلٍّ   منها مفهوماً یلتقي و المصطلحات الأخرى من جهة ویفترق من جهة أخرى، ولضیق المقام سنتجنب الخوض في  )أركیولوجیا(  المصطلح  مفهوما  ومصداقاً ،  ونقف  سریعاً  على  أوضح  تقسیمات  السیرة-فیما  نراه  وتعریف كل قسم منها تعریفاً موجزاً . یقسّم )محمد بوعزة( السیرة إلى أربعة أنواع)١٢(:١ -السیرة الذاتیة ٢ -السیرة الموضوعیة ٣ -السیرة الذهنیة ٤ -السیر الذهنیة الموضوعیة

مسرحية)زمرةالاقتحام (لـ)صباحالأنباري (بينأدبالخيالالعلميوأدبالسيرةالعدد ٥٢السنة ٢٠١٩٥٥٢فالسیرة الذاتیةهي ))حكي استعادي نثري یقوم به شخص واقعي عن وجوده الخاص، وذلك عندما یركز على  حیاته  الفردیةوعلى  تاریخ  شخصیته،  بصفة  خاصة.(()١٣(،  ومن  هذا  التعریف  استخلص  )فیلیب لوجون( أربعة عناصر رئیسة تشترك فیها أنواع السیرة)١٤( :أ-شكل اللغة)حكي نثري( ب-الموضوع المطروق)حیاة فردیة أو تاریخ شخصیة معینة( ت-وضعیة المؤلف: تطابق المؤلف)الذي یحیل اسمه إلى شخصیة واقعیة( والراوي ث-وضعیة السارد)الراوي(: تطابق السارد والشخصیة الرئیسة ویكون الحكي من منظور استعادي.وفي الدراما یكون هذا الحكي الاستعادي النثري ممسرحاً عبر حوار الشخصیات؛ كون الحوار هو الركن الوثیق  الذي  تستند  علیه  المسرحیة  قراءة  وتمثیلاً .  والموضوع  المطروق  هو  تاریخ  حیاة  المؤلف)صباح الأنباري( و تاریخ حیاة شخصیة أخرى هي شخصیة الأدیب )محیي الدین زنكنه(، فكلا الشخصیتین یرتبط تاریخها بالزمن الحاضر لكنها بالنظر إلى زمن المسرحیة الواقع في المستقبل تكون شخصیات تاریخیة قد مضى على موتها خمسة قرون ونصف، یتم استعادة تاریخها للوقو ف على الجوانب المضیئة من حیاتها ،وما یجعلها مثالاً یقتدى وأسوة حسنة للأجیال اللاحقة. أمّا المؤلف فتتطابق شخصیته والرواي والشخصیة الرئیسة؛  لأن  المؤلف  )صباح  الأنباري(  باسمه  الصریح  كان  إحدى  الشخصیات  الرئیسة  المشاركة  في الأحداث، فیُبرز لنا جوانب من سیرته الذاتیة من خلال مایتحدث به  -بشكل استعادي  -عن نفسه وعن علاقته  بصدیقه  )زنكنه(  أثناء  الحوار،  أو  من  خلال  ماتتحدث  به  الشخصیات  عنه  وعن  تلك  العلاقة ،و سنقف على كل ذلك في المبحث التطبیقي . أمّا السیرة الموضوعیة)الغیریة( فهي))قصة حیاة شخص تاریخي مشهور كتبها غیره، وهي جنس أدبي من أجناس القصص المرجعي(()١٥(، أو هي السیرة التي تجعل من الآخر موضوعها الرئیس ولیس الذات)كما في السیرة الذاتیة( إذ یقوم فیها السارد بحكي حیاة إنسان آخر ورصد ظروف نشأته متتبعاً مراحل حیاته  وتحوّلاته  في  الزمان  والمكان،  وغالباً  مایكون  المترجَ م  له  في  السیرة  الموضوعیة  فرد  ذو  طابع اعتبار ي متمیّز، له مكانة في المجتمع والتاریخ؛ لكي یكون الهدف من كتابة سیرته هو أخذ العبرة وتقدیم

مسرحية)زمرةالاقتحام (لـ)صباحالأنباري (بينأدبالخيالالعلميوأدبالسيرةالعدد ٥٢السنة ٢٠١٩٥٥٣حیاته بوصفها نموذجاً جدیراً بأن یدوّن ویقتدى به)١٦()) ،فمن النادر أن تكتب سیرة إنسان عادي مغمور لم یكن له تأثیر إیجابي في الحیاة العامة. وتبرز العلاقة بین الذات الكاتبة والذات المكتوب عنها أكثر في حالة  المصاحبة  والاشتراك  في  المشروع  السیاسي  والفكري،  وبالتالي  تصبححیاة  الآخر  جزءًا  من  حیاة الذات(()١٧(، فهذا النوع من السیرة كان هو المهیمن في مسرحیة )زمرة الاقتحام(؛ نظراً لما یمتلكه الكاتب المسرحي والروائي البارز)محي الدین زنكنة( من مقومات الشخصیّة الأنموذج، مما یمكن الاستعانة بها لتجسید دور البطل في أي نص مسرحي ثوري یواكب الواقع ویعطیه زخماً حیاتیاً دافعاً )١٨(،وهو ما سنقف علیه في المبحث التطبیقي أیضاً .و السیرة الذهنیةتعني ))السیرة التيیستعید فیها الكاتب مراحل حیاته الفكریة والثقافیة والتعلیمیة، ویعرض فیها مسارات تعلّمه وتربیته الذهنیة والوجدانیة، وما أثّر في شخصیته الفكریة من تیارات ثقافیة وفلسفیة و ما عاشه من تحوّلات فكریة ونفسیة. ومن أمثلة السیرة الذهنیة في أدبنا العربي، أوراق لعبد اﷲالعروي ...  تهتم  السیرة  الذهنیة  على  خلاف  السیرة  الذاتیة  في  المقام  الأول  بجانب  النمو  الفكري  النفسي للشخصیة والمؤثرات الثقافیة ومیو لها الفنیّة وأذواقها الأدبیّة(()١٩(.وأخیراً السیرة الذهنیة الموضوعیة))هي التي تهتم برصد تطوّر شخصیة فكریة معروفة تستأثر بالاهتمام وبقطب من أقطاب التألیف والفكر الذي یحظى بمقوّماتوقیم تمیّزه عن غیره من الأعلام. یقوم السارد فیها  برصد  مساره  التعلیمي والثقافي  والمعنوي، ویتتبع  أطوار  حیاته  منذ نشأته وطفولته  إلى وفاته. ومن أمثلة السیرة الموضوعیة الذهنیة في أدبنا العربي، حیاة الرافعي للعریان جبران لمیخائیل نعیمة ...(()٢٠(وفي كل هذه الأشكال السیریة نجد تداخلاً بدرجات متباینة بین السیرة الذاتیة والسیرة الموضوعیة والسیرة الذاتیة  والسیرة  الذهنیة وغیرها  من  الأشكال،  بحیث  یبقى  مفهوم  البنیة  المهیمنة  هو  الحاكم والفیصل  في التمییز بینها، ففي بعض الأشكال السیریة یهیمن جانب الذاتیة)أحداث النشأة وظروف التعلم...( وفي بعضها الآخر یهیمن جانب الذهنیة)الفكر والثقافة ...( وهكذا)٢١(                .بعد  هذه  الإضاءة  المعرفیة  المقتضبة  لمصطلحي  أدب  الخیال  العلمي  وأدب  السیرة،  یرى  الباحث  أن مسرحیة )ز مرة الاقتحام( قد توافرت على جُل ماتقدم؛ من حیث أنها مسرحیة اعتمدت في بناء أحداثها

مسرحية)زمرةالاقتحام (لـ)صباحالأنباري (بينأدبالخيالالعلميوأدبالسيرةالعدد ٥٢السنة ٢٠١٩٥٥٤على فكرة الاستنساخ البشري الذي كانت أبحاثه ولم تزل تشغل الدول المتقدمة في مجال الطب والعلوم البایولوجیة  ؛  فاستثمر  الكاتب)صباح  الأنباري( هذه  )الثیمة(  لیخلق  منها  شخوص  مسرحیتة  بطریقة هي من وحي الخیال العلمي؛ منطلقاً في ذلك من خیاله الخصب وثقافته العلمیة وأفق نظره البعید إلى مستقبل هذا  العلوم،  وما  یمكن  أن  تحرزه  من  تقدّم  نوعي  في  مجالها،  ثمّ  خلق  من  ذلك  صراعاً  بین  الشخصیة الرئیسة  التي  تدعى  )البروفیسور(  ذات  الطابع  الاستعماري  التوسعي  الساعي  إلى  الهیمنة  على  الأرض وجعلها  تحت  هیمنته،  وبین  الشخصیات  المستنسخة  عن  أشخاص  حقیقیین  لهم  وجودهم  الواقعي  وهما الأدیب والكاتب المسرحي العراقي )محیي الدین زنكنه( والمؤلّف المسرحیة نفسه)صباح الأنباري( ، فتدور بینهم  حوارات  مكتنزة  بالرؤى  والأفكار  والرموز  التي  توحي  وتشف  بفلسفة  )زنكنه(  وفلسفة  الكاتب،  وهذه الحوارات ماهي إلاّ  تمثّلات للسیر )الذاتیة و الموضوعیة( بصورة درامیة)مسرحیة(، فهي سیرة )موضوعیة( من  حیث  تعرّضها  لجوانب  من  حیاة  )محیي  الدین  زنكنه(  الأدبیة  وسیرته  الشخصیة  في  الثبات  علىالمبادئ التي یؤمن بها ویتبناها، وسیرة )ذاتیة( من حیث تعرّضها لحیاة )الأنباري( بوصفه ناقداً وصدیقاً وثیق الصلة بـ)زنكنه(، ثابتاً على مبادئه وأمیناً على أسرار صاحبه مهما كلّفه ذلك الأمر، یتحدّى الطغاة ویتغلّب علیهم بحنكة وذكاء الناقد المتفرّس، وهذا كله یحیل على سیاق مر جعي واقعي مرتبط بحیاة كلّ منهما؛  ومن  كلّ  هذا  وذاك  اكتسب  بحثنا  هذا  عنوانه  الماثل  على  صفحته  الأولى  سنحاول  في  المبحث الآتي  رصد  تمثّلات  وتشكّلات  أدب  الخیال  العلمي  والسیرة  بأنواعها  حسب  المهیمنات-في  حوارات المسرحیة وعتباتها النصیّة .     المبحث الثاني:الجانب التطبیقي )تحلیل المسرحیة(:أولاً -ملخّص المسرحیة:بحسب التصنیف المعروف في الدراسات المسرحیة فإن مسرحیة )زمرة الاقتحام(هي من المسرحیات ذات الفصل  الواحد)٢٢(،  التي  اعتمدت  الخیال  العلمي  معماراً  فنیّاً  لبناء  أحداثها  وفضائها  )الزماني(  وتكوین شخصیاتها، فزمانها هو المستقبل عام ٢٥٥٢م أي أنها سابقة لزمان تألیفها)عام ١٩٩٣( بخمسة قرون ونصف، ومكانها هو مدینة بعقو بة)دیالى( العراقیة، أمّا شخصیاتها فهي اثنا عشر شخصیة، أربعةٌ منها

مسرحية)زمرةالاقتحام (لـ)صباحالأنباري (بينأدبالخيالالعلميوأدبالسيرةالعدد ٥٢السنة ٢٠١٩٥٥٥شخصیات  بشریة  حقیقیة  حقیقیة  من  حیث  تكوینها  في  عالم  المسرحیة-رئیسة  هي)البروفیسور والدكتور  ألف  والدكتورة  باء  والدكتور  جیم(  و ثمانیة  شخصیات  بشریة  أیضاً  ولكنها  غیر  حقیقیة  یتم استنساخهم أو خلقهم عبر عملیة برمجة معلومات في الحاسب الآلي لیحوّلها الى إشعاعات ومن ثمّ یقوم جهاز یدعى جهاز التوالد بتحویل تلك الإشعاعات إلى طاقة تُسلّط على دمى لتتخذ الشكل الذي تحدده المعلومات المبرمجة.یقوم )البروفیسور( وبمساعدة الدكاترة الثلاثة في عملیة خلق ستة شخصیات)٢٣(–بعد فشل تجارب خلق سابقة بلغت ١٠٣تجربة  -لیكوّن منهم زمرة)مجموعة( تأخذ على عاتقها مسؤولیة اقتحام ثلاثة مراكز مهمة في مدینة بعقوبة؛ لتكون منطلقاً لهم لاحتلال مدن أخرى ومن ثمّ العالم أجمعبحجة حمایة الأرض من شرّ  الفضاء، وهي كالآتي: ١ -ثمالة٢ -مطیع بنالطائع٣ -قارون بن عثمان٤ -الوكیل: مدیر شركة الإیمان للاستیراد والتوزیع ٥ -الأب٦ -الرقیب الاسرائیليهذه الشخصیات في الأصل هي شخصیات وردت في نصوص مسرحیة مختلفة للكاتب المسرحي الراحل)محیي الدین زنكنه( اتّسمت بالمكر والدهاء والعنف والغدر لأجل الوصول إلى غایاتها تُستدعى من زمان نصوصها الى زمان المسرحیة وتُخلَق من جدید عبر آلیة التوالد أو الاستنساخ لتقوم بالمهمة المذكورة ، ولكنّها لم تفلح في ذلك ؛ بسبب أن خالقها جعل حدوداً ضیّقة لطموحاتها ایمكن تجاوزها ؛ ممّا جعل )البروفیسور(  مضطراً  إلى  إیجاد  شخصیة  )زنكنه(  لیوسع  دائرةطموح  شخصیاته  أو  یقطع  صلته  بهم لیتمكن )البروفیسور( من السیطرة الكاملة علیهم ویوجههم كیفما یشاء .وبعد ایجاد شخصیة )زنكنه( یجري حوار جدلي ینطوي على صراع فكري بینه وبین )البروفیسور( ینتهي

مسرحية)زمرةالاقتحام (لـ)صباحالأنباري (بينأدبالخيالالعلميوأدبالسيرةالعدد ٥٢السنة ٢٠١٩٥٥٦برفض )زنكنه( رفضاً قاطعا لما یُطلب منه فیتعرض إلى التعذیب بأشعة )القهر التدریجي( ثم الاحتجاز؛ وبذلك  یبلغ  صراع  الإرادات  ذروته  ویوشك  الزمن  المتبقي  وطاقة  التوالد  على  النهایة  ممّ ا  یزید  من  حدّة الأزمة الدرامیة؛ فیأتي الحلّ  المؤقت باقتراح )الدكتور ألف( أن یبحثوا عمّن یعرف )زنكنه( معرفة تفصیلیة دقیقة؛  لیدلّهم  على  نقاط  ضعفه  ومن  خلالها  یجبروه  على  الرضوخ  إلى  مطالبهم،  فیقترح  )الدكتور  جیم( شخصیة )صباح الأنباري( مؤلّف المسرحیة الواقعي بوصفه أوثق الناس صلةً وقرباً ومعرفة بخصوصیات )زنكنه( الأدبیة والشخصیة، فتمّ  لهم ذلك وأوجدوا شخصیته، لكنّه لم یكن أسهل من صاحبه فأخذ یلف ویدور علیهم لتضییع الوقتاللازم لاحتلال المراكز الثلاثة، فأمرهم بإنهاء شخصیة )زنكنه( فاستجابوا له وبعد  قتل  شخصیة  )زنكنه(  یطلب  منهم  أن  یقیموا  له  مراسیم  الدفن  اللائقة  به،  وعندما  ینتهون  من  ذلك یكون  الوقت  قد  انقضى  ودقّت  ساعة  الصفر  لموت  جمیع  الشخصیات  التي  استولدت  وبموتهم  تنتهي المسرحیة  ویصاب  )البروفیسور(  بالهستیریا،  هستیریا  الانهزام  والقهر  أمام  الإرادة  الصلبة  لذوي  المبادئ الحقّة .  ثانیاًتمثّلات أدب الخیال العلمي:١ -تمثّلات الزمن:إن مایمیّز الأدیب العبقري أنه قادر بفنّه أو بفكره على الانفلات من حدود الزمن وتخطّي الدهور؛ لیجد جواباً على الأسئلة التي یطرحها إنسان العصور، فیتمثّلها الأدیب بهیأة مشكلة یطرحها من خلال عمله الفنّي  ویحاول  الإجابة  عنها؛  وهو  مایكسب  أدبه  أو  فنّه  دیمومة  وتجدداً  وحیویة  على  مرّ  الازمان والعصور)٢٤(. وهو ما نلمسه  في مسرحیة)زمرة الاقتحام( إذ جعل الكاتب أحداثها تسبق زمان تألیفها بخمسة قرون ونصف، أي أنّها تقع في عمق المستقبل لتستشرفه وتكشف لنا جانباً ممّا یمكن وقوعه فیه؛ لنكون على حذر ویقظة دائمین من الاستغلال السيء للتكنولوجیا الحدیثة التي أخذت تسیر بخطى شاسعة لا یمكن إیقافها، فمن الصفحة الثانیة  -التي تُذكر فیها الشخصیات-بعد صفحة العنوان یذكر لنا الكاتب زمان  المسرحیة  ومكانها  فیقول))الزمان  والمكان:  بعقوبة  عام  ٢٥٥٢م(()٢٥(؛  معلناً  من  البدایة  )میثاقاً مسرحیاً( عن زمان الأحداث ؛ فیقطع أيَّ  ظنٍّ   یساور شكوك الرقباء وعیون السلطة الحاكمة آنذاك عن

مسرحية)زمرةالاقتحام (لـ)صباحالأنباري (بينأدبالخيالالعلميوأدبالسيرةالعدد ٥٢السنة ٢٠١٩٥٥٧كونها تحیل أو تشیر إلى واقع حال الأمة أو المجتمع أو الفرد بشكل خاص، فیقطع بذلك صلتنا بهذا العالم  وینتقل  بأذهانناإلى  ذلك  الزمن  المستقبلي  البعید،  كاشفاً لنا  ما  یحتمل  وصول  الإنسان  إلیه ،باستنساخ أشباهه وتطویعهم لخدمته في أغراضه الاستعماریة التوسّعیة، وهي فكرة من قلب الواقعالمعاش في القرن العشرین، إذ شهد ذلك العصر ثورة الإنسان الآلي )الروبوت( والتقدّم الكبیر في معظم العلوم والصناعات.لكنه)الكاتب( یجعل من عمر هذه المخلوقات المستنسخة -بوصفهامظهراً من مظاهر قوّة البروفیسور والذي یمثل رمز الشر والاستعمار العالمي في المسرحیة -محكوماً بعامل الزمن وسرعة الفناء، إشارة إلى زوال وعدم دیمومة الاستعمار وقوى الشر مهما استبدّت وأحكمت سیطرتها على العالم، وذلك ما نلمسه في )الإرشاد المسرحي( الآتي:  البروفسیور: )غیر مبالٍ  بصراخ دكتور جیم( دكتور ألف ضاعفها أكثر قلیلاً )یضاعف الطاقة فتتشكلللدمیة ملامح واضحة هي ملامح دكتور جیم نفسها .. وحین نسمع ضربات قلب مضخّمة بجهاز تضخیم الصوت، یبدأ العقربان بالتحرك وحساب الزمن (...) ()٢٦( .وما هذا الزمن إلاّ  عمر تلك الشخصیات أو الدمى المنسوخة التي لا یتجاوز عمرها الأربع دقائق؛ وهو ما شكّل عبئاً ثقیلاً وقلقاً مستمراً لأنسان ذلك العصر وعقله المدبّر)البروفیسور( الذي یحاول تحقیق الخطوة الاولى من خطوات حلمه المنشود باحتلال مراكز مهمة في المدینة في غضون بضعة دقائق:دكتور ألف: وهل یكفي الوقت لنقوم بذلك  البروفیسور: نعم.. نحن لا نحتاج أكثر من خمس دقائق حتى تكون المدینة قد استسلمت لنا تماماً )٢٧((...)دكتور جیم: ماذا تعني برفیسور؟البروفیسور: الدمیة جیم .. ماتت دكتور جیم: ماتت!! إنها لم تعش سوى أربع دقائق وبضعة أعشار الثانیة .. بروفیسور .. أكنت تتوقع موتها؟