الأنباري.. بين بعقوبة وطنطا!!

بقلم: حسين البعقوبي

صباح الأنباري كاتب مسرحي من طراز خاص.. حرص منذ بداية مشواره مع الأدب على أن يكون مميزا ومغايرا..
الأنباري جرب كتابة القصيدة والقصة.. وعمل في مجال التصوير فكان مصورا بارعا.. وعمل في مجال المسرح ممثلا ومخرجا وكاتبا.

وكانت تربطه علاقة متينة بالكاتب المسرحي الراحل محي الدين زنگنة.

وقد لمست عمق هذه العلاقة عن كثب حين جمعتني بعض اللقاءات معهما سوية. زنگنة (ومع الفارق في العمر) كان يتعامل مع الأنباري كإبن وصديق له

 

الأنباري.. ولكي نعود إلى موضوع التميّز والمغايرة. لم يسلك السبيل السهل عن طريق كتابة المسرحية وفقا للطريقة أو النوع الذي يكتب فيه زنگنة أو غيره من الكتاب الكبار (وهم قلة في وطننا العربي) بل عمد إلى كتابة نوع أو جنس أدبي جديد يختلف عمن سبقوه فكتب المسرحية الصامتة. فكانت أول طريقة في كتابة مسرحية يمكن مشاهدتها عبر القراءة. ويمكن عند تحويلها إلى عرض مسرحي إضافة بعد آخر إليها. بطريقة تختلف عما يحدث مع المسرحية الصائتة.

الدكتور سيد علي إسماعيل. الذي قدم وأشرف على كتاب (صوامت الأنباري في مرايا المسرح الجامعي) يقول في مقدمته للكتاب: إن تجربة صباح الأنباري تتمثل في سؤال، يقول: كيف تقرأ نصا صامتا ولا تشاهده؟ ومن خلال الإجابة على هذا السؤال، سنكتشف أن تجربة صوامت الأنباري هي محاولة وضع فن البانتومايم في جنس أدبي لقراءته وليس في شكل فني لرؤيته.

وهذا ما لمسته أنا شخصيا منذ اطلاعي على أول تجربة له في هذا المجال. وهي (طقوس صامتة) وهو الكتاب الذي صدر عام ٢٠٠٠ وكتبت عنه مقالا بعنوان (طقوس تجهر بالصمت) عام ٢٠٠١ نشر في مجلة المشهد.

الأنباري هاجر إلى أستراليا عام ٢٠٠٥ وواصل مشواره الإبداعي بنجاح وتألق يشار له بالبنان.. فقد كتب خلال هذا المشوار أكثر من ١٨ مؤلفا ما بين مسرح الصوامت، والصوائت، والنقد وغيرها.
ورب سائل يسأل بعد كل ما تقدم من حديث عن الأنباري: ما علاقة طنطا بالموضوع ولم وضعت علامة التعجب؟
وللإجابة عن هذا السؤال سأتحدث. عن حلم أو نبوءة تنبأت بها للأنباري منذ أول مرة قرأت فيها طقوسه الصامتة.. أن هذا الكاتب ستتلقف الجامعات العراقية تجربته كي تدرّس ضمن مناهجها. لكونها تجربة عراقية فريدة من نوعها. وبالتالي يحق لهذه الجامعات أن تفتخر وتحتفل بهذه التجربة.
وبشكل أخص مدينته بعقوبة. التي تقع فيها جامعة ديالى. والأمر ينسحب أيضا على كلية الفنون الجميلة في ديالى. وقد سبق لي أن أهديتها مجموعة من أعمال الأنباري الصامتة والصائتة. فكرمت تلك الكتب بوضعها في مكتبة الكلية وبكتاب شكر وتقدير (رسمي) للكاتب. وانتهى الموضوع عند هذا الحد.. لا أكثر !!
وللأمانة.. يجب ألا ننسى دور الدكتور فاضل عبود التميمي.. في تسليط الضوء على تجربة الأنباري وتعريف طلبة الجامعة بها. وكذلك دور جامعة ديالى في منح الأنباري.. فرصة تدريس المسرح في الجامعة قبل مغادرته العراق بعدة سنوات. لكن ما يحز في النفس أن تقوم جامعة طنطا(المصرية) بإدخال صوامت الأنباري كمنهج وأن يكلف طلبة الدراسات العليا بجامعة طنطا.. بإعداد مشاريع بحوثهم حول المسرحيات الصامتة للأنباري. وأن تتحول هذه التجربة إلى كتاب ينشر تلك البحوث.. كتأكيد آخر على أهميتها وتفردها.
وأنا حين أقول إن هذا الأمر يحزّ في النفس إنما يدفعني الى ذلك احترامي وتقديري لجامعة ديالى وما عتبي عليها إلا عتب المحب عليها وعلى جامعات العراق التي يجب عليها أن تعيد النظر.. ليس في تجربة الأنباري فقط.. إنما في كل التجارب العراقية المميزة.