التأصيل والتجريب في مسرح عبد الفتاح رواس قلعه جي للكاتب والباحث صباح الانباري

خوض بحثي لاستنباط ملامح تجربة مسرحية لها خصوصيتها المنهجية

بقلم: قاسم ماضي

صدرت عن مكتبة اتحاد الكتاب العرب دراسة بحثية نقدية للكاتب المسرحي والباحث العراقي المقيم في أستراليا صباح الأنباري وتصدى الكاتب المذكور في هذه الدراسة المعمقة الى تجربة المسرحي السوري عبد الفتاح رواس قلعه جي ، تصدى الى تجربته في تنميط الكتابة المسرحية وتطويعها لاتجاهات فنية معينة عبر آلية التجريب المسرحي التي تعد الأساس في إطلاق العنان لأي ظاهرة فنية تحاول أن تكرس نفسها عبر تجارب عديدة وقد بيّن الأنباري السبل التي انتهجها قلعه جي لتكريس مشروعه الفني مستفيدا ً من تجارب التراث ومسرح خيال الظل شذرات من ملامح المسرح الاحتفالي فضلا ً عن اشتغالات معاصرة، وأظهر الأنباري عبر جهد بحثي كبير ابرز النقاط التي شرحت لنا بالأمثلة الجلية المدى الكبير الذي يمتلكه قلعه جي في فهم مختلف تلك الأنماط الفنية التي يستفيد منها ومدى معرفته وحساسيته في اقتناص أجزاء معينة لتساهم في نحت كيان تجربته المسرحية التي أخذت اليوم طابعها الخاص بعد سيل من التجارب التي كرست مفاهيمه الفنية التي أراد لها أن تكون ، واشتملت الدراسة على عدة فصول وأبواب قام الأنباري بتناول كل محور فني في تجربة الكاتب السوري المذكور بإسهاب ووعي كبير وأستهل الأنباري بحثه بكتابة نبذة عن حياة قلعه جي وابرز الأسباب التي دعته لتناول تجربته عبر مجسات البحث والتنقيب مبينا ً أنه أعجب بنتاجه منذ الوهلة الأولى لقراءة نصوصه ، ومن المعروف أن المسرح فن من الفنون الجميلة الشاملة التي لها القدرة على توظيف كل الأشكال التعبيرية المعروضة من استعراض فني وموسيقى وشعر ورسم ، ولاشك أن حركة المسرح تأثرت بتطور أشكال الكتابة النثرية التي تحكمت بسياقات التحول الاجتماعي الذي شهدته المجتمعات العربية ولأن المسرح جنس أدبي متميز تحدده مكونات أساسية تتمثل في ( البنية ، وخصائص الخطاب ، الرسائل اللغوية ) وفي هذه الدراسة تمكن الأنباري عبر تناوله البحثي المستفيض من الاقتراب الى جوهر التجربة لدى قلعه جي من خلال الولوج الى جزئيات نصه وعرضه المسرحيين حيث حاول التعرض لها بدء ا ً من العنوان الذي يعتبر مفتاح أي تجربة فنية لذلك نجد أن الدراسة بفصولها الثلاثة ومحاورها العديدة آثرت الخوض بمسألة العنونة وموجهاتها التي تعد من العوامل المحفزة لتوجيه بوصلتها الفكرية وقام الأنباري بطرح تفسيراته التي استلها عبر قراءة معمقة لمتون نصوص قلعه جي فضلا ً عن محاولته مقاربة تلك المفردات مع إشتغالاته على الخشبة حيث أفرد لنا آليات توظيف كل مفردة بصرية ولغوية ، ومقاصدها الفكرية وتوظيفها الجمالي حتى وصل الى استنباط لمخرجات تلك التجربة المسرحية التي تأصلت من خلال تكريس مفاهيم فنية معينة تم زجها بعناية لتأخذ التجربة المسرحية شكلها وحُلَتها وطابعها الذي يشي بهويتها الفنية إن صح الوصف فيمكن القول أن الأنباري رصد ابرز محطات التحول لدى قلعه جي ومحاولاته في تطويع الأشكال المسرحية ذات الطابع العربي المولودة من رحم التراث في شكل فني معاصر وبعيدا ً عن مناهج النقد المطروحة ذهب الأنباري بأسلوبه النقدي والبحثي مستفيدا ً من آليات البنيوية والتفكيكية في رصد التجربة هذه شهدنا له تفكيك الأنساق الفنية التي جاءت في عدد من التجارب المسرحية للقلعه جي وقد اهتم بخطاب التأويل ولاشك أن هذا الخطاب يعني الاهتمام بمناهج التفسير ويتموضع في أساس وأصل المادة ، والـتأويل في أوسع معانيه هو توضيح مغزى النتاج الفني بكليته والمقاصد التي ينطوي عليها باستخدام وسيلة اللغة وبهذا المفهوم فوظيفة التأويل تتلخص في شرح خصائص العمل وسماته ونوعه الأدبي الذي ينتمي إليه وبنيته وأغراضه وتأثيراته الفكرية وفي التصدي النقدي للأنباري نجد أنه استخدم تقنية (هرمنوطيقية) النقدية التي تحيل الى الرجوع الى المعنى الأول الخالص لنصوص قلعه جي والتعرض لبنيتها الداخلية وشكلها المعماري والمعرفي عن طريق الرسائل المستترة في متون النصوص وقد شرح الأنباري بعض الرسائل وسبب تواريها وعلّل ذلك بمسألة الرقيب التي يعاني منها معظم المشتغلين بحقل الأدب والفن ، والأنباري بنشاطه التأويلي لمحاولته لفهم النصوص إنما هو حاول خلق دائرة ( هرمينوطيقية) لفهم مزيد من المعاني المحددة لأجزاء أي وحدة لغوية جاءت ضمن سياق النصوص و تحمل مضمونها الفكري ، ولا شك أن معرفة الحقائق تذهب الى ما هو أبعد من المنهج النقدي أو البحثي ، فالمنهج كما يقول (غاديير) هو مسألة ينبغي أن يُعاد النظر في مشروعيتها بينما الحقيقة لها سياقات تراوغ المنهج لان المنهج يبقى تلك الصيغة العلمية للتعرف على فحوى الخطاب الفني ، وفي نصوص قلعه جي التي طغى عليها العامل الفلسفي بأسلوبه الساخر ثمة حقائق كشف عنها الأنباري وهو يعيد قراءتها بعين حساسة وبعد أن تناول قدم الأنباري دراسته لنصوص قلعه جي التي كرست حضورها المسرحي يقدم الأنباري في نهاية دراسته جملة من الاستنتاجات التي استنتجها من تلك التجربة وجاءت على شكل نقاط بعضها تحمل مفاهيم حول التجريب وسياقاته الفكرية وآليات تطبيقاته ، وجدير بالذكر أن كتاب التأصيل والتجريب للكاتب المسرحي العراقي صباح الأنباري الذي صدر ضمن سلسلة دراسات ويحمل الرقم (6) يقع في (101) صفحة وهو من القطع المتوسط ويعد ُ دراسة متميزة ويحتوي على مقاربات معمقة لتجربة المسرحي السوري عبد الفتاح رواس قلعه جي . 

 قاسم ماضي – ديترويت