مسرحية (زمرة الاقتحام)([1])
لـ(صباح الأنباري)([2])
بين أدب الخيال العلمي وأدب السيرة
م. م. منتظر عبد الحسين محسن
العراق / جامعة القادسية
الخلاصة
يقوم البحث على
دراسة نقدية في مسرحية (زمرة الاقتحام) للكاتب العراقي (صباح الأنباري)، استمدّت
عنوانها من طبيعة المسرحية وإشكاليتها النوعية، فهي من جانب تمثّل نموذجا من نماذج
أدب الخيال العلمي، وذلك من خلال التركيبة البنائية لزمنها ولتكوين شخصياتها، زيادة
على تصنيف كاتبها لها ضمن هذا النوع من الأدب، ومن جانب آخر تمثّل نموذجاً لأدب
السيرة، يجمع في تضاعيفه سيرة موضوعية ترتبط بحياة صديق حميم للكاتب، وسيرة ذاتية
ترتبط بمحطات من حياة كاتبها. يوظف فيها الكاتب عنصر الخيال العلمي، ليكون قناعاً
فنياً يوهم السلطة الحاكمة بواقعية الأحداث أو احتمال إشارتها لواقع محدد؛ وعليه
يقوم الباحث برصد تمثّلات أدب الخيال العلمي وأدب السيرة في المسرحية، مفيداً في
رصده هذا من الدراسات النقدية والمعجمية التي تعرّضت لهذين الأدبين تعريفاً
وتنظيراً، ليصل من خلال تطبيق مقولاتها على نص المسرحية إلى عدد من النتائج المهمة
التي شكّلت خاتمة البحث.
المقدمة
لقد دخل العلم الحديث ومكتشفاته في كل صغيرة وكبيرة من حياتنا، فكل شيء في حياتنا
إلا وتجد للعلم فيه وجه وللتكنولوجيا فيه يد، حتى غدت حياة الإنسان في خضمّ هذا
التطوّر العلمي الهائل تحكمها الآلة وتسيّرها الحواسيب؛ وهذا ما انعكس على الآداب
والفنون جميعاً فأخذت تنهل من ذلك ما تحتاج لتقيم به أودها وتشيد بناءها الفكري
والفني، ولارتباط الأدب بحياة الإنسان لم يكن بمعزل عن ذلك التأثر الذي أنتج لنا
لوناً أدبياً جديداً اختُلِف في تسميته والاصطلاح عليه عند أهل المعجمات الأدبية،
لكنه شاع واشتهر بلغة النقّاد والدارسين بـ(أدب الخيال العلمي).
ومسرحية (زمرة
الاقتحام) التي نحن بصدد دراستها هي واحدة من نماذج هذا الادب، إذ تطالعك في صفحتها
الأولى
وأسفل العنوان مباشرة عبارة (مسرحية من
الخيال العلمي) وللرغبة في
الاطلاع على هذا النوع الأدبي واستكناه عوالمه وأبعاده، عكفت على دراسة
المسرحية دراسة نصيّة تقوم على استنطاق بنيتها اللغوية (الأدبية) للوصول إلى
أبعادها الفكرية والفنية، فوجدتها مسرحية اعتمدت الخيال العلمي لا لشيء إلا ليكون
رماداً تذروه في عيون السلطة الحاكمة آنذاك، أو قناعاً لتقول من خلاله ما تريد،
مرّة بالتصريح ومرّات أخرى بالتلميح الواضح إلى كل مواطن الخطأ
والظلم الذي يطال حياة الإنسان وكرامته!
وفي الوقت نفسه
كانت تؤرّخ بطريقة أدبية سيرة كاتب طالما شُغِف به مؤلّفُ المسرحية (الأنباري) حباً
وإعجاباً؛ فألف بسبب ذلك في سيرته، وتحليل نصوصه، وكل ما يتعلق به وبمنجزه الأدبي
الكبير والمتنوع المؤلّفات والمقالات، ذلك الكاتب هو الأديب والكاتب المسرحي الراحل
(محيي الدين زنكنه)([3])
والذي تربطه به علاقة وطيدة ووشيجة عمرها عشرات السنين؛ وقد تركت هذه العلاقة أثراً
كبيراً في نفس (الأنباري) ليُثمر هذا الأثر فتتمخّض عنه نصوص مسرحية ودراسات نقدية
وبيوغرافيا شخصية ، وما هذه المسرحية – التي نحن بصددها – إلا واحدة من ثمرات ذلك
الأثر!
وتضمّن البحث
المحاور الآتية:
1-
الإطار النظري: هو إضاءة نقدية في مصطلحي أدب الخيال العلمي وأدب السيرة الذاتية
بأنواعه.
2-
الإطار التطبيقي: تضمن ملخص المسرحية، وتمثّلات أدب الخيال العلمي من خلال عنصري
الزمن وخلق الشخصيات، وتمثّلات أدب السيرة من خلال السيرة المهيمنة، فابتدأنا
بالسيرة الموضوعية وشفعنا بالسيرة الذاتية.
3-
الخاتمة: وهي تلخيص لما توصّل إليه البحث من نتائج ومن أهمها:
إن أدب الخيال العلمي هو نوع من الأدب الحديث يفيد في بنائه من معطيات العلم
والتكنولوجيا ليشيد عالمه الخاص الذي يتناغم وتطلعّات الإنسان المعاصر لما هو جديد،
وهو ما وجدناه في المسرحية إذ اعتمدت فكرة التوالد أو الاستنساخ البشري أساساً في
بناء أحداثها. إن المسرحية مثّلت فرادة أدبية في تركيبها وبنائها، لأنها جمعت
الأضداد في بوتقة عمل أدبي واحد، فالقارئ يجد فيها الخيال العلمي الجانح نحو عوالم
غريبة عن عالمنا ماثلاً، إلى جوار السيرة التي لابد وأن تحيل على واقع خارجي؛ لتحقق
غايتها وهدفها الأساس ماثلة أيضاً، وذلك ينمّ عن إمكانية كاتب حصيف متقن لصنعته،
ومتمكن من أدواته الفنية واللغوية. لقد عالجت المسرحية هموماً إنسانية عامة وخاصّة،
فالعامة تمثّلت بسياسة الطغاة في استعباد البشر وتطويعهم لمآربهم الدنيئة، والخاصّة
تمثّلت بما تعانيه الطبقة المثقفة سيما الكتّاب والمبدعين من ضغوط السلطة تصل إلى
الاعتقال والتعذيب وحتى التصفية؛ كيما يطوّعوا أقلامهم لتمجيد النظام ورموزه.
ختاماً يأمل الباحث أن يكون قد أصاب ما أراد، وإن لم يصب فحسبه أنه اجتهد اجتهاد
الباحث الحريص على الوصول إلى هدفه، ونسأل الله تعالى شأنه التوفيق والسداد.
المبحث الأول/ الجانب النظري (أدب الخيال العلمي وأدب السيرة إضاءة في المصطلح)
أولاً - أدب الخيال العلمي
(science
fiction literature)
هو أحد الأنواع الأدبية الحديثة التي
وظّفت الخيال المقترن بالتطورات العلمية والمبتكرات التكنولوجية في بناء عوالم
الروايات والقصص ومن ثم المسرحيات، وقد كان ذلك منذ الأربعينات من القرن
العشرين بشكل رسمي، مع العلم أن الولادة الحقيقية لأدب الخيال العلمي في العصر
الحديث بوصفه جنساً سردياً كانت على يد الروائي الفرنسي (جول فيرن 1828 – 1905 )
والإنجليزي (هربرت ويلز 1866– 1945) في القرن التاسع عشر، إذ كتبا قصصاً
وروايات تنبّأت بالكثير من اختراعات القرن العشرين، من الطائرة إلى الغوّاصة إلى
الهبوط على سطح القمر، ومنها روايات (فيرن) (خمسة أسابيع في منطاد و رحلة
إلى مركز الأرض وعشرون ألف فرسخ تحت الماء) وغيرها من روايات هذا الجنس الأدبي([4]).
ويُعرّف أدب
الخيال العلمي بأنه ((نسق وصيغة خاصّة في الكتابة الإبداعية يتكوّن من
ركيزتين أساسيتين وهما المخيّلة الأدبية الممتزجة بالحقائق العلمية المجرّدة، والتي
يستقي منها الكاتب عناصر التكوين الأساسية لهذا الأدب، والحقائق العلمية ذاتها
المستمدّة من الطبيعة والواقع والابتكارات والمخترعات والتكنولوجيا الحديثة
الممتزجة هي الأخرى بمخيّلة الكاتب))([5])
ويسمّيه
مجدي وهبة وكامل المهندس (الرواية المستقبلية أو القصص العلمي التصوّري)
وهو ((ذلك الفرع من الأدب الروائي
الذي يعالج بطريقة خيالية استجابة الانسان لكلّ تقدّم في العلوم والتكنولوجيا،
ويعتبر هذا النوع ضرباً من قصص المغامرات، إلّا أن أحداثه تدور عادة في المستقبل
البعيد أو على كواكب غير كوكب الأرض، وفيه تجسيد لتأملات الإنسان في احتمالات وجود
حياة أخرى في الأجرام السماوية، كما يصوّر ما يمكن أن يتوقّع من أساليب حياة على
وجه كوكبنا هذا بعد تقدّم بالغ في مستوى العلوم والتكنولوجيا، ولهذا النوع من الأدب
القدرة على أن يكون قناعاً للهجاء السياسي من ناحية، وللتأمّل في أسرار الحياة
والإلهيات من ناحية أخرى.))([6]).
وقد اصطلح
عليه (ابراهيم فتحي) في معجمه بـ(القصص العلمية/
science fiction)
وهو عنده ((سرد قصصي يعتمد الخيال فيه على المعرفة والنظريات والحدوس العلمية في
الحبكة والفكرة الرئيسية والمشهد، والقصص العلمية ضرب من ضروب الخيال الجامح تشكل
الفروض العلمية أساسه ويعتمد على الاستنتاجات المنطقية التي إن تكن محتملة الوقوع
فهي غير قابلة للملاحظة الآن مثل رحلات الفضاء والمغامرات في كواكب أخرى.. إلخ،
وكانت القصص العلمية معروفة على الأقل ابتداءً من القرن الثاني فقد ابتدع لوسيان
الكاتب اليوناني بطلاً سافر إلى القمر كما كتب جول فيرن (في عشرين ألف فرسخ تحت
البحر) قصصاً علمية منذ ما يربو على قرن مضى.))([7])
.
وعند
الأديب الدكتور (طالب عمران) هو ((الانتقال عبر آفاق الزمن على أجنحة
الحلم المطعّم بالمكتسبات العلمية، وغالباً ما يطرق مؤلفوه أبواب المستقبل
بتنبّؤاتهم دون زمن محدد فهو نظرة واسعة على العالم يدخل فيها العلم فيمتزج بحقائقه
مع خيال الكاتب، ترسم أحداث تنقلك إلى المستقبل، أو الماضي السحيق، فتثيرك وتذهلك.
والرابطة بين الخيال والعلم رابطة مؤطّرة، متماسكة ومن يكتب في هذا النوع من الأدب
لن ينجح دون ثقافة علمية ممتازة يستخدمها في أحداث قصصه ورواياته ))([8]).
وفي جوابه عن سؤال وجّه إليه حول نفاذية أدب الخيال العلمي إلى هموم الناس ومتاعبهم
وطموحاتهم الكبيرة يقول: ((قد يكون أدب الخيال العلمي فاعلاً لو وظِّف في
الاتجاه الصحيح، حيث يمكنه أن يحكي عن هموم الناس ومتاعبهم وطموحاتهم.. ويمكن
أحياناً أن يمتزج بواقعهم ليحذرهم من الأخطار المحدقة بهم، عن طريق طرح مشاكل
التلوث والمرض والتفجيرات الذرية.. وحتى عن طريق خلق عوالم شبيهة بعالمهم يفرض فيها
الأبطال الحل الصحيح لمشاكل مجتمعاتهم في السياسة ))([9])
أمّا الدكتور(ابراهيم حمادة)
فلم يرد عنده هذا المصطلح وإنما مصطلح آخر يقترب كثيراً في مضمونه من مضامين
المصطلحات السابقة وهو المسرحية الفنتزية (fantasy
Play)
أي (الخيالية) وتعني عنده
((مسرحية قائمة على مسرحة الخيال إلى عوالم وهمية لا تشاكل الواقع، ولربما تجاوز
السرحان فيها إلى آفاق الغيبيات البعيدة، وما فوق الظواهر الطبيعية... وقد تستخدم
المسرحية الفنتزية نظريات في العلوم الطبيعية لم تكتشف بعد، كما يحدث عادة في
المسرحيات العلمية، كما يمكن تحميلها مدلولات ترمز إلى واقع سياسي ، أو أخلاقي ، أو
ديني ... إلخ ))([10])
.
وأدب الخيال
العلمي – الروائي أو القصصي منه والمسرحي- أدب أفكار أكثر منه أدب بناء فنّي جيّد
أو شخصيات مدروسة؛ لأنّ غايته الأساس هي إثارة خيال القارئ إلى أقصى حدّ ممكن؛
لينتقل به عبر هذه الإثارة إلى تصوّرات كُتّابه عن العوالم الغريبة التي تدور فيها
الأحداث، أو ليصل برسالته إلى عمق الكيان الروحي والعقلي للقارئ([11]).
ومما تقدّم يخلص
البحث إلى نتيجة معرفية لهذا النوع من الأدب قوامها أن أدب الخيال العلمي هو: ضرب
من الأدب النثري – الروائي أو القصصي أو المسرحي
– يجنح نحو الخيال الذي يستمد أدواته من العلوم الحديثة بمختلف صنوفها، وما
وصلت إليه من مكتشفات وتقنيات بيولوجية وصناعية... إلخ؛ ليبتكر لنفسه عالماً
مختلفاً عن عوالم الأنواع الأدبية الأخرى، ومن ثم ليُسقط على ذلك العالم المبتكَر
رؤياه وفلسفته على هيأة شبكة معقدة من الرموز أو الأقنعة الفنية التي يمرّر من
خلالها ما يشاء أو ما يراه واجباً إيصاله إلى الجمهور، وبخاصّة الموضوعات التي
تصوّر العلاقة بين السياسة والمجتمع، أو قوى الخير والشر المتصارعة منذ الأزل، أو
التحذير من الاستعمال السيء للعلوم والتكنولوجيا الحديثة في غير صالح البشرية، وقد
تكون بعض نماذج هذا الأدب عبارة عن نبوءات واستشراف للزمن المستقبل مبني على معطيات
الحاضر المكتنزة بالاحتمالات الممكنة – وغير الممكنة أحياناً – بعد أن يسلّط عليها
الأديب مسبار خياله ومنظاره الدقيق المتفحّص لطبيعة الحقائق العلمية ونواميسها
الثابتة والمتغيرة، وهذا النوع من الأدب يضرب على وتر الزمن فيكون- بالنسبة للقارئ-
زمانه الحاضر هو المستقبل وماضيه هو الحاضر كما في المسرحية مدار بحثنا.
ثانياً – أدب السيرة (Biography
literature)
إنّ أدب السيرة مصطلح عام متشعب تنضوي
تحته أو تنبثق منه اصطلاحات لمفاهيم عدّة تتداخل فيما بينها تداخلاً يصعب – ولا
يستحيل- معه وضع حدود فاصلة أو مائزة لكل مصطلح من تلك المصطلحات المتفرعة منه؛
ولذلك اختلف أهل المعجمات والنقّاد والباحثون في تعريف هذا النوع من الأدب تعريفاً
جامعاً مانعاً ، وممّا تفرع منه من اصطلاحات: السيرة الذاتية، السيرة الموضوعية،
السيرة الذهنية، البيوغرافيا، ترجمة الحياة الشخصية، تاريخ الحياة، السيرة الذاتية
الروائية ... إلخ، ولكلٍّ منها مفهوماً يلتقي والمصطلحات الأخرى من جهة ويفترق من
جهة أخرى، ولضيق المقام سنتجنب الخوض في (أركيولوجيا) المصطلح مفهوما ومصداقاً،
ونقف سريعاً على أوضح تقسيمات السيرة - فيما نراه – وتعريف كل قسم منها تعريفاً
موجزاً.
يقسّم (محمد بوعزة) السيرة إلى أربعة أنواع([12]):
1-
السيرة الذاتية
2-
السيرة الموضوعية
3-
السيرة الذهنية
4-
السير الذهنية الموضوعية
فالسيرة
الذاتية هي ((حكي استعادي نثري يقوم به شخص واقعي عن وجوده الخاص، وذلك
عندما يركز على حياته الفردية وعلى تاريخ شخصيته، بصفة خاصة.))([13])،
ومن هذا التعريف استخلص (فيليب لوجون) أربعة عناصر رئيسة تشترك فيها
أنواع السيرة([14]):
أ-
شكل اللغة (حكي نثري)
ب-
الموضوع المطروق (حياة فردية أو تاريخ
شخصية معينة)
ت-
وضعية المؤلف: تطابق المؤلف (الذي يحيل
اسمه إلى شخصية واقعية) والراوي
ث-
وضعية السارد(الراوي): تطابق السارد
والشخصية الرئيسة ويكون الحكي من منظور استعادي
وفي الدراما يكون
هذا الحكي الاستعادي النثري ممسرحاً عبر حوار الشخصيات؛ كون الحوار هو الركن
الوثيق الذي تستند عليه المسرحية قراءة وتمثيلاً. والموضوع المطروق هو تاريخ حياة
المؤلف (صباح الأنباري) وتاريخ حياة شخصية أخرى هي شخصية الأديب (محيي الدين زنكنه)
فكلا الشخصيتين يرتبط تاريخها بالزمن الحاضر لكنها بالنظر إلى زمن المسرحية الواقع
في المستقبل تكون شخصيات تاريخية قد مضى على موتها خمسة قرون ونصف، يتم استعادة
تاريخها للوقوف على الجوانب المضيئة من حياتها، وما يجعلها مثالاً يقتدى وأسوة حسنة
للأجيال اللاحقة. أمّا المؤلف فتتطابق شخصيته والراوي والشخصية الرئيسة؛ لأن المؤلف
(صباح الأنباري) باسمه الصريح كان إحدى الشخصيات الرئيسة المشاركة في الأحداث،
فيُبرز لنا جوانب من سيرته الذاتية من خلال ما يتحدث به - بشكل استعادي - عن نفسه
وعن علاقته بصديقه (زنكنة) أثناء الحوار، أو من خلال ما تتحدث به الشخصيات عنه وعن
تلك العلاقة، وسنقف على كل ذلك في المبحث التطبيقي.
أمّا
السيرة الموضوعية(الغيرية) فهي(( قصة حياة شخص تاريخي مشهور كتبها غيره،
وهي جنس أدبي من أجناس القصص المرجعي))([15])،
أو هي السيرة التي تجعل من الآخر موضوعها الرئيس وليس الذات (كما في السيرة
الذاتية) إذ يقوم فيها السارد بحكي حياة إنسان آخر ورصد ظروف نشأته متتبعاً مراحل
حياته وتحوّلاته في الزمان والمكان، وغالباً ما يكون المترجَم له في السيرة
الموضوعية فرد ذو طابع اعتباري متميّز، له مكانة في المجتمع والتاريخ؛ لكي يكون
الهدف من كتابة سيرته هو أخذ العبرة وتقديم حياته بوصفها نموذجاً جديراً بأن يدوّن
ويقتدى به([16])،
((فمن النادر أن تكتب سيرة إنسان عادي مغمور لم يكن له تأثير إيجابي في الحياة
العامة. وتبرز العلاقة بين الذات الكاتبة والذات المكتوب عنها أكثر في حالة
المصاحبة والاشتراك في المشروع السياسي والفكري، وبالتالي تصبح حياة الآخر جزءًا من
حياة الذات))([17])
فهذا النوع من السيرة كان هو المهيمن في مسرحية (زمرة الاقتحام) نظراً
لما يمتلكه الكاتب المسرحي والروائي البارز (محي الدين زنكنة) من مقومات الشخصيّة
الأنموذج، مما يمكن الاستعانة بها لتجسيد دور البطل في أي نص مسرحي ثوري يواكب
الواقع ويعطيه زخماً حياتياً دافعاً([18])،
وهو ما سنقف عليه في المبحث التطبيقي أيضاً.
والسيرة
الذهنية تعني ((السيرة التي يستعيد فيها الكاتب مراحل حياته الفكرية
والثقافية والتعليمية، ويعرض فيها مسارات تعلّمه وتربيته الذهنية والوجدانية، وما
أثّر في شخصيته الفكرية من تيارات ثقافية وفلسفية وما عاشه من تحوّلات فكرية
ونفسية. ومن أمثلة السيرة الذهنية في أدبنا العربي، أوراق لعبد الله العروي... تهتم
السيرة الذهنية – على خلاف السيرة الذاتية – في المقام الأول بجانب النمو الفكري
النفسي للشخصية والمؤثرات الثقافية وميولها الفنيّة وأذواقها الأدبيّة. ))([19])
وأخيراً
السيرة الذهنية الموضوعية ((هي التي تهتم برصد تطوّر شخصية فكرية
معروفة تستأثر بالاهتمام وبقطب من أقطاب التأليف والفكر الذي يحظى بمقوّمات وقيم
تميّزه عن غيره من الأعلام. يقوم السارد فيها برصد مساره التعليمي والثقافي
والمعنوي، ويتتبع أطوار حياته منذ نشأته وطفولته إلى وفاته. ومن أمثلة السيرة
الموضوعية الذهنية في أدبنا العربي، حياة الرافعي للعريان جبران لميخائيل
نعيمة...))([20])
وفي كل هذه الأشكال السيرية نجد تداخلاً بدرجات متباينة بين السيرة الذاتية
والسيرة الموضوعية والسيرة الذاتية والسيرة الذهنية وغيرها من الأشكال، بحيث يبقى
مفهوم البنية المهيمنة هو الحاكم والفيصل في التمييز بينها، ففي بعض الأشكال
السيرية يهيمن جانب الذاتية (أحداث النشأة وظروف التعلم...) وفي بعضها الآخر يهيمن
جانب الذهنية (الفكر والثقافة ...) وهكذا([21]).
بعد هذه الإضاءة
المعرفية المقتضبة لمصطلحي أدب الخيال العلمي و أدب السيرة ، يرى الباحث أن مسرحية
(زمرة الاقتحام) قد توافرت على جُل ما تقدم؛ من حيث أنها مسرحية اعتمدت في بناء
أحداثها على فكرة الاستنساخ البشري الذي كانت أبحاثه ولم تزل تشغل الدول المتقدمة
في مجال الطب والعلوم البايولوجية؛ فاستثمر الكاتب (صباح الأنباري) هذه (الثيمة)
ليخلق منها شخوص مسرحيته بطريقة هي من وحي الخيال العلمي؛ منطلقاً في ذلك من خياله
الخصب وثقافته العلمية وأفق نظره البعيد إلى مستقبل هذه العلوم، وما يمكن أن تحرزه
من تقدّم نوعي في مجالها، ثمّ خلق من ذلك صراعاً بين الشخصية الرئيسة التي تدعى
(البروفيسور) ذات الطابع الاستعماري التوسعي الساعي إلى الهيمنة على الأرض وجعلها
تحت هيمنته، وبين الشخصيات المستنسخة عن أشخاص حقيقيين لهم وجودهم الواقعي وهما
الأديب والكاتب المسرحي العراقي (محيي الدين زنكنه) ومؤلّف المسرحية نفسه (صباح
الأنباري) فتدور بينهم حوارات مكتنزة بالرؤى والأفكار والرموز التي توحي وتشف
بفلسفة (زنكنه) وفلسفة الكاتب، وهذه الحوارات ماهي إلّا تمثّلات للسيرتين (الذاتية
والموضوعية) بصورة درامية (مسرحية) فهي سيرة (موضوعية) من حيث تعرّضها لجوانب من
حياة (محيي الدين زنكنه) الأدبية وسيرته الشخصية في الثبات على المبادئ التي يؤمن
بها ويتبناها، وسيرة (ذاتية) من حيث تعرّضها لحياة (الأنباري) بوصفه ناقداً وصديقاً
وثيق الصلة بـ(زنكنه) ثابتاً على مبادئه وأميناً على أسرار صاحبه مهما كلّفه ذلك
الأمر، يتحدّى الطغاة ويتغلّب عليهم بحنكة وذكاء الناقد المتفرّس، وهذا كله يحيل
على سياق مرجعي واقعي مرتبط بحياة كلّ منهما؛ ومن كلّ هذا وذاك اكتسب بحثنا هذا
عنوانه الماثل على صفحته الأولى.
سنحاول في المبحث
الآتي رصد تمثّلات وتشكّلات أدب الخيال العلمي والسيرة بأنواعها – حسب المهيمنات-
في حوارات المسرحية وعتباتها النصيّة.
المبحث الثاني / الجانب التطبيقي (تحليل المسرحية)
أولاً - ملخّص المسرحية
بحسب التصنيف
المعروف في الدراسات المسرحية فإن مسرحية (زمرة الاقتحام) هي من المسرحيات ذات
الفصل الواحد([22])،
التي اعتمدت الخيال العلمي معماراً فنيّاً لبناء أحداثها وفضائها (الزماني) وتكوين
شخصياتها، فزمانها هو المستقبل عام 2552م أي أنها سابقة لزمان تأليفها(عام 1993)
بخمسة قرون ونصف، ومكانها هو مدينة بعقوبة (ديالى) العراقية، أمّا شخصياتها فهي
اثنتا عشرة شخصية ، أربع منها شخصيات بشرية حقيقية – حقيقية من حيث تكوينها في عالم
المسرحية- رئيسة هي (البروفيسور والدكتور ألف والدكتورة باء والدكتور جيم) وثماني
شخصيات بشرية أيضاً ولكنها غير حقيقية يتم استنساخهم أو خلقهم عبر عملية برمجة
معلومات في الحاسب الآلي ليحوّلها الى إشعاعات ومن ثمّ يقوم جهاز يدعى جهاز التوالد
بتحويل تلك الإشعاعات إلى طاقة تُسلّط على دمى لتتخذ الشكل الذي تحدده المعلومات
المبرمجة.
يقوم
(البروفيسور) وبمساعدة الدكاترة الثلاثة في عملية خلق ست شخصيات([23])
– بعد فشل تجارب خلق سابقة بلغت 103 تجربة - ليكوّن منهم زمرة (مجموعة) تأخذ على
عاتقها مسؤولية اقتحام ثلاثة مراكز مهمة في مدينة بعقوبة؛ لتكون منطلقاً لهم
لاحتلال مدن أخرى ومن ثمّ العالم أجمع بحجة حماية الأرض من شرّ الفضاء، وهي كالآتي:
1-
ثمالة
2-
مطيع بن الطائع
3-
قارون بن عثمان
4-
الوكيل: مدير شركة الإيمان للاستيراد والتوزيع
5-
الأب
6-
الرقيب الاسرائيلي
هذه الشخصيات في
الأصل هي شخصيات وردت في نصوص مسرحية مختلفة للكاتب المسرحي الراحل (محيي الدين
زنكنه) اتّسمت بالمكر والدهاء والعنف والغدر لأجل الوصول إلى غاياتها تُستدعى من
زمان نصوصها الى زمان المسرحية وتُخلَق من جديد عبر آلية التوالد أو الاستنساخ
لتقوم بالمهمة المذكورة، ولكنّها لم تفلح في ذلك؛ بسبب أن خالقها جعل حدوداً ضيّقة
لطموحاتها لا يمكن تجاوزها؛ ممّا جعل (البروفيسور) مضطراً إلى إيجاد شخصية (زنكنه)
ليوسع دائرة طموح شخصياته أو يقطع صلته بهم ليتمكن (البروفيسور) من السيطرة الكاملة
عليهم ويوجههم كيفما يشاء.
وبعد إيجاد شخصية
(زنكنه) يجري حوار جدلي ينطوي على صراع فكري بينه وبين (البروفيسور) ينتهي برفض
(زنكنه) رفضاً قاطعا لما يُطلب منه فيتعرض إلى التعذيب بأشعة (القهر التدريجي) ثم
الاحتجاز؛ وبذلك يبلغ صراع الإرادات ذروته ويوشك الزمن المتبقي وطاقة التوالد على
النهاية ممّا يزيد من حدّة الأزمة الدرامية؛ فيأتي الحلّ المؤقت باقتراح (الدكتور
ألف) أن يبحثوا عمّن يعرف (زنكنه) معرفة تفصيلية دقيقة؛ ليدلّهم على نقاط ضعفه ومن
خلالها يجبروه على الرضوخ إلى مطالبهم، فيقترح (الدكتور جيم) شخصية (صباح الأنباري)
مؤلّف المسرحية الواقعي بوصفه أوثق الناس صلةً وقرباً ومعرفة بخصوصيات (زنكنه)
الأدبية والشخصية، فتمّ لهم ذلك وأوجدوا شخصيته، لكنّه لم يكن أسهل من صاحبه فأخذ
يلف ويدور عليهم لتضييع الوقت اللازم لاحتلال المراكز الثلاثة، فأمرهم بإنهاء شخصية
(زنكنه) فاستجابوا له وبعد قتل شخصية (زنكنه) يطلب منهم أن يقيموا له مراسيم الدفن
اللائقة به، وعندما ينتهون من ذلك يكون الوقت قد انقضى ودقّت ساعة الصفر لموت جميع
الشخصيات التي استولدت وبموتهم تنتهي المسرحية ويصاب (البروفيسور) بالهستيريا،
هستيريا الانهزام والقهر أمام الإرادة الصلبة لذوي المبادئ الحقّة .
ثانياً – تمثّلات أدب الخيال العلمي
1-
تمثّلات الزمن
إن ما يميّز
الأديب العبقري أنه قادر بفنّه أو بفكره على الانفلات من حدود الزمن وتخطّي الدهور؛
ليجد جواباً على الأسئلة التي يطرحها إنسان العصور، فيتمثّلها الأديب بهيأة مشكلة
يطرحها من خلال عمله الفنّي ويحاول الإجابة عنها؛ وهو ما يكسب أدبه أو فنّه ديمومة
وتجدداً وحيوية على مرّ الازمان والعصور([24]).
وهو ما نلمسه في مسرحية (زمرة
الاقتحام) إذ جعل الكاتب أحداثها تسبق زمان تأليفها بخمسة قرون ونصف، أي أنّها تقع
في عمق المستقبل لتستشرفه وتكشف لنا جانباً ممّا يمكن وقوعه فيه؛ لنكون على حذر
ويقظة دائمين من الاستغلال السيء للتكنولوجيا الحديثة التي أخذت تسير بخطى شاسعة لا
يمكن إيقافها، فمن الصفحة الثانية - التي تُذكر فيها الشخصيات- بعد صفحة العنوان
يذكر لنا الكاتب زمان المسرحية ومكانها فيقول (( الزمان والمكان: بعقوبة عام
2552م))([25])
معلناً من البداية (ميثاقاً مسرحياً) عن زمان الأحداث؛ فيقطع أيَّ ظنٍّ يساور شكوك
الرقباء وعيون السلطة الحاكمة آنذاك عن كونها تحيل أو تشير إلى واقع حال الأمة أو
المجتمع أو الفرد بشكل خاص، فيقطع بذلك صلتنا بهذا العالم وينتقل بأذهاننا إلى ذلك
الزمن المستقبلي البعيد، كاشفاً لنا ما يحتمل وصول الإنسان إليه، باستنساخ أشباهه
وتطويعهم لخدمته في أغراضه الاستعمارية التوسّعية، وهي فكرة من قلب الواقع المعاش
في القرن العشرين، إذ شهد ذلك العصر ثورة الإنسان الآلي (الروبوت) والتقدّم الكبير
في معظم العلوم والصناعات.
لكنه (الكاتب)
يجعل من عمر هذه المخلوقات المستنسخة - بوصفها مظهراً من مظاهر قوّة البروفيسور
والذي يمثل رمز الشر والاستعمار العالمي في المسرحية - محكوماً بعامل الزمن وسرعة
الفناء، إشارة إلى زوال وعدم ديمومة الاستعمار وقوى الشر مهما استبدّت وأحكمت
سيطرتها على العالم، وذلك ما نلمسه في (الإرشاد المسرحي) الآتي:
البروفيسور: (غير مبالٍ بصراخ دكتور جيم) دكتور ألف ضاعفها أكثر قليلاً (يضاعف
الطاقة فتتشكل
للدمية ملامح واضحة هي ملامح دكتور جيم نفسها.. وحين نسمع ضربات قلب مضخّمة
بجهاز تضخيم الصوت، يبدأ العقربان بالتحرك وحساب الزمن) (...)
([26])
وما هذا الزمن
إلّا عمر تلك الشخصيات أو الدمى المنسوخة التي لا يتجاوز عمرها الأربع دقائق؛ وهو
ما شكّل عبئاً ثقيلاً وقلقاً مستمراً لأنسان ذلك العصر وعقله المدبّر(البروفيسور)
الذي يحاول تحقيق الخطوة الاولى من خطوات حلمه المنشود باحتلال مراكز مهمة في
المدينة في غضون بضعة دقائق:
دكتور ألف: وهل يكفي الوقت لنقوم بذلك
البروفيسور: نعم.. نحن لا نحتاج أكثر من خمس دقائق حتى تكون المدينة قد استسلمت لنا
تماماً([27])
(...)
دكتور جيم: ماذا تعني بروفيسور؟
البروفيسور: الدمية جيم.. ماتت
دكتور جيم: ماتت!! إنها لم تعش سوى أربع دقائق وبضعة أعشار الثانية.. بروفيسور..
أكنت
تتوقع موتها؟
البروفيسور: نعم.. ولكن لم أُعِر الأمر أهمية بعد نجاح الدمية في اكتساب الملامح
والحركة والفاعلية.
دكتور جيم: وماذا سنفعل الآن؟ هل نهيّئ أنفسنا للتجربة الرابعة بعد المائة؟
البروفيسور:(غير مبال بتلميحه) ليس قبل حل معضلة الزمن وفحص كفاءة وفاعلية الدمية
جيم
ومعرفة أسباب انتهائها (...)([28])
وفي موضع
آخر يعلّل لنا الكاتب موت الدمية على أنه نابع من كونها نسخة عن الإنسان المعاصر-
أي إنسان سنة 2552م – الذي يتصف بضعف تركيبته وعدم قدرته على تحمّل وحدات الطاقة
المسلّطة عليه أثناء عملية التوالد(الاستنساخ) وهو ما نلاحظه في الحوار الآتي:
البروفيسور: (...) دكتورة باء كم وحدة من الطاقة استهلكت هذه المرّة؟
دكتورة باء: ثلاث وحدات فقط وهي الحد الأقصى الذي يتحمّله دكتور جيم.. أعني الحد
الأقصى الذي يتحمّله الإنسان المعاصر
البروفيسور: دكتور جيم اقرأ التحليل البياني للذاكرة الالكترونية
دكتور جيم: (يضغط على أزرار الذاكرة فتعمل على إظهار المعلومات على شاشة تلفازية)
التحليل البياني يشير إلى أن الفاعلية الحياتية لن تدوم أكثر من أربع دقائق بسبب
ضعف تركيبة الإنسان المعاصر وعدم قدرته على تقبل وحدات إضافية من الطاقة.([29])
وفي هذا
الحوار إشارة ضمنية نابعة من رؤية استشرافية لما سيكون عليه إنسان المستقبل- زمن
المسرحية - من ضعف القوّة ومحدوديّة الطاقة إزاء عوامل القهر والتعذيب، فهو على
الرغم من تقدّمه علمياً وصناعياً إلّا أن هذا التقدّم لم يكسبه قوّة على الصعيد
الشخصي؛ فالكاتب – فيما يبدو لي- يؤمن بأنّ كلّ تقدّم تكنولوجي يصل إليه الإنسان
يتبعه تراجع على الصعيد المعنوي والذاتي في ترويض النفس على الصبر والتحمل، بسبب من
جعل الآلة وما تسديه له من خدمات هي السند والمتّكأ بدلاً من الاتكاء على الذات
وإخراج طاقاتها المكبوتة، بخلاف إنسان القرن العشرين (زمن الكتابة) الذي يتميّز
بطاقة أكبر على التحمّل تصل إلى أكثر من ضعف طاقة إنسان المستقبل!
البروفيسور: في حالة كهذه ينبغي البحث عن إنسان بمستطاعه تقبّل الوحدات الإضافية من
الطاقة
دكتور جيم: بروفيسور.. مادام الأمر متعلّقاً ببرمجة المعلومات في الحاسب وتحويلها
إلى إشعاعات
يقوم جهاز التوالد بتحويلها إلى طاقة تتّخذ الشكل الذي تحدّده تلك المعلومات
المبرمجة
فلماذا لا نقوم بالتجربة على إنسان القرن العشرين مادام أكثر قدرة، من
إنساننا، على
تحمّل الطاقة؟
البروفيسور: الرجوع إلى إنسان القرن العشرين مسألة أقرّها وأعترف بصلاحيتها
لتجربتنا ولكن
دكتور جيم: ولكن ماذا يا بروفيسور
البروفيسور: الوجود المادي دكتور جيم
البروفيسور: إنّه يفقد، كما بيّنت التجربتان الأخيرتان، أكثر من 95 % من ديمومته
حالما يحوّل إلى
وجود مائي.. فإن أردنا للتجربة أن تنجح فإنّه ينبغي علينا البحث عن إنسان أو
كائن
ليس له وجود مادّي مع ضرورة أن يكون من القرن العشرين كما تفضّل دكتور جيم([30])
بعد ذلك يتمّ
اختيار شخصيات نصّية – من مسرحيات زنكنه – يرتبط تاريخها وخالقها بالقرن العشرين؛
حتى تكون أكثر قدرة على تحمّل وحدات إضافية من الطاقة تزيد من عمرها الذي لابد وأن
يكون كافياً لإنجاز المهمة:
البروفيسور:
دكتور ألف
دكتور ألف: نعم بروفيسور
البروفيسور: كم وحدة من الطاقة يمكنك أن تستخدمها على شخوص التجربة الجديدة
دكتور ألف: وإن كنت لا أستطيع الحكم مسبقاً ولكن كتقدير أولي سأزيدها إلى ضعف ما
استخدمناه
على الدمية جيم([31])
وفي أثناء عملية
استيلاد الشخصيات يتّضح أنّها قادرة على تحمّل أكثر من ضعف الطاقة التي يتحمّلها
إنسان الزمن الحاضر في المسرحية:
البروفيسور: ابدأوا الآن (يرتفع صوت صفير الأجهزة من خلال الظلام شيئاً فشيئاً)
دكتور ألف كم
ستبلغ قدرتهم على تحمّل الطاقة
دكتور ألف: سبع وحدات بروفيسور([32])
ويبقى هاجس نفاد
الزمن وخشية الفشل مقلقاً للبروفيسور وجماعته (الدكاترة) طيلة أحداث المسرحية لأن
تحقيق أحلامهم مرهون بإنجاز زمرة الاقتحام مهمَّتها باحتلال المراكز المهمة للمدينة
والسيطرة من خلالها على المدينة برمّتها؛ ومن ثم الانطلاق للسيطرة على العالم كلّه،
وعند فشل الزمرة في تنفيذ المهمة تجري جملة من الحوارات التي تحمل في طيّاتها قلقاً
مستمرا ومراقبة دائمة لحركة عقارب الساعة خشية فوات الوقت وتلاشي الحلم:
دكتورة باء: (التي دخلت توّاً) هوّن عليك بروفيسور.. سنعرف منهم كلّ شيء.. ثمّ إن
الوقت (تنظر إلى
العقربين) لا
يزال باكراً..
البروفيسور: هاجس ما يقول لي دكتورة باء أننا سنفشل ثانية.
دكتورة باء: أبداً يا بروفيسور.. التجربة ناجحة تماماً وكل المؤشرات والبيانات تؤكد
ذلك.
البروفيسور: ليتني أقتنع بما تقولين.
دكتورة باء: أنت أكثر منّا قناعة ولكنّك، فقط، تخشى الفشل.
البروفيسور: الفشل.. أنتِ لا تعرفين الفشل مثلما أعرفه أنا.. لقد قضيت عشر سنوات من
عمري
وراء قضبان رهيبة كانت كلّ لحظة فيها تشعرني بمرارته اللاذعة(يتذكّر) سنوات
وأنا
أسجن نفسي في مركز التجارب الكوني حتى أصل إلى حلمي.. وحين قاربت الوصول
تبدّد ذلك الحلم وحكم على تجاربي بالفشل لأنّني تسبّبت في قتل طفلتين..
طفلتين ليس
إلّا.. هل فهمتِ يا دكتورة؟
(...)
الاسرائيلي: عندما اخترقنا الخطوط الدفاعية ......
البروفيسور: (يقاطعه) لا تكرّر ما قيل منذ لحظة
الاسرائيلي: حسن بروفيسور.. عندما اخترقنا الخطوط الدفاعية .......
البروفيسور: (يقاطعه) ما هذا!! أقول لك لا تكرّر ما قيل منذ لحظة وتقول حسن
بروفيسور ثم تعيد
عليَّ القول نفسه.. أتعتقد أنّك ستعيش أبد الدهر يا حضرة العسكرتاري حتى
يتسنّى لي
سماعُك وانت تثرثر.. قل ما عندك باختصار
(...)
البروفيسور: وأنت وأنتما.. ألا تريدون أن تقولوا لي أيضاً؟
الثلاثة: نعم
البروفيسور:(متضايقاً) افهموني جيداً. إن حياتكم ليست من الطول حتى نقضي جزءا منها
في الثرثرة([33])
دكتورة باء: (التي كانت تصغي باهتمام لجميع الشخصيات) بروفيسور لا حاجة بك لمعرفة
السبب
منهم لقد قالوا كل ما في جعبتهم
البروفيسور: أنا لم ألتجئ إليهم إلّا لأن الوقت يضايقني
دكتورة باء: دعهم إذن يصمتون.. واستمع إليَّ.. فلقد توصَّلت إلى السبب من خلالهم
البروفيسور: ماذا تنتظرين يا دكتورة قوليه بسرعة رجاءً.([34])
وعندما تأزف نهاية الزمن يستشري الشر في البروفيسور وتبرز الشراسة البشرية بأنصع
صورها على سلوكه؛ فيمتهن القتل والتعذيب إزاء من يعارضه أو يقف حائلاً دون طموحه،
وهو ما نلاحظه عند رفض الكاتب (محيي الدين زنكنه) الرضوخ لطلبه!
الكاتب: أوقفوا هذه الأشعة اللعينة أرجوكم (البروفيسور يزيد الأشعة أكثر فأكثر حتى
يفقد الكاتب وعيه
فيطلق الجهاز صوتاً منبهاً)
البروفيسور: أوقفوا الأجهزة (تتوقف الأجهزة ويضاء المسرح)
دكتور ألف: (يدخل راكضاً) هل صدّقت الآن يا بروفيسور.. كدت تقتله
البروفيسور: ليس هذا ما يهمني دكتور ألف.. ما يهمني الآن، فقط، هو الوقت انظر (يشير
إلى
العقربين) العقربان يضيقان عليّ ويخنقان ما تبقى من الزمن.. دقائق فضلت لنا
من الوقت
كله ولم نعرف كيف نصل إلى هدفنا([35])
2-
تمثّلات خلق الشخصيات
قلنا –
فيما سبق– أن المسرحية تقوم على فكرة الاستنساخ أو التوالد الصناعي للبشر، فتنطلق
منها لتكوين شخصيات تختلف في تكوينها عن الإنسان الحقيقي من حيث التكوين المادي،
فإذا كان الإنسان كتلة مادية خلوية يصيبها التلف بتقادم الزمن فيؤدي إلى فنائها،
فـ(البروفيسور)عمل على تحويل وجوده إلى وجود مائي متماسك يؤثر ولا يتأثر بالعوامل
المحيطة، وأخذ الاحتياطات اللازمة لذلك، فيقوم بتجارب عدّة آخرها تجربة خلق(الدمية
جيم) نسخاً عن (دكتور جيم) الذي هو أحد مساعديه، فيسلّط عليها أنواعاً شتى من
الأسلحة دون أن تتأثر؛ ليبرهن لمساعديه صحّة تجربته:
البروفيسور: أرأيتم.. إنه لا يتأثر بأسلحتنا المتطوّرة وكل هذا بسبب ووجوده المائي
دكتور ألف: وجوده المائي.. ماذا تعني بوجوده المائي بروفيسور
البروفيسور: آ. لقد نسيت أن أوضح لكم ذلك (يخطو بضع خطوات) الإنسان بعد أخذ كل شيء
بنظر
الاعتبار، كتلة مادية خلوية تؤثر وتتأثر بجميع العوامل المحيطة. ولقد
وقف عامل
التلف الخلوي، الذي يميّزه، حائلاً دون إطالة ديمومته.. لهذا عملت على تحويل
وجوده
المادي إلى وجود مائي متماسك يؤثّر ولا يتأثر بالعوامل المحيطة.. (صمت)
تصوّروا كتلة
مائية متماسكة ومشكّلة على هيئة بشرية.. هل يمكن لأي جسم مادي يخترقها أن
يهدم
تركيبها الجزيئي؟
الكل: بالطبع لا
البروفيسور: ولكنكم سوف تقولون أن أسلحة العوامل الحارقة سيكون بإمكانها تحويل
الكتلة المائية
المتماسكة
إلى ذرات بخار تتطاير في الجو.. ثم لا تلبث أن تضيع.. وأنا أقول لكم إن هذا
صحيح لو أنني قمت بالتحويل والتوالد دون أن أزوّده بقرص التحكم الذاتي الذي
زرعته
في دماغه والذي سيعمل حال التحوّل إلى بخار، على تجميع الذرّات وتكثيفها
بشكل
هيئتها الأولى.. (...)([37])
لكن (الدمية جيم) سرعان ما تموت، بسبب عدم قدرة النسخة الأصل(دكتور جيم) على تحمل
أكثر من ثلاث وحدات من الطاقة - وهو الحد الأقصى الذي يتحمّله إنسان القرن السادس
والعشرين- بسبب طبيعة الإنسان في ذلك الزمن؛ ممّا يقلل من الفاعلية (المدّة)
الحياتية للنسخة الشبيه (الدمية جيم) لارتباطها التكويني به؛ وهو ما دفع
(البروفيسور) إلى البحث عن شخصيات ورقية ، أي ليس لها وجود مادّي خُلقت من قبل
إنسان القرن العشرين لها القدرة على تحمّل الطاقة والعيش لمدّة كافية للقيام
بالمهمة، فيذهب الى اختيار شخصيات نصيّة وردت في نصوص مسرحية للكاتب المسرحي (محيي
الدين زنكنه) لأنه من المدينة نفسها التي تدور فيها الأحداث، فيختار من شخصياته ما
اتّصفت بالوحشية والشراسة والغدر والعنف؛ كيما تتلاءم ومهمة الاحتلال المناطة بها:
البروفيسور:
(...) إذن لا مفر من القبول بفكرة الشخصيات المسرحية.. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه
هنا هو أي الشخصيات نريد؟
دكتور جيم: من دون شك الشخصيات التي تتّصف بالوحشية والشراسة.. أعني الغدر والعنف.
البروفيسور: إذن ابحثوا لنا، بمساعدة جهاز الأرشفة وذاكرة بنك المعلومات الآلية عن
كاتب من هذه
المدينة([38])
تتّصف شخوصه بالعنف والغدر.
دكتور جيم: لحظة واحدة وسيكون كل شيء جاهزاً.. دكتورة باء هل ستساعدينني في ذلك
رجاءً؟
دكتورة باء: بكل سرور دكتور جيم (يتوجه الاثنان إلى الغرفة الرابعة)
(...)
البروفيسور: هل ستخبراننا عمّن وقع اختياركما عليه؟
دكتورة باء: بكل تأكيد بروفيسور.. إنّه خير من كتب عن الشخصيات التي نريد في هذه
المدينة.. إنّه
الكاتب المسرحي محيي الدين زنكَنه.
البروفيسور: (مقاطعاً) لا حاجة لي به أو باسمه.. ما أحتاجه هو شخصياته التي ابتكرها
وحسب..
والآن قولي لي كم شخصية من شخوصه تناسب تجربتنا؟
دكتورة باء: كثير لكننا اخترنا ستّة، منهم جديرين بأن يصبحوا زمرة اقتحام مثالية..
الأولى (ثمالة)
امرأة التاجر (مظلوم بن ناصرة) وعشيقة صديقه التاجر هشام الحلو، في
مسرحية(السؤال)
وهي امرأة لعوب مخادعة خطّطت، بمكر ودهاء للإطاحة برأس زوجها على يد عشيقها
فاستطاعت قتل الأول والاستحواذ على الثاني وإلصاق التهمة بالطبيب (صفوان بن
لبيب)
البروفيسور: امرأة رائعة جداً
دكتورة باء: أمّا الآخران فهما التاجر (قارون بن عثمان) و (مطيع بن الطائع) في
مسرحية (السؤال)
أيضاً.. وهذان الغادران وإن فشلا في مساومة (ريحانة) على رأس زوجها (صفوان)
إلّا
أنّهما نجحا في تسليم رقبته للسياف .
دكتور جيم: وهناك شخصية (الوكيل) وهو (مدير شركة الإيمان للاستيراد والتوزيع) في
مسرحية
(الجراد).. وهو عميل مثالي قدّم العون لأسلافنا كي يسيطروا على المدينة
آنذاك.
البروفيسور: عميل نافع ورائع أيضا.ً
دكتور جيم: وهناك شخصية (الأب) في مسرحية (حكاية صديقين) وهو رجل غريب الأطوار..
تآمر مع
(الأم) على قتل ابنيهما بزجهما في أتون مغامرة لن يعودا منها إلّا جثّتين.
البروفيسور: يا للروعة.. لم أتوقّع أبداً أن نجد كاتباً، في هذه المدينة، ملغوماً
بكل هذا الشر.. أب يقتل ابنه، وأم تتآمر على ولدها.. أي كاتب شرّير هذا!
دكتور جيم: ليس هذا حسب.. بل إنه في كل أعماله قد ضيّق الخناق على ما يسمّونهم قوى
الخير
كي لا تنتصر أبداً. بينما ترك لقوى الشر حرية التحرك الواسع على رقعة أعماله
الكبيرة
والصغيرة.
البروفيسور: لا تحدّثاني عنه بأكثر من هذا وأخبراني إن كانت هناك شخصية أخرى.
دكتور جيم: نعم.. هناك شخصية (الرقيب الإسرائيلي) في مسرحية (تكلّم يا حجر) أو
(لويس حاييم)
في مسرحية (السرّ) ولم نجد فرقاً كبيراً بينهما من حيث حجم الصفات التي
نريد.
البروفيسور: ستة تكفي (...)
البروفيسور: دكتور جيم.. ادخل المعلومات عن كل هذه الشخصيات في الحاسب واختبر مدى
قدرتهم
على حقنهم بالمزيد من الشرّ([39])
وبالفعل يتمّ خلق
الشخصيات الست بطريقة التوالد – التي أوضحناها سابقاً في ملخّص المسرحية – وهي
طريقة تكشف الطبيعة التكوينية لها، أمّا طبيعتها النفسية والسلوكية فتنكشف عبر
الأوصاف التي قدّمها كلٌّ من (دكتورة باء و دكتور جيم) لـ(البروفيسور) عن الشخصيات
التي وقع اختيارهم عليها، وهي طريقة تشخيص تعرف في النقد المسرحي بطريقة (التشخيص
بالفعل)([40])
وما هذه الأوصاف في الحقيقة إلّا ما قامت به الشخصيات في عالم وجودها الأول،
مع وجهات نظر الكاتب التحليلية والنقدية لما قامت به؛ كون الكاتب من أكثر النقّاد
عناية بمجمل المنجز الإبداعي (المسرحي والروائي والقصصي) لـ(زنكنه) ؛ وذلك ما يمثّل
جانب معرفته الأدبية به زيادة على معرفته الشخصية الكبيرة بحياته العامّة والخاصّة
وهو ما سنعرفه في فقرة (تمثّلات أدب السيرة).
بعد فشل زمرة
الشخصيات الست من اقتحام المراكز الثلاثة، يعودون إلى (البروفسور) خائبين؛ ليبرّر
لنا الكاتب تلك الخيبة بأنها نابعة من اختيارهم لكاتب مثل (زنكنه) يتميّز بالحنكة
والذكاء الأدبي في خلق الشخصيات والمساحة التي يمنحهم إيّاها في نصوصه، وهو ما يظهر
لنا من خلال الحوار الآتي:
البروفيسور: (...) أنا أريد أن أعرف السبب فقط.. سبب عدم إنجازكم المهمة.
الأب: أنا أقول لك.
(...)
الأب: بسببك.
البروفيسور: ماذا؟
الأب: بسبب خطأ ارتكبته ولم تحسب له حساباً.
(...)
البروفيسور: إذن ما الخطأ يا حضرة الأب الرشيد؟
الأب: الخطأ يكمن في اختيارك محيي الدين زنكَنه دون غيره.
البروفيسور: ماذا تعني؟
الأب: أعني النصوص التي أبدعها وجعلنا أبطالها (فترة صمت مشوبة بالدهشة) فعندما كتب
تلك
النصوص وضع
في اعتباره بعض الأمور المهمة التي عدّها جزءا من تفكيره في الحياة وأسلوبه
في
الكتابة.
البروفيسور: يبدو إنك أعرفهم بالكاتب.
الأب: لست وحدي بروفيسور وزملائي أيضاً.. أعني التاجر قارون بن عثمان ومطيع بن
الطائع..
لقد
اكتشفنا منذ وضعنا في نصوصه أنه، وهو المنحاز للفقراء والمعوزين وليس لنا كما
تصوّرتم،
لا يرى
فينا إلا النقيض الثابت لما يطمح إليه.
(...)
دكتورة باء: الأب محق فعلاً.. إننا أخطأنا الاختيار كما ذكر.. كان علينا أن لا
نختار كاتباً مثل هذا..
أنا أعترف أن الخطأ، كان في البداية، خطأي أنا لأنني لم أُدرك إلّا الآن إلى
ماذا كان
يرمي في كتاباته.. كنت أعتقد أنه كان ينتصر، في نصوصه، لهؤلاء الذين أمامكم
وغيرهم إذ جعل المساحة التي يتحركون عليها أكبر بكثير جداً من المساحة التي
يتحرّك
عليها أندادهم.. حتى اننا نرى بعض مسرحياته مثل(الجراد) و (السؤال) و (حكاية
صديقين) وغيرها يكاد يسيطر امثال هؤلاء على كل مساحتها.. ويكاد الواحد منهم
ان
يحقق تفوقه ونصره كاملاً لولا الفسح التي تركها في نهاية كل مسرحية من
مسرحياته
..([41])
ومن هذا
الحوار يتّضح لنا كيف وظّف الكاتب الخيال العلمي أداةً لاستحضار شخصيات كانت في
سياق وجودها الأول – داخل نصوصها - ترمز إلى الشر، واستدعيت من عالمها لتكمل تلك
المسيرة بصورة أبشع من ذي قبل، لكن الكاتب بفكره الناقد جعلها مأسورة لخالقها الأول
وغير قادرة على تحقيق مهمتها لارتباطها به، وهو الذي يعتبره الكاتب رمزاً للإنسانية
وللدفاع عن الضعفاء والمحرومين؛ ليلامس بذلك هموم الناس وتطلعاتهم لغدٍ مشرق خال من
الظلم والقهر؛ محققاً بذلك الغاية المثلى للأدب المسرحي في تثقيف المجتمع وتوعيته
إلى مكامن الخطر المحدقة به، والدعوة إلى الثورة على الواقع الفاسد، وفي هذه
المعالجة الفنية للشخصيات ما قد يرمز إلى واقع سياسي أو أخلاقي أو غيره، عاشه
الكاتب وضمّنه مسرحيته بصورة رمزية، متّخذاً من الخيال العلمي قناعاً فنيّاً يوصل
من خلاله رسالته التي يؤمن بها وفلسفته التي يناضل من أجلها؛ ليجعل من مسرحيته
مسرحية أفكار وهموم إنسانية عامّة، تصل إلى عمق الكيان العقلي والروحي للقارئ
والمشاهد معاً؛ وبهذا نجد صدى التعريفات التي قُدِّمت عن أدب الخيال العلمي.
وأمّا الشخصيتان
الأهم في المسرحية فهما شخصيتيّ ( محيي الدين زنكَنه) التي حملت عنوان (الكاتب)
و(صباح الأنباري) التي حملت عنوان (الناقد) من حيث أنهما يمثلان أحد قطبي الصراع
الفكري أو الإيديولوجي في قبالة القطب الآخر المتمثّل بالبروفيسور، فوجود هاتين
الشخصيتين في المسرحية يضفي عليها مسحة واقعية؛ كونهما تحيلان إلى وجود فعلي خارجي
للشخصيتين يعرفه القارئ والمشاهد، فأحدهما خالق الشخصيات الست التي تتكون منها
(زمرة الاقتحام) وذو سيرة أدبية حافلة، وثانيهما هو خالق الشخصيات الأربع الرئيسة
ومؤلف المسرحية.
يؤسس (الأنباري)
لهذا الصراع منذ اللحظة الأولى لخلق شخصية (زنكنَه) في المسرحية، فكل الشخصيات الست
التي يستولدها (البروفيسور) ومن قبلها (الدمية جيم) بمجرد الانتهاء من استيلادها
وتسري فيها فاعلية الحياة تنطق بعبارة (حاضر بروفيسور) تأكيداً لمبدأ الطاعة
والاستجابة للأوامر إلّا (زنكَنه) فلم ينطق بها، بل يبدأ بالتأمل في الأشياء مِن
حوله ومن ثم بالسؤال عن هوية مَن حوله؛ ليكشف لنا الكاتب بذلك عن طبيعة (زنكنَه)
الرافضة للخضوع، المتأملة والمتسائلة دوماً فيما وعمّا تجهل لتصل إلى الحقائق
وتستبطن جوهر الوجود:
الكاتب: (يتحرك حركة موضعية ثم ينتهض. ينظر إلى كرسي التوالد وإلى جهاز الأشعة
التحويلية.. يدور حول الكرسي دورة كاملة.. يرى البروفيسور أولاً ثم يشاهد البقية)
من أنتم وما هذا الكرسي اللعين.. يبدو إنكم من البوليس.. ولكن أليس هذا كرسي إعدام
كهربائي؟
من هذه اللحظة
يفجّر الكاتب البداية الدرامية للصراع الفكري الدائر في المسرحية، مؤسساً لحوارات
مقبلة مكتنزة بالرؤى والفلسفات التي يحملها الكتّاب بشكل عام و(زنكنه) بشكل خاص، في
مواجهة الأفكار التسلّطية والدموية الرامية إلى إخضاع كل شي لسيطرتها؛ فتجري بينهم
جملة من الحوارات التي يمكن أن نقول عنها أنها تمثل جوهر فكرة المسرحية أو المغزى
الدرامي([42])
منها:
البروفيسور: كرسي إعدام.. هل اقترفت شيئاً، في حياتك، حتى يتبادر لذهنك أنه كرسي
إعدام!
الكاتب: لا ولكن هاجساً غريباً كان يشعرني دوماً أنني لن أموت ميتة طبيعية.
البروفيسور: ولكنك متَّ ميتة طبيعية.
الكاتب: لم تكن ميتة بل مجرد إغفاءة لا أعرف كم استغرقت من عمر الزمن.
البروفيسور: هل يعني هذا إنك لم تشعر بتغيّر في كيانك؟
الكاتب: ماذا تعني؟
البروفيسور: أعني أن شخصك في القرن السادس والعشرين ليس كشخصك في القرن العشرين.
الكاتب: لم أفهم.
البروفيسور: لم تفهم؟! ألا ترى أنني أمسك بحياتك ومصيرك؟
الكاتب: بل أرى أنك تمسك بأوهامك.
البروفيسور: سترى إنك لا تستطيع إلّا أن تنفذ أوامري..
الكاتب: وإن لم أفعل؟
البروفيسور: ستفعل (...)([43])
في هذا الحوار
نجد أن الكاتب (زنكنه) يتنبأ بموته ميتة غير طبيعية، أو (الأنباري) يتنبأ له بذلك
من خلال معرفته العميقة بمواقفه وكتاباته التي تشير في الأغلب الأعم منها إلى الظلم
القائم في زمانه والتعريض به، أو من خلال نبوءة للكاتب بمصيره قد أسرّها لصديقه
المقرّب، فعمد (الأنباري) إلى تضمين تلك النبوءة في هذه المسرحية؛ وكل ذلك
متأتٍّ من أيمانهما بوقوف (زنكنه) على جبهة الضد من الطغاة، وهذا الوقوف سيكلفه
حتماً الموت بالإعدام؛ وهو ما حدا به إلى الظن بأن كرسي التوالد هو كرسي الإعدام،
الذي يستعمله الطغاة بوصفه واحدة من أدوات القضاء على معارضيهم، ولا يبعد أن يكون
ذلك إشارة إلى ما كان يتعرض له المثقفون والكتّاب المعارضون إبّان النظام السابق من
تعذيب بالصعقات الكهربائية أو التصفيات الجسدية عبر شتى الطرق ومنها كرسي الإعدام.
زيادة على ذلك نجد في نبرة حوار (زنكنه) شجاعة وتحدّياً كبيراً لشخص (البروفيسور)
يشي بالرسوخ وبالثبات على المبدأ في المواجهة، والتحرّر من قيود العبودية لرموز
الشر المتجسدة بشخصية البروفيسور، لكنه (البروفيسور) وبعد أن يلمس من (زنكنه)
الشجاعة والرد الصارم يلجأ - بإشارة من دكتورة باء- إلى أسلوب الرفق واللين في
التعامل معه؛ علّه يستميله ويكسب تعاطفه معهم([44])،
لكن ذلك وغيره من المغريات التي يقدّمها (البروفيسور) لم ينفع مع (زنكنه) وبقي
ثابتاً على موقفه الرافض لإجراء أي تغيير على شخوصه أو قطع صلته بهم:
البروفيسور: اسمع يا أستاذ.. أريدك أن تقرّر الآن.. هل ستدخل تغييرات على شخوصك أم
لا؟
الكاتب: لقد قرّرت منذ زمن بعيد ولا تغيّر في قراري.
البروفيسور: هذا يعني إنك ترفض طلبي؟
الكاتب: بالضبط.
(...)
الكاتب: (بإصرار) إلى ماذا ترمي يا بروفيسور؟
البروفيسور: إلى تحريرهم منك ليس إلّا.. فبتحرّرهم منك يمكن لي أن أحقنهم بالمزيد
من الصفات
الجديدة.
الكاتب: بروفيسور.. هل تعرف أنك مجنون؟
البروفيسور: هذا يعني إنك ترفض ثانيةً.
الكاتب: بالضبط.([45])
وبعد أن يقدّم (البروفيسور) نصفَ الأرض ثمناً لقطع صلته بشخوصه يأتيه الرفض القاطع
والنهائي من (زنكنه) فيخرج (البروفيسور) من سكونية أسلوب المصلحة وكسب الرضى إلى
ثورية وعنجهية الطموح اللامحدود، فيُنزل به أقسى العقوبات والعذاب!
البروفيسور: طلبي بسيط ومتواضع فأنا لم أطلب منك أكثر من قطع صلتك بشخوصك حتى
يتسنّى لي
خدمتهم بعد سيطرتي عليهم.
الكاتب: أرأيت.. هذا ما كنت أتوقعه منك.. تريد السيطرة على شخوصي.
البروفيسور: أتعني أنك غير موافق!
الكاتب: حتى لو وضعتم الكواكب، كلها، في يميني.
البروفيسور: لقد صبرت عليك الصبر كلّه ولم تدع لي إلا أن أجعلك توافق مرغماً..
(...) هاهاهاهاه..
الآن سأجعل من كرسي التوالد كرسيّاً للموت.. دكتور ألف.. دكتورة باء. استعدا
للتشغيل([46])
بهذا يبدو جليّاً
أن (الخيال العلمي) في المسرحية بعامّة وفي طريقة خلق الشخصيات بخاصّة ما هو إلّا
قناع فني تقنّع به الكاتب (صباح الأنباري) لتضليل الرقباء وعيون النظام القائم
آنذاك وتمويههم بأن المسرحية من وحي الخيال العلمي وليس لها أيّ ارتباط بالواقع
القائم؛ فيأمن بذلك من المحاسبة أو الاعتقال أو التصفية الجسدية التي كانت تمارس ضد
كل من تدور حوله الشبهات بالتعرّض للنظام ورموزه، ولقد أجاد في ذلك أيّما إجادة!
ثالثاً- تمثّلات أدب السيرة
على الرغم من أن
السياق النوعي للمسرحية - كما حدده كاتبها – ينضوي في إطار ما يعرف نقدياً بـ(أدب
الخيال العلمي) ، وقد عرفنا - فيما سبق - في الإطار النظري أنه جنس أدبي يضم
أنواعاً من الفنون النثرية (قصة ، رواية ، مسرحية) له مواصفاته النوعية التي تميّزه
عن الأجناس الأدبية الأخرى، إلّا أننا توصلنا - من خلال تحليل المسرحية – إلى أن
ذلك لم يمنع من أن تتداخل بعض أنواع هذا الجنس مع أجناسٍ أدبية أخرى؛ للإفادة منها
في تحقيق مجمل الغايات التي يبتغيها الكاتب من منجزه الأدبي، انسجاماً ومقولة
(تنافذ الاجناس الأدبية) التي تؤمن بأن الأجناس الادبية تتداخل فيما بينها ويفيد
بعضها من بعض ضمن حدود معينة، وهو ما لمسناه في دراستنا لهذه المسرحية، إذ وجدنا
فيها تمثّلات لأنواع من أدب السيرة، كان في مقدمتها السيرة الموضوعية (الغيرية) وهي
بعض من سيرة (محيي الدين زنكنه) الشخصية والأدبية، ثمّ السيرة الذاتية لكاتب
المسرحية، ونجد ذلك ماثلاً في عدد من الحوارات، نقف على بعض منها ونشير إلى الأخرى
في الهامش.
1-
تمثّلات السيرة الموضوعية(الغيرية)
لقد شكّلت سيرة
(زنكنه) محوراً أساسياً في مسرحية (زمرة الاقتحام) من حيث أنها الشخصية المحورية
التي تدور حولها الأحداث؛ حتى لَيظن القارئ أو المشاهد أن المسرحية ما هي إلّا عرض
لموضوعات هامّة من صميم الواقع الإنساني، كان (زنكنه) قد عالجها في عدد
من مسرحياته، وتجسّدت فيما قامت به شخصياته من أعمال وما آلت إليه من نتائج،
فوظّف (الأنباري) كل ذلك في إطار درامي يمتزج فيه الخيال العلمي بالواقع الذي تحيل
عليه الشخصية المرجعية – زنكنه –
متعرّضاً إلى جوانب من سيرتها الذاتية والأدبية، من خلال حوار الشخصيات حيناً أو
على لسانه – بوصفه شخصية مشاركة في الأحداث – حيناً آخر:
البروفيسور: هل ستخبراننا عمّن وقع اختياركما عليه؟
دكتورة باء: بكل تأكيد بروفيسور.. إنّه خير من كتب عن الشخصيات التي نريد في هذه
المدينة.. إنّه
الكاتب المسرحي محيي الدين زنكَنه.
ففي هذا الحوار يكشف
لنا الكاتب أمرين، أحدهما: أن نصوص (زنكنه) قد تضمنت شخصيات تتصف بالغدر والمكر
والإجرام – وهو ما كان البروفيسور وجماعته يريدونه – بوصفها رموزاً للشر والطغيان،
زيادة على تعريفنا بانتماء (زنكنه) للمدينة التي تدور فيها الأحداث، وفي ذلك إفادة
لمن لا يعرف عن سيرته سواء أكان قارئاً أو مشاهداً.
وبعد ذلك مباشرة
يعرّفنا الكاتب – على لسان دكتورة باء ودكتور جيم - بالشخصيات التي وقع الاختيار
عليها، وبالمسرحيات التي كانت ميداناً لأفعالها الإجرامية([47])،
بشكل ينمّ عن معرفة نقدية بتلك المسرحيات وشخوصها، فنسمع من الشخصيات تحليلاً
نقدياً يؤرّخ لسيرة كاتب قد خبره (الأنباري) خبرة العارف المتتبع للمغزى الكامن في
نصوصه.
الأب: (...) لقد اكتشفنا منذ وضعنا في نصوصه أنه، وهو المنحاز للفقراء والمعوزين
وليس لنا كما
تصوّرتم، لا يرى فينا إلا النقيض الثابت لما يطمح إليه.
(...)
دكتورة باء: الأب محق فعلاً.. (...) لم أُدرك إلّا الآن إلى ماذا كان يرمي في
كتاباته.. كنت أعتقد أنه
كان ينتصر، في نصوصه، لهؤلاء الذين أمامكم وغيرهم إذ جعل المساحة التي
يتحركون
عليها أكبر بكثير جداً من المساحة التي يتحرّك عليها أندادهم.. حتى أننا نرى
بعض
مسرحياته
مثل(الجراد) و (السؤال) و (حكاية صديقين) وغيرها يكاد يسيطر امثال هؤلاء
على كل مساحتها.. ويكاد الواحد منهم أن يحقق تفوقه ونصره كاملاً لولا الفسح
التي
تركها في نهاية كل مسرحية من مسرحياته..
البروفيسور: وما الفسح (تلك) دكتورة باء؟
دكتورة باء: على سبيل المثال لا الحصر.. الهروب بالطفل في مسرحية (الجراد)
واستمرار(أمين) على
المضي في طريق الثورة بعد إعدام الطبيب (صفوان) في مسرحية (السؤال).
([48])
يشكّل الحوار
السابق دعوة ضمنية للكتّاب بعامّة والمسرحيين بخاصّة – لأن فنّهم يستهدف جمهوراً
أوسع من جمهور الفنون الأخرى كالرواية والقصة – بضرورة أن يجعلوا من فنّهم رسالة
للحق والإنسانية وبالرجوع إلى مسرحيتي (الجراد) و (السؤال) يتبيّن أن الفسحة الأولى
قد تحققت فعلاً وهرب (الشاب) بالطفل الرضيع، أمّا الفسحة الثانية فلم تتحقق فعلاً،
بل كانت رؤيا يراها (صفوان) وهو في السجن، قبل أن يصدر عليه قرار الإعدام، إذ يأتي
نقيب الحمّالين (أمين) وجماعته يحملون الفؤوس والمعاول ليهدموا السجن ويخرجوا
(صفوان) البريء منه؛ وهو ما يدلّ على أنها قراءة نقدية تأويلية لنهاية المسرحية،
يقوم بها (الأنباري) فيضمّنها مسرحيته بالصورة التي تقدّمت([49])
.
ويستمر
(الأنباري) بالكشف عن جوانب ذاتية من سيرة صاحبه من خلال الحوار الآتي:
دكتورة باء: نجبره على قطع صلته بهم.
ثمالة: هل تعتقدين أن إجبار كاتب عنيد مثل زنكَنه على قطع صلته بشخوصه شيء ممكن؟
(...)
البروفيسور: دكتور جيم.. أدخل المعلومات إلى الحاسب.
دكتور جيم: أمرك بروفيسور (يردد مع نفسه وهو يعمل على الحاسب) ولد الكاتب الأديب
محيي الدين
حميد زنكَنه عام 1940 وفي سنة (2000) توفي بالجلطة الدماغية.. طوله.. وزنه..
البروفيسور: (يقاطعه) ماذا حدث يا دكتور.. إنها المرة الأولى التي أسمعك فيها تتحدث
وأنت تعمل!
دكتور جيم: آسف لمخالفتي أسلوب عملك يا بروفيسور.([50])
فالكاتب في هذا الحوار يخبرنا بأن (زنكنه) كاتب عنيد، وعناده هذا يأتي من كونه راسخ
المبدأ لا يخضع للضغوط مهما كانت، زيادة على كونه أنطق شخصية (دكتور جيم) وجعلها
تفعل غير المألوف؛ ليطلعنا من خلالها على معلومات ترتبط بشخص (زنكنه) كاسم والده
وسنة ميلاده، وهو ما يندرج في إطار السيرة الموضوعية التي تقدّم بيانها، ثم ليفترض
بعد ذلك سنة وفاته وسببها تماشياً والخطّيَّة الزمنية التي وضعها للمسرحية([51]).
2-
تمثّلات السيرة الذاتية
تمثّلت سيرة
الكاتب الذاتية في عدد من الحوارات التي تسلّط الضوء على حياته الشخصية والأدبية
وطبيعة علاقته بـ(زنكنه) ومعرفته الدقيقة به، ومن ذلك هذا الحوار:
البروفيسور: لندع الثرثرة الآن ولنفكر معاً بالخروج من المأزق.. دكتورة باء.. هل
لديكِ فكرة ما رجاءً؟
دكتورة باء: كلا.
البروفيسور: وأنت دكتور ألف؟
دكتور ألف: نعم بروفيسور.. ويمكن أن ألخصها لكم في ضرورة بحثنا عمّن يعرف محيي
الدين زنكَنه
معرفة تفصيلية ودقيقة.. ويكون بإمكانه الكشف وإلقاء الأضواء على نقاط ضعفه.
(...)
البروفيسور: آمل أن لا يكون عنيداً هو الآخر.([52])
الذي يمهّد للأحداث القادمة ولما سيدور فيها من حديث يصدّق ما كانوا يرومون الوصول
إليه؛ حين يقع اختيارهم على (صباح الأنباري) الذي بدوره سيؤكد صحة ما وصِفَ به في
الحوار آنف الذكر، وهو ما يشكل استباقاً زمنياً يعمل على تشويق القارئ للموقف الذي
ستختاره الشخصية القادمة ، وتأثيره على مجريات الاحداث التي بلغت حدّ الذروة
(الأزمة الدرامية) التي أسماها البروفيسور(المأزق) لتحدد مصير الأبطال ونهاية
المسرحية، ثم يتوقف هذا التشويق برهة قصيرة لتسليط الضوء بشكل سريع على جانب من
السيرة الذاتية لهذه الشخصية، تتشكل بهيأة أسئلة وأجوبة تدور بين (البروفيسور)
ومساعديه، كما في الحوار الآتي:
دكتور جيم: (...) بروفيسور.. لقد توصلنا إلى الشخص المطلوب.
البروفيسور: أهو معروف، للناس ومرتبط بهم مثل محيي الدين زنكَنه؟
دكتور جيم: أشكّ في ذلك بروفيسور.
دكتور باء: إنه ناقد ومسرحي مغمور.. صباح الأنباري.. اسم لم يعرف في الوسط النقدي
ولكنه عرف
على مستوى ضيق في المسرح ولهذا فاسمه غير مهم قدر أهمية المعلومات التي
حصلنا
عليها.
البروفيسور: وما صلته بمحيي الدين زنكَنه؟
دكتور باء: صلة صداقة وطيدة بروفيسور.. لقد وضع مؤلفاً نقدياً كاملاً عن زنكَنه..
لا ندري إن كان قد
طبع، في تلك الفترة، أم لا.. لكن المعلومات التي حصلنا عليها من بنك
المعلومات
الآلي.. تؤكد على وجود هذا المؤلف.
البروفيسور: وماذا عن قابليته على تحمل الضغوط النفسية والبدنية؟
دكتورة باء: معلومات البنك الآلي تؤكد، أيضاً، أنه تعرض خلال حياته لتجربة من نوع
مشابه وخرج
منها فاشلاً.
البروفيسور: وهل برّر فشله بشيء؟
دكتورة باء: نعم.
البروفيسور: في رأيكِ هل كان تبريره مقبولاً؟
دكتورة باء: نعم.([53])
في هذه المقطوعة
من المسرحية تتشكل لنا ملامح من سيرة كاتبها وهي: أن (الأنباري) لم ينل من
الشهرة بين الناس ما ناله (زنكنه) بمنجزه الأدبي، وأنه ناقد مغمور، ومسرحي عرف
في نطاق خاص بين المسرحيين؛ ولعل سبب ذلك حداثة تجربته المسرحية أو عدم الترويج
لنفسه في ذلك الزمن (زمن تأليف المسرحية) لظروف خاصّة به، ثم تكشف تلك السيرة عن
صلة صداقة وطيدة بين الكاتب و(زنكنه) دفعته إلى تأليف كتاب نقدي كامل عنه،
وهذا الكتاب لمّا يزل مخطوطاً ينتظر النشر؛ وربما ذلك إشارة أو دعوة ضمنية إلى
القائمين آنذاك بطبع الكتاب ونشره([54])،
وبعد ذلك يكشف لنا الكاتب عن تعرضه للضغوط النفسية والبدنية، والتي توحي بالاعتقال
والتعذيب والملاحقة، وهو ما يتأكد لنا بالرجوع إلى سيرته، إذ
تعرض إلى الاعتقال والتعذيب الوحشي لمدة ستة عشر يوماً في مديرية الأمن
العامة في بغداد منتصف السبعينات من القرن الماضي؛ بسبب انتمائه للحزب الشيوعي
العراقي([55])،
وهي تجربة خرج منها فاشلاً - فيما يرى نفسه – ولكنه فشل مبرّر و مقبول بالنسبة إليه،
ولم يوضح طبيعة ذلك الفشل ولا تبريره.
بعد أن يكشف
(الأنباري) جانباً من سيرته الذاتية والأدبية يتحوّل إلى الحديث عن (زنكنه) وعمق
صلته به وما يملكه من أسراره وخفاياه، التي يبقى حريصاً عليها إلى آخر رمق من
حياته؛ مما يعكس قيمة إنسانية عليا، قوامها الإخلاص للصديق وحفظ سرّه في غيبته
وشهادته مهما كلّف ذلك؛ فتستحيل السيرة عندئذٍ سيرة ذاتية وموضوعية في الوقت نفسه،
لأنها ترتبط بشخصيتين رئيستين جمعتهما الحياة لمدة طويلة؛ فأحالت الذاتي إلى موضوعي
والموضوعي إلى ذاتي، وهو ما نلمسه في الحوارات الآتية:
البروفيسور: (...) سأوجه إليك بعض الأسئلة عن صديق لك فأجبنا بصراحة ودقّة.. ماذا
تعرف عن مؤلف (السؤال) و (الجراد) و (حكاية صديقين)؟
الناقد: (...) لم يكن صديقاً لي حسب.. إنه أكثر من ذلك.. إنه الصديق والأخ
والأستاذ.. لقد خصّني،
دون
غيري، بمعلومات عن حياته كان يحتفظ بها ولا يريد أن يطلع عليها الآخرون..
البروفيسور: هل تعني أنك تعرف كل أسراره؟
الناقد: ليس كلها.. ذلك لأن رجلاً مثله، وإن كان أقرب المقربين إليك، لا يمكنك أن
تضع يدك على كل
أسراره وخفاياه.. إنه كأبي عاش ومات ولم أعرف عن خفاياه إلّا القليل.
البروفيسور: وماذا عن نقاط ضعفه؟
الناقد: كنت أحسب نفسي أكثر دراية بها من نفسه.
البروفيسور: والنتيجة؟
الناقد: تبيّن أنني لا أعرف منها إلّا جزءها اليسير.
البروفيسور: وماذا في ذلك الجزء من نقاط.. أمن الممكن أن نعرف يا حضرة الناقد؟
الناقد: كل شيء ممكن.. إلّا هذا.. فأنا أستطيع أن أحدثك عن تفاصيل حياته وعن كل
شاردة وواردة
عن
كتاباته.. كما أستطيع الكشف عن بعض أسراره دون حرج ولكن الذي لا أستطيع التفوّه به
ولا
أسمح لنفسي أن تتفوّه به هو نقاط ضعفه.
البروفيسور: أستاذ صباح.. أنت ناقد.. ومن حق القارئ عليك أن يعرف نقاط ضعف الكاتب
ونقاط
قوته.
الناقد: في حدود العمل الفني والأدبي نعم.
البروفيسور: وما الفرق؟
الناقد: تفرق كثيراً يا سيدي.([56])
ويستمر (الأنباري) بثباته على موقفه ودفاعه عن رأيه وتحديه لرمز الشر المتمثل
بـشخصية (البروفيسور) ليوصل رسالته إلى الجمهور بوجوب الصبر والتحمل إذا ما تعرض
الإنسان لواقع مشابه لما يجرى في المسرحية، ليخلّد وجوده بموقف تذكره الأجيال، حين
يرفض كل أشكال الابتزاز والقهر والمساومة على المبادئ الحقّة المتمثلة فيما تعالجه
المسرحية من أفكار وصراعات، فتبرق لنا رسائل الاستهانة بالطغاة والازدراء بما
يصنعون من خلال الحوار الدرامي الآتي:
البروفيسور: يا إلهي لم يبق لي الكثير.. اسمع أيها الأنباري.. سأقول لك كلاماً
واضحاً أرجو أن
تتجاوب معه وتفهمه.. فلا تراوغ أو تتحايل معي.. إنني البروفيسور الذي وضع
هذا (يشير إلى كرسي التوالد) قيد الاستعمال.. العالم كله سيخضع لي فلا حدود
لسطوتي
وجبروتي.. لقد احتجتك في معرفة نقاط ضعف صديقك الكاتب محيي الدين زنكَنه..
فإذا
امتنعت عن تعريفي بها أذقتك مرّاً لم تذقه من قبل في حياتك السابقة.
الناقد: أعالم أنت وإرهابي في آن واحد؟!
البروفيسور: رضيناها منك، هذه المرة، فقل ولا تتمادى.
الناقد: أقول ماذا وأتمادى في ماذا؟
البروفيسور: تقول لي عن نقاط ضعفه ولا تتمادى معي فإن عذابي شديد.
الناقد: ليس عندي ما أقوله لك.
البروفيسور: حقاً؟
الناقد: نعم.
البروفيسور: إذن سنرى.. دكتور جيم اربطه إلى هذا الكرسي.
الناقد: أتعتقدون أنكم تخيفونني بهذا الكرسي.. فقد رأيت ما يشابهه من قبل وخبرت
قوته الشيطانية
فلا
تتعبوا أنفسكم معي.
البروفيسور: دكتور جيم (...) اربطوه على الكرسي.. دكتور جيم أعطني عصا الطاقة بسرعة
(دكتور
جيم يحضر عصا الطاقة ويسلمها البروفيسور الذي راح يضغط أحد أزرارها ويقربها
من
جسد الناقد فيصرخ الناقد ملء فمه.. يكرر ذلك عدة مرات حتى يتدلى رأس الناقد
على
صدره) أرأيت.. إنك لم تتحمل هذا الجزء اليسير من التجربة البسيطة فكيف بك
وأنت
تواجه أشعة القهر التدريجي.. اسمع أنا لا أريد أن أؤذيك.. فلماذا لا
تعرّفني، ولو بنقطة
واحدة من نقاط ضعفه في الأقل.
الناقد: (يرفع رأسه بصعوبة بالغة) أنتم مجرمون وقتلة وأنذال.
البروفيسور: إن لك لساناً لاذعاً وسخيفاً فتوقف عن سخافاتك وأجبني.
الناقد: من أنت حتى أجيبك؟([57])
بهذا الحوار أوصل (الأنباري) جُلّ رسالته التي أراد إيصالها، فثبت على موقفه وتحدى
الطاغية وتحمّل الأذى وصان سر الصديق، وكشف عن نضاله وما تعرّض له في الواقع من
اعتقال وتعذيب (أتعتقدون أنكم تخيفونني بهذا الكرسي.. فقد رأيت ما يشابهه من قبل
...) لأجل ما يؤمن به ويتبنّاه من فكر ثوري رافض لجميع أشكال الفساد والاستعباد في
العالم، فهو يعتبر نفسه ((شاهداً ورائياً عليه ان يوصل شهادته ورؤيته بطريقة
تتفق مع تطلعاته إلى عالم لا يسوده العنف والإكراه ولا يخيم عليه الموت.))([58])
ونتيجة لما تقدم يرى الباحث أن مسرحية (زمرة الاقتحام) يمكن أن تصنّف ضمن ما يعرف
بـ(دراما الأفكار) أو (مسرحية الدعوة) وكلاهما يفيد: بأنها مسرحيات تستهدف بالمقام
الأول مناقشة الافكار التي تتصل بالأوضاع السياسية والاجتماعية المعاصرة؛ لأنها
تعالج فكرة معينة يدعو إليها كاتبها ويناصرها([59])،
والفكرة في المسرحية – مدار البحث- هي: وجوب أن يكون الكاتب ذا رسالة إنسانية تحمل
كل القيم النبيلة التي ينبغي للإنسان أن يتحلّى بها ويدافع عنها، حتى لو كلّفه ذلك
الدفاع حياتَه؛ انطلاقاً من قول أحمد شوقي:
قف دونَ رأيكَ في الحياة مجاهداً
إنّ الحياةَ عقيدةٌ وجهادُ
وقول المتنبي:
لا يسلمُ الشرفُ الرفيعُ من الأذى
حتى يراقَ على جوانبه الدمُ
الخاتمة
لقد تمخّض البحث في مبحثيه النظري والتطبيقي عن النتائج الآتية:
1-
إن أدب الخيال العلمي هو نوع من الأدب
الحديث يفيد في بنائه من معطيات العلم والتكنولوجيا ليشيد عالمه الخاص الذي يتناغم
وتطلعّات الإنسان المعاصر لما هو جديد، وهو ما وجدناه في المسرحية إذ اعتمدت فكرة
التوالد أو الاستنساخ البشري أساساً في بناء أحداثها.
2-
إن المسرحية مثّلت فرادة أدبية في تركيبها وبنائها، لأنها جمعت الأضداد في بوتقة
عمل أدبي واحد، فالقارئ يجد فيها الخيال العلمي الجانح نحو عوالم غريبة عن عالمنا
ماثلاً، إلى جوار السيرة التي لابد وأن تحيل على واقع خارجي؛ لتحقق غايتها وهدفها
الأساس ماثلة أيضاً، وذلك ينمّ عن إمكانية كاتب حصيف متقن لصنعته، ومتمكن من أدواته
الفنية واللغوية.
3-
على الرغم من خوض المسرحية في عوالم خيالية لكنها لم تغادر الواقع المعاش، من حيث
المكان الذي تدور فيه الاحداث والشخصيات ذات الوجود الواقعي.
4-
تتّسم نصوص هذا الأدب
بأنها عابرة للأزمان، فقد تعود بالزمن إلى الماضي السحيق، أو تتقدم به إلى المستقبل
البعيد، فهي تتخطى حدود الزمن لتحقق غاياتها المنشودة؛ ولهذا جعل الكاتب أحداث
المسرحية تقع في المستقبل البعيد إيغالاً في الخيال وإبعاداً لأنظار السلطة عمّا
حوته من إلماحات إلى الواقع المعاش آنذاك.
5-
تنوعت شخصيات المسرحية
بين شخصيات ذات بعد مرجعي واقعي، وشخصيات خيالية (ورقية) يتمّ استحضارها أو خلقها
بوساطة تقنية حديثة متطورة، يحتمل أن تجد صداها في قابل الأيام.
6-
إن الخيال العلمي لم يكن مقصوداً لذاته،
بل كان قناعاً فنياً تستر الكاتب به؛ ليوصل رسالته الفكرية إلى المجتمع.
7-
لقد أرّخت المسرحية أدبياً جوانب من
السيرة الذاتية لكاتبها ونضاله ضد السلطة الجائرة، بصورة رمزية تتأكد للقارئ
بالرجوع إلى السيرة الشخصية للكاتب؛ وهو ما يجعلها (مسرحية سيرية) إذا جاز التعبير.
8-
إن المسرحية لم تكن سيرة ذاتية لكاتبها
وحسب، بل كانت سيرة موضوعية تؤرخ لجوانب من الحياة الشخصية والأدبية لكاتب مسرحي
وأديب له مكانته الأدبية في التاريخ، وفي نفس الكاتب.
9-
لقد عالجت المسرحية
هموماً إنسانية عامة وخاصّة، فالعامة تمثّلت بسياسة الطغاة في استعباد البشر
وتطويعهم لمآربهم الدنيئة، والخاصّة تمثّلت بما تعانيه الطبقة المثقفة سيما الكتّاب
والمبدعين من ضغوط السلطة تصل إلى الاعتقال والتعذيب وحتى التصفية؛ كيما يطوّعوا
أقلامهم لتمجيدهم النظام ورموزه.
الهوامش
([1])
هي مسرحية من تأليف الكاتب والناقد المسرحي (صباح الأنباري) ، حازت الترتيب
الأول في مسابقة مجلة الأقلام(العراقية) للنصوص المسرحية عام 1993 ، ونُشرت
في المجلة نفسها في العددين 10 – 11 لعام 1994 ، وأُعيد نشرُها في كتاب مع
مجموعة نصوص مسرحية أخرى يحمل عنوان (طقوس صامتة) على الصفحات 5 – 65 ، وقد
صدرت طبعته الأولى عن دار الشؤون الثقافية العراقية عام 2000 وهذه النسخة
هي المعتمدة في هذا البحث .
([2])
هو صباح مسلم عبود الانباري من مواليد العراق - بعقوبة 1952 ، كاتب وناقد
مسرحي ، كتب القصيدة والقصة القصيرة والمقالة النقدية والصحفية في بواكير
حياته الأدبية إلّا أن المسرح ونقده قد استحوذ على اهتمامه وشهرته ؛ حاصل
على البكالوريوس في الفنون المسرحية من أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد
عام 1975-1976 ، مثّل وأخرج عددا من المسرحيات وكتب الكثير ، وقد توزعت
كتاباته بين المسرحيات
الصامتة والصائتة ، وإن كانت شهرته في الصامتة أكبر ، لكنّ ذلك لم يتعارض
مع تأليفه نصوصاً صائتة ذات قيمة أدبية وفنية حَريّة بالدراسة والبحث
لاسيما المسرحية التي نحن بصددها ، وهو عضو في نقابة الفنانين العراقيين
والاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق واتحاد الكتاب العرب (عمان) ،
حصل على عدد من الجوائز الرسمية على نصوصه وإصداراته المسرحية ، وفي عام
2006 هاجر الى بلاد الغربة (استراليا) عقب تردّي الأوضاع الأمنية في مدينته
ديالى ، وفي آذار عام 2008 أسس لنفسه موقعاً الكترونياً على الشبكة
العنكبوتية ضمّنه منجزه وما يتعلق به ،
له الكثير من المؤلفات المسرحية والنقدية منها : المسرحية : طقوس
صامتة (2000) ، ليلة انفلاق الزمن (2001) ، مذكّرات مونودرامية (2015)...
إلخ ، النقدية: البناء الدرامي في مسرح محيي الدين زنكنه(2002) ، المخيّلة
الخلّاقة في تجربة محيي الدين زنكنه الإبداعية(2009) ، المقروء والمنظور
تجارب إبداعية محدثة في المسرح العراقي(2010) ... إلخ . ينظر في ترجمته:
واجهات الغلاف الأخير لكتبه (طقوس صامته، ليلة انفلاق الزمن، البناء
الدرامي، ارتحالات في ملكوت الصمت)، كتابه الصوامت 31 ، مخطوطة كتاب(جاهز
للطبع)على موقعه الإلكتروني(www.sabahalanbari.com)
بعنوان
سيرة كاتب ومدينة (لقاء مع الأنباري من إعداد وتقديم صالح الرزوق) 13 وما
بعدها.
([3])
محيي الدين حميد زنكنه: كاتب مسرحي وقصصي وروائي عراقي ، ماركسي الفكر ، من
روّاد المسرح العراقي ، ولد عام 1940 في محلة (شاطرلو) من أسرة كردية عريقة
في مدينة كركوك ، وتخرّج من قسم اللغة العربية بكلية الآداب/جامعة بغداد
عام1962، ثم عُيِّن مدّرساً باختصاصه عام 1964 وتنقَّل بعد ذلك بين عدد من
المدن العراقية منها: بابل وديالى ، وبقي يمارس التدريس الى أن أحيل على
التقاعد لأسباب صحية ، بدأ الكتابة الأدبية وهو في الرابعة عشرة من عمره من
خلال النشرات المدرسية ، عاش في مدينة بعقوبة من عام 1964-2006 وغادرها
مرغماً بسبب تهديده من قبل العصابات الإرهابية ليستقرّ في مدينة السليمانية
حتى وفاته في 21/8/2010 بنوبة قلبية ، ألّف عدداً كبيراً من المسرحيات من
أهمّها : السر(1968)، الجراد(1970) ، السؤال(1976) التي تعدّ من المسرحيات
التي أحدثت انعطافة في تاريخ المسرح العراقي ، العلبة الحجرية(1981) ، رؤيا
الملك (1999)اعتمدتها كلية التربية/جامعة ديالى مادة علمية في مادة تحليل
النصوص الأدبية نظراً لأهميتها الأدبية والفنية ، وغيرها كثير ، وقد حصل
على الكثير من الجوائز الرسمية في العراق والوطن العربي. ينظر: البناء
الدرامي في مسرح محيي الدين زنكنه: صباح الأنباري7-23، المخيّلة الخلاّقة
في تجربة محيي الدين زنكنه الإبداعية: صباح الأنباري3-7، حياته وأعماله على
موقعه الإلكتروني (www.muheealdeenzangana.com).
([4])
العجائبي في الرواية العربية المعاصرة آليات السرد والتشكيل: عبد القادر
عواد 89-90، أطروحة دكتوراه(مخطوطة) بإشراف د. عبد القادر شرشار، الجمهورية
الجزائرية، جامعة وهران، كلية الآداب واللغات والفنون، قسم اللغة العربية
وآدابها، نوقشت سنة 2012، متوفرة على شبكة الإنترنت(www.mohamedrabeea.com).
([5])
أدب الخيال العلمي وصناعة الأحلام: شوقي بدر يوسف، مجلة عمان، ع 118، ص78
نقلاً عن المصدر السابق.
([8])
حوار مع الأديب الدكتور طالب عمران الذي يعدّ من رواد أدب الخيال العلمي في
العالم العربي وقد صدر له ما يربو على 52 كتاباً في هذا المجال، الحوار على
شبكة الإنترنت:
www.alwatan.com)
) .
([18])
ينظر: مسرحيات مفخخة.. حين يكون الكاتب المبدع أداة مجابهة.. (محي الدين
زنكنه) في
مسرحية (زمرة الاقتحام)
أنموذجاً: تحسين كرمياني، دراسة في موقع الأنباري على شبكة الإنترنت:
http://www.sabahalanbari.com
([22])
مسرحية الفصل الواحد (one-act
play):
هي نوع من المسرحيات الموجزة البناء، تمتاز بالقصر غالباً، والحدث المركّز
الواحد بلا حبكات ثانوية، والتفاصيل والشخصيات القليلة، والحوار القصير
الحي، والذروة القريبة من النهاية دون استراحة أو تغيير كثير في المناظر،
كما تتميّز بوحدة الأثر العام، وغالباً ما تكون شخصيتها الرئيسة شديدة
التميّز أو واقعة تحت سيطرة نزعة نفسية غالبة توجّه سلوكها وحديثها على نحو
يبرز وجودها الحقيقي بلا حاجة إلى شخصيات كثيرة مساعدة. ينظر: معجم
المصطلحات الدرامية والمسرحية 270 (مصدر سابق) معجم المصطلحات العربية في
اللغة والأدب 362 (مصدر سابق) معجم المصطلحات المسرحية: سمير الجلبي، فن
المسرحية: د. عبد القادر القط 17.
([23])
يرى (تحسين كرمياني) أن الكاتب باختياره العدد (6) يشير إلى عدد أعضاء
(مجلس قيادة الثورة في النظام السابق) للتعريض بهم والاحتجاج عليهم، لكنه
أوهمهم حين علّق على واجهة المسرحية عبارة (مسرحية من الخيال العلمي)؛ فنجا
بذلك من مقصلة التأويل. ينظر: مسرحيات مفخخة.. حين يكون الكاتب المبدع أداة
مجابهة.. (مصدر سابق).
([24])
ينظر: الغابة والفصول كتابات نقدية (الكتاب الثاني من شجر الغابة الحجري):
طراد الكبيسي 10 – 11 .
([38])
يقصد مدينة بعقوبة لأنها المدينة التي تدور في فضائها الأحداث، وهو ما
يخبرنا به الكاتب من بداية المسرحية.
([40])
هي واحدة من الطرق التي يتّبعها كتّاب المسرحيات في رسم صور الشخصيات
للقارئ أو المشاهد من خلال ما تقوم به من أفعال وسلوكيات، ومواقف في
الأزمات وخارج الأزمات، نابعة من طبائعها ورغباتها ومشاعرها وقواها
التفكيرية، وتعدّ أبرز الطرق التشخيص في المتخيّل المسرحي؛ لأن جوهر
الدراما يقوم على تمثيل الفعل. ينظر: غواية المتخيَّل المسرحي: عوّاد علي
62.
([42])
المغزى الدرامي: هو تلك العبرة أو ذلك الدرس الأخلاقي الذي يمكن استخلاصه
من الأثر أدبي سواء أراده مؤلفه صراحة أو جاء بطريق الاستنباط، ينظر: معجم
المصطلحات العربية في اللغة والأدب 376 (مصدر سابق) معجم المصطلحات
المسرحية 84 (مصدر سابق) .
([47])
ينظر: حوار دكتورة باء ودكتور جيم مع البروفيسور في المسرحية 20 – 22 وقد
ورد الاستشهاد به في موضع سابق من فقرة تمثّلا خلق الشخصيات.
([59])
ينظر: معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية 144، 265 (مصدر سابق)
مصادر البحث ومراجعه
أولاً – الكتب
1-
ارتحالات في ملكوت الصمت (مسرحيات صامتة): صباح الأنباري، دار الشؤون
التفافية العامة، ط1، بغداد - العراق، 2004.
2-
البناء الدرامي في مسرح محيي الدين زنكنه: صباح الأنباري، دار الشؤون
الثقافية العامة (آفاق عربية)، بغداد- العراق، ط1، 2002.
3-
تحليل النص السردي تقنيات ومفاهيم: محمد بوعزة، دار الأمان (الرباط-المغرب)
منشورات الاختلاف (الجزائر العاصمة- الجزائر)، الدار العربية للعلوم
ناشرون(بيروت-لبنان)، ط1، 2010.
4-
الخيال العلمي في مسرح توفيق الحكيم: د. عصام بهي، الهيئة المصرية العامة
للكتاب، سلسلة كتاب الشباب، د. ط، 1999.
5-
السيرة الذاتية الميثاق والتاريخ الأدبي: فيليب لوجون: ترجمة وتقديم: عمر
حلي، ط1، المركز الثقافي العربي، بيروت – لبنان + الدار البيضاء – المغرب،
1994.
6-
الغابة والفصول كتابات نقدية (الكتاب الثاني من شجر الغابة الحجري): طراد
الكبيسي، دار الرشيد للنشر (سلسلة دراسات 165)، د. ط، بغداد – العراق،
1979.
7-
غواية المتخيّل المسرحي: عوّاد علي، المركز الثقافي العربي، ط1، الدار
البيضاء - المغرب + بيروت – لبنان، 1997.
8-
فن المسرحية: د. عبد القادر القط، الشركة المصرية العالمية للنشر-لونجمان،
الجيزة -مصر، ط1 ، 1998 .
9-
كتاب الصوامت: صباح الأنباري، دار التكوين، ط1، دمشق- سوريا، 2012 .
10-
ليلة انفلاق الزمن (مسرحيات صائتة): صباح الأنباري، من منشورات اتحاد
الكتّاب العرب، د. ط، دمشق – سوريا، 2001 .
11-
المخيلة الخلاقة في تجربة محيي الدين زه نكه نه الإبداعية: صباح الأنباري،
منشورات مجلة به يفين (10)، مركز كه لاويز الأدبي، السليمانية – العراق، د.
ط، 2010.
12-
مسرحية الجراد: محيي الدين زه نكه نه، ساعدت وزارة الإعلام على نشرها،
مطبعة دار الساعة، بغداد – العراق، ط1، 1970.
13-
مسرحية السؤال أو حكاية الطبيب صفوان بن لبيب وما جرى له من العجيب
والغريب: محيي الدين زنكنه، منشورات وزارة الثقافة والإعلام (سلسلة القصة
والمسرحية 53)، د. ط، بغداد – العراق ،1976.
14-
مسرحية زمرة الاقتحام، ضمن مسرحيات (طقوس صامتة): صباح الأنباري، دار
الشؤون الثقافية العامة، ط1، بغداد - العراق، 2000.
15-
معجم السرديات: محمد القاضي وآخرون، الرابطة الدولية للناشرين المستقلين
(دار محمد علي للنشر - تونس، دار الفارابي - بيروت، مؤسسة الانتشار العربي-
بيروت، دار تالة - الجزائر، دار العين - مصر، دار الملتقى - المغرب)، ط1،
2010 .
16-
معجم المصطلحات الأدبية: إعداد: إبراهيم فتحي، المؤسسة العربية للناشرين
المتحدين، د. ط، صفاقس – تونس، 1986.
17-
معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية: د. إبراهيم حمادة، دار الشعب، مصر، د.
ط، 1971 .
18-
معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب: مجدي وهبة و كامل المهندس، مكتبة
لبنان ، بيروت – لبنان ، ط2 ، 1984 .
19-
معجم المصطلحات المسرحية(انكليزي–عربي): سمير عبد الرحيم الجلبي وزارة
الثقافة والإعلام - دار المأمون للترجمة والنشر، بغداد - العراق ، ط1 ،
1993 .
ثانياً – مواقع الإنترنت
1-
حوار مع الأديب الدكتور طالب عمران(www.alwatan.com)
2-
سيرة كاتب ومدينة (لقاء مع صباح الأنباري) : إعداد وتقديم : صالح الرزوق ،
كتاب مخطوط على الموقع الإلكتروني للمؤلف
(www.sabahalanbari.com)
.
3-
العجائبي في الرواية العربية المعاصرة آليات السرد والتشكيل: عبد القادر
عواد، أطروحة دكتوراه (مخطوطة) بإشراف د. عبدالقادر شرشار، الجمهورية
الجزائرية، جامعة وهران، كلية الآداب و اللغات والفنون، قسم اللغة العربية
وآدابها ، نوقشت سنة 2012
(www.mohamedrabeea.com)
.
4-
محيي الدين زنكنه حياته وأعماله
(www.muheealdeenzangana.com)
5-
مسرحيات مفخخة.. حين يكون الكاتب المبدع أداة مجابهة.. (محي الدين زنكنه) في
مسرحية (زمرة الاقتحام)
أنموذجاً: تحسين كرمياني
(www.sabahalanbari.com).
Abstract
The research is based
on a critical study in the play "The Incursion Group" by the Iraqi
writer Sabah Al-Anbari. The title is derived from the nature of the play
and its problematic nature. It is represented by a model of science
fiction literature, through the structural structure of its time and its
characterization, It is part of this type of literature, and on the
other represents a model of biography literature, combining in a
biographical biography related to the life of a close friend of the
author, and biography linked to the stations of the life of the writer.
In which the writer employs the element of science fiction, to be an
artistic mask that inspires the ruling authority with the realism of
events or the possibility of referring to a specific reality. Therefore,
the researcher monitor the representations of science fiction literature
and literature biography in the play, useful in this observation of
critical studies and lexicon, which exposed these two words definition
and Through the application of its arguments on the text of the play to
a number of important results that formed the conclusion of the
research.