اليوم العالمي للمرسح
نجـيب
طـلال
ناقد مغربي
تغير المصطلح {(المرسح: المسرح)} بعدما عمَّـر ردحا من الزمان شرق وغرب العالم
العربي؛ ولم يتغير اليوم العالمي للمصطلح؛ وإن تغيرت الأحوال وتعاقب التطورات؛ ولا
زال المسرح العربي يعاني أزمته؛ وإن يبدو في حقب سابقة لم يكن المسرح العربي يعرف
ما معنى الأزمة، مثلما يعرفها الآن. وبالتالي فكل مسرحي في الوطن العربي من المحيط
إلى الخليج؛ يفسر مفهوم الأزمة؛ حسب ما يراه أو يقتنع به. فهل فـعلا يعيش مسرحنا
العربي الآن أزمة؟ أزمة في النصوص/ قاعات عروض/ قلة النفقات والمصاريف / انعدام
جمهور/ غياب السوق الفنية للترويج/..../ كل هذا يتردد باستمرار؛ وإن لم يكن هو عمق
الأزمة ؛ التي هي
نتيجة
لخلل كامن بين نتوءات النسيج المسرحي ؛ ربما
كنتيجة لغياب سياسة / ثقافية /مسرحية أو انعدام تخطيط
محكم بين المسرحيين والمسؤولين في اتخاذ
القرارات أو لأسباب أخرى عديدة قد تخرج عن سيطرة. ارتباطا بتموقفات
غامضة هي في حاجة إلى تفسير. وفي تقديري لا علاقة لها
بانعدام مناخ الديمقراطية وتضييق مساحات الحرية وما شابه ذلك. مادام المسرح في
روحه؛ روح المقاومة في عز الشدائد والأزمات؛ لأن [ ديونيزوس] ولادته تمت في
مرحلتين؛ واستطاع [زيوس] إنقاذ ه كجنين لاكتمال نموه ؛ بعـدما سقط من بطن أمه [
سيملي] وقاوم في رشده لعنة [هيرا] التي لاحقته بالجنون؛ بعدما حوله [زيوس] إلى
جَـديٍّ لتمويه [هيرا] فيما بعد استطاع [ديونيزوس/ باخوس] أن يحرر (الباخانيين) من
سجون (إسبراطا) ويسلط الحمق على [ ليكورغ] الذي اعتقلهم؛ باعتباره حاكم منطقة
(تراس) وأخ ملك (إسبراطا) ومشرع لقوانينها. وهكذا راح [ديونيزوس] ينشر تعاليمه في
رحلة تراجيدية كل بلد يمر به، قبل أن يصعد إلى الأولمب لكي يستقبل من طرف الآلهة
بعد أن استعاد كامل حقوقه. وأمسى رمزا للقوة والحيوية.
إذن؛ ففي اليوم العالمي للمرسح/ المسرح؛ الذي يعد يوما غير عادي ولا معتاد في حياة
المسرحيين غـربا وشرقا؛ وفرصة من الواضح جداً؛ ليست للتباكي والتشكي! بل يوما
لإحياء روح [ ديونيزوس] الذي يسري في عروق كل فنان/ مبدع/ مسرحي/ [ قح ] وليس [
مزيفا ] كعملة [إبليس] أو ذهنية [هيرا] وبالتالي فالاستذكار لتجديد طاقة الاشتغال
في مجال إبداعي/ فني/ ثقافي/ ولاسيما أن المبدع / الفنان القح ؛ دائما يسعى لتطوير
عطائه وحضوره والبحَـث عن إضافة نوعية
في مجاله. من أجل الحفاظ على شموخ شخصيته وعزة نـفسها ومؤمنا وواثقاً من
رسالته الفنية / الجمالية / الفكرية: التي يُؤْمِن بها من أجل إسعاد الإنسان وتفعيل
إنسانيته؛ كمكون فلسفي في علائقه وإبداعاته وتصوراته، وترسيخها في الكينونة البشرية
والمجتمعية؛ عبر القنوات التي تبيح التأثير والتأثر والتواصل والتفاعل؛ بكل صدق
وإخلاص. وبلا مساومات وبلا مقابل. لأن الفنان المبدع: ذاك المؤْمِن برسالة فنية
سامية؛ سواء أكانت قولا مجسدا في الأوراق والبحوث؛ أم فعلا في السلوك والممارسة
الإبداعية؛ هو القدوة؛ مهما اختلفنا عن مفهومها! والمدافع عن التعبير الحُــرِّ
خارج المُـؤسسات الرسمية إن أمكن. إذ بين القـول والفعل، لا مناص من تجْسيد حقيقي
لقضايا الإنسان وهموم المواطن، وبالتالي فالمسرح العربي لا يعيش أزمة بقدر ما يعيش
الآن صدمة حضارية؛ نتيجة التحولات والتطور التكنولوجي والتقني وآليات الاشتغال
التواصلية والتفاعلية التي فرضت نفسها في عوالم الفعل المسرحي وغيره؛ هذا لم
يستوعبه لحد اللحظة أغلب المسرحيين؛ فالملاحظ لحـد الآن؛ لازال جل المبدعين يهابون
ولا يتعاملون مع الشبكة العنكبوتية (الأنترنت) قراءة /كتابة /تعبيرا. وهذا لوحده
يحتاج لدراسات اجتماعية/ إبيستمولوجية؛ لكي يفهم الجميع أننا نعيش صدمة حضارية
كشعور؟
طبعا لا نغيب الحالة الراهنة التي عليها الوضع العربي؛ من رعب وذعر(ذاك) الناجم عن
التهديد الخطير للمصالح والأهداف الجوهرية الخاصة بالمسرحيين العرب الحالية
والمستقبلية؛ لكن هنالك حركية إبداعية وتظاهرات مسرحية ولقاءات متعـددة المستويات؛
وهذا مثبت ومدون في عدة مواقع ثقافية / مسرحية ومجلات وصحف عربية. هنا لا يهُـم
قيمتها وتقييمها؛ لأن هذا موكول في زمانية الفعل التظاهري. فالأهم هاهنا: أن اليوم
العالمي للمسرح مناسبة جديرة؛ بوقفة تأملية في كيفية إعادة روح الإبداع على ضوء
مستجدات عصرنا؟ فمثلا أغاني (هيب هوب) فرضت نفسها وإيقاعها؛ جعلت من أغاني الرواد
بمثابة أغاني صفراء! هكذا نؤمن؛ بواقع الحال. دونما تفريط في تراثنا وعطاء
رجالاتنا. إذ واقع الحال الذي فرض نفسه، يمكن أن يتم تقييمه في هذا اليوم؛ وبسيط
للغاية. وهكذا من خلال لقاءات مفتوحة وجلسات إعلامية عبر محطات عربية وتفعيل وسائط
التواصل الاجتماعي؛ فكريا؛ وتحاوريا بعيدا عن النوستالجية ووضع أو تدوين تفاهات
وتلصيق صور توحي بنرجسية مطبوعة بالفراغ القبلي والبعدي. لنؤمن أنه يوم للمصارحة
ومطارحة الإشكاليات التي تعترض الممارسة المسرحية في راهنها ومستقبلها؟ وبالتالي
فالفنان المسرحي اليوم في أمس الاحتياج إلى إعادة تحديد مفهوم المسرح وأليات
اشتغاله، وتسديد النظر إلى منزلته في العالم وقيمته بين المكونات المجتمعية.
فالوضع العربي يتشكل من جديد؛ في مخاض الفوضى والانتفاضات والحروب
التي فرضت نفسها في سياق التحولات العمرانية والتاريخية ... وإن أثرت على الأغلب
الأعم بويلاتها وأحداثها التي انعكست، على البسطاء والمحتاجين؛
فرغم لون الدماء التي تهرق هنا وهناك ومشاهد الجثث المتناثرة بين الأزقة والدروب
والأبنية المنهارة؛ بقنابل طائشة ورصاص مدمر لإنسانية الإنسان ولحضارة عربية!!
في غمار حروب طائفية وعشائرية وزعامتيه؛ هنا هل المسرحي العربي؛ يحمل مشروع
توظيف ما وقـع ويقع من دمار وخراب ومواجهة قوى الإرهاب في كثير من بلدان المنطقة،
بمنظور متجدد له من الحداثة ما يلائم؛ وليس بمنظور عقود الستينيات والسبعينيات من
(ق، م) لأن عجلة الزمان تتطور وبشكل سريع جدا؛ وهذا التطور كشف بكل تلقائية أن
المسرح العربي خارج المنافسة الدولية والعالمية، ولم يعد قادرًا على استقطاب
الجماهير وإمتاعهم! لأن متلقي زمن – الميديا- ووسائل التواصل الاجتماعي؛ ليس هو
جمهور العقود السالفة؛ التي كانت القومية والعروبية أرضية استقطابه؛ بل هنالك
قناعات وتصورات إبداعية بديلة للتعبير عن مخاوف المواطن العربي ومشاكله وهمومه
وثوراته التي فرضها الربيع العربي... تلك قضايا هي تختلف عما هو سائد الآن في
مسارحنا العربية.
والمسرح بحكم حيويته وتفاعله الروحي والفيزيولوجي؛ مهمته الأساس، تفعيل كيميائية
التحولات التي فرضت نفسها على الكل. ولا خيار أن يكون [ديونيزوس] محطة ليست للعود
الأبدي؛ بقدرما هو عود لفهم الآتي باعتبار – ديونيزوس – في اليوم العالمي للمسرح:
رمز للحياة الأبدية.
تلك الحياة الكامنة في زمن التكنولوجيا؛
وإعادة وضع المسرح في إطاره الذي يقتضي إيقاظ الهمم؛ وقطع السبل عمن يستغل الظروف؛
ويلعب لعبة الوجه والقناع؛ بدهاء لا يتصوره العقـل ولا الإحْساس حتى، على ظهر
المسرح! ويمارسون حكاية دموع التماسيح! إذ يستفيدون جهة اليمين وما تحته؛ ويشتكون
وينوحون جهة اليسار وما فـوقه؛ في غفلة التيه الذي يعرفه أغلب المسرحيين؛ المتشبعين
بالمصالحة بينهم وبين ذواتهم؛ ومتشبثين بروحانية [ديونيزوس].