رسائل يوم المسرح العالمي لسنة 2018
رسالة يوم المسرح العالمي 2018 - الدول
العربية
مايا زبيب، لبنان
مخرجة وممثلة وكاتبة
مسرحيّة، عضو مؤسس لفرقة زقاق المسرحيّة
زقاق المسرحية
هي لحظة لقاء جامع
، حدث لا يتكرر، وليس له مثيل ُ في أي نشاط علماني آخر. إنه الفعل البسيط الذي
تتخذه مجموعة من الاشخاصِ اختاروا أن يكونوا معا في مكان وزمان واحد لخوض تجربة
مشتركة. انها دعوة لأفراد كي يصيروا جماعة ليتبادلوا الأفكارَ ويتصوروا سبل تحمل
أعباء الأفعال الضرورية... كي يستعيدوا، بتأن، روابطهم الإنسانية، ويجدوا أوجه
التشابه بينهم بدلا من الاختلاف... هنا يمكن لحكاية فردية ان ترسم خطوط
"الكونية"... ها هنا يكمنُ سحرُ المسرح حيث تستعيد المحاكاةُ خصائصها القديمة.
في خضمّ تفشّي ثقافة الخوف من الآخر والانعزال
والوحدة، يشكلُ هذا التواجد الغريزي معا، "هنا والان"، فعل حب. القرارُ أن نبتعد عن
الاشباع الفوري والانغماس بالملذات في مجتمعات مفرطة في الاستهلاكية وفي سباقها مع
التطور، أن نتآنى، أن نتأمل ونفكر معا، هذا بحد ذاته فعل سياسي، فعل نبيل.
كيف يمكننا ان نعيد رسم مستقبلنا بعد سقوط
الأيديولوجيات الكبرى، وفي ظلّ إثبات النظام العالمي فشله عقدا بعد عقد؟ هل ما زال
يمكننا الخوضُ في نقاشات غير مريحة في ظلّ خطاب يروج للسلامة والراحة؟ هل يمكننا
تجاوز حدود المناطق الخطرة دون الخوف من فقدان امتيازاتنا؟
اليوم أصبحت السرعة في تلقي المعلومة اهم
بكثير من المعرفة، وأصبحت الشعارات اكثر قيمة من الكلمات، وصور الجثث اكثر تبجيل من
الجسد الإنساني الحقيقي. هنا يأتي المسرحُ، ليس فقط ليذكرنا اننا مصنوعون من لحم
ودم وأن لأجسادنا وزن، بل ليوقظ جميع حواسنا، ليقول لنا أننا بحاجة الى الاستيلاء
والاستهلاك من خلال حاسة النظر. هنا يأتي المسرح ليعيد الى الكلمات قوتها ومعناها،
ليسترد الخطاب من السياسيين ويعيده الى مكانه الصحيح... إلى ميدان الأفكار والنقاش،
إلى فضاء الرؤية الجماعية.
من خلال قوة الحكاية والخيال يمدنا المسرح
بسبل جديدة لرؤية العالم وبعضنا البعض، مما يفسح لنا المجال لفتح فضاءات للتفكير
المشترك وسط الجهل والتعصب المستشريين. عندما يعود خطاب الكراهية ، ورهاب الأجانب،
وسيادة العرق الأبيض الى التداول بهذه الخفة، بعد عقود من العمل الشاق والتضحيات
بملايين البشر حول المعمورة في سبيل جعل هذه المفاهيم عارا على جبين الإنسانية...
عندما تطلق النار على رؤوس الفتيان والفتيات القاصرين، او يسجنون لرفضهم الاستسلام
للظلم والفصل العنصري... عندما تُدار بعض الدول الكبرى في العالم الأول من قبل
شخصيات غير متزنة تجسد الاستبداد اليميني المتطرف... عندما تلوح الحرب النووية في
الأفق كلعبة افتراضية يلعبها صبية كبار في مواقع السلطة... عندما تصبح حرية التنقل
رفاهية مقتصرة على قلة قليلة من المحظيين، في حين أن البحر يبتلع المزيد من أجساد
اللاجئين في محاولاتهم اليائسة لدخول حصون عالية من الاحلام الوهمية، حيث يشيد
المزيد من الجدران العازلة بتكاليف باهظة ... أين يمكننا ان نُسائل عالمنا، عندما
تُعرض معظم وسائل الاعلام للبيع؟ أين يمكننا ان نعيد التفكير في حالتنا الإنسانية،
ونتخيل نظاما عالميا جديدا، في غير حميمية المسرح؟ بشكل جماعي، بالحب والتعاطف، لكن
أيضا بمواجهة بنّاءة، بحنكة، وبالمرونة والقوة معا.
بكوني من العالم العربي، استطيع ان اتحدث عن
الصعوبات التي يواجهها الفنانون في العمل، لكنني انتمي الى جيل من المسرحيين الذين
يشعرون بالامتياز لان الجران التي نحتاج الى هدمها هي جدران مرئية وواضحة. وهذا
يدفعنا الى تعلم كيفية تحويل كل ما هو متاح، ودفع كل أنواع التعاون والابتكار الى
ابعد حدود ممكنة، لقد مارسنا المسرح في كل فضاء ممكن، في الاقبية، على الاسطح، في
غرف المعيشة، في الازقة، في الشوارع، مشكلين جماهيرنا في كل مكان نذهب اليه، في
المدن والقرى ومخيمات اللاجئين. لقد استطعنا ان نبني كل شيء من الصفر في بيئاتنا،
لقد ابتكرنا سبلا للتخلص من الرقابة، في حين ما زلنا نجتاز الخطوط الحمراء ونتحدى
المحظور. يوجه جميع المسرحيين حول العالم اليوم هذه الجدران، في ظل شح التمويل غير
المسبوق وحلول اللياقة السياسية محل الرقابة.
وهكذا، فان لمجتمع المسرحيين هذا دورا جماعيا
يلعبونه اليوم اكثر من أي وقت مضى، في مواجهة تلك الجدران المتزايدة، الملموسة وغير
الملموسة. واليوم، اكثر من أي وقت مضى، ثمة حاجة الى إعادة بناء منظوماتنا
الاجتماعية والسياسية بطريقة خلاقة، بصدق وشجاعة. ثمة حاجة الى مواجهة أوجه القصور
لدينا وتحمل مسؤولياتنا تجاه العالم الذي نشارك في صنعه.
بوصفنا صناع المسرح في هذا العالم، نحن
لا نتبع أيديولوجية او منظومة عقائدية واحدة، لكننا نحمل هذا الهم الازلي المشترك
في البحث
عن الحقيقة بجميل اشكالها، وهذه
المساءلة المستمرة للوضع القائم، وهذا التحدي لأنظمة القمع السلطوية، وأخيرا وليس
اخرا ، نملك هذه النزاهة الإنسانية.
نحن كُثر، نحن لا نهاب شيئا، نحن هنا لنبقى!
ترجمية وليد
دكروب
رسالة اليوم العالمي للمسرح 2018 – آسيا ومنطقة المحيط الهادي
رام غوبال باجاج ، الهند
مخرج مسرحي وممثل مسرحي وسينمائي وأكاديمي والمدير
السابق للمدرسة الوطنية للدراما في دلهي
.
بعد الاطلاع على كل قصص تطور البشرية بتنا نعرف شيئا
واحدا فقط باختصار: أن جميع أشكال الحياة تميل الى البقاء حتى الأبدية، وأن الحياة
الممكنة تميل إلى التفوق على الزمان والمكان حتى تصبح خالدة. وفي إطار هذه العملية
تشوه أشكال الحياة وتد مر نفسها ايضا في كافة أنحاء العالم، ومع ذلك فنحن بحاجة إلى
الحد من النقاشات حول بقاء البشرية وتحررها من رجل الكهف في العصر الحجري وصولا
إلى
عصر الفضاء، فالأهم من ذلك هو: هل نحن الان أكثر مراعاة؟ اكثر تعاطفا؟ أكثر سعادةً؟
هل نمنح المزيد من الحب للطبيعة التي نشأنا منها؟
منذ بداياتنا، استخدمت الفنون الادائية الحية (الرقص والموسيقى والتمثيل/
الدراما) أيضا أداة متطورة وهي اللغة التي تتألف من حروف العلة والحروف الساكنة،
وتعبر حروف العلة بشكل أساسي عن المشاعر أو العواطف بينما تعكس الحروف الساكنة
الشكل والفكر/ المعرفة، ونتج عن اللغة علوم الرياضيات والهندسة والتسلح الحربي
والان الحاسوب. ولا يمكننا في هذا الوقت التراجع من تطور اللغة هذا، فالأرض نفسها
لن تنجو إذا لم نقم بتحرير السعادة المشتركة الناتجة عن الفنون المسرحية الحية
والمعرفة (بما في ذلك التكنولوجيا) وإعادة رفعها وسموها عن الدنيوية والغضب والجشع
والشر.
لقد ولّدت وسائل الاعلام الجماهيري والعلوم
والتكنولوجيا لدينا قوة شيطانية، وبالتالي فإن شكل المسرح ليس هو ما يشكل
أزمة
اليوم ، بل إن الأزمة تكمن في المحتوى والبيان والقلق الذي يحيط به، فنحن بأشد
الحاجة إلى مناشدة البشرية اليوم من أجل إنقاذ كوكب الأرض وبالتالي إنقاذ
"المسرح".
على المستوى العملي ، يجب إتاحة فن التمثيل والفنون األدائية لألطفال منذ المرحلة
جيالً أكثر تعاطفاً تجاه الطبيعة والحياة، وبذلك تكون ميزة اللغة اإلبتدائية،
وأعتقد أن هذا سينشئ أقل ضررا على كوكب األرض والكواكب األخرى، باإلضافة إلى أن
"المسرح". على المستى العملي، يجب اتاحة فن التمثيل والفنون الأدائية للأطفال منذ
المرحلة الابتدائية، واعتقد ان هذا سينشئ جيلا اكثر تعاطفا تجاه الطبيعة والحياة،
وبذلك تكون ميزة اللغة أقل ضررا على كوكب الأرض والكواكب الأخرى،ن بالإضافة الى ان
"المسرح" سيصبح اكثر أهمية في الحفاظ على الحياة واستمرارها، ولذلك فهو بحاجة الى
تمكين الفنان الذي يقوم بأداء الفنون الحية ، وتمكين المتفرج دون ان يهدد أي منهما
الاخر في هذه الحقبة
الكونية من التآزر والتكاتف.
إنني احيي المسرح وأناشد العالم أن ينفِّذ ويسهّل وجوده على المستوى الشعبي
وفي المناطق الريفية والحضرية: "الجسد واللغة والتعاطف معا من اجل تعليم الأجيال".
رسالة اليوم العالمي للمسرح 2018 –
الأمريكيتين
سابينا بيرمان، المكسيك
مؤلفة وكاتبة مسرحية وصحفية.
فلنتخيّل:
ترمي
القبيلة أحجارا صغيرة لإسقاط الطيور من السماء، في الوقت الذي يهجم فيه ماموث عملاق
داخلا في المشهد ويزأر بشدة - وفي اللحظة نفسها، يزأر إنسان صغير مقلدا الماموث، ثم
يهرب
الجميع
...
هدير الماموث ذلك الذي نطقت به الأنثى البشرية
- أود أن أتخيل أنها كانت امرأة - هو أصل ما يجعلنا الأنواع الحية التي نحن عليها
اليوم، نوع قادرعلى تقليد ما لسنا عليه، نوع حي قادر على تمثيل الاخر.
لنقفز
عشر سنوات أو مائة سنة أو ألف سنة إلى الأمام، تعلمت القبيلة كيف تقلد الكائنات
الاخرى:
في أعماق الكهف وعلى ضوء النار الخافت، يلعب
أربعة رجال دور الماموث بينما تلعب ثلاث نساء دور النهر، ويلعب الرجال والنساء
الآخرون دور الطيور وحيوانات البونوبو والأشجار والغيوم: تمثل القبيلة طقوس الصيد
في الصباح وبذلك يلتقطون الماضي بمواهبهم المسرحية، والأكثر إثارةً للدهشة هو أن
القبيلة حينها تخترع سيناريوهات محتملة للمستقبل وتكتب الطرق الممكنة لقهر الماموث،
عدو القبيلة.
ثم تتطور أصوات ذلك الهدير والتصفير والتمتمة
- المحاكاة الصوتية التي شكلت مسرحنا الأول
–
لتصبح لغةً لفظية، وتتطور اللغة المنطوقة لتصبح لغةً مكتوبة، وفي المسار
الآخر يتطور المسرح ليصبح شعيرةً ثم سينما.
ولكن بمحاذاة هذه الاشكال الأخيرة وفي اصل كل
منها، يستمر وجود المسرح دائماً ليكون أبسط شكل من أشكال التمثيل بل الشكل الحي
الوحيد للتمثيل.
المسرح: كلما كان أبسط، كلما ربطنا بحميمية
أكثر بالمهارة البشرية الاكثر مدعاةً للإعجاب، ألا وهي تمثيل الآخر.
اليوم
وفي كل مسارح العالم نحتفل بهذه المهارة البشرية المجيدة وهي
الأداء، نحتفل بالتمثيل، وبالتالي نحتفل بالتقاط
ماضينا - وابتداع سيناريوهات محتملة للمستقبل يمكن أن تجلب للقبيلة مزيدا من الحرية
والسعادة.
ما هي حيوانات الماموث التي يجب القضاء عليها
اليوم من قبل القبيلة البشرية؟ من هم أعداؤها المعاصرون؟ وهذا المسرح الذي يطمح
ليكون أكثر من مجرد ترفيه ، ما الذي يجب ان يمثله؟
بالنسبة لي، أعظم ماموث هو غربة القلوب
البشرية، وفقدان قدرتنا على الشعور بالآخرين: على الشعور بالتعاطف مع إخواننا من
البشر ومع أشكال الحية غير البشرية.
يا لها من مفارقة! اليوم، وعلى ضفاف الشواطئ
الأخيرة للانسانية – للحقبة الانثروبوسينية
-
وفي العصر الذي أضحت فيه الكائنات البشرية هي القوة الطبيعية التي غيرت
كوكب الارض أكثر من غيرها وستستمر في القيام بذلك، أصبحت مهمة المسرح - في رأيي -
عكس المهمة التي جمعت القبيلة عندما تم أداء المسرح في الجزء الخلفي من الكهف:
اليوم ، يتوجب علينا إنقاذ ما يربطنا بالعالم الطبيعي.
أكثر من الادب وأكثر من السينما، يتناسب
المسرح - الذي يتطلب حضور البشر أمام غيرهم من البشر - بشكل رائع مع مهمة إنقاذنا
من التحول إلى خوارزميات وإلى تجريدية خالصة.
لنقم بإزالة كل الزوائد عن المسرح، لنجرّده
ونتركه عاريا، لأنه كلما كان المسرح ابسط كلما ذكرنا أكثر بالشيء الوحيد الذي لا
يمكن إنكاره: أننا موجودون في الوقت المناسب، أننا موجودون الان فقط تكسونا هذه
الاجساد وهذه العظام وتنبض قلوبنا في صدورنا، أننا نحن الزمان والمكان، ولا أكثر من
ذلك.
فليحيا المسرح، الفن الأكثر تقدما ، فن الوجود
في الحاضر، الفن الأكثر إدهاشا، فليحيا المسرح.
ترجمة:
حصة الفالسي
رسالة اليوم العالمي للمسرح 2018 – أوروبا
سايمون ماكبرني ،
المملكة المتحدة
ممثل وكاتب ومخرج مسرحي
والمؤسس الشريك لمسرح كومبليسيت
على بُعد نصف ميل من الساحل القيرواني في شمال
ليبيا يوجد مأوى صخري شاسع يبلغ عرضه
80
مترا وارتفاعه 20
مترا ، ويطلق على هذا الكهف في اللهجة المحلية اسم "هوا فطيح". في عام 1951م أظهر
تحليل الكربون الذي يستخدم لتحديد عمر الآثار أن الانسان استوطن هذا الكهف لفترة
زمنية مستمرة لا تقل عن
100000عام،
ومن بين القطع الأثرية
التي
تم اكتشافها كان هناك مزمار مصنوع من العظم يعود تاريخه إلى ما بين 40 و 70 ألف عام.
كصبي
عندما سمعت بهذا سألت والدي:
"هل
كان لديهم موسيقى؟"
ابتسم
لي وقال:
"حالهم كحال كافة المجتمعات البشرية."
كان والدي امريكي المولد وعالما في آثار ما
قبل التأريخ، وكان أول من حفر "هوا فطيح" في برقة.
إنه لشرف عظيم لي أن أمثل قارة أوروبا في
كتابة رسالة اليوم العالمي للمسرح هذا العام.
في عام 1963م ، قال سلفي في كتابة رسالة اليوم
العالمي للمسرح، الكاتب والروائي والمسرحي الكبير آرثر ميلر في الوقت الذي كان
تهديد الحرب النووية يثقل كاهل العالم: "في هذا الوقت الذي أصبحت فيه أسلحة
الدبلوماسية والسياسة قصيرة وضعيفة للغاية، فإن على الفن بامتداده الرقيق ولكن
الطويل المدى أحيانا أن يتحمل عبء تماسك وترابط المجتمع البشري".
تم
اشتقاق كلمة دراما من الكلمة اليونانية
"dran "وتعني
"العمل"، بينما تنبع كلمة "المسرح" باللغة الإنكليزية من الكلمة اليونانية "Theatron"،
ومعناها الحرفي هو "مكان الرؤية"، مكان لا ننظر فيه وحسب، بل نرى وندرك ونفهم.
قبل 2400 عام، صمم بوليكليتوس مسرح إبيداوروس
الكبير والذي يتسع لـ 14000 مشاهد ويعتبر معجزة في الهندسة المعمارية بسبب خصائصه
الصوتية المذهلة في الهواء الطلق، حيث يمكن أن يسمع صوت عود ثقاب يتم إشعاله في
منتصف خشبة المسرح في كافة المقاعد البالغ عددها 14000 مقعدا، وكما هي العادة في
المسارح الاغريقية عندما تنظرون إلى الممثلين يمكنكم أيضا رؤية ما ورائهم من
المناظر الطبيعية، فلم يقتصر الأمرعلى تجميع عدة أماكن في الوقت نفسه: المجتمع
والمسرح والعالم الطبيعي، بل استحضر أيضا كافة الأزمنة في ذات اللحظة، وبما ان
المسرحية تستحضر الأساطير الماضية في الوقت الحالي، يمكنكم النظر إلى المسرح ورؤية
ما سيؤول إليه مستقبلكم النهائي:
الطبيعة.
إن احد اهم
الاكتشافات المرتبطة بإعادة اعمار مسرح غلوب الشيكسبيري في لندن تتعلق أيضا بما
يمكنكم رؤيته، فهذا الاكتشاف متعلق بالضوء، حيث يتم إضاءة خشبة المسرح والقاعة
بالتساوي، فيمكن للفنانين والجمهور رؤية بعضهم البعض، فترى الأشخاص في كل مكان تنظر
إليه وفي كل وقت، وأحد النتائج المترتبة على ذلك هو تذكيرنا بأن المناجاة الرائعة،
على سبيل المثال، لهاملت أو ماكبث لم تكن مجرد تأملات خاصة، بل مناظرات عامة.
نحن نعيش في
وقت تصعب في الرؤية بوضوح، إننا محاطون بالخيال اكثر من أي وقت مضى في التاريخ او
ما قبل التاريخ ، يمكن الطعن في أي
"حقيقة"، ويمكن لأي حكاية ان تطالب بانتباهنا على انها "الحقيقة"، هناك شكل واحد من
الخيال على وجه الخصوص يحيط بنا باستمرار وهو ذلك الذي يسعى لتفرقتنا عن الحقيقة
وعن بعضنا البعض، فنصبح منفصلين: البشر عن البشر والنساء عن الرجال والبشر عن
الطبيعة.
ولكن كما نعيش في زمن
الانقسام والتشرذم، فإننا نعيش أيضا في زمن الحركة الهائلة، فالناس يتحركون اكثر من
أي وقت مضى في التاريخ، فتراهم يفرون ويمشون ويسبحون اذا لزم الامر، ويهاجرون الى
كافة انحاء العالم، وهذه هي البداية فقط. والرد كما نعلم كان باغلاق الحدود وبناء
الجدران وبالصمت والعزلة. نحن نعيش في نظام عالمي مستبد، حيث اللامبالاة هي العملة
والامل هو البضائع المهربة، وجزء من هذا الطغيان هو السيطرة ليس على الفضاء فحسب،
بل على الزمان أيضا. فالزمن الذي نعيش في يتجنب الحاضر، ويركز على الماضي القريب
والمستقبل القريب: أنا لا املك هذا وسأشتري هذا.
الان وقد اشتريته يجب
ان احصل على الشئ.. التالي، تم طمس الماضي البعيد، ولا توجد عواقب للمستقبل.
هناك العديد
ممن يقولون بأن المسرح لا ولن يستطيع تغيير أي شيء من هذا، ولكن المسرح باق لن
يذهب،
لأن المسرح موقع، وأميل أن أقول أنه
مأوى، يتجمع فيه الناس ويشكلون المجتمعات على الفور، كما فعلنا دائما، كل المسارح
تماثل في حجمها احجام المجتمعات البشرية الأولى: من 50 الى 14000 نسمة، من قافلة
بدوية الى ثلث أثينا القديمة.
ولأن المسرح موجود في
الحاضر فقط، فهو يتحدى هذه النظرة الكارثية للزمن، فاللحظة الحالية هي دائما موضوع
المسرح
، ويتم
انشاء معانيها في العمل المشترك بين الفنان والجمهور. ليس هنا فقط، بل الان فبدون
تمثيل الفنان لا يستطيع الجمهور التصديق، وبدون تصديق الجمهور لن يكون الأداء
كاملا، فنحن نضحك في نفس اللحظة وتتحرك مشاعرنا ونشهق او نشعر بالصدمة الى درجة
الصمت، وفي تلك اللحظة من خلال الدراما نكتشف تلك الحقيقة الأكثر عمقا: أن ما
اعتقدناه اكثر الأشياء خصوصية في انفصالنا عن بعضنا البعض وهو حدود وعينا الفردي،
هو أيضا بلا حدود. إنه شيء نتقاسمه.
لا احد يستطيع ايقافنا، سنعاود الظهور في كل ليلة، وسيعاود الجمهور
والممثلون التجمع في كل ليلة، وسيتم تمثيل الدراما نفسها، لأنه كما يقول الكاتب جون
بيرغر "في عمق طبيعة المسرح يوجد الإحساس بعودة الطقوس"، وهذا هو السبب في أن
المسارح كانت دائما الشكل الفني للمحرومين، وهو- بسبب التفكك الحالي لعالمنا- حالنا
جميعا. حيثما يوجد الفنانون الادائيون والجمهور سيتم تمثيل القصص التي لا يمكن
سردها في أي مكان اخر، سواء في دور الاوبرا والمسارح في مدننا الكبيرة، او في
المخيمات التي تأوي المهاجرين واللاجئين في شمال ليبيا وفي جميع انحاء العالم، سنظل
دائما ملتزمين معا بشكل جماعي بمعاودة تمثيل الحكايا.
ولو كنا في مسرح ابيداوروس الكبير يمكننا النظر الى الأعلى ورؤية كيف
نتشارك هذه اللحظة مع المناظر الطبيعية، وندرك اننا دائما جزء من الطبيعة ولا
يمكننا الهرب منها كما لا يمكننا الهرب من كوكبنا، ولو كنا في مسرح غلوب سنرى كيف
يمكن طرح الأسئلة التي تبدو خاصة علينا جميعا، ولو كانت لدينا فرصة حمل المزمار
العظمي في برقة والذي يعود لـ 40000 سنة مضت، سنفهم ان الماضي والحاضر هنا لا يمكن
تجزئتهما ، وان سلسلة المجتمع البشري لا يمكن ابدا كسرها من قبل الطغاة
والديماغوجيون.
ترجمة: حصة الفلاسي
رسالة اليوم العالمي للمسرح 2018 – أفريقيا
ويري ويري ليكينغ ،
ساحل العاج
فنانة متعددة التخصصات
في أحد
الايام
قرر شخص ما أن يسأل نفسه أسئلة أمام مرآة (جمهور)
أن يخترع لنفسه أجوبة
وأمام هذه المرآة نفسها (جمهوره)
أن ينتقد نفسه ويسخر
من اسئلته واجوبته
أن يضحك أو يبكي، على
أي حال، ولكن في النهاية
أن يحيّي ويبارك
مرآته (جمهوره)
لمنحه هذه اللحظة من
الغضب والاسترخاء
ينحني ويحييها ليبين
لها الامتنان والاحترام...
في اعماقه، كان يسعى
للسلام
السلام مع نفسه ومع
مرآته:
كان يؤدي عملا
مسرحيا...
في ذلك اليوم، كان
يتحدث...
يحتقر عيوبه
ومفارقاته وتشوهاته،
يصدم نفسه من خلال
التقليد والالتواءات والتشويه،
ممثلا تفاهاته التي
ألغب انسانيته
وحيله التي أدت الى
وقوع الكوارث كان يتحدث مع نفسه...
يعجب بنفسه في ثورته
المتزايدة،
وفي طموحاته الى
العظمة والجمال،
ليكون كائنا افضل،
يعيش في عالم افضل
يمكن أن يبنيه
بأفكاره الخاصة
ويشكّله بيديه
الاثنتين
وقال لنفسه انه يريده
اذا كان ذلك بين نفسه والمرآة،
اذا كان هو ومرآته
يشتركان في الرغبة...
ولكنه يعرف ذلك: كان
يقوم بالتمثيل
بتمثيل السخرية، وبلا
شك، الوهم،
ولكن أيضا، بالطبع،
الفعل العقلي
التشييد
إعادة صنع العالم
كان يؤدي عملا
مسرحيا...
حتى من خلال نسف كل
الامال ومن خلال كلماته وايماءاته الاتهامية
كان عازما على
الاعتقاد
انه سيتم انجاز كل
شيء في هذه الأمسية
من خلال نظراته
المجنونة
وكلماته الحلوة
وابتسامته العابثة
ودعاباته اللذيدة
من خلال كلماته التي،
حتى عندما تؤذي او تهز،
تعمل عمل الجراحة
للمعجزات
نعم ، كان يؤدي عملا
مسرحيا...
وبشكل عام
في موطني في افريقيا
خاصة في الجزء
الكاميتي الذي اتيتُ منه
لا نهتم بأي شيء
فنحن نضحك على كل
حال، وننتحب ونحن نبكي
ونضرب الأرض تحتنا
عندما تخيّب امالنا
من خلال رقصة
الغبيغبي او البيكوتسي
وننحت اقنعة مخيفة
اقنعة الغلاي
والوابيلي والبونيو غو الدينية
لنتمكن من فهم
المبادئ المتشددة
التي تفرض علينا
الدورات والاوقات
والدمى، التي تشبهنا،
فينتهي بها المطاف
الى معرفة صانعها
والى اخضاع
المتلاعبين بها
ونخرج بطقوس تكون
الكلمة المنطوقة فيها،
والتي يتم تضخيمها
بالاغنيات والانفاس الايقاعية،
متجهة الى غزو
المقدسات
ونستثير الرقصات
الشبيهة بالغيبوبة
منادين بالعزم
والتفاني.
ولكن أيضا، وقبل كل
شيء، ننفجر ضاحكين
للاحتفاء ببهجة
الحياة
التي لم تستطع قرون
من العبودية والاستعمار
والعنصرية والتمييز
او الاستمرار الخالد
للفظائع التي لا توصف
ان تخنقها او تنتزعها
من روحنا وانسانيتنا.
في افريقيا، كما في
أي مكان اخر في العالم
نحن نؤدي عملا
مسرحيا...
وفي هذا السنة الخاصة
المكرّسة للهيئة الدولية للمسرح
يسعدني ويشرفني بشكل
خاص
ان امثل قارتنا
وان احمل رسالتها
للسلام
رسالة المسرح
المسالمة
لان هذه القارة التي
قيل عنها منذ فترة ليست بطويلة
ان أي شيء في العالم
يمكن ان يحدث فيها،
دون ان يشعر أي شخص
باقل توعك او نقص،
يتم الاعتراف بها مرة
أخرى في دورها الأساسي كام واب للإنسانية
والعالم كله يتدفق
فيها...
لان الجميع يأمل
دائما في العثور على السلام
بين ذراعي والديهم ،
اليس كذلك؟
وعلى هذا النحو،
ينعقد مسرحنا اكثر من أي وقت مضى
ويشرك جميع البشر،
وخاصة كل أولئك الذين يتشاركون الفكر والكلمة والعمل المسرحي
من اجل الحصول على
المزيد من الاحترام لانفسهم وللاخرين
من خلال تفضيل افضل
القيم الإنسانية
على امل استعادة
الإنسانية الأفضل للجميع:
إنسانية تبرز الذكاء
والتفاهم.
باستخدام هذا الجزء
الذي يشكل اكثر الثقافات البشرية فاعلية
واستخدام الشئ الوحيد
الذي يمحو كل الحدود: المسرح...
فهو احد اكثر الأشياء
سخاء لانه يتحدث كل اللغات،
ويُشرك جميع الحضارات
ويعكس كل المثل العليا،
ويعبر عن وحدة عميقة
لجميع البشر الذين،
على الرغم من كل
المواجهات
مهتمون بشكل خاص
بالتعرف على بعضهم البعض بشكل افضل
ومحبة انفسهم بشكل
افضل، بسلام وهدوء
عندما يصبح التمثيل
مشاركة
يذكرنا بواجب الفعل
الذي يفرض علينا
قوة المسرح في جعل
الجميع يضحكون ويبكون معا
من خلال تقليل حدة
جهلهم وزيادة معرفتهم
حتى يصبح الانسان مرة
أخرى اعظم ثروة لاخيه الانسان.
يقترح مسرحنا ان نقوم
بشكل أساسي بإعادة فحص وإعادة تقييم
كل هذه المبادئ
الإنسانية، كل هذه الفضائل السامية
كل هذه الأفكار
الداعية للسلام والصداقة بين الشعوب
والتي تدعو لها
اليونسكو بشكل كبير
وان نجسدها في
المشاهد التي نصنعها اليوم
بحيث تصبح هذه
الأفكار والمبادئ حاجة أساسية
وفكرا عميقا ينبع من
مبدعي المسرح انفسهم أولا
والذين يمكنهم بعد
ذلك مشاركتها بشكل افضل مع جماهيرهم .
هذا هو السبب في ان
احدث انتاجاتنا المسرحية بعنوان "شجرة الخالق" تكرر توصيات معلمنا
كينداك إنغو بيونغ بي
كوبان حين قال:
"الخالق كالشجرة
الكبيرة"
والتي يمكن ان ندرك
منمها جانبا واحدا فقط في كل مرة
من الزاوية التي تظهر
فيها:
وكل من يطير فوق
الشجرة لن يرى سوى أوراق الشجر
والفواكه المحتملة
والزهور الموسمية.
وكل من يعيش تحت
الأرض سيعرف المزيد عن جذورها ،
أولئك الذين يميلون
الى الشجرة سوف يدركونها
من خلال الإحساس في
ظهورهم
وأولئك الذين يأتون
من كل نقطة جوهرية
سيرون الجوانب التي
لا يستطيع أولئك الاخرون الوصول اليها بالضرورة،
البعض من المحظوظين ،
سيرون السر
بين اللحاء ولب الخشب
بينما سيرى غيرهم ،
العلم الوثيق في نخاع الشجرة،
لكن مهما كانت سطحية
او عمق الادراك لكل
منهما،
لا يتم وضع أي شخص
تحت زاوية يمكنهم من خلالها
ادراك كل هذه الجوانب
في وقت واحد
ما لم يصبحوا هم هذه
الشجرة الإلهية بأنفسهم!
لكن عندها، هل سنظل
بشرا؟
ادعو الى ان تتسامح
جميع المسارح في العالم وتتقبل بعضها البعض
لتخدم الأهداف
العالمية للهيئة الدولية للمسرح بشكل افضل
من اجل ان يكون
أخيرا، وفي الذكرى السبعين لتأسيسها،
هناك المزيد من
السلام في العالم
بمشاركة قوية من
المسرح...
ترجمة حصة الفلاسي