تساؤلات زمكانية
د. أبو الحسن سلام
أستاذ علوم المسرح بجامعة الإسكندرية
في السابع
والعشرين من مارس، مع حلول يوم عالمية المسرح2017 تراودني بعض الأسئلة التي تتكرر
عاما بعد عام ، دون أن أعثر على إجابة شافية عنها:
* أما زال مسرحنا العربي حائرا بين الإيهام والدهشة معبرا لتوصيل خطابه المعرفي
دراميا، أم أنه اختار أحدهما.. أم ابتكر لخطابه الدرامي طريقا ثالثة حاملة لهوية
عربية خالصة؟!
* أما زالت شخصيات مسرحنا العربي تتكلم من خلال أفواه مجتمعاتها المحلية، أما زال
خطابها الدرامي يدور حول قضايا قومية أم استطاع تجاوز قيود المحلية خروجا من دائرة
القومية، أو مرورا منها إلى آفاق ثقافة عولمية؟!
*
هل أتقن كاتبنا المسرحي العربي توظيف قناع التكلم من خلال أفواه شخصياته دون أن
يبدو عليه فعل ذلك؟!
*
هل اقتصر دور كاتبنا المسرحي على الالتزام بمنح شخصياته الدرامية على قدر حاجتها
لتعبر عن جوهر ما تريد وجوهر ما تشعر لتنطق بلغة الشعر أـو النثر؛ محمولا على تعدد
أصواتها المتباينة في الدوافع وفي العلاقات والأفعال وردود الأفعال ليمتع ويقنع.
* هل تمكن مسرحنا من تجسيد نبالة الشخصية العربية فيما أنتج من تراجيديا فتطهرت،
وأن يصور دناءة الشخصية العربية في كوميدياته فتغيرت؟!
* هل حقق فنّاننا المسرحي العربي الطليعي حالة إدهاش لجمهوره من خلال فرجة مسرحية
تراثية، جدد فيها خطاب التراث المستلهم في عصرنا؟!
* هل ترتب على محاولات كتاب مسرح الستينيات تسييس الخطاب المسرحي العربي كسبا
لتأييد خطاب الأنظمة السياسية حديثة التحرر في وأد فعل المعارضة الوطنية؟!
* هل استطاع مسرحنا العربي عبر مسيرة تاريخية امتدت من بابات ابن دانيال وشخصياته
الظلية في القرن الثامن الهجري وصولا إلى عولمية القرن الحادي والعشرين أن يجدد
خطابه وسياقاته الدرامية نصا والمسرحية عرضا بما يجسد روح خطاب مدني مواكب لكل عصر
مرت به؟!
*
كيف غاب عن حركة النقد المسرحي العربي إدراك أسبقية فكرة تعدد الخطاب المسرحي (في
الحداثة) عند منظر عربي هو حازم القرطاجني صاحب نظرية (المتوسطات القرائية) - القرن
السادس الهجري- التي تأسست على أن معنى النص هو حاصل قسمة مجموع خطاب النص وثقافة
المتلقي؟!
* كيف غابت نظرية النظم لعبد القاهر الجرجاني التي تأسست على (عدم مزية للكلمة خارج
سياق الجملة) عن نقادنا، بينما انتفعوا بما أخده ريتشاردز عنها في النقد الإنجليزي
(لا مزية للنغمة خارج سياق اللحن) وانتفعوا بما أخده كروتشه منها فوظفها في نظرية
النقد الجمالي (لا مزية للون خارج سياق الصورة).
* لما حاد مخرجونا المسرحيون الرواد الذين ارتادوا منهج التغريب المسرحي منطلقا
لدهشة مسرحية مدركة قائمة على (ثنائية الرائع/ المشوه، المشوه/ الرائع) وتعدد
الخطاب المسرحي، فمزجوا الإيهام بالدهشة / والتطهير بالتغيير؟!
* لمادا انحرفت الكتابات المسرحية لجيل كتاب مسرحنا المعاصر إل ظاهرة الاقتباس
والإعداد تحت مسمي ( الدراماتورج) مع أن
الفن يبدأ دائما من النقل وينتهي إلى الأصالة ، يبدأ من المحاكاة وينتهي إلى
الإبتكار . ؟!
* لماذا استشرت في مسرحنا حالة الولوع بفكرة (التقديس والتدنيس) التي أسس عليها كل
من كريج وييجي جروتوفسكي مسرحه تأثرا بفكرة (التقديس والتدنيس عند أفلاطون)؟!
* لماذا توقف عطاء الشعر في كتابة المسرح
العربي. ولماذا تقاعست المسرحية الشعرية العربية بعد صلاح عبد الصبور عن
إتمام عملية صياغة النص المسرحي الشعري وفق أسلوب يشعر فيه الشاعر المسرحي نفسه أن
شخصياته تستدعيه وسيطا لتعبّر دراميا عن إرادتها ومشاعرها المتصارعة، بحيث تكون لكل
منها خصوصية لغتها وهويتها الفكرية والثقافية والاجتماعية والنفسية؟!
كانت تلك التساؤلات
تراود فكري مع كل يوم يعاود فيه العالم الاحتفال بمسرحه. وها هي تعاود مراودتي
اليوم من جديد في يوم احتفالنا باليوم العالمي للمسرح ؛ وها أنا بدوري أعيد طرحها
على المسرحيين العرب؛ علنا نظفر بإجابات وافية تضبط معطيات الأداء المسرحي العربي
في النص والعرض والنقد ليصبح طاقة اتصالية تعبيرية
إبداعية مؤثرة عبر الإمتاع والإقناع عبر طاقة أداء.
فكيف يجدد مسرحنا العربي خطابه وأنساق عرضه واقع المسرح العالمي؛ مع تغير الفاعل التاريخي في عصرنا الحالي يتمثل فيما تملكه القوة الغاشمة المنفردة بالسيطرة على الميديا والفضاء الخارجي والثورة المعلوماتية لذلك يسيطر فكر التفكيك والتركيب وما بعد الحداثة ولا مركزية الخطاب وأسلوب نفي النسق البنائية بالتشظي والتداخل واستبدال الهامش بالمركز على المسرح العالمي كتابة وعرضا .