سلاميات في نار صماء

  

شخوص المسرحية

المرأة  -  الرجل  -  الرجال الثلاثة

 

(1)

 موسيقى رومانس .. تضاء الخلفية ( السايك) من مؤخرة المسرح .. تظهر المرأة والرجل أمام الخلفية  يحتضن كل منهما الآخر كما لو كانا تمثالين .. يضاء المسرح إضاءة باهتة فنرى ثلاثة تماثيل بشرية.. الأول على منطقة أسفل يمين المسرح وهو لرجل كهل ذي لحية بيضاء طويلة يحمل صولجان يميزه عن الآخرين .. الثاني لرجل ، ذي لحية سوداء قصيرة ، يبرك أمام الثالث الذي يشابهه في اللحية ويقاربه في العمر.. الاثنان معا، يشيران إلى المرأة والرجل .. تمتزج مع الموسيقى أصوات غريبة تبدد الهدوء المموسق شيئا فشيئا حتى تتحول الى صخب هادر.. تسقط صاعقة من اعلى ( السايك ) الخلفية على رأسي المرأة والرجل فيبتعدان عن بعضهما مرغمين.. تتعالى أصوات الرعد ويزداد البرق ويتصاعد زئير العاصفة.. الرجل والمرأة يقاومان.. يترنحان.. يتدحرجان من اعلى المرتفع الى أسفله .. ينهضان كل في جهة من جهتي المرتفع .. يقاومان .. يحاولان الصعود ثانية لكنهما يفشلان .. تخور قواهما شيئا فشيئا .. و شيئا فشيئا تهدأ العاصفة ويختفي البرق ويسود الظلام .

        موسيقى الناي نسمعها من خلال الظلام .. تفتح الإضاءة ، تدريجيا ، فيظهر الرجل جالسا .. منهكا في وسط المسرح .. تدخل من يمين المسرح ويساره شجرتان من الورد ..  تتقدمان صوب الرجل .. تقدمان له باقتين من الورد .. يأخذهما .. يضمهما بعضهما الى بعض.. تنسحب الشجرتان الى خارج المسرح .. يسمع صوتا غير واضح ولا مفهوم فيضع باقة الورد على حافة المرتفع بلا مبالاة .. يتسمع .. يحاول أن يحدد جهة الصوت .. يميز فيه صوت امرأة فيبحث عن مصدره بهوس.. وإذ لا يجد شيئا على الخشبة يهرع الى خارج المسرح من جهة اليسار.. تزيح المرأة عنها الركام الهائل من الأغصان والأشياء عند حافة المرتفع .. تظهر بكاملها .. تبحث هنا وهناك .. أسفل وأعلى المرتفع و حواليه .. وإذ لا تجد الرجل تجلس حزينة مهمومة في المكان الذي  كان الرجل جالساً عليه.. يعلو من البعيد صوت الناي بنغمه الحزين.. تدخل من يسار ويمين المسرح شجرتان.. تقدمان للمرأة باقتين من الزهور.. تأخذهما.. تضمهما الى بعض.. تنسحب الشجرتان الى خارج المسرح.. تسمع صوتا قادما من البعيد..تضع الزهور بلا مبالاة على حافة المرتفع فترى الباقة التي وضعها الرجل.. تحمل الباقتين وهي تبحث عن مصدر الصوت.. تميز صوت رجلها فتهرع الى خارج المسرح من جهة اليمين.. تطفأ الأضواء .. موسيقى فالس .. تفتح الأضواء .. تدخل المرأة من يمين المسرح ويدخل الرجل من يساره و هما يتقدمان كل منهما صوب الآخر .. يمسكان كل منهما يد الآخر .. يتقدمان الى أسفل وسط المسرح .. يرقصان الفالس بأداء متقن .. تمتزج مع الموسيقى أصوات غريبة مخيفة مرعبة .. يتوقفان  عن الرقص ..يهرع كل منهما الى جهة من جهتي المسرح .. يتراجعان ببطء الى وسط الخشبة .. يستديران كل نحو الآخر .. يركضان كل منهما صوب الآخر .. وقبل أن يلتحما يسقط من فضاء المسرح سيف ضخم.. ينغرز جزء من نصله في أرضية الخشبة.. ويظل قائما بينهما.. حائلا دون لقائهما.. يمدّ كل ،يده، نحو الآخر.. تطفأ الأضواء ونرى في الظلام قفازات أيديهم وأقدامهم الفسفورية ، فقط ، وهي تطارد من قبل السيف الذي يلمع في الظلام هو الآخر ويتحرك مهاجما إياهم هنا وهناك .. يقتربان .. يلتحمان .. يحمي كل منهما الآخر لكن السيف ينقض عليهما فيصرخان .. تغطي صراخهما موسيقى الناي بأداء طقوسي حزين أو أصوات همهمات كورالية تؤدي بطبقة واطئة .. يضاء المسرح في بقعتين ضوئيتين يظهر فيهما الرجل والمرأة وقد تمدد كل منهما تحت صليبه . الرجل في يسار المسرح والمرأة في يمينه.. يتحرك الرجل ببطء وكأن الحياة دبت في عروقه ثانية.. وكذلك المرأة.. يرفعان رأسيهما .. ينظران الى بعضهما .. يزحفان باتجاه بعضهما.. وقبل أن يلتقيا يهبط من فضاء المسرح مشبك من القضبان الحديدية يحول بينهما.. ينظران الى بعضهما باستغراب .. يُمسكان بالقضبان الحديدية .. يتعانقان من ورائها.. ينفصل المشبك الى مشبكين يباعدان بين المرأة ورجلها .. يدفعانهما باتجاهين متعاكسين.. يطاردانهما.. يراوغانهما بحركات متقنه وكأن القضبان تطاردهما لتفوت عليهما فرصة اللقاء ، ثانية ، ثم تحاصرهما عند الكواليس في جهتي اليسار واليمين .. يقاومان.. يدفعان القضبان الحديدية في محاولة للبقاء على الخشبة لكن القضبان تفرض سيطرتها فتدفعهما الى الخارج وراء الكواليس.. نسمع من وراء الكواليس صرخة قوية وصخباً هائلاً .. تطفأ الأضواء.

(2)

        يضاء المسرح.. يدخل الرجل وهو يتحرك حركات سريعة في محاولة لشق الزحام الوهمي المضروب أمامه.. ترتفع أصوات محركات السيارات ومنبهاتها و ضجيج المارة.. ينظر من فوق الأكتاف الوهمية.. يحاول أن يجد امرأته دون جدوى.. ينتقل هنا وهناك.. يمر من بين هؤلاء وأولئك .. يتوقف إذ يلمحها وسط الزحام.. يتبعها ،بسرعة، وهو يخرج من يمين المسرح.. تدخل المرأة من يسار المسرح.. أصوات محركات السيارات وضجيج المارة آخذ في الارتفاع.. وبحركات مشابهة لحركاته تقوم المرأة بالبحث عنه دون جدوى.. تلمحه فتتوقف عن الحركة ،برهة، ثم تنطلق خلفه لتخرج من يمين المسرح أيضاً.. يتوقف الضجيج .. تطفأ الأضواء.

(3)

        بقعة ضوء دائرية يظهر فيها الرجل و المرأة في جلسة عاطفية أسفل المرتفع.. قواعد التماثيل خالية من نصبها البشرية الثلاثة.. يقترب الرجل من المرأة.. يلتصق بها وإذ يهم بتقبيلها تقاطعه أصوات كلاب شرسة قادمة من البعيد.. تقترب الأصوات شيئاً فشيئاً .. يدخل الى المسرح ثلاثة كلاب بشرية.. ترتقي ، متحفزة ، قواعد التماثيل لحظة ثم تنقض مهاجمة المرأة و الرجل.. يصعدان الى أعلى المرتفع .. تتبعهما الكلاب.. يدافعان عن نفسيهما بالحجارة لكن الكلاب تستمر في الصعود اليهما حتى تنقض عليهما وتطفأ الأضواء .

(4)

        تفتح الأضواء.. يدخل الرجل وكذلك امرأته من جهتي المسرح وقد ربط كل منهما بحبل يمتد الى ما وراء الكواليس.. يتقدمان صوب بعضهما.. يحاولان احتضان بعضهما لكن قصر الحبل يحول دون ذلك .. يحاولان مرة أخرى عن طريق النزول الى أسفل اليسار و اليمين ولكنهما يفشلان أيضاً.. يسحب كل منهما حبله بقوة دون جدوى.. يتوقفان عن المحاولة .. يتبع كل منهما حبله الى ما وراء الكواليس ثم يعودان الى مكانهما .. يمد كل منهما يده نحو الآخر .. وبصعوبة تتشابك أصابعهما.. يبتهجان.. يقفزان فرحاً.. يدخل رجلان مقنعان من جهتي المسرح وكل منهما يمسك بطرف من طرفي الحبلين.. يتقدمان بسرعة نحوهما .. يدوران حولهما.. يلفانهما بالحبلين ويتوقفان عن الحركة ، تماماً ، لمجرد ظهور المقنع الثالث فوق المرتفع وكأنه يقف فوق رأسي المرأة و الرجل.. ينظر إليهما.. والى المقنعين.. يشير برأسه علامة الموافقة ويختفي .. المقنعان يشهران مسدسين.. يصوبانهما نحو المرأة و الرجل.. يطلقان في آن واحد وينسحبان .. يتلوى الرجل وكذلك المرأة .. تسقط الحبال من حولهما.. يترنحان .. يتمايلان بعض الوقت ثم يتوقفان عن الحركة نهائياً.

(5)

        تظهر التماثيل الثلاثة ، مرة أخرى ، على قواعدها بينما يختفي المرتفع لنرى في محله نعشين .. موسيقى مارش جنائزي .. أو ترتيلة كنسية .. أو همهمة كورالية .. ينزل ، من على قاعدة التمثال الأول ،الرجل الكهل ذو اللحية البيضاء .. يسير نحو وسط المسرح .. يقف عند رأسي النعشين .. يشير اليهما بصولجانه .. ينهضان ببطء .. يحركان أيديهما ببطء.. يقفان .. يتحركان حركات تعبر عن قيامهم من الموت (يمكن أن يكون أداء النهوض من الموت أداء شبيهاً بالباليه) .. يتحركان صوب التمثالين الآخرين .. يقفان عندهما فينزل الآخران من على قاعدتيهما .. يتقدم الرجل الثاني صوب المرأة بينما يتقدم الثالث صوب الرجل .. المرأة و الرجل يتراجعان الى الخلف .. يرتطمان بالرجل الكهل ذي اللحية البيضاء فيقفزان فزعاً ويهربان الى جهتي المسرح .. يتقدمان صوب بعضهما .. يمسك كل منهما بيد صاحبه ويتقدمان نحو الرجال الثلاثة .. يجلسان أمامهم.. يحنيان رأسيهما وجذعيهما .. الكهل يشير الى الثاني و الثالث فيبتعدان الى وسط اليمين و وسط اليسار ويظلان جامدين في محلهما .. يشير بصولجانه الى المرأة فتنهض وكذلك الرجل.. يضع صولجانه على كتف الرجل فيختض بقوة ثم يجمد في محله .. الكهل يتابع المرأة فتتراجع أمامه بخوف .. يرمي صولجانه .. يتبعها محاولاُ الإمساك بها لكنها تفلت منه.. تراوغه.. تفلت منه.. تدور حول الشواخص الثلاثة.. يمسك بها في أسفل وسط المسرح.. يرغمها على البروك ثم التمدد على أرضية الخشبة .. يحاول رجلها أن يتحرك..أن يتخلص من القوة التي سمرته في مكانه.. يستمر الكهل في إضجاع المرأة على الأرض.. يتحرر الرجل .. ينقض على الكهل وفي الوقت نفسه تركله المرأة بقوة .. الرجلان الثاني و الثالث يشيران اليهما معاً فيوقفانهما عن الحركة ثم يرغمانهما على الوقوف أعلى وسط المسرح.. يشير الكهل على الرجلين بالخروج فيخرجان.. يعطي إشارة خاصة فتطفأ الأضواء.. ومن خلف السايك تظهر ألسنة اللهيب الصماء وهي تتصاعد شيئاً فشيئاً.. ينسحب الكهل تاركاً المرأة و الرجل يكتويان باللهيب حتى تنزل الستارة معلنة انتهاء المسرحية.

 

 بعقوبة 1998

* * *

 

   نشرت في سلسلة ( الق ) مشهد ديالى الثقافي ( 2) ربيع 2000