طقوس صامتة

 الشخصيات

1ـ الرجل ذو الملابس البيض

 2ـ زوجته

3ـ ابنه

4ـ الرجل القصير

 5ـ الشاب دميم الخلقة

6ـ الرجل الأول والثاني والسيّاف

 7ـ شابتان

8ـ مجموعة من الناس

 

المشهد الأول :

       تطأ الأضواء .. يعم المسرح صمت مطبق .. وعلى نحو مفاجئ تشق الصمت ضربة صنج وصرخة نسوية وعويل .. تتعالى ضربات الطبول .. سريعة . متعاقبة .. نسمع من خلال الظلام أصوات أبواب تفتح ثم تغلق بقوة ، محدثة جلبة وضوضاء .. يخرج الناس مهرولين .. لاهثين في الظلام .. إضاءة مركزة ومتحركة نرى أثناء توهجها الرجل ذا الملابس البيض واقفا أقصى يسار المسرح يبدي تعجبه واستغرابه من حركة الناس .. يحاول إيقاف أحدهم لكنه يفشل .. يحاول إيقاف آخر لكن الآخر يكتفي بالوقوف لحظة والنظر اليه  وهلة قصيرة ثم ينطلق مهرولا هذا الأخير الى اتجاه أسفل وسط المسرح .. تفتح الأضواء الحمر فتتوقف الحركة .. ترتفع تدريجيا من أسفل وسط المسرح دكة صغيرة تتعالى همهمات وصفير من داخل المسرح ومن باطنه .. الناس يكونون حلقة دائرية حول الدكة ..رجال نصف عراة .. وآخرون بملابس زاهية .. تنسل من بينهم امرأة ناهدة الصدر .. ناحلة الخصر .. ترتقي الدكة .. تخلع بعضا من ملابسها .. ترقص متبعة إيقاع الصفير والهمهمة .. يتبعها رجل ضخم .. يمسك بيده سيفا عريض النص .. يدنو منها .. يؤديان معا حركات إيقاعية شبيهة برقصات التعري .. تضع المرأة ، قبل انتهاء الرقصة ، رقبتها على فتحة تشبه قاعدة مقصلة فرنسية .. يهوي بالسيف على مؤخرة رقبتها فيفصل الرأس عن الجسد .. يتدحرج الرأس الى أسفل الدكة ..  يرفع الكل أيديهم الى الأعلى ، كما لو كانوا يرفعون الأنخاب ، ثلاث مرات في آن واحد إلا الرجل ذا الملابس البيض الذي واقفا يرقبهم .. يرقص السياف رقصة شيطانية .. وعندما يشير بسيفه الى امرأة أخرى .. ترتقي الأخرى الدكة الصغيرة .. تخلع بعضا من ملابسها .ز تؤدي الرقصة السابقة نفسها .. تنسل من بينهم خلسة فتاة في مقتبل العمر .. تتجه نحو أعلى المسرح ، نحو الجسر ، ينتبه لها الرجل ذو الملابس البيض فيتابعها بنظراته .ز تتوقف .. قليلا .. تنظر اليه نظرة الجسر .. وفي الوقت نفسه يكون السياف قد أوشك على قطع راس المرأة الثانية .. يقفز الرجل ذو الملابس البيض الى الدكة .. يمسك بيد الجلاد .. تستدير المرأة الثانية .. تنهض .. تتناول قضيب حديد تضرب به الرجل ذا الملابس البيض على رأسه فيسقط أرضا . تضع رأسها ، مرة أخرى على القاعدة التي تشبه قاعدة المقصلة فترى أثناء انحنائها الفتاة الهاربة .. تشير اليها .. يهوي السياف على رقبتها .. يستدير الكل باتجاه الفتاة الهاربة ويشيرون اليها .. تتوقف الحركة .. تتعالى أصوات الطبول ، مرة أخرى ، منذرة بالخطر .. تختفي الأضواء تدريجيا وتنزل الدكة الى باطن المسرح تدريجيا أيضا .. ينسحب الجميع .. بقعة ضوء ، فقط ، تتركز على الرجل ذي الملابس البيض الذي بدأ يفيق وكأنه في حلم .. أو أن حلما قد بدأ على التو .. المكان مليء بالمسطحات الملونة .. تقترب من الرجل ذي الملابس البيض صبية فائقة الجمال بملابس بيض ناصعة وهي تحمل اضمامة ورد .. موسيقى غرائبية .. ينتبه الرجل ذو الملابس البيض الى وجود الصبية .. يمد اليها يديه .ز تقترب منه .. وقبل أن يمسكها تتراجع الى الخلف .. يحاول الإمساك بها لكنها تفلت في كل مرة ولا يستطيع آن يمسك إلا بالفراغ .. يعود الى مكانه السابق .. تطفأ بعض الأضواء .. ينهض إذ يسمع أصوات أقدام تقترب .. يشعر بالخطر .. يدخل المسرح اثنان هما الرجل الأول والرجل الثاني .. أحدهما من يسار المرح والآخر من يمينه .. يتقدمان باتهامه .. يضع كل منهما يده على قبضة مسدسه .. يمد يده ، هو الآخر ، آليا ، الى محزمه فلا يمسك بشيء .. يتقدمان باتجاهه .. يتراجع .ز يتقدمان وهو ما يزال يتراجع .. يقف مستسلما لهما .. يرجع كل منهما مسدسه الى مكانه .. يجبرانه على الركوع ورفع يديه الى الأعلى .. يقيدانه الى أعلى وسط المسرح .. يختفون جميعا في العتمة .. يظهرون ثانية من النقطة التي اختفوا عندها .. يعودون الى الدكة التي صارت ترتفع تدريجيا .. يرفعانه كل من يد ويضعانه على الدكة .. نسع ضربة صنج قوية .. يهرول الناس نحو الدكة .. نسمع ضربة صنج قوية .. يهرول الناس نحو الدكة داخلين من كل المنافذ تماما كما فعلوا في المرة السابقة .. يحاول الرجل ذو الملابس البيض التخلص من الحبال " يسمع صوت صفير وهمهمة .. يتلوى .. على إيقاعها محاولا فك وثاقه .. يصعد السياف الى الدكة .. يحشر سيفه تحت وثاق الرجل ذي الملابس البيض .. يقطعه بحركة واحدة .. يرفع السيف الى أعلى .  يتوقف عن الحركة ، كما لو كان تمثالا من الحجر .. تتوقف حركة الرجال .. يمد الرجل ذو الملابس البيض يده لأخذ السيف .. ولحظة تصل أصابعه الى قبضته يرتفع السيف الى أعلى ويظل معلقا في فضاء المسرح ومسلطا على رقاب الجميع .. يشير الرجل ذو الملابس البيض الى السيف وهو ينظر الى الناس .. يقهقه الحاضرون كما لو كانوا ينتحبون .. ينزل الرجل ذو الملابس البيض من على الدكة ويغادر المكان .. تطفأ الأضواء .

مرة أخرى الرجل ذو الملابس البيض على الدكة .. ينهض وكأنه كان في حلم آخر .. يتحسس يديه ومكان الحبال .. ينتبه لوجود شخص ما .. يستدير .. يرى رجلا يشبهه تماما ولكن بملابس سود .. يتقدم منه فيتراجع مندهشا  ولكنه ، على  الرغم من ذلك ، يتوقف . يثبت .. يقف الشبيه أيضا .. يثبت في مكانه .. وعندما يتقدم منه الرجل ذو الملابس البيض يبدأ هو الآخر بالتراجع .. يحاول الرجل ذو الملابس البيض الإمساك به ليتأكد من وجوده من دون جدوى .. يشعر بالتعب والإنهاك .. يتوقف عن المطاردة .. يفكر .. يهرول الى خارج المسرح .. يعود وبيده فأس .. لا يجد لشبيهه أثرا.. يبحث في أرجاء المسرح بلا جدوى .. يتوقف عن البحث .. تظهر من أعلى وسط المسرح ، من باطن الأرض .. يقترب منها .. يرى فيها صورة شبيهه ولكن بملابس بيض هذه المرة .. لون الملابس يتغير من الأبيض الى الأسود كلما اقترب من المرأة .. يرفع فاسه الى أعلى .. الشبيه يخرج رأسه من المرأة .. يبتسم ساخرا .. تتعالى الموسيقى صاخبة مدوية .. وبسرعة مثل لمح البصر يهوي بفأسه على المرأة .. نسمع صوت شظايا تتكسر في الخارج قطعا قطعا .. تتوقف الموسيقى .. يستدير الى الجمهور يتقدم قليلا نحو أسفل الوسط .. يسمع أصواتا متداخلة لا يميز بينها تتحول الى ضجيج وصخب لا يطاق .. يسد أذنيه متألما .. يجلس القرفصاء .. تختفي الأصوات شيئا فشيئا .. بينما يظلم المسرح تدريجيا .

* *

 

المشهد الثاني :

        الرجل ذو الملابس البيض وامرأته وابنه الصغير متجهون نحو الجسر . يتوقف هو وامرأته عندما يجدان جثة الفتاة ، التي في مقتبل العمر ، عند أول الجسر بينما يستمر الطفل بالعبور الى الضفة الأخرى ، التي تبدو وكأنها كتلة من نور .. ينحيان الجثة جانبا . يغطيانها .. ويستمران بالعبور .. عندما يصلان الى منتصف الجسر .. يظهر عدد من الرجال المسلحين .. يكونون دائرة حول الرجل ذي الملابس البيض وامرأته .. الدائرة تضيق .. أنظارهم تهمله وتتجه نحو  جسد امرأته .. يحاول حمايتها بحركات مهددة وقبل أن يضرب أحدا منهم نسمع ضربة صنج .. يظهر من باطن المسرح شاب دميم الخلقة .. يومئ بيديه فيتفرق الجميع .. يقترب من الرجل ذي الملابس البيض .. ينظر اليه بازدراء .. ينظر الى زوجته فتتحرك في داخله بوادر اشتهائها .. يومئ بيده فينقض الجمع على الرجل ذي الملابس البيض .. يوثقونه الى صليب .. تحاول امرأته التخلص منهم لكنهم يسدون عليها المنافذ ..

 خيال الظل ..

.. الشاب دميم الخلقة يحاول اغتصابها فلا يتمكن منها .. يدخل اثنان من منطقة خيال الظل هما الرجل الأول والرجل الثاني .. يمسك كل منهما بإحدى يديها واحدة ساقيها .. يرمي الشاب القبيح نفسه عليها .. تقاوم .. يستل من أحدهما حربة فيطعنها في فخذها الآسر ثم فخذها الأيمن .. تضعف مقاومتها فيتمكن منها .. يختفي خيال الظل .. تتسلط الإضاءة مركزة على الرجل ذي الملابس البيض .. تحت الصليب تتمدد زوجته مضرجة بالدم يدخل ثلاثة فتيان .. يرون صوب الجسر بمرارة وتحسر .. ينزلونه من الصليب .. يسحبونه ونظره ما يزال معلقا بالجسر .. يدرك الثلاثة من نظرته حقيقة ما يعتمل في داخله ويدركون مراده فيتركونه في محله ببطء .. يتلفتون يمنة ويسرة قبل أن يبدأوا الهرب الى خارج المسرح خائفين مذعورين .. الرجل ذو الملابس البيض يزحف نحو جثة امرأته .. يقبلها .. يبكي بصمت .. يحملها على ذراعيه بصعوبة . يوسدها  الأرض ويغطيها .. يستدير نحو الجمهور .. تدخل مجموعة من الرجال يتقدمهم رجل قصير القامة ملامحه قاسية ولحيته مدببة يتفرق عن الرجال بتشكيلات تنسجم مع الموقف.. يتقدم من الرجل ذي الملابس البيض .. يمد له يده ليصافحه .. يشيح الرجل يوجهه عنه .. يتراجع الرجل القصير ذو الملامح القاسية واللحية المدببة ، غير متأثرة ، يكون الرجال حلقة حول الرجل ذي الملابس البيض وهم يشهرون في وجه حرابهم .. يطعنونه طعنة واحدة في ان .. الرجل ذو الملابس البيض يستمر وافقا للحظة وهو ينظر صوب الجسر ثم يسقط ميتا .. يحاولون الوصول الى الضفة الأخرى نرى السنة النيران وهي تتصاعد الى فوق بينما راح الجميع يتقافزون ثم يتراجعون ..

يمنعهم الرجل القصير ذو الملامح القاسية واللحية المدببة من التراجع .. يتقدمون مرة ثانية ثم يتراجعون .. يتقدم معهم .. يقف في منتصف الجسر مندهشا .. فزعا لان صورة الطفل الشبحية بدأت بالارتفاع تدريجيا مع ارتفاع اللهب .. صورة الطفل في مؤخرة المسرح تبدو وكأنها تهيمن على كل المكان .. تتوقف الحركة على المسرح تماما بينما تعلن الموسيقى نهاية الليل وانبلاج الصباح الجديد .

* *

*  إشارة ..

ـــــــــــــ

نشرت في جريدة الثورة العراقية العدد 8396 في 28/ 1/ 1994 م .