محاولة لاختراق الصمت
شخوص المسرحيــــة
الرجل ذو الملابس البيضاء
الرجل ذو الملابس السوداء
الرجال الثلاثة – المرأة – الرجلان
تطفأ الأضواء .. نسمع من خلال الظلام عيارات نارية مختلفة .. تومض الإضاءة عدة مرات .. نرى ، خلال وميضها ، الرجل ذا الملابس البيض هاربا .. فزعا .. محاولا حماية نفسه من وابل الرصاص الذي ينهال عليه من كل جهة من جهات المسرح .. يصاب بعيار .. عيارين .. ثلاثة فيترنح متألما .. ينقطع الرصاص .. ينهار .. يتهاوى .. وقبل أن يسقط أرضا يقرفص فتتوقف الحركة وتظل بقعة الضوء الدائرية مركزة عليه فترة وهو على وسط يسار الخشبة .. موسيقى حلميه هادئة ..يستمر مقرفصا فترة ثم يبدأ بالاستيقاظ .. يرفع رأسه .. جذعه .. يقف منتصبا .. يفززه دوي طبل كبير أو ضربة صنج قوية تتزامن مع ظهور رقعة شطرنجية ضوئية كبيرة تحتل معظم الخشبة .. ينظر اليها بتوجس..يتلفت ذات الشمال وذات اليمين .. لا أحد على المسرح غيره وغير الفراغ .. يحاول الخروج من الرقعة لكنه يفشل .. وإذ يكتشف انه مشدود الى المربع ، الذي يقف عليه ، بقوة خفيفة ، يعيد المحاولة ثانية وثالثة ورابعة .
يهبط ، على حين غرة ، من فضاء المسرح ، على المربع الشطرنجي المناظر للمربع الذي يقف عليه ( مربع بيدق الملك ) رجل يرتدي الملابس السود ولكنه مدجج بالسلاح .. يتقدم خطــوه ( مربعا ) الى الأمام .. يتوقف .. يشهر سيفه وينتظر.. يرمي أمام الرجل ذي الملابس البيض من جهة مجهوله من فضاء المسرح ، درع وسيف .. ينظر أليهما والى الرجل ذي الملابس السود الذي يشير عليه بحملهما مستغربا .. حائرا يتقدم الرجل ذو الملابس السود يرفع سيفه الى الأعلى ، بحركة رشيقة ينقض على الرجل ذي الملابس البيض .. وبحركة انعكاسية وآلية يرفع الرجل ذو الملابس البيض الدرع فيدرأ عنه الضربة .. يستمر في دفاعه فترة ..يسقطه الخصم ، أرضا ينتبه لوجود السيف في يده .. وإذ يتفادى ضربة ، أخرى ، للخصم ينقض عليه .. يطعنه بقوه فيتقهقر ببطء حتى يسقط خلف الكواليس .. الرجل ذو الملابس الابيض ينظر الى السيف والدرع ولما فعله بالخصم فيرميهما ، بتقزز واشمئزاز ، بعيدا عنه .. يهم بمغادرة الرقعة .. وعندما يخرج فعلا .. يداهمه رجال بشعون .. مخيفون بملابس بيض مغطاة بعباءات سود مما يتيح لهم الظهور بلون واحد أو لونين في كل مرة يظهرون فيها على خشبة المسرح .. يضربه أطولهم قامة وأكبرهم حجما فيعيده الى الرقعة ثانية .. يسقط مغشيا عليه .. تتركز الإضاءة في حزمة دائرية تعزله عن بقية أجزاء الخشبة .. يستيقظ .. يجد الرقعة قد اختفت .. وعلى مقربة منه ( على مربع قلعة الملك ) تقف امرأة بملابس بيض وهي تضم إلى صدرها دمية كبيرة كما لو أنها طفل رضيع ..يتأمل الدمية / الطفل .. يمد لها ذراعيه ..تتقدم منه .. تناوله الدمية .. يقبلها .. يضعها على الأرض .. ينهض ..يمسك يدي المرأة ..يحتضنها ويدور معها بفرح غامر.. يرقصان ، مثل طائرين محلقين في فضاء فسيح .. تستمر الرقصة فترة مناسبة حتى يقطعها صوت الرصاص وهو ينهال عليهما من كل زاوية من زوايا المسرح .. يحاول الرجل حماية المرأة بجسده .. وتحاول المرأة حماية الدمية / الطفل بجسدها لكن الرصاص يتمكن منها .. تتوقف الحركة اثناء سقوطهما فيبدوان كتمثالين حزينين وساخطين .. يدخل الرجل ذو الصولجان ، متسللا ..ينتزع الدمية / الطفل من بين ذراعي المرأة بهدوء ويغادر متسللا أيضا .. تطفأ الأضواء .
*
على المربع نفسه وتحت نفس البقعة الضوئية نرى الرجل ذا الملابس البيض وهو ممد داخل الرقعة الشطرنجية ..يستيقظ ببطء.. يفاجأ بعودة الرقعة ثانية ..ينهض.. يحاول الخروج منها ولكنه يفشل كما في المرة السابقة .. ضربة صنج أو طبل كبير و صرخة قوية لرجلين يقفزان الى داخل الرقعة وهما يرتديان الملابس السود أيضا .. يتقدمان منه ببطء .. يشهران أسلحتهما .. يبدوان كراعيي بقر أمريكيين .. يتوقفان عن الحركة حالما يظهر الرجال الثلاثة وهم يغادرون المسرح باللون الأبيض .. أحد المسلحين يطلق النار عليه فيقفز متحاشيا الرصاصة الى المربع المجاور.. يكتشف أنهما يطلقان كما لو كانا ( فيلين ) في رقعة شطرنجية فيسهل عليه تحاشي اطلاقاتهم المستمرة .. يقف على مربع لا يتقاطع معهما فيصوب نحو الأول .. يطلق .. يرديه قتيلا .. يصوب نحو الثاني .. يطلق .. يرديه قتيلا .. يرمي المسدس بعيدا عنه خلف الكواليس .. يرتطم المسدس بأرضية الخشبة فيحدث دويا هائلا ويشع ضوء وهاج هو وهج انطلاق الرصاصة الطائشة التي تطيح به فيسقط مغشيا عليه ، على المربع نفسه الذي سقط عليه قبل هذه المرة ، بقعة الضوء تتركز عليه فترة وجيزه ثم تختفي تدريجيا مع الموسيقى .. وتدريجيا يستيقظ الرجل ذو الملابس البيض .. يفاجأ باختفاء رقعة الشطرنج ..يتحسس جسده ..يتأكد من عدم وجود ثقوب في ملابسه .. موسيقى مارش .. يدخل الرجال الثلاثة.. يدورون حوله دورة طقوسية كاملة .. يخرجون ..يتبعهم ..وإذ يختفون وراء الكواليس يلوذ بالفرار من الجهة الأخرى .. يصطدم بهم .. يتراجع .. يلوذ بالفرار من جهة أعلى وسط المسرح .. يصطدم بهم أيضا .. يتوقف في مكانه.. حائرا .. لايلوي على شئ .. يتقدم منه أطولهم قامة وأكبرهم حجما .. يضربه بالصولجان فيسقط مغشياعليه فتختفي بقعة الضوء تدرجيا .
*
تدريجياً تبدأ البقعة بالظهور .. تظهر رقعة الشطرنج أيضاً .. ينهض .. تدخل المرأة التي كانت معه ، في المرة السابقة ، الى داخل الرقعة منخذلة .. محطمة .. شاحبة .. مدماة وهي تحمل بين يديها صرة قماشية تضعها على منتصف الرقعة وتبتعد بانكسار .. يقترب الرجل ذو الملابس البيض من الصرة القماشية ..يفتحها بحركة واحدة يفاجأ ويكاد يغمى عليه اذ يرى رأس الدمية / الطفل مقطوعة ومضرجة بالدم .. تنهار قواه .. يبرك .. يغطي وجه براحتيه .. يتعالى صوت الموسيقى حزينا .. يبدأ الرأس بالارتفاع الى أعلى.. يتبعه الرجل ذو الملابس البيض ، بنظراته الكسيرة حتى يغيب في فضاء المسرح .. يطأطئ رأسه .. يدخل الرجال الثلاثة .. ينهض .. يحاول التصدي لهم .. يوقفه أطولهم ، وأكبرهم حجما باشارة من صولجانه ثم يشير بالصولجان ، أيضا ، الى المرأة فيتقدم الاثنان ويمسكان بها كل من يد ..يجرانها وهما يتبعان كبيرهما الى ما وراء الكواليس يجري خلفهما بكل سرعته محاولا اللحاق بهما وأخذ المرأة منهما لكنه يصطدم بجدار وهمي ، على الخط الفاصل بين داخل الرقعة وخارجها ، يمنعه من اللحاق بهم .. يرفس الجدار عدة رفسات .. يضربه بيديه .. يحاول الخروج من الجهة المقابلة لكنه يصطدم بجدار وهمي آخر .. يكرر المحاولة من مؤخرة المسرح ومن أمامه أيضا ..تبدأ الجدران الأربعة ، الوهمية ، بالاقتراب ، منه ، شيئا فشيئا مع الموسيقى .. تضيق .. وتضيق معها رقعة الشطرنج .. تتوقف الجدران عن الحركة .. وكذلك الموسيقى .. يتحرك ذو الملابس البيض ضمن حدود المتر المربع الذي توقفت عنده الجدران عن الحركة ..يستكين ..يجلس في إحدى زوايا المربع .. يفكر .. ينهض .. ينظر الى الأعلى .. يحاول تسلق الجدار بلا جدوى .. يستكين ..يجلس .. يقف مواجها الجدار الأمامي يرى شيئا على الجدار .. يقترب منه .. يمد يده.. يتلمس بأصابعه حرف ( أُُ ) ثم حرس ( س) يحاول الصراخ .. تتقاطع ساعداه أمام فمه فتمنع الصرخة من الانطلاق .. ينظر الى الجدار الآخر .. يلمس الحرفين ( أُُ س) ولا يستطيع الصراخ .. وكذلك الحال مع الجدارين الآخرين .. يقف في منتصف المربع .. تبدأ الجدران الاربعة بالحركة ، مرة أخرى مع الموسيقى .. تضيق .. تضيق .. يحاول إيقافها .. دفعها بيديه دون جدوى .. يحاول ثانية وهي تنطبق عليه شيئا فشيئا .. تلامس جسده .. يتلوى .. تضغط عليه .. يزداد لهاثه .. تضغط أكثر .. يمد يده الى الأعلى .. يحاول مسك شيء ما ينجيه ..تضغط أكثر فأكثر .. تنطبق عليه .. وقبل أن تسحقه ، تماما، يطلق صرخة قوية مدوية .. تمزق الصمت الذي استمر طوال العرض .. تطفأ الأضواء كلها بينما تستمر الصرخة قوية مدوية ومؤثرة .
بعقوبة 1997
* * *
*
نشرت في مجلة ألف باء العدد (1550) في 1/حزيران / 1998.