ابتهالات الصمت الخرس
شخوص المسرحية
الرجل الأكبر – الرجلان القويان
المرأة – القادم الجديد
الرجل الأعمى – الصبي
الرجل الميت – امرأة الجنازة
مجموعة من الرجال والنساء
بقعة ضوء تتوهج ، تدريجيا ، في منطقة أعلى وسط المسرح .. وتدريجيا تتصاعد الموسيقى متزامنة مع ذلك التوهج . يظهر ، في البقعة الضوئية ، الرجل الأكبر جالسا على كرسي ضخم مهيب جدا .. يقف إلى جانبيه رجلان قويان يرتديان ملابس تشبه ،إلى حد ما، ملابس الكهنة..يتقدم الكرسي والرجلان آليا إلى منطقة وسط الوسط .. يقف الرجل الأكبر ثم تفتح الأضواء تدريجيا ، أيضا ، فتظهر المجموعة باركة على امتداد الخشبة ، مطأطأة الرؤوس ومرتبة بشكل مدروس .. ينتقل الرجل الأكبر بين أفراد المجموعة وهو ينفض كفه على رؤوسهم ،عدة مرات، كما لو انه يرش عليهم ، من كفه ، ماءً مقدساً .. دخان اصطناعي يغطي الخشبة فتظهر المجموعة وكأنها تسبح في بحر من الغيوم البيض الكثيفة المتحركة .. الرجل الأكبر يرفع يديه إلى الأعلى بحركة تشبه حركة السحرة والكهان فتنهض المجموعة واقفة على أقدامها .. يخفض الرجل يديه إلى منتصف جسمه.. تنحني المجموعة.. يدير ظهره لهم.. يتركهم.. يسير صاعدا نحو كرسيه.. يجلس عليه بكبرياء تليق بجبروته.. يرفع كفيه ويضرب بهما المسندين الجانبيين لكرسيه فتتحول المجموعة إلى تشكيلات مختلفة تظهر قوته وسطوته وهيمنته على المكان.. التشكيلة الأولى تضم مجموعة من الجلادين يتناوبون على جلد ضحية في جهة يسار المسرح .. وعلى يمينه تقوم تشكيلة أخرى بتعذيب رجل وضعوا قدميه في (فلقة) وراحوا يضربون عليها بقوة .. وعلى أسفل وسط الخشبة تقوم تشكيلة ثالثة بإعدام امرأة في مقتبل العمر.. جميلة.. رشيقة.. جذابة بما فيه الكفاية.. الجميع يؤدون هذه الحركات بشكل انسيابي مرن هو اقرب إلى الرقص التعبيري منه إلى الأداء التمثيلي.. تستمر الموسيقى مصاحبة لحركاتهم حتى ينسحب الجلادون وتنزل المرأة من المقصلة وهي تؤدي مع الضحيتين رقصة الاستغاثة.. يعود الجلادون ليحيطوا بهم فتلوذ المرأة بالرجل الأكبر باركة عند قدميه.. متضرعة.. متوسلة.. يرفع الرجل الأكبر إحدى يديه فيتوقف الرقص وينسحب الجميع إلا المرأة .. يشير لها الرجل الأكبر بالنهوض فتنهض .. يتقدم منها الحارسان ويرقصان معها رقصة الساس العربية .. يقومان بعد أداء التحيـــة
( تحية الافتتاح ) و المبارزة بطعنها بدلا من أن يطعن كل واحد منهما الآخر على وفق شروط الرقصة .. المرأة تتلوى .. تتألم .. تتلقى طعنة مشتركة من الرجلين في آن واحد فتزهق روحها وتموت واقفة لحظة قبل أن تسقط بشكل نهائي .. يقف الرجل الأكبر ، عند جثتها ، منتشيا ..مزهوا ..يرفع إلى الأعلى ، نخب ضحيته ..يشرب ثم يسكب ، ما تبقى ، على جسد الضحية بينما تخفت الإضاءة تدريجيا حتى يظلم المسرح .
*
تتلألأ على خلفية المسرح ( السايك ) عدد من النجوم والكواكب.. موسيقى طقسية ..يهبط على ظهر نجمة كبيرة من فضاء المسرح رجل حلو الملامح .. تبدو على مظهره القداسة والسماحة والنبل .. تنتبه المجموعة لهبوطه .. تتبادل المواقع فيما بينها وهي متعجبة .. متفائلة بالقادم الجديد .. يهبط القادم الجديد إلى الأرض وحالما تمس قدماه الخشبة يتجمعون حوله زرافات زرافات .. يبركون .. يمدون له أيديهم لكن ظهور الرجل الأكبر يفاجئهم فيرتدون مبتعدين عن القادم الجديد .. يقطع المسرح من اليسار إلى اليمين صبي وهو يأخذ بيد رجل أعمى ..ينتبه الصبي لوجود القادم الجديد .. يمد له يده .. يتوقف .. يحس الأعمى بتوقف الصبي فيستدير يترك الصبي يد الأعمى ويذهب إلى القادم الجديد .. يتناول منه منديلا أبيض من الحرير ثم يعود إلى الأعمى ليمسح بالمنديل على عينيه .. يفاجأ الرجل الأعمى بشفائه وقدرته على الإبصار .. يرمي العصا من يده .. يحتضن الصبي عدة مرات ثم يلتفت إلى القادم الجديد يتقدم منه دون الحاجة إلى العصا أو الصبي.. يركع له بين دهشة الناس وتعجبهم لمرأى الرجل الأكبر فيرتدون راجعين .. يقطع المسرح من اليمين إلى اليسار رجلان وهما يحملان جنازة ميت .. تتبعهما امرأة موشحة بالسواد .. حزينة دامعة العينين .. ترى القادم الجديد أمامها .. يناولها منديلا تسرع به إلى الجنازة .. تمرره على وجه الميت فينهض من موته ببطء ، أول الأمر ، ثم يقفز بفرح غامر .. ينتبه لوجود القادم الجديد فيبطئ من حركته .. يتقدم منه ..يبرك أمامه .. يمد القادم يده إليه .. ينهض .. يقف خلفه .. يتحرك ظل الرجل الأكبر مهددا ولكن الرجل الذي كان ميتا لا يلقي للظل بالا وكذلك الرجل الذي كان أعمى .. يقف الأول على يسار القادم الجديد ويقف الثاني على يمينه .. يسير القادم بضع خطوات .. تسير المجموعة خلفه .. وهي تقبل الأرض التي وطئتها قدماه .. يصعد القادم الجديد على نجمته وترتفع به إلى السماء . موسيقى طقسية ..الجميع يشخصون بأبصارهم نحوه حتى يختفي في سماء المسرح .. يتحرك ظل الرجل الأكبر على السايك .. يتقدم فيقصر طوله شيئا فشيئا .. يدخل إلى خشبة المسرح بخطى واثقة وعلى ملامحه آثار حقد دفين .. تبتعد المجموعة متراجعة أمام تقدمه ..يصعد على مدرج العرش وكذلك الرجلان القويان .. تغير المجموعة في تشكيلاتها انسجاما مع الموقف الجديد فمن نظرات الأمل التي ودعوا بها القادم الجديد الى الرهبة والخوف من الرجل الأكبر ثم تنقسم إلى قسمين .. يتصدر الأولى الرجل الذي كان ميتا ويتصدر الثانية الرجل الذي كان أعمى .. يجلس الرجل الأكبر على كرسي العرش .. يضرب مسنديه فيخرج كل من الرجلين القويين مسدسا اوتوماتيكيا يخفيه كل منهما تحت ملابسه الشبيهة بملابس الكهنة ومساعديهم.. يرفع الرجل الأكبر يده اليمنى .. يوقفها في الهواء لحظة ثم يتركها تتهاوى ضاربة مسند العرش.. يطلق الرجلان القويان عياراتهما صوب الرجلين فيرديانهما قتيلين .. يحاول بعض أفراد المجموعتين الإمساك بالقتيلين لكن الرجلين القويين يمنعانهم ، من ذلك ، بإطلاق عيارات أخرى .. يقف الرجل الأكبر غاضبا .. ينزل الرجلان القويان ويسوقان الجميع سوقا نحو الرجل الأكبر بصفين وهـــم منحنون يتوقف كل واحد منهم لحظة وهو منحن أمام الرجل الأكبر ثم ينسحب منحنيا ، أيضا ، حتى يخرج الجميع بشكل انسيابي ليدخلوا ثانية مشكلين صفين منتظمين كصفوف العسكر.. ينزل الرجل الأكبر .. وبحركات متقنة يستعرض الصفين بينما تعزف الموسيقى مارشا عسكريا .. يختار منهم من يراه ملائما له .. وكلما اختار فردا منهم يصعد الفرد المختار إلى مدرج العرش وإذ يكتمل عددهم يعود الرجل الأكبر إلى كرسيه .. يجلس .. يعطي إشارة بدء المهمة الجديدة للمجندين الجدد فينقضون على من تبقى من أفراد الصفين ضربا مبرحا بالسياط أو العصي حتى يتساقطوا ، على الأرض ، الواحـد تلو الآخر .. يتوقف عن الضرب .. يدورون حول ضحاياهم ثم يتوقفون .. ينزل الرجل الأكبر ويدور حولهم ، أيضا ، وهو يؤدي حركة بيديه وكأنه يرش عليهم ماءً مقدسا فينهضون .. يسلم المجندون الجدد السياط أو العصي ويأمرونهم بالنهوض لأداء رقصة العصا الضاربة .. تعزف الموسيقى .. ويبدأ الكل بالرقص..وحالما ينتهون يتسطرون الواحد تلو الأخر منبطحين على بطونهم من اسفل مدرج العرش حتى حافة المسرح الأمامية .. ينزل الرجل .. يسير على ظهورهم .. يتبعه الرجلان القويان إلى خارج المسرح .. المجموعة تزحف هنا وهناك منتشرة على الخشبة مع تصاعد أصوات الأنين .. صوت موسيقى طقسية آت من البعيد .. من سمت السماء .. يرفعون رؤوسهم .. تتصاعد الموسيقى .. يرفعون أيديهم بحركة موحدة .. يقترب الصوت .. يحركون جذوعهم حركة موحدة أيضا .. يظهر على نجمته القادم الجديد .. يهبط من فضاء المسرح .. يتوقف قريبا من سطح الأرض/ الخشبة .. المجموعة تحاول النهوض ولا تستطيع .. ينزل القادم الجديد من على نجمته .. يسير بينهم .. يمسح على وجوههم فينهضون .. يركعون .. يقبلون الأرض التي يسير عليها .. يشير عليهم بالنهوض والتقدم إلى عــرش الرجل الأكبر فيهجمون عليه .. يرفعونه إلى الأعلى ثم ينزلون به إلى الأسفل .. يمسك كل واحد منهم بجزء من أجزائه ويسحبه إليه بقوة حتى ينكسر متحولا إلى أجزاء متناثرة .. يرمون هذه الأجزاء في نفس المكان الذي كان فيه العرش .. ضربة صنج قوية .. يتوقفون عن الحركة .. يظهر ظل الرجل الأكبر على الخلفية ( السايك ) .. يتقدم نحوهم .. ينحسر الظل إذ يدخل الرجل الأكبر إلى المسرح .. يصعد إلى مكان العرش .. يدب الخوف بينهم ويبدأون بالتراجع في مجموعتين .. الأولى تتراجع إلى يمين المسرح والأخرى إلى يساره .. القادم الجديد يظل في وسط المسرح غير آبه بالرجل الأكبر .. يتحرك الآخر بغضب فتبرك المجموعتان .. إيماءة غضب أخرى ، من الرجل الأكبر ، فتأطئ المجموعتان الرؤوس حتى لم يعد بمستطاعهم رؤية ما يحدث .. ينزل الرجل الأكبر .. يواجه القادم الجديد .. يصعدان معا إلى محل العرش .. يؤدي الرجل الأكبر حركة سريعة فينقض الرجلان القويان على القادم الجديد .. يجرانه إلى اسفل المسرح ..يخلعان ملابسه بالقوة ويقذفان بها في الهواء .. يمددانه على الأرض .. ينزل الرجل الأكبر إليه ..يقف عند قدميه .. يجلس يداعب بأصابعه فخذيه فيرتعب القادم الجديد خوفا من ارتكاب الخطيئة .. يقف الرجل الأكبر .. يشير إلى السماء فتهبط النجمة التي هبط بواسطتها القادم الجديد .. الرجلان القويان يأمرانه بالصعود على نجمته .. يتحرك صوب النجمة .. يصعد عليها حزينا .. متألما .. تصعد النجمة الى الأعلى وهو ما يزال ينظر إلى الأسفل بحزن شديد.. ترفع المجموعتان الرؤوس بحركة واحدة ليروا القادم راحلا .. يومئ الرجل الأكبر إيماءة النهاية فتطأطئ كل الرؤوس وتتوقف الحركة تماما وينزل الستار*
بعقوبة 1997
*
نشرت في مجلة المشهد الثقافي العراقية العدد الثاني السنة الأولى صيف 2000
نشرت في صحيفة ( الزمن ) العراقية العدد ( 5 ) التاريخ 11/4/2000
* عن رواية الكاتب الروائي الكبير فيودور ديستوفسكي ( الأخوة كرامازوف) المجلد الأول فصل المفتش الأكبر .. دار ( رادوغا ) صفحة 522 .