الالتحام في فضاءات الصمت

شخوص المسرحية

الكهول الثلاثة-الممثل الأول

الممثل الثاني-حملة التابوت

امرأة التابوت

  حالما تطفأ الأضواء نسمع  من خلال الظلام موسيقى خوف وترقب .. تفتح الإضاءة متناوبة باللون الأحمر والأزرق والأصفر فتتاح لمن في الصالة فرصة مشاهدة الكهول الثلاثة وهم يقفون على مدرج مرتفع نسبياً عن الخشبة .. يقوم الكهل الأول بحركات تشبه إلى حد ما حركات الكهنة أو السحرة بينما يظل الآخران بلا حراك .. تستمر الإضاءة على حركتها المتناوبة لفترة ثم تتوقف مع ضربة أرغن قوية .

*

يضيء الممثل الأول (بالزي الأبيض) ، طريقه من الصالة إلى الخشبة ، بواسطة مصباح يدوي أو شمعة .. يتبعه الممثل الثاني (بالزي الأسود) كما لو كان ظلا له.. يتقدمان بخطى موحدة إلى الخشبة .. يصعدان .. يستمر الأول بالسير إلى منتصف الخشبة ، دون أن يستدير .. يتوقف  على منطقة وسط الوسط وكأنه أحس بوجود شخص يتبعه .. يتوقف الثاني أيضا .. يصوب مسدساً إلى رأس الأول مباشرة .. تضاء الخلفية (السايك) بإضاءة حمراء تدريجياً .. يطلق النار .. يطلق الأول صرخة صماء .. يتألم يختل توازنه قليلا .. يستدير ليواجه القاتل .. يرمقه بنظرة ذات مغزى .. يبتسم له .. يتقدم نحوه .. يتوقف أمامه مباشرة .. يسير القاتل نحو القتيل فيتراجع إلى وسط الخشبة .. يتوقفان .. وبحركة واحدة منهما تنطلق السمفونية الخامسة لبتهوفن .. يرقصان ، معا ، بحركات موحدة ، رقصة (القدر يطرق الأبواب) .. تنتهي الرقصة بحركة موحدة يتوقفان عندها قبل أن تطفأ الأضواء .. ظلام .

*

        تنطلق ، من خلال الظلام ، ضربات رتيبة على الطبول .. تسلط على السايك إضاءة زرقاء.. يضاء المسرح بإضاءة خافتة.. يدخل إلى المسرح ثلاثة كهول يحملون صولجاناتهم.. يقفون بشكل هرمي بينما يظل القتيل على الجانب الأيمن من المسرح .. يدخل حملة (التابوت) وهم يسيرون سيرا نظاميا جنائزيا على إيقاع المارش الجنائزي أو صوت الهمهمات الكورالية .. ينزلون التابوت على جهة يسار المسرح.. يقفون خلف .. التابوت يرفعون غطاءه بحركة بطيئة .. تنهض منه امرأة في مقتبل العمر.. تضع، على شفاهها، الأحمر  الذي يبدو منسجما مع ملابسها البيضاء.. حركات النهوض من التابوت بطريقة مشابهة لحركات القتيل عندما رقص مع قاتله رقصة (القدر يطرق الأبواب) ولكن من دون موسيقى .. تقف .. تنفض عن ملابسها التراب.. تبتسم لحملة التابوت تنطلق نحو الكهول الثلاثة .. تبتسم لهم واحدا واحدا .. ثم تنطلق ، بسرعة، وبلهفة نحو القتيل إذ تراه واقفا ينظر أليها على يسار المسرح.. تحاول معانقته لكنه يفلت من بين ذراعيها.. ويتوقف أمام الكهول الثلاثة.. يشير إلى المرأة والى نفسه.. المرأة تقوم بحركات مشاكسة فيها الكثير من نزق المرأة المراهقة.. يبتسم الكهول لحركاتها.. ينظرون إلى القتيل باشمئزاز.. يفتح القتيل ذراعيه إلى الجانبين..يرفع الكهول أيديهم كما لو كانوا شهودا.. يشيرون بصلوجاناتهم أليه إشارة موحدة.. يتدلى من فضاء المسرح حبل يشبه المشنقة.. يضعه أحد الكهول تحت إبطي القتيل..يسحب الحبل والقتيل إلى الأعلى لكنه يظل متدليا في فضاء المسرح.. همهمة ترتيلة كورالية مضخمة بمكبر الصوت.. ينزل الكهول الثلاثة من على مدرجاتهم ويتوجهون إلى الخارج ..تدخل المرأة في تابوتها.. ينزل الحبل الى أسفل.. يرتخي.. يقوم حملة التابوت بغلقه عليها.. يحملونها وينسحبون الى خارج المسرح على إيقاع المارش الجنائزي أو على صوت الهمهمات الكورالية.. ينزل الحبل الى أسفل.. يرتخي.. تدب الحياة في القتيل ،مرة أخرى، يبرك ..يفتح ذراعيه الى الجانبين كما في المرة السابقة.. يقف ثم يجمد في مكانه.. يقوم بحركات طيران وكأنه يطير فعلا.. يتوقف إذ يرى القاتل على يسار الخشبة ما يزال في مكانه وهو يصوب أليه.. يتقدم القتيل من القاتل.. يتوقف على مقربة منه ثم يتراجع ،أمامه، مع كل خطوة للقاتل باتجاهه.. يتوقفان في وسط الخشبة.. يتبادلان النظرات.. يتحركان كما لو كانا واحدا.. يطلق القاتل صوب القتيل..الاثنان ،معا، يصرخان صرخة صماء.. يمسك كل منهما رأسه بطريقة متشابه.. يتلويان.. يتألمان.. يقتربان من بعضهما.. يتداخل الواحد في الآخر.. يلتحمان تماما.. يتحركان وكأنهما واحدٌ وهما يؤديان رقصة الالتحام .. يتوقفان عن الرقص.. يجمدان في محلهما.. يسقط القتيل ميتا وكذلك القاتل .. يسدل الستار مع تصاعد الهمهمات الكورالية .

*

       يهبط القتيل، بواسطة الحبل، من فضاء المسرح ،إلى الخشبة .. يجلس في منتصف المسرح.. تمر من أمامه امرأة عصرية هي نفس المرأة التي كانت معه في اللقاء الأخير..المرأة لا تنتبه لوجوده أو أنها تتظاهر بذلك..ينظر إليها  باستغراب ..يتبعها ..تختفي وراء الكواليس.. يعود الى جلسته  وسط الخشبة .. يمر من أمامه ، أيضا ،الكهول الثلاثة ولكنهم بملابس عصرية أيضا ..ينظر إليهم باستغراب . . يتبعهم حتى يختفون وراء الكواليس .. أصوات غير مفهومة ولا محددة ، مضخمة بمكبر الصوت تأخذ بالارتفاع شيئا فشيئا .. يتلوى ، معها ، متألما ..يمسك رأسه ، كما في المرة السابقة .. تتوقف الأصوات .. يجلس متهالكاً في مكانه السابق .. يتقدم من خلفه القاتل السابق .. يجلس خلفه مباشرة يتحرك معه حركه موحدة .. يستدير فيرى القاتل .. يقفان كل في مواجهة الآخر .. يتراجعان الى الخلف وقبل أن يختفيا وراء الكواليس يظهر خلفهما الرجلان الكهلان وهما بملابس عصريه ، أيضا ، يحملان الهراوة بدل الصولجان ويضعان على أعينهما نظارات سود .. يستديران .. يريان الرجلين الكهلين فيتراجعان الى وسط الخشبة .. يدخل الكهل الأول من مؤخرة المسرح وبيده هراوة أيضا .. يتوقف .. يرفع هراوته ، الى الأعلى ، ويظل جامدا كتمثال فينقض الآخران على القاتل والقتيل ضربا مبرحا .. يزحف القاتل والقتيل وخلف كل منهما واحد من الكهلين وكأنهما يسوقانهما كما تساق الخراف .. يدورون زحفا نصف دورة فيلتقيان عند الكهل الأول .. يجلسان .. ينهضان .. يخفض الكهل هراوته فيجلسان ثانية ً..يضع كلا هراوته على عنقيهما ويضغطان حتى ينقطع عنهما الهواء ويختنقان.. يسقطان على الأرض .. يرتفع القتيل إلى الأعلى بواسطة الحبل الذي هبط به الى الأسفل .. تطفأ الأضواء .

       تفتح الإضاءة تدريجيا .. يظهر الكهول الثلاثة بملابسهم التقليدية على المسرح .. ونرى القتيل وهو ما يزال على سقطته الأخيرة .. ينهض .. ينظر الى كل الجهات .. يتأكد من عدم وجود أي شخص غيره .. يهم بالخروج من جهة اليسار لكنه يتوقف قرب الكواليس ثم يبدأ بالتراجع وكأنه أبصر شيئا غريبا ومدهشا .. يستمر بالتراجع .. تتبعه وتلاحقه من الجهة نفسها مرآة كبيرة بإطار ضخمٍ..تتقدم نحوه ببطء أول الأمر ثم تبدأ بمطاردته أينما ذهب .. الكهلان الثاني والثالث يرشان المسرح من الأعلى بأبخرة ملونه بينما يقوم الأول ببعض الحركات الشيطانية .. تتوقف المرآة عن الحركة .. يتوقف القتيل .. ينظر إليها .. يتأكد من أنها لن تتحرك ثانية ..يقترب منها ..يرى صورته معكوسة فيها أول الأمر ثم يرى الكهول الثلاثة وهم يسخرون منه .. يتراجع خطوة واحدة ..يحدق فيها .. يرى القاتل .. ترتفع المرآة الى الأعلى وتختفي في فضاء المسرح بينما يظل القاتل في محله يحدق في القتيل .. أصوات متداخلة سريعة غير واضحة ولا مفهومة تصدر عن مكبر الصوت يمسك كل منها رأسه متألما حتى تختفي الأصوات .. يتوقفان .. ينظر كل منهما الى الآخر .. ويبدأ القتيل بمطاردة قاتله .. يدوران حول السايك عدة دورات .. يختفيان لحظة وراء الكواليس.. يدخلان إلى المسرح وكل منهما ينظر باتجاه الكواليس وهو يحمل بيده مسدسا .. يتراجعان حتى يمس ظهر كل منهما الآخر فيقفزان من هول المفاجأة و يستديران الى بعضهما .. يطلقان .. يسقطان معا .. ينزل الكهول الثلاثة من أعلى المدرج المرتفع نسبيا .. يقفون حول الجثتين يرفع القتيلان رأسيهما ..ينظران الى الكهول وهم يصوبون صولجاناتهم إليهما .. يطلقون فيسقطان مرة أخرى ولكن بلا حراك هذه المرة حتى يسدل الستار

 بعقوبة 1995

  * نشرت في سلسلة ( الق ) مشهد ديالى الثقافي ( 1 ) خريف 1999 .
         
عن قصة ( الالتحام ) للأستاذ عبد الحليم المدني