الهديل الذي بدد صمت اليمامة

شخوص المسرحية

امرأة في الثلاثين – رجـل الظـل

الرجـــال الثلاثـة

تطفأ الأضواء.. نسمع، من خلال الظلمة، هديل اليمامة.. إضاءة تدريجيــــة (Fade  in ) تتزامن مع الهديل.. امرأة قاربت الثلاثين من العمر تجلس مستوحشة الى منضدة وضع عليها كأسان من عصير البرتقال .. الكرسي الوحيد المقابل لكرسيها غير مشغول طوال الوقت.. على جانبي خلفية المسرح مشبكان من القضبان الحديدية يستخدمان  كشباكين أو شرفتين تطل المرأة منها على الخارج.. المرأة مسترسلة في قراءة رواية ماركريت ميتشيل (ذهب مع الريح).. تنتبه لصوت الهديل.. تطوي الكتاب وتضمه الى صدرها.. تنهض.. تتقدم نحو أسفل يسار المسرح وهي تتنصت لهديل اليمام.. لحظات من الهدوء المموسق تنتهكه أصوات انفجارات شديدة و لكنها بعيدة.. تفز المرأة.. تهرول الى النافذة الأولى.. ثم الى النافذة الثانية.. تبرق الإضاءة مع كل انفجار ويزداد بريقها تدريجيا كلما اقتربت أصوات الانفجارات.. المرأة خائفة.. مرعوبة.. تهرول هنا وهناك محاولة حماية نفسها وهي تسحب أنفاسها بعمق..تعود الى جلستها السابقة.. تفتح الكتاب وتقرأ فيه مرة أخرى، ومرة أخرى تسمع هديل اليمام.. تنتبه إليه .. يفززها صوت طبل كبير أو ضربة صنج قوية.. تذهب الى النافذة الأولى.. تتابع سمعيا فصيلا من المهرولين وهم يطلقون أصوات كالتي يطلقها الجنود ،عادة، مع الهرولة النظامية.. تنتقل الى كرسيها .. تتأمل الكأس الموضوعة قبالة كأسها .. تمد يدها إليها .. تلمسها وتبتسم .. يظهر في منطقة خيال الظل ، الواقعة بين النافذتين، خيال رجل يجلس قبالتها وكأنه يجلس على الكرسي الفارغ.. يمد يديه الى الكأس الموضوعة أمامه وكأنه يتناول نفس الكأس الموضوعة قبالتها.. يشير لها.. ترفع هي الأخرى كأسها.. يشربان في آن نخبهما.. تسقط الكأس من يده.. تسمع صوت تكسرها فتنهض مستفزة.. تتوجه نحو جمهور النظارة باستغراب .. وعندما تستدير يكون الرجل قد اختفى من منطقة الظل.. أصوات المهرولين تبدأ بالارتفاع شيئا فشيئا

)  ( crescendo.. تتابعهم سمعيا وبصريا ..

ملاحظة :- يمكن لهذا الفصيل أن يظهر في منطقة خيال الظل ، أيضا ، ثم يتوجه الى الأعلى حتى تختفي صورته في منطقة ما في المدى البعيد. تختفي أصواتهم تدريجيـــــــــا

 (  decrescendo  ).. وتنطلق من البعيد أصوات همهمة كورالية محدثة إحساسا، كبيرا، بالحزن والفراق.. المرأة تبكي.. تمسح دموعها وتبكي.. تتذكر الكرسي الموضوع قبالتها.. تنظر إليه بحنان.. تقترب.. تلمسه برقة وأناة وحب.. تتنهد.. يقطع تنهدها صوت ارتطام أوان معدنية بالأرض.. تهرول الى جهة يسار المسرح.. تنظر باتجاه الكواليس.. تتراجع بخوف، وبحذر شديد، الى منتصف المسرح.. تستدير.. تهرول الى جهة يمين المسرح.. تنظر باتجاه الكواليس أيضا.. تتراجع بخوف وحذر الى منتصف المسرح.. تنظر الى الأعلى بخوف وتوجس.. تمر على منطقة خيال الظل، بسرعة خاطفة، أشكال هلامية غير محدده الملامح .. المرأة تهرب مهرولة الى كل اتجاه.. تدور حول نفسها.. تسقط على الأرض.. تبدأ الإضاءة بالاختفاء تدريجيا حتى يظلم المسرح .

*

 

يضاء المسرح تدريجيا .. ترفع المرأة رأسها.. موسيقى رعب .. يكسو ملامحها الخوف.. تسمع صرير بوابات حديدية تفتح وتغلق.. يهبط من فضاء المسرح مشبك قضبان حديدية بحجم المشبكين السابقين .. يستقر على الحافة الوسطية للخشبة.. يتحرك المشبكان اللذان على جانبي خلفية المسرح آليا ، نحو يسار ويمين حافة الخشبة حتى يغلقا مع المشبك الأول فتحة الجدار الرابع ويتحول المسرح الى سجن.. المرأة تراقب حركة القضبان الحديدية بتوجس واستفهام .. تقترب منها .. تلمسها بحركة تتابعية من اليمين الى اليسار.. تحاول زحزحتها دون جدوى.. تحاول فصلها دون جدوى.. تبحث عن مربع يمكن ان تخرج من خلاله فتفشل.. تنظر الى الأعلى.. تتسلق القضبان.. تتهاوى الى الأرض..تجلس القرفصاء.. تتسمع صوت الهديل.. تنهض.. تعود الى كرسيها.. تجلس.. تنظر الى الكرسي الآخر.. تتناول الكتاب وحالما تبدأ بقراءته تطرق سمعها همهمة كورالية أو مارش جنائزي.. يعبر منطقة خيال الظل عدد من الرجال وهم يحملون على أكتافهم جنازة أحدهم.. تتبعهم مستفهمة ثم ترتد ،منكفئة، الى كرسيها.. متألمة.. ومنكسرة.. تنظر الى الكأس الموضوعة قبالة كأسها لتتأكد من وجودها.. ترفعها.. تتأملها بإعجاب..تبتسم.. تعيدها الى مكانها.. تجلس على كرسيها باسترخاء.. تفتح الكتاب.. وقبل أن تبدأ القراءة تسمع اصواتا غريبة ومخيفة ..تنظر في كل اتجاه .. تتحرك بخوف وتوجس الى يمين المسرح ثم تتراجع إذ ترى رجلا قصير القامة دميم الخلقة.. تهرب الى جهة يسار المسرح.. تتراجع إذ يتقدم منها رجل يشبه الأول لكنه أكثر قبحا.. تهرب الى أعلى الوسط فتصطدم برجل آخر أو مسخ آخر.. تتراجع الى وسط الوسط .. يتقدم الرجلان الدميمان نحو منضدتها ، وبحركة واحدة موحدة ، يشربان ما في الكاسين .. تتقدم منهما ، في محاولة يائسة للحفاظ على الكأسين لكنهما يدفعانها بعنف فتسقط أرضا.. يقذفان بالكأسين الى ما وراء الكواليس بعبث واستهتار.. المرأة ما تزال ممدة على الأرض.. يتقدم الثلاثة منها.. يقفون على مقربة من جسدها.. تظهر على شاشة خيال الظل بقعة ضوء صغيرة ملونه وجميلة تحيط بها عدة بقع ضوئية اكبر حجما.. يبرك الثالث عند قدميها ويمد يده إليها محاولا لمسها.. تنسحب زاحفة الى أعلى الوسط.. البقع الضوئية تتداخل مع البقعة الصغيرة في محاولة لاحتوائها.. الرجل الثالث يتبعها سيرا على الأربع.. يحاول التمدد فوقها لكنها تفلت منه نحو أعلى الوسط.. تتفرق البقع الضوئية تاركة البقعة الصغيرة في محلها.. الرجل / المسخ يستدير إليها وهو ما يزال باركا.. يشير الى الاثنين فيمسكانها كل من يد.. يتقدم منها.. تتقدم البقع الضوئية من البقعة الصغيرة.. يعلو صوت تنفسها.. يتقدم أكثر.. يعلو تنفسها أكثر.. يتقدم أكثر.. تطلق صرخة قوية مستغيثة طويلة ومدوية .. تطفأ الأضواء بينما تستمر البقعة الصغيرة مجاهدة في صراعها مع البقع المهاجمة حتى انتهاء الصرخة .

      فترة صمت قصيرة تمر قبل سطوع الأضواء تدريجيا.. المرأة تجلس بجانب المنضدة نفسها وأمامها نفس الكأسين .. شعرها منثور .. وجهها متورم وشاحب .. ثيابها مدعوكة.. يظهر على منطقة خيال الظل حبيبها ولكنها لا تنتبه لوجوده.. يضع كفيه على بعضهما و يقربها من فمه وينفخ فيهما مقلدا صوت اليمام.. تنتبه.. تستدر إليه.. تدخل منطقة خيال الظل بلهفة.. تبرك أمامه .. موسيقى فالس.. تمد ذراعيها إليه.. ينهضان.. تسحبه ويدخلان الى المسرح.. يجلسان على الكرسيين.. يتناولان عصير البرتقال.. تمد يدها الى يده طلبا للرقص.. يرقصان بفرح غامر.. تقطع رقصتهما ضربه صنج قوية تنبههما فينسحب الرجل الى منطقة خيال الظل.. تتبعه.. يغادر وهي تشير إليه مودعة.. ترجع الى كرسيها.. تنظر الى كأسه.. تدور حول كرسيه حالمة.. ضربة صنج.. يقفز الرجال الثلاثة وهم يطلقون صرخة موحدة الى ما وراء القضبان.. يدفع كل منهم مشبكه الحديدي باتجاهها.. الأول والثاني يناورانها بدهاء.. وبحركات شيطانية يتقدم الثالث إليها.. تحاول الهرب وهم يضيقون عليها.. تقترب مشبكاتهم الثلاثة منها شيئا فشيئا أو دفعه واحدة.. يحاصرونها.. تتحرك بسرعة وجنون داخل المثلث الحديدي الذي حوصرت داخله .. تصعد على منضدتها .. تقفز الى الأرض.. تضرب قضبان الحديد بقوة .. ينسحب الرجال الثلاثة بزهو الى الخارج.. تطأطئ رأسها.. وعندما تشرع بالبكاء تسمع هديل اليمام، مره أخرى ، فترفع رأسها.. تنظر الى البعيد.. تتناول رواية ماركريت ميتشيل ( ذهب مع الريح ) وتبدأ القراءة.. تختفي الإضاءة تدريجيا ( Fade out  ) بينما يستمر الهديل حتى النهاية .  

 بعقوبة 1997

***

 نشرت في مجلة آلف  العراقية باء العدد (1632 ) في5/1/2000