(صرخة مخ) مسرحيةٌ صامتة في مدينةِ الناصرية

بقلم حمدان حسن البدري

 (نائب رئيس نقابة فنانين ذي قار)

 

 

(لنقف دقيقةَ صمت على روحِ صمتِنا المُبَاح ) بهذه الكلمات أُفتتح صفحاتُه فولدر العرض للمسرحية الصامتة التي قدمتها نقابة فنانين ذي قار على قاعة النشاط المدرسي من تأليف وأخراج (حيدر مكي) وتمثيل كل من (حمدان حسن البدري بدور الجنرال وصفاء عبد الحسين بدور الكاتب وعلي كشاش مسخ1 وعلي قاسم مسخ2 وحيدر مكي بدور المهرج ومدير المصحة وقام بتصميم وتنفيذ الإنارة بشير ثامر) وقد تم العرض ليومي الجمعة والسبت المصادف (7-8 /3/ 2014) 
أُفتتح فولدر العرض صفحاتُه بعبارة (لنقف دقيقةَ صمت على روحِ صمتِنا المُبَاح ) مضافا لها اللافتات الكبيرة المتشابهة المحتوى المختلفة في الجهة واللون حيث تعمد مخـرج العمل (حيدر مكي) أن تبقى ستارة المسرح مفتوحة بل أنه ألغى الحدود الفاصلة بين المشاهد وكادر (صرخة مخ) ومنذ اللحظة الأولى تم ألغاء كل هذا من خلال ما كُتِب على اللافتتين .. عبارة (مو (علامة صح) عقلي) أسفلها عبارة ورشة عمل باللون الأخضر على يمين المشاهد ويقابلها تماما في الجهة اليسرى ذات المحتوى والكلمات الا أن اللون قد تحول الى الأحمر ممثلا دلالة اليسار وحتى تتضح الصورة للقارئ الكريم علينا ان نتناول العرض ممنهجا وكما يأتي :-


أولا : سينوغرافيا العرض:

أعتمد المخرج على توظيف المكان بالدلالة المرجعية من ناحية اللون والايدلوجية للمشاهد فقد حاول تحشيد كل هذه الإشارات المرجعية والايدلوجية وإبراز كل ما تحتويه هاتين المفردتين فقد شغل اليمين باللون الأخضر ابتداء من أسفل وسط المسرح من خلال لافتة العرض التي تُفصل بخطٍ أحمر مشغولة اليمين بآثار الكف الخضراء المترامية على لافتة العرض صعودا الى اللاقط الذي حوله اللون الأخضر الى وسيلة أعلام يمينية يبث رسائله وشفراته من المصباح الذي عُلِّقَ في وسطه حال تحركه من قبل مسخ1 الذي هو الآخر اتشح بالرداء الأخضر بل أن اللون تغطرس فغطى وجهه ليكمل شفرات ودلالات اللون الأخضر وأسقاطه على ذهنية المتلقي من خلال اللون الأحمر الذي شغل جهة اليسار من وجه مسخ2 ووشاحه مرورا باللاقط الأحمر صعودا لعبارة اللافتة الكبيرة (مو (علامة صح) عقلي ) وانتهاء بالكف المرسومة على اللافته المعلقة اسفل وسط المسرح.

 

ثانيا : الديكور: 

اعتمد الديكور على استخدام شفرات ورموز تدل على وسائل الأعلام من شاشة عرض في عمق المسرح (أسفل وسط المسرح) وصولا الى المايكرفونات التي تحولت الى انوار ساطعه تكشف وجه المتحدث خصوصا حين يمثل الأغلبية الصامتة بعد أن تكمم الشخصيات ويسمح لها بالكلام .. أما التدرج الشفاف الماطر من اعلى المسرح نزولا للخشبة مكون ممرا يتسع حين تقترب للجمهور ويضيق كلما دخلت للعمق لتصل الى شاشة العرض التي تتحول الى ظل للشخصيات وهي تثقب الجماجم والرؤوس لتقتنص الأفكار , معتمدا على فضاء قاعة المشاهد باعتبارها مخزن لورشة التصليح المفترضة التي هي في نفس الوقت (المصح العقلي ) التي رمز لها المخرج بــعبارة {مو (علامة صح) عقلي}

 

الأزياء:

الشخصيات التي تمارس الصمت اكتسبت ألوان أزيائها من خلال ما تمَّ رسمه لسينوغرافيا العرض فقد اتَّشَح الأبيض بالأخضر مع مسخ اليمين والشيء ذاته حلَّ بمسخ اليسار فقد تعانق اللون الأبيض مع الأحمر ممثلا اليسار أما البياض الذي اتكأت عليه الشخصيات الباقية فقد يتغير هذا اللون بزي الجنرال العسكري الذي يختفي حال ثقب جمجمته وسلب أحلامه والحال نفسه يقع مع شخصية الكاتب الذي يسلب منه زي المثقف المتمثل بالنظارة الطبية ويمثل سرقتها سرقة الرؤيا للأشياء وعدم وضوح الرؤيا, وسلب بدلة الصحافة مجهولة (اللوكو) هو دلالة على سلب التعبير عن الرأي الحر , أما سلب الأوراق البيضاء المتناثرة هنا وهناك يمثل سرقة الفكر والذاكرة لشخصية الكاتب.. أما الزي المركب لمدير المصحة فقد تمازج زيه بين الدكتور والمهرج بقي أن نشير الى أهمية الإشارات والكلمات المكتوبة على حقيبة الجنرال والكاتب فقد حملة صفاتهم وأسمائهم.


معركة الألوان:

أعتمد العمل على صراع لونين رئيسين الأخضر(اليمين) الأحمر (اليسار).

 

الدال والمدلول المكاني:

المكان هو مصح عقلي لكنها ورشة عمل كأي ورشة لتصليح ما عُطِب لذا كانت هذه الورشة المصحة هي مكان لتصليح العقول او ربما تفريغها من ذاكرتها وبرمجتها حسب مقتضيات الحاجة والتحول المكاني يصل قمته حين يتقمص المهرج دور الدكتور هو غير جاد تماما مهرج سرك لكنه رغم كل هذا يجتث العقول ويثقب الجماجم بل يلعب بها كأنه يلعب بالبيضة والحجر معلن عن مهاراته اليدوية وسرعته البديهية.

وهنا تجسدت غرابة الطرح لأسم المسرحية (صرخة مخ) كأن المؤلف يريد أن يقول سنفكر بصوتٍ عالٍ سنصرخ بعقلنا لا ألسنتنا خصوصا أن كل ما يحصل للشخصيات الرئيسية محوره الخطاب الإعلامي وأثره في تحويل الجنرال الى مذيع والعكس ربما يكون صحيحا.

 

الحكاية:

(في زمنٍ سُلِبَ فِيْهِ كُلّ شيء وسُرِقَتْ فِيهِ الأفكار, بَرَزَ سُرَّاقٌ مِنْ نَوْعٍ آخر , أنَّهُم لُصوصُ الكَلِمَةِ والمُنْجَز, زَوَّروا التاريخَ وشَهَادَاتِ مِيْلادِهِم .. صَارُوا أَهْلَ عِلْمٍ وهم من الأبجدية الأولى بَرَاء, جَمَاجِمُ فِكْرٍ فَارِغَةٍ انْتَحَلَتْ وأنبَتَتْ بذارُ أفْكَارِ غيرِها, حتى أدعوا انهم الملائكة التي تسكن الأرض مازالوا يغتالونَ الفكرةَ وصاحبَها ليرثوها , ويلاحقوا ظلّها وخيالاتِها , ذاتَ يومٍ ستتمكن خيالاتُ الظلِّ مِن الصّراخِ وحتى يأتي هذا اليوم كان لابُدّ مِن الإشارة في (النص الصــامت) (صرخة مخ).
هذا ما ذُكِر في فولدر العرض .. إذا هو نصٌ صامت لخيالات ظل ستتمكن ذات يوم من الصراخ وهذا تقارب آخر بين المحتوى وعنوان العرض.

 

الشخصيات التي تمارس الصمت:

المهرج - الدكتور مدير المصحة - قام بأدائها - حيدر مكي المؤلف والمخرج ذاته 
الجنرال - حمدان حسن البدري

الكاتب - صفاء عبد الحسن

مسخ1 - علي كشاش

مسخ2 - علي قاسم حسن

 

حداثة التجربة:

تعد هذه أول تجربة عرض صامت خالصة أي لم يسبق أن تم عرض مسرحية صامته في الناصرية لمدة 40 دقيقة أبطالها خمس شخصيات خصوصا ان جمالية العرض كانت متواجدة وبشدة رغم إمكانات قاعة العرض في النشاط المدرسي ومحدوديتها ويحسب لهذه التجربة على أنها الأولى للمسرح الصامت في مدينة الناصرية .. وأن كانت هنالك تجارب للعرض الصامت لكنها ليس خالصة أي من ضمن العرض الناطق لذا أن مسرحية (صرخة مخ) هي أول تجربة مسرحية خالصة من الألف الى الياء للتعبير الجسدي..

وقد وضح ذلك المؤلف في فولد العرض حين قدم الشكر للجمهور باسم كادر العمل لأنهم سمحوا للمثلين أن يشاركونهم صمتهم باعتبار أن الأعمال السابقة من يمارس الصمت الجمهور لكن في هذه التجربة تمكن الجميع من الصمت والتفــــكير بصوت عــــالٍ في (صرخة مخ).