|
|||||
بالمسرح نبني الوطن .. نبني العراق |
|||||
|
|||||
جامعة بابل العراقية تحتفي بعشر مسرحيات خلال خمسة أيام بقسم الفنون
المسرحية التابع لكلية الفنون الجميلة. |
|||||
|
|||||
ميدل ايست أونلاين |
|||||
قلم: د. محمد حسين حبيب |
|||||
خمسة أيام عرضت خلالها عشر مسرحيات عراقية في جامعة بابل العراقية - كلية
الفنون الجميلة خلال المهرجان المسرحي الثالث عشر للمدة من 9 – 13
يناير/كانون الثاني 2011 الذي يقيمه سنويا قسم الفنون المسرحية, وكان
الافتتاح هذا العام على غير المعتاد حيث عرضت فيه مسرحية من الذاكرة
العراقية القريبة عبر شريط فيديو حفظته أيادٍ أمينة وهي مسرحية "الحر
الرياحي" تأليف الشاعر العراقي عبدالرزاق عبدالواحد وإخراج الفنان كريم
رشيد, كانت هذه المسرحية قد أنتجتها كلية الفنون الجميلة بابل عام 1994
وشاركت فيها بمهرجان المسرح العربي في السنة نفسها على المسرح الوطني
ببغداد, ولأهمية ما تركته هذه المسرحية من مكانة كبيرة في الذاكرة المسرحية
العراقية والعربية جاءت فكرة عرضها في افتتاح المهرجان والاحتفاء بها
وتكريم المشاركين فيها من ممثلين وفنيين وإداريين.
أما بقية العروض التسع التي أخرجها عدد من الطلبة الفنانين الواعدين, فقد
تنوعت على وفق تنوع الاختيار الحر للطلبة أنفسهم حيث شهدنا النص العالمي
مثل نصوص شكسبير الإنجليزي وداريوفو الإيطالي ويوجين يونسكو الفرنسي إلى
جانب النص العربي والعراقي. فكان العرض الثاني هو "مسرحية عطيل" لشكسبير
إعداد وإخراج حسين محمد العويس التي قُدمت على قاعة المسرح الدائري وهي
محاولة جريئة لقراءة مغايرة لنص شكسبير الأصل حيث قلب نص الإعداد والعرض
فكرة الخيانة والشك فجاءت عكسية لنجد أن عطيل هو من خان دزدمونه بوشاية
الخادمة لا وشاية ياغو الأبله والطيب كما ظهر في هذا العرض, الأمر الذي أدى
في النهاية إلى رجم دزدمونه من قبل الجميع برغم إعلانها ندمها على فعلتها
الآثمة تلك وهي اتهامها لعطيل خيانتها.
وكان شكسبير حاضرا أثناء العرض كشخصية تم استحضارها ودعوتها قام بأدائها د.
محمد حسين حبيب, لينتفض في نهاية العرض صارخا: "ما هذه المهزلة لقد شوهتم
مسرحيتي بكاملها"، فيحاول المخرج توضيح المسألة في أن كادر العرض حاول
توظيف التجريب المسرحي ليس إلا.
المسرحية الثالثة كانت "منديل عطيل" من نوع التمثيل الإيمائي الذي يعتمد
لغة الجسد أعدها وأخرجها التدريسي محمد عباس حنتوش اعتمدت أيضا نص شكبير
كفكرة أساس لكنها بالصراع نفسه ما بين عطيل وياغو ودزدمونه وبطريقة جسدية
تعبيرية متقنة سعت أن تكون أمينة على نقل أفكار نص الإعداد كما جاءت
المؤثرات الصوتية الموسيقية والمختارة من مقطوعات موسيقية عالمية لتهيمن
على الفضاء الحركي الجسدي وتزيد من فاعلية حضوره ومعانيه الدرامية.
أما مسرحية "الأستاذ باتلان"، العرض الرابع، تأليف فرنسوا افيليوم وإخراج
حسين جاسم فجاءت بثوب كوميدي أدائي عبر الشخصية الرئيسة التي قام بأدائها
الطالب زهير عبدالأمير الذي كشف عن قابلية فنية من شأنها أن تتطور لتحقق
لها مستقبلا فنيا مقبولا إذا ما تم رعايتها وصقلها ومتابعاتها دراسيا
وفنيا. هذه المسرحية اعتمدت على مقالب باتلان مع الآخرين بهدف تحقيق مراميه
البسيطة جدا إلا أنها في الحقيقة مرام كبيرة في نظره في ضوء البناء الفكري
للشخصية وتدرجاتها الدرامية.
مسرحية "الهجرة إلى الله" تأليف الكاتب العراقي علي المطبعي وإخراج الطالب
أرشد مرزة، فهي العرض الخامس في المهرجان. حققت هذه المسرحية حضورا مهما
على صعيد النص والإخراج لأنها حاولت التعرض لوثيقة عراقية مهمة بتوظيفها
فكرة البحث عن الجثث والأجساد الضائعة من قبل الأمهات المتعبات والحالمات
حتى بالعثور على رماد الأجساد التي غيبها القتل والترهيب والتشريد
والتهجير, مقابل ذلك يظهر لنا العرض مشاهد المجون والرقص الهمجي لمجموعة
السماسرة الذين يتاجرون بهذه الأجساد بغبطة كبيرة وكأنهم يتاجرون بأيما
بضاعة لا قيمة لها او جذر. لقد صنع المخرج فضاءً مسرحيا يطابق أفكاره التي
أراد الإعلان عنها وكشفها بطريقة مسرحية منضبطة فنيا ومتجانسة شكليا.
أما عرض "الفجوة" ليوجين يونسكو من إخراج الطالبة زينب عامر التي حاولت فيه
التأكيد على هدف الوصول إلى الشهادة الجامعية بين طرق متعددة مشروعة منها
وغير مشروعة وأن طريق النجاح واحد لا يمكن شطره مهما حاول الآخرون.
وكانت مسرحية "الضجيج" من نوع المونودراما تأليف عبد الحسين ماهود إخراج
الطالبة سكينة حسين، قد ركزت على فكرة الخروج من الوحدانية والاغتراب التي
تعاني منها شخصية المونودراما لنجدها في هذا العرض محاطة بعدد من الشخصيات
الأخرى – برغم ثانويتها – التي سعت لتحريك فضاء المسرح وتجسيد ذاكرة
الشخصية الرئيسة عبر محطات حياتها الماضية والحالية.
وحاول الطالب قسور عبدالجبار في إخراجه لمسرحية زيدان حمود "ما تبقى من
الوقت" الاعتماد على الأداء الجماعي للشخصيات التي تشترك في الهدف الواحد
ضمن أداء تمثيلي متقارب مما ضيع الفكرة الأساس على المشاهدين إلى جانب فقر
منظره المسرحي إلا من ساعة توسطت المكان ولم تحرك فيه شيئا.
نصل إلى العرض التاسع، وهو من نوع التمثيل الصامت أيضا عنوانه "محاولة
لاختراق الصمت" تأليف الكاتب العراقي صباح الانباري، وإخراج الطالبة مريم
صباح, اتسم هذا العرض برشاقة جمالية نظيفة ومتقنة لجأت فيها مخرجة العرض
إلى توظيف مربعات لعبة الشطرنج البيضاء والسوداء، وجعلت من هذه المربعات
أمكنة الصراع والحركة والإيماءة لتشكل لنا في النهاية كل هذه المربعات
المتناقضة الركيزة المحورية للشكل ولمضمون الفكرة الرئيسة للعرض التي
استوعبها الجمهور وتفاعل معها بالصمت، كما هو فضاء العرض الصامت إلا من
أشجان موسيقية وإيقاعات انسجمت مع إيقاع العرض المتقن.
وكان نص مولير العصر الجديد الكاتب والمخرج الايطالي داريوفو "لا يأتي كل
اللصوص للمضرة" ختام المهرجان من إخراج الطالب علي هاشم الذي حقق نجاحا
متميزا حيث الأداء التمثيلي لكادر العرض الذي جاء منسجما تماما مع طبيعة
وأبعاد كل شخصية في النص. وان موضوع النص قد أثار تفاعل المشاهدين كثيرا
إذا عرفنا أنه ركز على طبيعة العلاقات الزوجية وإدانة فكرة الخيانة الزوجية
واستهجانها فلا مصير لها في النهاية إلا فضيحتها اللاأخلاقية. وقد حفلت هذه
الفكرة بمواقف ومفارقات شتى جعلت الجمهور يعبر عن ردات فعله المتواصلة
بالتصفيق المتواصل بين كل موقف وآخر فضلا عن الأداء الكوميدي المنسجم مع
فكرة النص الكوميدية أصلا، وكشف المشاركون الممثلون في هذا العرض عن
طاقاتهم ومواهبهم التمثيلية التي سيكون لها شأن في المستقبل، الأمر الذي
حدا بعميد الكلية الفنان التشكيلي الدكتور فاخر محمد للقول أثناء لقائه مع
كادر مسرحية "عطيل" (التي حازت على جائزة أفضل عرض في المهرجان) وبعد العرض
مباشرة وهو يبارك لهم مجهودهم الفني هذا قال لهم: "هكذا يمكن أن نبني
الوطن. لدينا ممثلات وممثلون طلبة يتحملون مسؤولية مستقبل وطنهم لأن الوطن
لا يمكن بناءه بدون الفن وبدون الثقافة إلى جانب العلم". |