التمثيل الصامت وجمالية التنوع في الإخراج المسرحي

 

التمثيل الصامت هو نوع من الأداء يعتمد على الحس الجمالي والبصري والإيقاع الزمني والمساحة المكانية والإيماءة والحركة يقوم به ممثل واحد او اكثر لتمثيل مسرحية كاملة، بشرط ان لا ينطق الممثل بأي كلمة والمعروف بحيث يكون الجسد هو المحرك الأساسي في تكوين الصورة الجمالية في العرض المسرحي (لكل مادة صورة ولكل صورة مادة مكونة منها هذه الصورة ,يقول ارسطو ان المادة والصورة شيئان لا ينفصلان فحسب، بل كل منهما يعتمد على الآخر فالعلاقة بينهما كالعلاقة بين الروح والجسد فلن تغدو مادة ما على شكل ما دون صورة ما ولن تغدو صورة ما لم يكن هناك مادة بشكل ما) وبذلك يمكن التأكيد بان المادة في التمثيل الصامت هي الجسد واما التعبيرات المتعلقة بالإيماءة والحركة والحس الجمالي والبصري فهي الصورة المعبرة عن الفكرة الفلسفية لمضمون التعبيرات الجسدية، وقد اهتم الإخراج المسرحي المعاصر كثيرا بالتمثيل الصامت ولاسيما لدوره الإيجابي في تنوع الأداء وتحبيك الأفعال الدرامية وتكوين شخصية الممثل وتأطيرها فنيا وودراماتورجيا. ومن أهم هؤلاء المخرجين الذين أعطوا أهمية كبرى للتمثيل الصامت، المخرج الروسي ماييرخولد الذي اعتبر "ان الكلمات ليست كل شيء ولا تقول كل شيء، ويجب ان يستكمل المعنى بالحركة التشكيلية الجسدية، بشرط الا تكون هذه الحركة ترجمة للكلمات :ان حقيقة العلاقات بين الأشخاص، تقررها الاشارات، والاوضاع، والنظرات، ولحظات الصمت …أما الإيقاع، فيجب أن لا يكون واحدا بالنسبة للصوت والحركة" الفنان المثالي الحقيقي هو الذي يجيد الرقص والتعبير الصامت (الميم) والبهلوانية وغيرها من القدرات والمهارات. وأكد ماييرخولد بعد ذلك على التدريب الفيزيقي لجسم الممثل وصوته وحركته. وتتركز حصيلة شغل ماييرخولد في اهتمامه بالتكنيك كأساس في العملية المسرحية. ونجد هذا الاهتمام أيضا لدى ألكسندر تايروف. فالمسرح عند هذا المخرج الروسي: "يتحدد بمعارضته لتقليد الحياة. ولا ينبغي كما يقول أن يكون عين الكاميرا، وهو فن قائم بذاته وله نظامه وتكنيكه الخاص. وفي رأي تايروف أن فن البانتوميم يعتبر من أنقى الأشكال المسرحية، وهو في هذه النقطة يلتقي مع مايير خولد. والممثل عند تايروف يرتكز عمله على الجسم والإشارة، وتشكل حركاته أهمية أكبر من التركيز على الإلقاء الذي كان يخضع في تصوره للأصول الموسيقية والإيقاعية" ويقدم لاوتو الذي اعتبر أن الفنان المثالي الحقيقي هو الذي يجيد الرقص والتعبير الصامت (الميم) والبهلوانية وغيرها من القدرات والمهارات. وأكد ماييرخولد بعد ذلك على التدريب الفيزيقي لجسم الممثل وصوته وحركته. وتتركز حصيلة شغل ماييرخولد في اهتمامه بالتكنيك كأساس في العملية المسرحية. ونجد هذا الاهتمام أيضا لدى ألكسندر تايرو.  هذا، ويعد جاك كوپوه من أهم المخرجين الفرنسيين الذين نهجوا منهج الاعتدال والتعقل في مجابهة الواقعية التفصيلية. وقد دخل عالم المسرح من باب الصحافة وعتبة النقد الأدبي، وكان إخراجه يعطي نوع من الاهتمام بالتمثيل الصامت المعبر، والاشتغال على الفضاء الفارغ على مستوى الديكور والسينوغرافيا. ووظف بيتر بروك في أخراجه لكثير من عروضه المسرحية على التمثيل الصامت بطريقة جزئية، أي في مشاهد درامية معينة داخل عروضه المسرحية التي استعمل فيها منهجا يعتمد على توظيف مجموعة من التقنيات الإخراجية التي استلهمها من مخرجين آخرين تناصا وتضمينا وتجريبا. ومن هنا، فقد أفاض بروك في إخراجه عرض مارا صاد عن رؤية متعددة التفاصيل، فالشخصيات تستخدم الماكياج بمعيار مبالغ فيه إلى جانب المبالغة في التشويهات الخلقية والجسدية مع تقديم مشاهد تعبيرية صامتة (ميم) وإضافات صوتية وحركات تعبيرية وضوئية. وكل ذلك يختبره بروك لتحقيق أهدافه الفنية التي تمثلت في امتزاج التناغم البريختي مع قسوة آرتو الأمر الذي أثار كيان النقاد في العالم، فهو قد استفزهم وخدرهم وسحرهم وينطلق كوردون گريگ في كتابه (فن المسرح) من أن جذور المسرح تعود إلى الرقص والحركات الصامتة، وقد رفض فلسفة الواقعية كثيرا. وفي المقابل، كان يدعو إلى المسرح الشامل، وخاصة المسرح الذي ينبني على المسرحية الصامتة، و شعر العرض المسرحي الجامع بين طقوس الكلمة والحركة… وبالتالي، يتحدد المسرح الشامل لدى گريگ في الحدث والكلمات والخط واللون والكتلة والإيقاع. ومن المخرجين الذين اهتموا بالمسرح الصامت ,هنري توماشفسكي الذي أوجد مدرسة للتمثيل الصامت ببولندا سنة 1956م، وجاك ليكوك الذي أسس مدرسة للميم بباريس سنة 1956م، ومارسيل مارسو الذي شيد بدوره مدرسة للميم بفرنسا سنة 1978م.ومن جهة أخرى يعتبر من ابرز المسرحيين الذين نظروا في التمثيل الصامت وإيجاد القواعد الأساسية لفن التمثيل الصامت وتعميق الفعل والأداء المسرحي في المسرح الصامت. هناك من العلماء والباحثين من درس الميم دراسة العالم Lawtonلاتون تصنيفا توضيحيا للمكونات الميمية حيث يميز بين ثلاثة أنواع:

-       التعبير الطبيعي للانفعالات لحركات الاشتغالية التي تصف مختلف النشاطات(اللعب والعمل)

-        الحركات الاصطلاحية التي تشمل ثلاثة أنواع تحتية: أ‌- الحركات السردية المستعملة في مجال التبادلات اللفظية؛ ب‌- الحركات الوصفية التي تسمح للفنان للتعبير عما يرى ويسمع ويحس ويلمس. وتمكن هذه الحركات أيضا من وصف الأحداث أو الظروف الواقعة خارج المشهد. ت‌- الحركات الانفعالية المشتقة من الانفعالات الطبيعية على سبيل المثال. ويميز لاوتون سبعة أنشطة جسدية معبرة عن انفعالات طبيعية:

1-   نحو الأمام: للسلام والقبول والاستفسار أو التعبير عن المفاجأة.

2-  نحو الخلف: للرقص والتعبير عن الرفض وإظهار الكراهية والنفور والخوف.

3-  نحو الأعلى أو الخارج: وذلك للتعبير عن جميع الانفعالات المفردة أو الضاحكة.

4-  نحو الأسفل أو الداخل: وذلك لإظهار جميع الانفعالات الحزينة، ويشير الداخل بمفرده إلى حالة التعب.

5-   الهيئة المنفتحة: هي علامة الطيبوبة والأمانة

6-  الهيئة المنغلقة المنكمشة: مثال جمع اليدين مصاحبة بحركات سريعة غير ظاهرة هي علامة على الاحتيال والتخفية واستعمال الذكاء.

7-  تقديم الظهر: يعني نهاية حلقة أو أخذ قرار أو تغيير في الهيئات.  واما المخرجيين العرب والعراقيين فقد اهتموا في بعض عروضهم بالمسرح الصامت وقد شهد المسرح العراقي محاولات جادة ذات ابعاد جمالية وحسية وشعورية ضمن العروض المسرحية وكان لها الدور الكبير في نمو التمثيل الصامت وظهور ممثليين مبدعين في هذا المجال يجيدون لغة الجسد بمصاحبة الموسيقى والمؤثرات الصوتية كالفنان المرحوم محسن الشيخ والفنان أنس عبد الصمد والفنان خالد احمد مصطفى. وشهد المسرح العراقي ظهور كتاب مبدعين كصباح الأنباري بأدواته الصامتة محاولاً أرساء أدبا مسرحيا مرئيا مازجاً ومستفيداً من أجواء الفنون الأخرى مثل خلق الصورة التشكيلية في حقيقة كونها تشكيلاً مرئياً. ومن اللقطة السينمائية لما لها من مدى تعبير مؤثر، ومن الرقص في تقديم الحركة المنسقة وفق الضوابط الجمالية والحسية ومع الموسيقى في قدرتها على تأليف الجملة الإيقاعية الزمنية، ومع الشعر في قدرته على تأليف الصورة الدرامية الخيالية كما في مسرحية (ليلة أنفلاق الزمن) ومسرحية (ارتحالات في ملكوت الصمت).

 

قلممحسن النصار

تحرير : نبيلة الوزاني