البانتومايم في حديقة الأمة

سالم وريوش الحميد

على حديقة الأمة وفي ساحة التحرير وقرب منتدى بغداد الثقافي، قام الفنان حسين درويش الطالب في المرحلة الثالثة قسم المسرح في جامعة بابل بتمثيل مسرحية في فن التمثيل الصامت بانتومايم بعنوان (دعوة حب)، وقد اعتمد هذا العرض على فن التعبير بالحركة والإيماءة والتعبيرات التي ترافق حركة الممثل ولاقى العرض استحسان الحاضرين. قام الطالب بجهد متميز، استطاع من خلاله إشراك المشاهد وجدانيا والتفاعل معه عبر تمثيله لوحة فنية راقية قام بتجسيدها معتمدا على حركاته وتعبيراته الإيمائية وتنقلاته في الفضاء الواسع الذي منحه له الامتداد المكاني، وقد استطاع الممثل أن يوصل إلينا الفكرة بتلقائية، إذ حدث تفاعل بين الجمهور والممثل ولم يحدث ذلك التفاعل لولا وجود عوامل مشتركة بين الممثل والمشاهد وإمتلاك الأخير القدرة التخيلية الواعية التي يستطيع من خلالها تحليل وتفكيك رموز تلك الحركات الإيمائية والحركية.
 يقول الفنان حسين درويش والذي قام بتجسيد دور البطل وبالتأليف والإخراج: أن هذا الفن من الفنون الصعبة جدا والتي تحتاج إلى جمهور مثقف وواعي ومدرك لماهية هذا الفن ،

 اشترك بهذا العمل الطالب عز الدين خضير كمساعد مخرج وعمل المكياج، وقام بتنفيذ المؤثرات الصوتية محمد قاسم.

فكرة العمل بسيطة مبنية على علاقة عاطفية حميمية بين فتى وفتاة ، في عيد الميلاد أراد الشاب أن يقدم لها هدية ، ولما لم يكن يملك مبلغ هذه الهدية لديه لذا فكر بأن يسرق أحد متاجر الهدايا ، وفي عملية شد وترقب وهاجس مشترك بين المشاهد والممثل يقودنا عبر حركات تتابعية يقوم بها الممثل إلى ما يريد الإخبار به معتمدا على حركاته الرشيقة ومطاوعة جسده للحركات وتعبيراته الإيمائية وتنقلاته في الفضاء الواسع الذي منحه له الإمتداد المكاني وقد استطاع الممثل أن يشرك المتلقي معه في حالة القلق والخوف التي يعيشها، إذ كان يعيش حالة صراع مع الزمن الذي أراد أن يكون عنصر فاعل في المسرحية ، الخوف هاجس آخر سيطر على كل تفكيره طوال فترة العرض فهو يريد أن يوصل هديته قبل أن تنتهي الحفلة من جهة، في حين كان يريد الخلاص من تلك المهمة الصعبة التي قد يكون مصيرها السجن وبذا سيفقد كل شيئ حريته وربما حبيبته وفي غمرة هذا الصراع والشد النفسي يستطيع ان ينفذ مهمته ليعود بالهدية لحبيبته وكنهاية مفاجئة وخلافا لكل التوقعات يظهر لنا البطل وهو يحمل ورده هذه الوردة هي ما أراد أن يسرقه، أوصلت إلينا الفكرة بتلقائية، وقد جسد الممثل العمل بشكل رائع وأنتهى العرض باحتفالية وتكريم لمبدعي العمل ، يمتلك الفنان حسين قدرات إبداعية واعده ، إضافة إلى مايتمتع به من ثقة بالنفس ، وهو يخوض غمار تجربة قد تكون جديدة على الفنان والجمهور

 
وعموما أنه أوصل رسالة مؤداها إن الفن الراقي والجاد والملتزم موجود وأن لا أحد يستطيع أن يوئده ، رغم خلو الساحة حاليا منه ، علما إن الأعمال الجيده تقدم على مسارح الجامعات والمعاهد وتكون حصريا على النخب المثقفة.

 وأكد الدكتور علي عبدالمحسن، التدريسي في جامعة بابل وهو يتحدث عن فن البانتومايم مشيدا بالعمل وبقدرات الشباب الإبداعية، قال: أن البانتومايم فن التعبير الصامت بالإيماءات والحركات، إنها مشتقة من كلمتين:Panto وتعني كل شيء وMimeomai وتعني أقلِّد، أي إني اقلد كل شيء ومن مجموع هاتين الكلمتين انبثق مصطلح البانتوميم أو فن التمثيل الإيمائي الذي يعني فن التقليد أو فن المحاكاة لكل ما تحتويه الحياة.علما أن الحياة الإجتماعية تفرز الكثير من المفاهيم التي تتحول بشكل تدريجي إلى أعراف أو سنن لتبقى جزء من عادات وتقاليد تلك الشعوب او تتبلور وتهذب لتصبح فن من الفنون او شكل من اشكال الثقافة لتكون جزء من الحياة الثقافية العامة للمجتمعات فكل ما يمتلكه الإنسان من طموحات وأمان تتحول إلى شكل من اشكال التعبير الفني تشكل بمجموعها المراحل الأولى لبدايات الفن

ويؤكد الدكتور علي في معرض حديثه عن المراحل التي مر بها فن البانتو مايم، مبينا انه مر بثلاث مراحل: المرحلة الأولى هي مرحلة التقليد،والثانية هي مرحلة التعميم، والثالثة هي المرحلة المنهجية التي لها مدارسها ومذاهبها.. يقول الدكتور معتمد العبيدي التدريسي في جامعة بابل كيف يحقق الإنسان كينونته وإن حقق كينونته كيف له أن يستخدم هذه الكينونة والسؤال هنا يقودنا إلى تساؤلات من منا يريد أن يكون بلا كينونه وأن أخطر ما في هذا السؤال هو كيف نوظف هذا المفهوم في المسرح وهو ما أراد ت أن تطرحه المسرحية ويقول لم َاستخدمنا فن البانتو مايم الفن الصامت للتعبير في تجسيد هذه الحالة ..؟ رغم وجود مجالا ت لأستخدام اللغة سواء أكانت الدارجة منها أو الفصحى واللغة كما نعرف هي أحد مقومات التواصل بين المجتمعات، لماذا يقوم الممثل بقتل اللغة وهو قادر على استخدامها، وللإجابة على تساؤلاته يقول أن الأستخدام الذي يقوم به الممثل هو حالة إستفزاز لكوامن النفس يعبر عنها بشكل تشكيلي ، وهو بذا لايخلق لنا تواصلا فحسب بل يكون حافز لتحريك المنظومة العقلية ويضيف قائلا إن الأنسان هو سنتر العالم الذي تتحرك من حولهالأشارات والرموز والعلامات والشفرات وكلها تترك لنا معاني أما مباشر ه واضحة للعيان ، أوغير مباشره إيحائية كما قام به الشباب الذين شاركوا بتقديم هذا العمل والذي يخضع إلى البيئة فالأبعاد الثلاثة الناحية السيكولوجية والفسيولوجية والسيوسولوجية يضاف إليها بعدا آخر هو بعد الزمن وليتحرك عندنا هذا البعد والذي اوجده أنشتاين حيث قال إن البعد الرابع هو الزمن ثم اضاف أنه لا يسعه إلا تقديم الشكر والامتنان لهؤلاء الفنانين الذين قاموا بعمل رائع وقال أن مجهود الطلبة هو مجهود فردي قام به طلبة المسرح في جامعة بابل وقد قدموا عرضا رائعا، مبينا إن هناك عدد من النشاطات الفنية التي قام بها طلاب المسرح وتم عرضها في الهواء الطلق فيما أطلق على هذا النوع من المسرح بمسرح الشارع وهو المسرح الذي يذهب إلى المشاهد وليس بالعكس وقال إن لنا تجارب ناجحة في هذا الشأن، ونتمنى أن تعمم هذه الأعمال حتى تصبح سمة حضارية من سمات مجتمعنا الجديد.

المعروف أن الإغريق هم من أطلقوا اسم "البانتوميم" على ذلك النوع من العروض الفنية التي تتم فقط عن طريق الأفعال الجسدية والإشارات والإيماءات التي يقوم بها الممثلون ويعبرون بها عن شخصية الأبطال مجسدين بها فكرة المؤلف كان يُطلق اسم بانتوميم على المَشاهد الراقصة الصامتة وكل مايصدر من الجسم من حركات وإيماءات و التي كانت كلها تجسِّد الحياة الروحية ومخاوف الإنسان من المجهول والرغبة في قهر ودحر القوى الخفية التي كانت هاجس للإنسان القديم فعندما يريد أن يعبِّر عن سعادته النفسية واعتداده بنفسه ومقدراته بعد انتصارته في المعارك التي يخوضها مع القوى المختلفة المجهول منها أو المعلوم، أو عند عودته من الصيد، أو عند قيامه بالطقوس الدينية ، تحقيقا لمبدأ الصراع من أجل البقاء استخدم الإنسان القديم البانتوميم كمحاولة للتقليد حيث كانوا يراقبون ويجسدون الحركات والسلوك الفردي لفئات مختلفة من الناس والحيوانات، من تجار وجنود وفلاحين.

لقد نما هذا الفن وأخذ يكون أكثر عمقا من المفهوم البدائي لهذه الكلمة ووصل إلى درجة أرقى،واكتسبت كلمة بانتوميم مفهوماً فكرياً وفلسفيا جديداً. ولكن أهم تطور حدث في المفهوم الفكري لفن البانتوميم هو ما جر ى في القرن العشرين،حيث توفرت للفنان مواد أخرى للتعبير أعطته بعدا منهجيا و جعلته أكثر تفاعلا وإبداعاً وتحليلاً ،وبالتالي أغنتْ تجربته وأثَّرتْ على إبداعه في تجسيد الشخصية التي يمثلها.

 

عن جريدة الحزب الشيوعي العراقي