مسرحية عرض الثلج Snow Show   لـ ( سلافا بولونين )(1)

التفاعلية والرهان على لغة الجسد

فائز ناصر الكنعاني

تحمل  تذكرة عرض مسرحية ( Snow Show ) المخصص بيعها لاعضاء بطاقة امريكان بريس فقط عنوان مسرح هيلين هايز في نيويورك. اذن مكان عرض المسرحية هو قاعة مسرح  هيلين هايز، 240 غرب شارع 44 (بين برودواي والجادة 8) نيويورك. وان مدة العرض (90) دقيقة. من ضمنها وقت استراحة. مع ملاحظة منع اصطحاب الاطفال الى العرض دون سن الثامنة. فريق العمل قدم من روسيا. والطيف الجمالي الذي حفلت به المسرحية هو من روسي بطبيعته.. من منابع مسرح موسكو للفن الحديث. وعندما تقول (سنو شو) فانك تقول سلافا بلونين. فهذا العمل اذن ملكية تخيلية ل الفنان العالمي الخمسيني سلافا بلونين الذي حاز على لقب اعظم مهرج في العالم. فكان حري بنا نحن ان نشاهد عملا مسرحيا بمستوى ماقدمه سلافا على اساس احتواء التجربة الفنية التاريخية لكل رواد فن التمثيل الصامت. مارسيل مارسو، شارلي شابلن، مع الاشتغال عند تخوم التجربة الحديثة للفن المسرحي في ثلاث مناطق الاولى الاستعمالات في المجازات الجمالية في عقد القراءة/ التلقي البصري بين الجمهور والعرض والثاني في (السينوغرافيا) باعتبارها معطى انتاجيا للدلالات والافكار التي يروم العمل توصيلها سيّما إن العمل يصنف من الاعمال الصوامت. واعتقد ان عملا بستة ممثلين، منهم، ممثل رئيس واحد وبزمن عرض 90 دقيقة يعد نوع من التحديات لملكة وطاقة التعبير الايمائي اولا، والى طاقة تحشيد الاشتغال في الفضاء. Snow Show، عنوان المسرحية. له دلالتين: الاولى تقليدية في عنونة مادة العرض، والثانية جمالية، تنطوي على عنوان شامل للاشتغالات. ان (عرض الثلج) كظاهرة طقسية ومناخية يتخلق في ذاتها امتداد جمالي للارضية التي تكتسي بالصقيع. وبين عامود الفضاء النازل الذي يشغله الوفر المتساقط. انها لعبة الطبيعة السينوغرافية، وهي بذاتها تفاحة جاذبية سلافا التي اخترع بواسطتها الاطار الحكائي لعرضه هذا. الشيء الثالث المهم في عرض سلافا هذا هو التفاعلية. والتفاعلية هنا هي نوع من الالتحام/ الاحتكاك/ الزج بين جمهور العرض وممثليه. بين حدث التلقي وحدث العرض، في لعبة الفصل والاندماج، غير ان هذه اللعبة/ التكنيك الذي مارسه سلافاSlava  على جمهوره بنوع عالٍ من الاستدراج السايكولوجي للجمهور لسحبه كليا ليستمريء حتى الممارسات المزعجة من الممثلين ويقابلها بالضحك. ففي احدى (الهجمات) يستولي الممثلون على الجمهور بافعال ابتكارية تخيلية شتى، ويغوص الى ابعد مما نعتقد، فهو في واحدة من الاتصالات التفاعلية  يشرك جمهوره على فرش شبكة عنكبوتية كبيرة تتمتد الى اخر خطوط العرض، حيث يشرنق الجمهور نفسه بنفسه، خط يوصل الى اخر. لقد وجد الجمهور نفسه متورطا في اكمال اللعبة الى نهايتها التي تقتضي تقطيع الشبكة العنكبوتية العملاقة كالجرذان. يصعد سلافا على جمهوره مرات عدة وباساليب عدة وبمفاجئات يعتبرها سلافا انها تقع ضمن اسلوبه الاخراجي وكانه يقول انني اعمل دائما على خلق لحظة جمالية صعبة التصديق. ولعل اقوى دهشة جمالية في تاريخ مسرح القرن العشرين وليست في عرض الثلج فقط.. هو ما حققه في العاصفة الثلجية الضوئية التي صممها سلافا قبيل انتهاء  العرض تلك التي واجهت الممثل الرئيس.. حيث استخدم جهاز طرد هوائي قادر على احداث عصف قوي مؤثر على حجم القاعة مزود بحزمة مصابيح شديدة القدرة تطلق وفرا ثلجيا هو عبارة عن قصاصات ورقية. هذا العصف الضوئي الهوائي الموسيقي كان Background  للمثل الرئيس المهرج سلافا، الذي شكل هنا Foreground متحرك بعباءته البيضاء التي يطوح بها اتقاء للعاصفة احيانا، وللاستسلام لها. حيث يساهم خط الرؤية للموضوعين بقدرة  مذهلة على التعبير بما يجعل راس الشاخص (الممثل) يتفجر، بكونه بؤرة استهداف العصف، مع ان كل مشاهد في العرض كان هدفا سلبيا استهدفه العصف كما الممثل.

  تبدأ المسرحية بدخول المهرج عرضيا، من اليسار الى اليمين وبيده حبلا نهايته في خارج المسرح.. وعقدة الحبل التي بيده عقدة مشنقة، انه بحالة يأس. يحاول ان يشنق نفسه.. لكنه يفكر في النهاية الاخرى للحبل الذي بيده.. يسحب طويلا بالحبل بما يبدو ان لانهاية له.. ثم بتواصل السحب نكتشف.. ان في الطرف الاخر.. رجلا آخر يحمل عقدة مماثلة من الحبل.. يتعدد الممثلون، طيور بطاريق، مسخ. مساكين، في عالم غير مفهوم/ كان المهرج طيلة العرض يحاول فهم المشهد من حوله وكانه ولد للتو، ولكن بتسلسل الاحداث يكتشف ونكتشف معه اننا على كوكب محفوف بالمخاطر. القتل، الموت، الارهاب. الحروب، تسونامي، الزلازل، وخلال اداء سلافا يحاول تحليل مرجعياته الادائية، فهو يذكرك بالاثارات الانسانية لشابلن التي قدمها تعبيرا للحرب الكونية  بما يجعلك تقول ان سلافا هو شابلن اليوم. كما يذكرك بالابعاد  الفلسفية للايمائي مارسيل مارسو وكانه ياخذ الخلاصات والمعاني لكل اسلافه بدء من مدرسة ستانسلافسكي الى كروتوفسكي حيث يكون الممثل ليس طاقة تعبيرية للاداء التمثيلي وانما لانتاج الاشارات الدراماتيكية الاخرى في محيط العرض، كما في صوت العاصفة التي يطلقها الممثل من فمه.. مع عرض الثلج تتحطم الحدود الاسلوبية لجميع المدارس والمناهج المسرحية ليقول لنا انه الان لايوجد منهج محدد، والمنهج هو الجامع، او هو محصلة المناهج. لقد عثر سلافا بصفته مهرجا/ ممثلا/ عظيما في السيرك على المسرح فيه، على القصة التي تكتبها المنظومة الاشارية لفنان السيرك. لكنك لا تستطيع ان تقول انك امام سيرك. البيئة الحاضنة الاساس هي المسرح. وهناك في هذا  العرض لعبة مسرة وألم يطلق فصولها على الجمهور بما يجعله امام مسيرة الاسى الانساني التي يعيشها الفرد اليوم، او باللعب المباشر مع الجمهوربحنكة عالية تنم عن قدرة سايكولوجية في التحكم بالجمهور. حيث استطاع ممثلوا العرض وبحركات من ايديهم في رفع او خفض او التوقف عن اصوت يطلقها الجمهور، وكأن الاخير دمية تحريك. وبالاطار المسرحي االمعاصر يقدم لنا سلافا كما يراه، حلما، جنونا رؤيويا، الحرب ظاهرة تشبه احد اقسام اليوم.. لكن الطائرة التي تقصف المجموع حشرة عملاقة.. هناك مخاطرة عالية بين محنة الوقوع بالمباشرة وبين الارتفاع الى تفسيرات والى منظومة تفسيرات اكثر رقيا من لغتنا اليومية، هنا البالونات المحبوسة في آنية، تطير في الفراغ، حيوانات منوية هاربة هروب عبثي في سايتوبلازما فضاء المسرح. في عرض سلافا ثمة ايمان عال وثقة في ان ما سوف يقدمه.. هو محض قراءة جديدة لألواح مشهدنا المزدحم بعلامات الاستفهام.. لقد حول سلافا من علامات الاستفهام الى علامات مضحكة، فكان كشابلن،  الذي يحول الاسى الى موقف انفصالي نقدي باعتباره تجربة محلقة مثل البالونات  الصاعدة، والثلج الهابط، لاتستحق سوى الضحك، واذا كان مارسو و شابلن قد اعتمدا على شخصية نمطية وكارزما احادية , فان سلافا هنا خلق/ صنع اكثر من شخصية كارتونية، واستولد شواخص جديدة بالمعنى الجيني. واكثر من شاخص بالمعنى التشكيلي , ان الانسان هاهنا شاخص مسكين مثار للرافة والضحك معا، وهذا اقتراب شابلني، تعمد سلافا ان يوصلنا اليه دون حياء من ربقة الاتصال الاسلوبي، والاستنسخ. كما في التصاق جسده بالشبكة ومحاولاته اللامجدية في التخلص منها. وكأن سلافا يقول اننا جميعا، المتلقين والمنتجين كائنات شابلنية، او ان شابلن هو جزء من مركبات نقصنا/ عجزنا/ الازلية التي تصدى لها المسرح،. اوليس عقاب اوديب لنفسه بفقئه عينية، لحظة من لحظات الكوميديا السوداء، او ليس مضحكا ان يتخذ المرء من نفسه ضحية وجهة قضاء لتصدر للذات اقسى العقوبات على جريمة تآمرت الالهة بصناعتها؟ عرض الثلج، حدث مسرحي عالمي متفرد وهوبحق تتويج للمسرح الكلاسيكي العالمي للقرن العشرين. ولاهمية هذا العرض حصلت كلية الفنون الجميلة في جامعة البصرةعلى النسخة الاصلية لعرض هذه المسرحية  على مسارح باريس , وسوف تعرض ضمن برنامجها الثقافي للتعريف بالمسرح العلمي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*عرضت المسرحية خارج روسيا على مسرح هيلين هايس ثيتر في نيويورك. واستمر العرض من يوم الثاني من ديسمبر عام  2008 الى الرابع من كانون الثاني عام 2009.

قالوا في عرض الثلج:

- هذا العرض. ساخن، سخن، ساخن، لالتقاط الانفاس.  (مجلة انترتينمنت ويكلي )

- الاستثمار العالي، والكلاسيكية  المعطاة بشكل عابر في عرض الثلج هو مايميز جمالية هذه المسرحية النادرة. (صحيفة نيويورك تايمز، لندن).

      - شكرا لك سلافا. لقد ادفئتنا بعرض الثلج. (سيدة كتبت لسلافا).

  اراء عدد من الجمهور:

-         عرض الثلج هو جمال نتفة برد، تنساب قشرتها بوداعة على كتفك، أو تحط على الارضية.

-          عرض الثلج هو صوت ضحكات البالغين التي تتجاوز حدود الرقابة والتحسب.

      - عرض الثلج: هو فرح الاعتقاد ان كل شيء ممكن. هو موجة حزن يودعها القطار في محطة.

     - عرض الثلج: هو الادراك بان الحياة رائعة حقا .

 ملاحظة : منع الاطفال من سن 8 الى اقل من  اربع سنوات من دخول المسرحية بسبب اثار الدخان والضباب،. والموسيقى الصاخبة أحيانا، ورش المياه، والريح الشديدة وقوة مؤثر الثلوج.

(1) - ولد سلافا بولونين في 12/ يونيو/ 1950 في مدينة نوفوسيل في مقاطعة اوريول اوبلاست، في روسيا. من اب يعمل مساعدا في محل تسوق. تخرج من معهد لينين كراد للثقافة السوفيتية، كان ميالا لتقليد شارلي شابلن في سن المتوسطة. قدم عدة عروض صوامت  في العديد من المدن الاوربية. اول ظهور له كان في عام 1981 حيث ظهر في برنامج تلفزيوني بمناسبة عيد راس السنة. ثم شارك في العديد من الفعاليات المسرحية وتنظيم المهرجانات داخل روسيا وخارجها. (المصدر: ويكيبيديا).