لماذا اختفـي البـــانتومايم؟!

منى شديد

 البانتومايم أو التمثيل الصامت أحد الفنون الشعبية في بلاد العالم قاطبة ووصل عشق الجماهير له أنه تحول إلي«نمرة شعبية»تقدم في الطرقات عبر الفرق الجوالة.. ولقد عرفت مصر«التمثيل الصامت»ضمن فنون السيرك المتجول وبين فقرات الفرق المسرحية الكبرى وكان يؤديه فنانون كبار،وعندما بدأ التليفزيون العربي إرساله كان يقدم فقرات متعددة معروفة ينتظرها الجمهور بشغف..ولكن فجأة اختفي هذا الفن الجميل ولم يتبق غير«أحمد نبيل»المخلص له حتى الآن..وفي محاولة لإحياء هذا الفن من جديد أقامت ساقية الصاوي المهرجان الأول للتمثيل الصامت كأول مهرجان في القاهرة،والذي رأس لجنة تحكيمه الفنان أحمد نبيل الذي أكد لـ «الموقف العربي»أن هناك خلطا في أوساط الشباب بين «التمثيل الصامت» والبانتومايم لأنه لا توجد مدارس لتعليم هذا الفن ويضيف أحمد نبيل «إن التمثيل الصامت هو البدعة التي صاحبت ظهور السينما الصامتة قديما بينما البانتومايم هو فن قائم بذاته وله تاريخه ويعتمد في الأساس على الممثل بدون أية أكسسوارات من ديكور وملابس ليجسد بملامح وجهه وحركات جسده فقط عن الزمان والمكان وما تمر به الشخصية من أحداث علي عكس التمثيل الصامت الذي يحتاج لهذه الإكسسوارات لذا لا بد أن يجمع فنان البانتوميم بين ليونة راقص الباليه وبراعة الممثل.وعن تاريخ البانتومايم في مصر يؤكد أحمد نبيل علي أن صور المعابد في أدفو وبني حسن بالمنيا تشهد علي وجود البانتومايم وتأدية المشاهد الحركية في عصر الفراعنة، وحتى الآن الجمهور المصري وخاصة الأطفال يقبلون علي مشاهدة البانتومايم سواء في المراكز الثقافية أو المكتبات ولكن قلة العائد من فن البانتومايم أدت لعزوف الممثلين عن تقديمه كما يرفض المسؤولون سواء في الأوبرا أو في المؤسسات المعنية بالأمر-علي حد قول أحمد نبيل- السماح بإقامة مدرسة أو مهرجان لفن البانتومايم علي اعتبار أنه لا يوجد فنان بانتومايم آخر في مصر.بينما تختلف د.نبيلة حسن رئيس قسم التمثيل والإخراج في المعهد العالي للفنون المسرحية مع أحمد نبيل حول الفرق بين التمثيل الصامت البانتومايم حيث تري أنها كلها فروق لغوية انتهت بمرور الزمن ليصبح المصطلحان مصطلحا واحدا وأكدت على أن هذا مسجل في كتب وقواميس مسرحية بينما كان قديما يوجد نوعان من العروض وهي التمثيل الصامت والآخر عروض «تهريجية».وتؤكد على أن فن البانتومايم هو في الحياة نفسها يستخدمه جميع البشر في حياتهم العادية حيث تستخدم بعض الإشارات للتعبير عن حالة ما ومن الممكن أن تستخدم فيه الإكسسوارات أو بعض الكلمات البسيطة فليس شرطا أن يكون صامتا تماما،ويستخدم الأطفال (المايم )في لعب دور عريس وعروسة أو في تقليد الاشخاص أحيانا وكل الإشارات والإيماءات التي تمثل جزءاً من حياتنا هي تطور درامي لفن البانتومايم.وعن عدم ازدهار هذا الفن في مصر تري د.نبيلة حسن أن سبب اختفاء الاحتفالات الشعبية في الشوارع كما كان الحال قديما وهي التي يظهر فيها البانتومايم في أوروبا ويتهم أحمد نبيل المعهد العالي للفنون المسرحية بعدم تخريج ممثل بانتومايم واحد بسبب اتخاذه للطريقة النظرية في تدريس هذا الفن التي يعتمد فيها الأستاذ على الكتاب فقط.وهو ما أيده فيه الناقد «مهدي الحسيني» بقوله:إنه بعد وفاة أستاذ فن البانتومايم الأول في مص «د. علي فهمي»انحصر دور المعهد كمؤسسة أكاديمية في تدريس هذا الفن وتحولت المادة لمحاضرات نظرية فقط حتى ورش التمثيل خارج المعهد تدرس البانتومايم بشكل ضمني فقط ليستفيد منه الممثل وليس هناك مناهج تدريب عملية على البانتومايم وبعد أن كان عمالقة أمثال محمد توفيق يقبلون علي أداء الأدوار الصامتة لما تحمله من إبداع حقيقي أصبح الممثلون الآن يتسارعون على عدد الكلمات وحجم الحوار فاختفت لديهم قدرة التعبير بدون كلمات خاصة أن المسرح المصري يتميز بالطابع الخطابي.وعلي العكس تؤكد د.نبيلة حسن أن طلبة المعهد يتم تدريبهم علي كيفية التعبير بدون كلمات وباستخدام وسائط أخري فكل طالب يتعلم كيف يؤلف سيناريو بانتومايم وينفذه ويخرجه بكل خطواته ليقدم عرضا متكاملا ولكن التمييز في البانتومايم يرجع لقدرات كل طالب الفردية وفي النهاية هناك اختبارات لتحديد ذلك يؤدي فيها الطلبة البانتومايم عمليا وتؤكد د.نبيلة علي أن مسابقات المسرح في الجامعات والمدارس أحيانا يكون فيها عروض مايم أي أن هذا الفن موجود لدينا حتى وإن لم يتم تركيز الضوء عليه..وتؤكد أيضا على أن هناك تطور مستمر في مناهج البانتومايم التي يدرسها المعهد لمواكبة التطور العالمي فلم يعد البانتومايم هو الشكل القديم الذي يلبس فيه الممثل اللون الأسود ويلعب بيده حركات في الهواء ليخرج بيضة وهكذا وإنما أصبح مجموعة الإيماءات والحركات المستخدمة في الحياة اليومية.ومن جانب آخر يري الناقد مهدي الحسيني أن فن البانتومايم المصري لا بد أن تكون له مفرداته الحركية الخاصة به لا أن يكون مجرد تقليد للبانتومايم العالمي فيقول: «نحن لدينا فنونا الشعبية مثل الحاوي وألاعيبه والزار وما يحتويه من حركات من الممكن تحويل كل هذا لخلق بانتومايم عربي متميز. وعن الاهتمام بهذا الفن في المعهد يقول د.مصطفي سلطان-عميد المعهد العالي للفنون المسرحية،إن البانتومايم مادة تخصصية تدرس لقسم التمثيل والإخراج وتعتمد علي المنهج العلمي أكثر من النظري وتهدف إلي كيفية التعبير بالجسد بدون كلمات عن الأماكن والمهن والشخصيات ويقدم فيها الطلبة شخصيات مختلفة من الرجل الساحلي والصعيدي وغيرها.كما يتم التدريب العملي أيضا علي بعض المشاهد من مسرحيات عالمية تؤدي بطريقة المايم مثل عالم الجن والمهرج وحالات الحب والانتحار لدي شكسبير بالاضافة لاختبارات في تجسيد مشاهد من ابتكار الطلبة انفسهم.بينما يؤكد: د. أحمد سخسوخ العميد السابق للمعهد أن مادة البانتومايم تدرس في المعهد علي يد متخصصين في إطار المساحة الخاصة بها ضمن مناهج المعهد المختلفة وتدرس نظريا إلي جانب التدريب العلمي إلا ان الحالة المسرحية في مصر-كما هو الحال في كل شيء- تختلف فيها الدراسة الأكاديمية عن متطلبات السوق حيث توجد بينهما حالة من الانفصال وهو ما ينطبق أيضا علي التليفزيون والسينما فقد أصبح المتحكمون في قوانين السوق أشخاصا ليس لهم أي علاقة برسالة الفن وحولوا الفن إلي سلعة وبزنس لاغير بالإضافة إلي الورش الفنية التي انتشرت مؤخرا. والقائمون علي التدريس فيها ليس لهم علاقة بالعملية الإبداعية وبالتالي فإن مثل هذه الحالة لاتصنع فنانا حقيقيا وإنما تزيد من الهوة الفاصلة بين طالب الفن والساحة الفنية بشكل عام.وفن البانتومايم جزء من التمثيل بشكل عام لا يجب فصله وما نراه حاليا في عروض المسرح التجريبي هو انسحاب الكلمة لصالح عنصر الصورة ويسيطر المايم علي عروض التجريبي وأخيرا فقد ذكر الفنان أحمد نبيل في نهاية مهرجان الساقية أنه سيتم إقامة ورشة للبانتومايم بعد رمضان المقبل لتدريب الشباب من الهواة علي هذا الفن عله يكون خطوة نحو إقامة مهرجان حقيقي لهذا الفن الهام في العام القادم.

 

 

               عن/مجلة الموقف العربي

15/3/2009