مسرح البانتوميم

جميل منصور

مسرح قديم تطور عبر التاريخ فهل ينطفيء برحيل عملاقه مارسو؟

نستطيع القول أن التمثيل الصامت فن قديم يعود لليونانيين والرومان ، فكانت التمثيلية الصامتة عند الإغريق عبارة عن هزلية صامتة تتناول حدثا بلا كلمات ، ومن الأشكال المبكرة للتمثيل الصامت" الكوميديا السيراكوزية "التي ظهرت في القرن الخامس قبل الميلاد ، ومن ابرز مؤلفيها اينجاروس وسوفرون ،وفي عهد الرومان عرف التمثيل الصامت بابسط صورة من الصور الدرامية المعروفة في الأزمنة الكلاسيكية واكثرها استمرارا، وكان يوجد في جميع أنحاء العالم مهرجون ولاعبو سيرك واكروبات يستعرضون فنونهم في الشوارع والساحات ومناسبات الأعياد ويؤدون ما يمكن أن نسميه تمثيلا صامتا ويمكن القول أن أول من أعطى للتمثيل الصامت إيقاعه وشكله الأدبي هو الكاتب ديموس لابريس في القرن الاول قبل الميلاد ، واشتهر بتقديم مسرحيات صامتة في مهرجان فلورانيا السنوي الصيفي. إن الميم الذي كان موضع احترام وتقدير الشعب الروماني كان مرتبطاً في نشأته بالطقوس الدينية الوثنية التي أخذت تتوارى أمام انتشار المسيحية، ومن المؤكد أن البانتوميم الروماني كان على درجة كبيرة من التنوع والثراء في مجال فن استخدام الإيماء والحركة والإشارة ولغة الجسد وذلك بعد أن تطور هذا الفن على أيدي بعض الممثلين البارعين .أما الاهتمام الحقيقي بهذا الفن فيعود الى القرن الثاني قبل الميلاد، ففي رسالة للوسيان ساموساتا حدد الخصائص الأساسية للمثل الصامت بقوله: ( يجب أن تتوافر له معرفة سابقة بالموسيقا والميثولوجيا، وعليه أن يتمتع بذاكرة حادة وحساسية مرهفة وجسم متناسق رشيق يجمع بين القوة العضلية ومرونة الأطراف)، ومنذ العهد اليوناني إلى يومنا، تبدو أهمية فن الميم المتزايدة من خلال تنوع شعبيته التي بلغت أقصاها في (كوميديا ديللارتي) أو (الكوميديا المرتجلة) في إيطاليا في القرن السادس عشر، حيث كان الممثلون يستخدمون الأقنعة والكلمة المنطوقة مع الإيماءة والإشارة - وليست الأشكال المألوفة التي عاشت في صورة متغيرة حتى يومنا هذا سوى امتداد لشخصيات الكوميدي المرتجلة .وقد تعرض التمثيل الصامت الى الاضطهاد في عصور مختلفة من قبل السلطات الدينية في الغرب ، فقد أمر الملك شارلمان بتحريم البانتوميم بعد أن افتى رجال الدين بأنه هرطقات دينية ، واستمر هذا التحريم بعد شارلمان مدة خمسة قرون ، ولكنه عاد للانبعاث بعد ذلك في فرنسا وايطاليا ، إلا أنه تبنى صوراً أخرى من الدراما تقوم على الطقوس الدينية، حيث فقدت الإيماءة مكانتها وظلت (كوميديا ابراتشا الإيطالية) وحدها برهاناً حياً على تقديم الفنون الشعبية التي تبتكر مواقف ساخرة وهزلية كاريكاتورية وإيماءات وحركات هادئة إلى حد ما، وقد اتجهت أنظار الفنانين إلى فرنسا، رغم أن الخيال الفني فيها كان يغط في سبات عميق، وكان لا بد من انتظار تأثير الكوميديين الإيطاليين على (موليير) الذي حاول إنقاذ الكوميديا من سخف وركاكة الحوار بالبحث عن شخصيات من التراث الشعبي عن طريق التمثيل الكوميدي والأقنعة والباليه وحركات الرقص الإيقاعي، وبدأت الإيماءة تسترد عافيتها، ففي فرنسا عاد التمثيل الصامت الى الظهور على أحد مسارح باريس الشعبية المتخصصة في تقديم عروض الاكروبات، وبمرور الوقت واجتهاد الممثلين ارتفعت مكانة التمثيل الصامت في انكلترا فظهرت مسرحية (الابن الضال) الشهيرة بثلاثة فصول، وجاءت مدارس التمثيل الصامت فيما بعد كمدارس قسطنطين ستانسلافسكي ومايرهولد وجاك كوبو وبارو وجاسمان وبيتر بروك، مطورة الاداء الصامت كجزء اساسي من برامج تدريب الممثل الشامل ، واكدت هذه المدارس على أن المسرح الايمائي هو فن ابداعي بامتياز ، له افقه وادواته وإمكانياته المفتوحة والمتجددة لإطلاق العنان أمام أفق تصورات المشاهد الذي يمثل جزءاً هاماً من العملية الإبداعية، حيث بمقدار ما للكلمة والتعبير اللغوي من تأثير، يكون أيضاً للإيماء التعبيري دور وأثر هام من جانب آخر، هذا النموذج من المسرح الذي يطلق فانتازيا المشاهد ويحركه لمحاولة تفسير مجازات حركة الجسد كطرح تقني مغاير للحوارات المسرحية المباشرة .

تنظيرات توماشفسكي

يعتبر المسرحي الكبير توماشيفسكي أحد عمالقة التمثيل الصامت، وقد وضع تنظيرات قيّمة لمسرح البانتوميم مازالت تحتفظ بقيمتها إلى اليوم، ومنها أن الحركة هي توكيد للحياة وبالتالي فإنها تعطي للانسان الإحساس بالحياة والانعطاف، وان الإنسان منذ ولادته يبدا الحياة بالحركة، ولهذا رفع توماشفسكي شعار "في البدء كانت الحياة ويجب أن تستمر للابد"، وفي سياق تطبيق هذا الشعار على المسرح غادر الى كراكوف وانضم الى مسرح ايفو كال التجريبي الذي كان يتمرد على الأعراف المسرحية التقليدية ويعمل على ايجاد بدائل جديدة لها، واستمر مع هذا المسرح حتى عام 1947، وخلال وجوده في هذا المسرح كان يتدرب على فن الباليه، لكنه تمرد على هذا الفن ووجده فنا لامعنى له، ومع عدد من الفنانين شكل فرقة مسرحية صارت تقدم التمثيل الصامت مصحوبا بالرقص الحديث .بالطبع لم يكن من السهل أن يلفت توماشفسكي النظر لمسرحه الصامت بسهولة وسط الكم الهائل من مسارح التجريب، فصار يقدم أعماله في الأوساط الطلابية حيث استطاع أن يحقق بعض النجاحات ، وقدم خمس مسرحيات صامته كتبها بنفسه هي : احدب نوتردام ، محكوم بالحياة، المعطف ، حكاية الزنجي الصغير ، الاميرة الذهبية ، وقد تحولت هذه المسرحيات فيما بعد الى نماذج تحتذى من قبل ممثلي المسرح الصامت في العالم .وقد شرح توماشفسكي في عدة مقالات قام بنشرها ماهية مسرحه الصامت ، فقال في إحدى مقالاته : " إن مهمة البانتوميم هي أن يعرض المضمون الواقعي مستخدما الأسلوب الخيالي ، وموضوعاته يجب أن تنبع من الحياة، ومن الحياة يجب أن يستوحي الإلهام الإنساني" وقد عمل توماشفسكي سنوات في تدريب مجاميع فنانين على المسرح الصامت مرسخا ارائه في ان المسرحية الصامتة يجب ان تجري في مسرح ثلاثي الأبعاد ، وان الإنسان هو المركز الأساسي للبانتوميم، والحركة يجب أن تجسد طقسا روحيا يقترب من القداسة ، وهي – أي الحركة – في المسرح الصامت تحويل له معنى مركب الأغراض ، والممثل يجب أن يكتسب مهارات كبيرة لجيد هذا التحويل .

مارسيل مارسو

يعتبر الفنان الفرنسي مارسيل مارسو اعظم فناني المسرح الصامت في العالم، وعاش وسط شهرته العالمية كأهم فنان بانتوميم في العالم، ومع انه لم يخف تأثره الكبير بالفنان شارلي شابلن، إلا انه كان مصدر تأثر عدد كبير من الفنانين وفي مقدمتهم الفنان الأمريكي الشهير مايكل جاكسون والذي يعتبر مارسو أستاذه الأول.
ولد مارسيل مارسو عام 1923 في مدينة ستراسبورغ، وشجعه والده الذي كان يعمل قصاباً على دخول عالم المسرح والموسيقى منذ صغره، وأجبر على مغادرة مسقط رأسه غداة الاجتياح الألماني لبلاده في الحرب العالمية الثانية، ويعود له الفضل في إعادة تشكيل شخصية ممثل الإيماء الحديث، وبخاصة لناحية شكله وهندامه والطلاء الأبيض على الوجه، وقد واصل تقديم عروضه مصراً على العطاء للفن الذي أحبه حتى اللحظة الأخيرة .

ومنذ بدايات شهرته كممثل صامت ابتدع مارسو شخصية المهرج "بيب" التي اعتبرت معادلة لشخصية "شارلو" عند شارلي شابلن، ومن خلال شخصية بيب اعتبر مارسو اشهر الممثلين الإيمائيين، وهي شخصية ترمز لللانسان العادي في مواقف متناقضة ومتعددة ، وعن هذه الشخصية قال مارسو: «أشعر بأنني سجين داخل فني. فالجمهور لا يحب مني أن أتكلم أو أكشف عن ملكاتي الخاصة أو أتقمّص شخصية أخرى خلاف شخصية «بيب»، أو أن أتجاوز نطاق الإيماء المتميّز الذي أبدعته. والجمهور لا يستشعر ارتياحاً لأي «مارسو» آخر غير ذلك الذي اعتاده وصار مألوفاً لديه.  وكما كل المبدعين لم يسلم مارسو من هجوم النقاد عليه إذ اتهموه باستعمال وجهه كثيراً في عروضه واستعمال الشخصية نفسها في كل مرّة. لكن مارسو لم يكن يتجاهل نقدهم، بل كان يسمع ما يقوله النقاد حول عروضه الفنية، ومن ثم يردّ عليهم بلعب أدوار جديدة متحدّياً إياهم بكل ما لديه من موهبة. ولم يكن عرض «الأقنعة» الشهير والممتع سوى واحد من وسائل مارسو التي تحدّى فيها النقاد آنذاك، مؤدياً من خلاله شخصيات كثيرة، مغيّراً ملامح وجهه بسرعة أمام الجمهور، ومتنقلاً بين الشخصيات. وكانت فرقة مارسو الايمائية الوحيدة في العالم التي استطاعت دخول اكبر المسارح الباريسية وأهمها ومن ثم المسارح العالمية لتقديم عروضها بنجاح باهر بين 1950 و1960. ومزج مارسو بين حياته وفنّه لدرجة أنه جعل من بيته محترفه الذي لاتفارقه التمرينات. ونجح في إنشاء كلية «الإيماء الدرامي الدولية» في باريس عام 1987،والتي ما زالت تخرّج أهم الفنانين الإيمائيين حتى اليوم.

فرقة فروتسلاف

تعتبر فرقة فروتوسلاف للمسرح الايمائي البولندي من أهم الفرق العالمية في تقديم فن البانتوميم، وقد انشا هذه الفرقة في عام 1954 الفنان البولندي توماستفسكي ، وتتكون من 18 ممثلا و4 ممثلات، وجميعهم من الموهوبين في مجالات رقص الباليه، والأداء والصوتيات وفنون الموسيقا والحركة، وقد وضع للفرقة برنامجاً صارماً من التدريب يشتمل على الدراسة النظرية ومراناً شاقاً على مفردات الرقص الكلاسيكي والاكروبات والتمرينات الرياضية لغايات اللياقة الجسمانية والحركية، وتكنيك البانتوميم وفلسفته والرقص القومي والشعبي، والرقص في الشرق الأقصى وخاصة في المسارح التقليدية كمسرح (الكابوكي) الياباني، إلى جانب دراسة الحضارات الإنسانية القديمة التي نشأت فيها الملاحم والأساطير والموروثات الإنسانية .ومن ابرز ما قدمته الفرقة حتى الآن من تمثيليات باسلوب التمثيل الصامت نذكر : الرداء ، ملحمة جلجاميش ، ماراثون, جاسيلكا، المرأة، الكابوس، بوليسسري, المتاهة.. وقد قدمت من خلالها جميعاً فناً رقيعاً، وعرضاً تشكيلياً تتألف فيه الحركة المعبرة مع الموسيقا المصاحبة والإضاءة الخاصة، ضمن جمل ودوائر تختص بهذا اللون من الفنون، وطرح مواضيع وقضايا تعكس هموم الإنسان القديم والحديث بصورة لا تخلو من إسقاطات معاصرة لاسيما على سلبية الحروب والدمار الذي تخلفه في حياة الإنسان... أما تمثيلية (الرداء) فموضوعها مستوحى من أسطورة يابانية تتناول أحد الموضوعات التي تحفل بها عادة الأساطير والقصص الشعبية القديمة، وهو الحياة العاطفية وصراعاتها عند الإنسان وما تنطوي عليه من حب وغيرة وأثرها في العلاقات الشخصية .والسؤال برحيل عملاق مسرح البانتوميم مارسيل مارسو يتردد السؤال ان كان هذا المسرح الهام قد انطفأ؟ النقاد يؤكدون ان هذا المسرح لن ينطفيء لان مارسو ترك وراءه تلاميذ كبار مصممين على متابعة مسرحه وبالفاعلية التي كان عليها أيام مارسو، وهو ما يتوقعه الجمهور أيضا .ومن نجوم البانتوميم فى مصر الفنان أحمد نبيل وقدم فنان البانتوميم الشهير أحمد نبيل مجموعة من المشاهد التعبيرية التي تتراوح بين الكوميديا والتراجيديا وقام بتأليفها واخراجها علي ألحان الموسيقار هاني شنوده منها: التفاحة البالون عملية سطو شيء من التفكير دبلوماسية الجدران المتحركة وهي تعبر عن هموم وأشجان الانسان في كل مكان بالعالمويقول الفنان أحمد نبيل رائد فن البانتوميم: ان البانتوميم لغة عالمية كالموسيقي ويعد من أصعب أنواع الفنون التعبيرية لاعتماده علي الجسد ومقدرة الممثل لتجسيد الزمان والمكان والشخصية التي يؤديها.. ويعتبر هذا الفن همزة الوصل بين التمثيل والباليه ويرجع تاريخه إلي سبعة آلاف عام منذ عصر المصريين القدماء.. وتطور حتي أصبح يدرس حاليا في مدارس ومعاهد متخصصة بجميع أنحاء العالميذكر أن أحمد نبيل من مواليد مدينة الاسكندرية وقد تعلم هذا الفن علي يد مستشرق أمريكي واتقنه ثم احترفه ومثل مصر في مهرجانات دولية وحصل علي العديد من الجوائز وتم تصنيفه ضمن أفضل عشرين فناناً للبانتوميم في العالم نبذة مبسطة عن الحدوته الدرامية للبانتومايم هو نص حوارى مبني على الحوار والايماء معا ...والحدوتة ، سلسلة وقائع أحداث زمنية سببية.يعتمد البانتومايم على الحركة الإيمائية التى توضح المعنى المقصود دون حوار.. والحدوته تكون محدوده وشخصياتها مألوفة لدى المجتمع ويوضح ذاك من خلال الملابس أو أدوات الإكسسوار المتاحة للممثل أو الحركة الإيمائية لكل شخصية (توضح للمشاهد شخصية الدور الذي يؤديه الممثل).