الجسد بوصفه معنى خياليا
* د: رحمن غركان
حلّق الخيال بعيداً في طرائق إبداع المعنى؛فكان الصوت مادة في الآداب أو(الفنون اللفظية)كما كان اللون في الفنون التشكيلية ومثلها النغم في الفنون الموسيقية، ولما كانت كل هذه الطرائق تتبدّى على الجسد أحياناً؛ فتغيّر في حركته ولونه ومدى فاعليته، فقد صار الجسد نفسه طريقة في إبداع المعنى ينفعل الخيال بها؛ فيأخذ بتوجيه الأشياء والمعاني بين يدي حركات الجسد الإرادية الواعية المقصودة للتعبير عن يقظة الروح؛ ولعل أشهر الفنون في هذا الاتجاه من كلام الجسد في إثراء المعنى؛ البانتومايم (pantomime)والرقص وأشكال الرياضة ذات النزوع الفني.
يتكلم الجسد لغة الحواس ولهذا تتعدد الفنون الصادر عن لغة الجسد، منها الوظيفي الذي يعيش الإنسان بأسباب منه، ومنها اللاإرادي الذي جعله الله سبحانه آية في خلق عباده، ومنها الإرادي الانفعالي الذي يتنازل فيه الإنسان من طبيعته وفطرته ويُغيب العقل ويشيء نفسه ويوحشنها ليجعل من وجوده الجسدي ضرراً مفسداً للحياة، ومنها الأرادي الدفاعي الذي ينهض الإنسان بأسبابه في الدفاع عن الحياة ومعها عن نفسه، ومنها الإرادي البنائي الذي يصدر عن معطياته حركة وعي الإنسان في الحياة؛ اجتهاداً وبناءً وازدهار؛ ضمن سياقات وجوه النافع في هذه الحياة. غير ان هناك معاني لا تعبّر عنها كل هذه الأشكال والانطلاقات من لغة الجسد، لاتصالها بالطبع حيناً أو بالعاطفة حيناً آخر أو امتزاجها بالعقل تارة أو بالصدور عن الروح تارة أخرى؛ أو محاولة الاستجابة لهذه الأبعاد الأربعة في إبداع المعنى. وفي هذا الاتجاه يكون الخيال مبدعاً ويكون المعنى الفني الصادر عن لغة الجسد محصلة ذلك الإبداع لان مكونات هذه اللغة هي بنية الجسد كلها، ومن ضمنها الحواس، ولهذا يكون تأثير الافصاح عنها دالاً في المجموع العام كما في الرقص وأنواع كثيرة من الرياضة.
حين نقرأ فاعلية الخيال في إبداع المعنى الفني عبر لغة الجسد في أسلوب فني هو الحلقة الأحدث في هذه اللغة؛ نجد التمثيل الإيمائي أو البانتومايم،(pantomime)وهو:الكلام الصادر عن التكوين الصامت لحركات الجسد، تلك التي تنطلق حركية مكونات الجسد فيها ببلاغة فنية رفيعة مستفيدة من فضاء المكان وأبعاده، مستخدماً في نطق الجسد كل عضلة أو عضو أو بروز جسدي للإفصاح عن القصد، ينحت جسده مشكلاً منه كلاماً إيمائياً تمثيلياً صامتاً ناطقاً في آن معاً؛ ليكون كل تشكّل في كل لحظة تمثيلية بمثابة جملة بليغة ذات ثراء خاص استدعاها خيال الفنان موجهاً بين تبدياتها المعاني الفنية المؤثرة، وفي هذا النمط من الكلام تتلاشى اللغات بلغة الجسد الايمائية الواحد، فالجسد ليس حجراً ليصمت، انه روح ولهذا يتكلم بتمثيله الصامت كلاماً بليغاً ذا فصاحة نادرة. لأن الجسد ينطق في فراغ الأشياء صادراً عن نفسه، مانحاً إياها قدرة على الخلق والإبداع.
الجسد الإنساني واحد تتعدد ألوانه وتتباين أحجامه، ولكنه في معناه ومضمونه ووظائفه واحد، والصدور عن تشكلات مظهره، وايماءات حركاته، محولاً عناصر الجسد الظاهر إلى حركات وايماءات توحي بالمعنى فتقوله بلغة واحدة تستوعب فيها العدد الهائل من لغات بني البشر، كأنها تصنع المعنى من فراغ وتفصح للجميع من دون مترجم حتى تصل إلى حد التعبير عن الأحاسيس والمشاعر، ورسم الأخيلة أحياناً، انها تحرك حاسة البصر في التقاط الأشياء، هي تحيل البصر إلى بصيرة لان المعنى الصادر عنها خيالي منفعل بالفنية ودال عليها، فإذا كان اللون يحرك البصر أيضاً واللفظ والنغم يحركان السمع مطلان على البصيرة والذائقة فان الجسد لتوظيفه هذه الحواس بشكل أو بآخر يتيح للوعي ان يظل يقظاً وللبصيرة ان تكون في تجل دائم، لان الجسد إذ ينحت من نفسه أشكالاً هي جمل في كلام فني فانه يستدرج الوعي إلى منطقة الخيال والفهم إلى أبعاد المجاز.
ينتسب الغناء أولاً إلى صوت الإنسان معزوفاً على حنجرته، كذلك ينتسب المسرح في فاعليته الأولى إلى الوعي بحركات التمثيل الايمائي الصامت؛ لان قدرة الممثل المسرحي على التعبير عن المعنى الفني مسرحياً بقليل من المؤثرات كانت دلالة جودة في الأداء، وقد كتب الفيلسوف اليوناني(ديوقراط)في القرن الخامس قبل الميلاد في مذكراته:((أنه ذات يوم وهو يشهد عرضاً مسرحياً صامتاً،سخر من ذلك العرض، لانه عزا كل المؤثرات إلى الآلات الموسيقية والأصوات المعبرة عن الأشياء – أي المؤثرات الصوتية- والديكور في حضرة ممثل تخصص في هذا الفن…فرد عليه الممثل الصامت قائلاً:انظر اليّ وأنا أمثّل بمفردي بمعزل عن جميع المؤثرات، وبعد ذلك قل عن فني ما تشاء، فصمت المزمار، ومثّل الممثل الإيماني، فصاح الفيلسوف وقد تملكه الإعجاب: أنا لا أراك فحسب بل أسمعك أيضاً تحدثني بيديك)).فكان وعياً عالياً من الممثل الإيمائي،وقراءة تخييلية من الفيلسوف وتوجيهاً لافتاً للمعنى.
ويشير تاريخ هذا الفن إلى حضور في التراث اليوناني والتراث المصري وعند الرومان وقبلهم عن الإغريق. وفي التراث الانكليزي نقرأ وجوداً لـ(البانتومايم الكلاسيكي)بشخصياته المستنبطة من التراث المسرحي ولاسيما المسرح الارتجالي الايطالي.وهناك(البانتومايم الواقعي)وهو الأداء الإيمائي لفاعلية حركات الجسد التخييلية في تصوير المعنى الفني بالصدور عن قدرة التمثيل لدى الفنان في تطويع لغة الجسد في إبداع المعنى،على نحو استثنائي غير تقليدي.
ان إيماءات الجسد ترافق كل الفنون،فهي في علم الإشارة قواعد موظفة وأسس معلمة معروفة،وهي في المسرح جزء من خطرة الممثل وطبعه الفني في الإيحاء بالمعنى وهي في الشعر جزء من القراءة الإنشادية المؤثرة،حتى ان بعض الشعراء حقق حضوراً فنياً بجمالية إيماءاته وتبدياته الحركية عند الإنشاد؛ولكن في البانتومايم صارت ايماءات الجسد وحركاته ومعطيات التفاتاته وغيرها جزء فني خالص في تكوين لغة الجسد في هذا الفن،وان تأمل نص مسرحي فيه يكشف بقوة عن ان النجاح فيه يصدر عن إفاضات الخيال والإبداعي في قراءة الواقع وإعادة خلقه فنياً بأساليب وأشكال مؤثرة.
اما في فنون الرقص فان الخيال يجنح إلى ثنائية الحس والعاطفة، بما يكون فيه إيقاع حركات الجسد كاشفاً عن أعماق النفس،وهذه الثنائية موصولة بكون الرقص غالباً ما ينفعل فيه نشاط الجسد على وفق حركات منتظمة مصحوبة بإيقاعات موسيقية، وقد يلفت النظر؛ان الموسيقى إذا صحبت الرقص كان للجسد نشاط على وفق معين، اما إذا صحب الرقص غناءً من دون آلات موسيقية فان فنية حركات الجسد ستبدو على وفق مختلف.وهذا يشير إلى صلة الرقص بالموسيقى من جهة والى صلته بالصوت الغنائي من جهة أخرى، وهما جهتان قد يصحبان الراقص معاً وقد تصحبه واحدة منهما.
اما صحبة الموسيقى فيجنح الرقص فيها إلى الغياب في فاعليته وكأن الخيال يستغرق في الأخيلة فرط هيمنة الصوت والحركة الفنيين،استغراقاً يجعله موجهاً للمعنى ومنتجاً في آن معاً، استغراقاً تجعل المعنى صادراً عن الحركة من دون ان يكون الوعي المباشر حاضراً، ولذا قد يغيب الراقص عن الواقع المباشر محلقاً في رؤى فنية أو مغيباً نفسه في عالم آخر، وقد يغيب عن الحس أيضاً كما في الرقصات الصوفية التي تصحبها(إغماءات دروشة)يرتفع الخيال فيها على الحس فلا يعود الراقص شاعراً بالمحيط ولا بالام الجسد، وهي أقصى حالات تجلى المعنى هنا إذ يصبح السلوك هنا معنى روحياً خالصاً،لا يدركه المتلقي وان أوغل في تأمله لان فاعله يعيشه بروحه وبصره فلا يدركه معرفياً وان كان يهجس كيانه روحياً أو وجدانياًن لان ذلك النمط من الرقص قد أحاط به تماماً فهو في حال تواجد عرفاني. فالجسد هنا أداة معنى، والفعل هو المعنى،وصفاء الذات في استغراقها هناك هي مجاز المعنى. كأنه نمط من الإدراك لا تشتغل فيه الحواس بوظائفها التقليدية، إذ صار الأداء كله حاسة تعبر عن معنى يدركه الراقص لحظة الأداء ولا يدري حقيقته المتلقي،ولا يتحدد بصواب أو خطأ، بقدر الانفتاح الخيالي المحض على ارتفاع الإنسان على الحسي إلى الوجداني،وعلى العقلي إلى الروحي.
أما صحبة الغناء فيجنح الراقص فيها إلى الحواس؛ رقةً في الطبع وهدوءاً في الانفعال، وانفتاحاً على الآخر،وإدراكاً لتأثير حركية الجسد في بعض أوضاعه على القصد، وكأن حركية الجسد إذا انفتحت على إيقاعات الغناء في الكلام تحددت بشيء من المعنى في لفظ الغناء، في حين لا تتحدد في حال الموسيقى بمعنى مقصود لذاته، لان بإيقاعات الموسيقى فن خالص وهو أدل في التأثير والاستغراق اما إيقاعات الغناء فان الدلالة في كلمات الإيقاع توحي بتهدئة انفعالات الجسد، وتؤثر في استغراقه في رؤى عاطفية هادئة غالباً.
اما النزوع الوظيفي للرقص مصحوباً بالغناء أو مقترناً بالموسيقى فهو الذي يحدد المعنى ويوجه أغراضه ومعانيه العامة، ولهذا يُعنى كثيراً بالنزوع الوظيفي في كل مناحي الحياة، في الدين وفي السياسة وفي الاجتماع وفي التصوف وغير ذلك؛ في الدين يتم الأعداد لتحقيق أغراض معينة والتعبير عن معان مقصودة فيوظف الجسد والصوت واللحن في وعي المؤدي وفي وعي المؤدى إليه فيتشبع به المؤدي بعد ان كان تمثلّه ويتأثر به المتلقي انحيازاً لوعي ديني معين،وهذه حال نلحظها في بعض الأديان السماوية منها والأرضية.وفي السياسية يستثمر الرقص بالغناء وباللحن في الدعاية والتعبير عنها وفي الحرب والترويح لها؛اقناعاً لمعان وتنفيراً من معان أخرى. وفي الحياة الاجتماعية في الأفراح والأحزان؛تعد بعض الطقوس المبنية على حركات الجسد مصحوبة بالصوت أو اللحن أو أحدهما إبداعاً خيالياً وظيفياً لإقناع الناس بنوع من المعاني وأشكال من التفكير. وفي التصوف تجيء لغة الجسد عالماً خيالياً يوغل كثيراً في الأداء للإيحاء بنمط من المعاني، بما يكون الجسد فيها علامة والأداء معنى.
الخيال في الرقص يجدد الحواس، لانه يرتفع بحركات الجسد من مستوى كونها لغة إلى مستوى كونها كلاماً فردياً لمن يؤدي، ومن ثمة فان المعنى الصادر عن كل ذلك بالغ الثراء في معانيه وإيحاءاته.
أما لغة الجسد في كلام الرياضة، فان خيالها أقل تدفقاً عاطفياً وأقرب إلى الوعي الفني ذي المعطيات الإيحائية المباشرة؛ مجاز الحركة فيها أقل من أداء القصد المباشر، أنت في السباحة ذو خيال نفعي إذ تطفو على الماء بسبب تحريك يديك ورجليك، وفي الرمي معنّي بقواعد الإصابة في سكون النفس وانعدام الحركة لحظة الإطلاق، وفي ركوب الخيل ترفع الأنا مضمراً معنى الفروسية في توجيه الجواد لما تريد بقصد مباشر أو لهدف إمتاع الأنا،وهكذا في فنون الرياضة الكثيرة جداً.
في الرياضات التي على الأرض أو التي على الحيوانات أو التي معها،وفي تلك الرياضات التي على الماء أو فيه، وفي تلك التي في الجو، في الرياضات الفردية أو الجماعية، دائماً هناك قاعدة تواضع عليها الآخرون في تحريك الجسد، في توجيه طاقته باتجاه هدف ما، فالانجاز هنا بالتزام القاعدة، وتطبيق حدودها تحقيقاً للحد الموضوع للفائز، ولكن التمرين في الرياضة شأن آخر هو غير الأداء لحظة السباق؛ في التمرين خيال متعدد ومعنى واحد، وعند لحظة السباق للفوز في أي نوع رياضي هناك خيال فردي ومتعدد في آن معاً،وخيال الفنون الرياضية يرفع الحس ومجسات الإدراك على الخيال المحلق الفني إلاّ إذا أتصل الأمر بالحلم أو الطموح فهو ينفتح على(رغبات الأنا).ويبدو أن النزوع الوظيفي النفعي في فنون الرياضة، والالتزام بقواعد الانجاز عند التمرين وعند الأداء للفوز قد نأى بالرياضة عن الخيال الفني وأدخلها في الخيال النفعي المباشر بوظائفه المحددة القواعد.
في لغة الرياضة، يتكلم الجسد ضمن سياق المجموع أحياناً، وضمن سياقه المفرد أحياناً أخرى، ولكل من السياقين معانيه؛ ومنها ما يقوله اللاعب نفسه، ومنها ما يقوله المشاهد أو المتفرج، المعاني لدى اللاعب هي الانجاز واثبات الأنا وتحقيق بعض الرغبات الأخرى، وهي لدى المتفرج، التنفيس عن نزوعه الرياضي غير المنفذ في تلك اللحظة أو دائماً، والاستمتاع بقدرة الآخر على الانجاز، والإحساس بالانتماء إلى اللاعب في حال اللعب الجماعي بحسب الأوطان والأعراق والفنون، وهذه سمة في معاني الرياضة لا تتصف بالفنية قدر فاعليتها في إثارة النزوع الجمعي العرقي أو الطائفي، وقليلاً ما تثير نزوعاً فنياً.
ولعل أبرز ما يميز لغة الجسد في كلامها الرياضي ما يأتي:
-لا يحلق الخيال بعيداً في إبداع المعنى، ولا يستثير المشاهد بمنجزات الوعي المحض إلا قليلاً، لهيمنة الاهتمام بمكونات لغة الجس من نوع الغذاء إلى صحة العضلة وطبيعتها الفسلجية، إذ يصبح الجسد مادة تتكلم لتحقيق انجازات مادية مباشرة فحسب؛ والمدهش هنا هو ان هناك نمطاً من الناس لا يحس قول ما يريد جيداً إلا بهذه الطريقة من الأداء، وبهذا النوع من تحريك الجسد ورياضته، ولهذا يندر ان تجد رياضياً خطيباً مفوها أو شاعراً مبدعاً وقد يصبح بعد ترك هذا النمط من التعبير، لانه مسكون بالتعبير عن نفسه بهذه اللغة؛ هو يجد نفسه فيها وبها، ونحن مدعوون إلى احترام هكذا نوع من الناس، لان لغتهم منتجة، وان هيمن عليها الحس، لان الراسب في أبعادها خيال خصب. إذ نلحظ نشاط الجسد جزء/ حيوياً في موجهات المعنى ولكن الانجاز الذي يحققه هو المعنى كله، وتأثيره في المشاهد؛ مشجعاً كان أو خصماً هو معنى أيضاً، ولكنه وجه من وجوه المنافسة وهي أجلى معاني الرياضة في حال اتصافها بالحرفية الفنية، والفهم الإنساني الجميل لانجازات الآخر.
-ان كثرة الألعاب الفردية توحي بتوق (الأنا الرياضي) إلى الانجاز الفردي، والى التعبير عن الذات بمعزل عن جهد الجماعة، وهذا ما يفسر ان الخيال الفردي في هكذا رياضات أكثر تدفقاً منه في الجماعي، كأنه في الفردي يرتكز على ذاته أكثر فتتحفز مكوناته على الانجاز بشكل أكبر، اما في الجماعي فهو يستبطن عون الآخر أو يدخر عونه. ثم ان تطبيق القواعد في الألعاب الفردية واضح الأثر بين الانجاز اما في الجماعي فالفرد يطبق بمعونة الآخر المعاضد في الغالب، كما ان الجماعية تحرك المجموع الذي يشاهد تحريكاً حماسياً، لا تحققه الفردية بالتأثير نفسه.
-ان الحماس الانفعالي في رياضات الجسد الجماعية مثل كرة القدم أو السلة أو سواهما تنعكس على الجمهور المشاهد بسلبية أكبر؛ بما يكون فيه المشاهد منحازاً لمواطنيه أو بني عرقه أكثر من الأداء الفني الناجح إذا توفر لدى رياضي الخصم، وقد يصل انفعال المشاهد درجة من التشجيع يخرج فيها عن فطرته الإنسانية المسالمة إلى انفعالات تتصف بالتوحش تقسو على الآخر بألم؛ بما يشير إلى قوة حضور النزوع الوظيفي الانتفاعي وربما الانتهازي في الطبع الفني للرياضة وهو يجعل المعني الفني بعيداً، والخيال بمعطياته الإنسانية مُبْعدا.
-الجسد في الرياضة يشعر بنفسه فنياً ويحس بالآخر خيالياً، وحينئذ يحمل انجازه معاني الأداء الجمالي، إذ كلما انتسبت رياضات الجسد لفطرة طبعها الإنساني في التعبير عن نفسه،جاءت انجازاتها مدهشة،ولم يتعصب لها الآخر، ثم أنها ستبث معنى للمنافسة جديداً؛ وان التعصب الجماهيري العام لبعض الرياضات ولاسيما كرة القديم، يخرجها من التأثير الفني الإنساني النبيل إلى التعصب الاناني الالغائي الذي يقرأ المجموع بعين رغبته الانوية. إذ صار تأثيرها رمزياً في جماهيريته كالعلم في الدولة أو معنى خريطتها الجغرافية الواحدة، وهذا شكل من فهم الأداء الرياضي يجهل حقيقة معناه بعين من تعصب لا ترى بعمق؛تكتنز رياضات الجسد بخيال خصب،وتوحي بمعان مدهشة، ويلزمنا ان نتأملها بوعي الفن قبل تعصب الحماسة الالغائي غير المنتج.