أخي وصديقي العزيز الفنان ضياء السيد كامل

ما أشد وقع الغربة علينا نحن الذين أدمنا على حب العراق...

 

     أمس وفي المكان الذي أتلقّى فيه دروس اللغة الإنكليزية عرضوا لنا فيلما عن لاجئين من بلادنا.. عن مهندس شاءت ظروف التسعينات وقسوتها أن تلقي به وبصحبه على الشواطئ الاسترالية البعيدة.. وإذ سمعتهم ينطقون بلهجتنا العراقية الحزينة انفلتت من عيني دمعة صماء لم أحسن السيطرة عليها فتركتها تسيل الى مثواها.

 

قبل أمس جلست على حشائش الـ Elder Park وسط أعداد كبيرة من العوائل المهاجرة الذين تجمعوا للمشاركة في الاحتفال بيوم التآلف الثقافي harmony day وفجأة ظهر ،من بين الأعداد الغفيرة، صبي يلوح بعلمنا العراقي فامتلأت غبطة وفرحا وتساقطت دموعي بصمت.

 

اليوم فتحت صندوق رسائلي الالكترونية، وألقيت نظرةً خطفتها رسالةٌ أحسست بأنفاسها العراقية المضمخة بعطر البرتقال وشذى القداح وعبق بعقوبتنا. وما أن فتحتها داهمني صدحك الشجي وأنغامك التي أحببناها وأنت تداعب، بمحبة وأصالة، أوتار عودك الجريح ، وعلى الرغم مني غادرتني دمعة اشتياق لزمان جميل مضى.

 

جمعتنا يوما ما مسرحية (قطار الموت) أنا بكلماتي وأنت بموسيقاك والشباب بأجسادهم التي تخطت حدود الصمت إلى الصراخ.. أردناها أن تكون رحلة أخيرة نودع فيها الموت ونلوّح مبتهجين لاستقبال حياة جديدة أكثر حرية و بهاء وسعادة. أردناها أن تكون انطلاقة لمسرح جديد في مدينتنا.مسرح يمجّد فعل الخير ويجنح بناسه ومريديه نحو شاطئ المحبة والسلام.

نجحتَ بصبرك ودأبك في الوصول إلى ما وراء الصمت فأنطقته بأنغام استكملت معنى أن يكون الوطن ملاذا لمحبيه، ونجح الشباب في استكناه قدرة أجسادهم على بث شفرات الحياة إلى مستقبليها، وربما نجحت أنا، مثلكم، في توجيه المشاعر والمدارك نحو غاية طالما عملت من اجلها وسعيت للظفر بتلابيبها. كان الأمل كبيراً ومثله كان تفاؤلنا وايماننا بالوصول إلى عراق يعلو.. ولا شئ يعلو عليه.

شئنا ولكن الظلام بقسوته وارهابيته شاء أن يطفئ مصابيح ولادتنا الجديدة وأن يعبث بإرادتنا كما يحلو لمثله أن يعبث بها.

 اليوم يا صديقي هو السابع والعشرون من آذار وبه تكون أربع سنوات من عمرنا مضت إلى حتفها منذ ذلك (القطار).. أربع سنوات من الجراح ،من الغربة، من الأكاذيب الكولونيالية وحمى الطائفية ومن النزف العراقي الطويل.. كيف يتسنى لنا أن نلتقي ثانيةً، أن نجدد الفرح، أن نبعث الحياة من جديد، أن نمنح المسرح رئتينا ليتنفس بهما مرة أخرى في بعقوبتنا؟ الظلام كثيف يا صديقي ولكنني على الرغم منه أرى ملامح ذلك اليوم السعيد.

 

صباح الانباري