مسرحية
الوحش والكبش و نصب الحرية
شخصيات المسرحية
رجل 1
رجل 2
رجل 3
الكاتب
الممرض
رجال من المارينز
مجموعة رجال الموكب
بضعة رجال وأطفال من جرحى الموكب
المشهد الأول
زنزانة في سجن(أبو غريب) بقعة ضوء صغيرة تسلط،تدريجياً،على الكاتب فتفصله عن بقية الموجودات..الكاتب يمسك قضبان السجن متأملا شيئاً ما في البعيد،يمد يده اليمنى الى الأعلى فوق القضبان بحركة تشبه الى حد ما حركة المفكر السجين في نصب الحرية بينما يتحرك الرجلان جيئة وذهابا داخل الزنزانة الصغيرة..يتوقفان عن الحركة..ينظر بعضاهما الى بعض ثم يشرعان بالحركة ثانية..ينتبه أحدهما للكاتب فيتقدم منه..رجل 1 ينبهه بضربة خفيفة على كتفه الأيسر..يستدير الكاتب..ينظر في وجه رجل1 بصمت.
رجل1 : (بشئ من الارتباك) أخشى أننا سنظل هنا حتى تتعفن أجسادنا
الكاتب : (يعود الى وقفته بصمت،ثم)لا تخش على نفسك من العفن..وجودنا هنا مجرد وقت
رجل2 : (يقترب من الكاتب ينبهه بضربة خفيفة على كتفه الأيمن) كيف وقد مضى على وجودنا خلف هذه القضبان أكثر
من ستة اشهر
الكاتب : انتظر بضعة اشهر أخرى وستكون مطلق السراح
رجل2 : (باستفزاز)هل أنت من يقرر ذلك
الكاتب : (بانفعال)لا..ولكن اللعبة هكذا
رجل1 : لا تهمنا لعبتهم..ما يهمنا فقط أن نكون الى جوار...
الكاتب : (مقاطعاً) ستكون الى جوار من تريد
رجل1 : (محتدا) متى؟
الكاتب : عندما تنتهي فترة وجودك في المعتقل
رجل1 : ومتى تنتهي فترة وجودي في المعتقل
الكاتب : ألم أقل لك إنها بضعة اشهر حسب
رجل1 : حسن ليكن (يتقدم من الكاتب..ثم بصوت منخفض مشوب بتشكيك) كيف عرفت؟ ..هل أخبروك بشئ لم يخبرونا
به؟
الكاتب : (ببرود أعصاب)هم ليسوا بحاجة الى ذلك
رجل1 : (بإصرار) كيف عرفت إذن؟
الكاتب : ألم يحتجزوا واحدا من أقاربك أو أصدقائك أو معارفك بأي تهمة كانت؟
رجل1 : بلى..يوجد؟
الكاتب : حسن.. قل لي من من أقربائك كان محتجزا على ذمتهم
رجل1 : ابن أخي الكبير
الكاتب : وبأي تهمة احتجزوه؟
رجل1 : بتهمة(يحاول التذكر) بتهمة..أ..أ.. الحق أنني لا اعرف التهمة التي الصقوها به..لقد احتجزوه وحسب.
الكاتب : كيف؟
رجل1 : كان يسير مع صديق له قرب متجر صلاح العراقي لحظة داهموا المتجر فاعتقلوه
الكاتب : هل تعرف صلاح العراقي
رجل2 : (متدخلا) من منا لا يعرفه
الكاتب : وهل تعرف ما جرى له في سجن أبي غريب
رجل1 و 2 : اعرف
الكاتب : وهل تعرف أنهم أطلقوا سراحه
رجل1 : أعرف
الكاتب : هل سألت نفسك لماذا؟
رجل2 : (مرتبكا)لأنهم..لأنهم..لأنهم أطلقوا سراحه وحسب(بضيق واضح)من أين لي أن اعرف أسرارهم
الكاتب : أما أنا فأعرف....
رجل1 : (مقاطعا الكاتب بتعجب) تعرف أسرارهم!
الكاتب : نعم
رجل2 : هل سبق لك وان تعاملت معهم؟
الكاتب : كسجين؟..)فترة صمت).. نعم
رجل2 : لا أعني كسجين
الكاتب : هل تعني..(صمت..يتقدم من رجل2).. كعميل؟
رجل2 : (مرتبكا)هههمم لا..لا ليس بالضبط
الكاتب : لا عليك..لست محرجا أبدا..ولكن عليك أن تعرف أنني رجل لا يودون التعامل معه بأي شكل من الأشكال
رجل2 : (بثقة مطلقة) إنهم يتعاملون مع الجميع
الكاتب : إلا.. من هم على شاكلتي
رجل1 : لماذا؟
الكاتب : لمعرفتهم أنني اعرف ما يخططون وما يريدون
رجل1 : هل أنت سياسي أم صحفي أم...
الكاتب : (مقاطعا) بل أنا كاتب مسرحي
رجل1 : حقا؟
رجل2 : ولكنا لم نشاهد لك عرضا مسرحيا من قبل
الكاتب : لأنني لم أرحب بقدومهم، ولم اهتف بحياة من سبقوهم..السابقون منحوا واحدة من مسرحياتي جائزة
الإبداع، ورقيبهم رفض عرضها على أي مسرح من مسارحنا.. واللاحقون احتجزوني معكم قبل أن يبدأ عرض
مسرحيتي الأخيرة
رجل1 : أية مسرحية
الكاتب :شهوايات
رجل1 : تسمية غريبة بعض الشئ..هه.. يبدو أنك غير محظوظ
الكاتب : بل أنا محظوظ جدا
رجل2 : كيف؟
الكاتب : لأنني لم أبع نفسي لهؤلاء(يشير الى إدارة السجن) أو لأولئك(يشير الى مكان خارج السجن)
رجل1: حسنا فعلت
رجل2:(بحسم) دعونا من هؤلاء وأولئك(مقلدا إشارة الكاتب) ولنتحدث بما هو أهم
رجل 1: نعم(متذكراً)..كنا نتحدث عن أسباب اعتقالنا
الكاتب : (مصححا) بل عن فترة اعتقالنا
رجل2 : نعم..تذكرت..كنت تقول لنا انك تعرف متى يطلقون سراحنا
الكاتب : ليس بالضبط قلت أن وجودنا هنا مسالة وقت..بضعة اشهر ونكون خارج هذه الزنزانة
رجل1 : اعترف أنني لست ذكيا بما فيه الكفاية لأعرف حلَّ هذا اللغز المحير
رجل2 : وأنا أيضاً
الكاتب : ليس في المسالة أي لغز
رجل1 و2 : ماذا فيها إذن
الكاتب : لنقل اتفاقا غير معلن
رجل2 : (يفكر بصوت مسموع) اتفاق غير معلن..من.. اتفق.. مع من
الكاتب : هؤلاء (يكرر الإشارة نفسها) وأولئك
رجل2 : هؤلاء وأولئك ثانية..من هم هؤلاء ومن هم أولئك
الكاتب : يا رجل..أنت تواجه مخططاتهم كل يوم وتعاني من مجازرهم كل يوم وتسألني من هؤلاء ومن أولئك
رجل2: قلت أنني لست ذكيا حتى اعرف ما يريد هؤلاء أو أولئك(يقلد إشارة الكاتب)
الكاتب : هذا بسبب طيبتك فقط وبراءتك من أية تهمة
رجل1 : أنه ليس بريئا ما دام معتقلا..وأين!؟ في سجن (أبو غريب)..هه..يا أستاذ لا وجود لبرئ في هذا السجن
الكاتب : الى رجل1)هل زرعت، يوما، مفخخة في شارع ما؟
رجل1 : لا
الكاتب : هل قمت باغتيال احد ما؟
رجل1 : لا
الكاتب : هل شاركت بتهجير احد ما ؟
رجل1 : لا
الكاتب : هل اشتركت في اقتتال طائفي ما
رجل1 : لا
الكاتب : هل قاومتهم؟
رجل1 : نعم..نعم..هذه هي تهمتي..ألم أقل لك لا وجود لبرئ في
الكاتب : بل أنت برئ أيضا
رجل1 : كيف أكون بريئا ومتهما في آن؟!
الكاتب : أنا أقول لك..سألت احدهم مرة: ماذا تفعل لو تعرضت بلادك للاحتلال..قال:لن اجعل هذا يحدث على
الإطلاق..قلت له:إذن ما رأيك بهؤلاء الذين يقاومون احتلالكم..سكت الرجل ولم يحر جوابا
رجل1 : ماذا يعني هذا؟
الكاتب : يعني انك لم تقم إلا بما حتم الواجب عليك
رجل1 : ألا يعني هذا أنني خرقت قانون الاحتلال
الكاتب : نعم إن كان للاحتلال قانون
رجل1 : وما دمت قد خرقت قانون الاحتلال فانني بلا شك أشكل خطرا عليهم
الكاتب : نعم
رجل1 : وبما أنني أشكل خطرا عليهم إذن عليهم معاقبتي بتهمة المقاومة
الكاتب : نعم
رجل1 : إذن كيف سيطلقون سراحي؟
الكاتب : هنا مربط الفرس
رجل2 : عدنا الى الألغاز
الكاتب : المسألة ببساطة أنهم يطلقون سراحك لكي يبرروا إطلاق سراح غيرك
رجل1 : غيري؟..من تقصد
الكاتب : الظلاميون
رجل1 : ومن هم الظلاميون
الكاتب : ألا تعرفهم؟
رجل1 : آ ..آ..لا لا..اعني نعم
رجل2 : (لرجل1) قل إذن من هم وأرحني
رجل1 : إنهم..إنهم..أ..أ..الحقيقة أنني رجل بسيط لا يجيد غير المقاومة
الكاتب : (الى رجل2) أنا أوضح لك
رجل2 : سأكون مسرورا بتوضيحك يا أستاذ
الكاتب : دعني اطرح عليك أولا هذا السؤال
رجل2 : تفضل
الكاتب : إذا اعتقلوا كل المخربين وأودعوا كل إرهابي أو تكفيري السجن..من سيريق دماء أهلنا خارج هذه القضبان
رجل2 : (يفكر ثم) آ..يا لغبائي..(ثم بإطراء كبير)أنت رجل عبقري
الكاتب : المسألة لا تحتاج الى عبقرية
رجل2 : بل تحتاج..ثم ألا يعني هذا أنهم لن يعتقلونا مرة أخرى
الكاتب : لا..إلا إذا لم يعودوا بحاجة الى تبرير ما يرتكبون(ثم كمن تذكر شيئا) ثمة شئ آخر
رجل1 : ما هو
الكاتب : صلاح العراقي
رجل1 : ما به؟
الكاتب : اعتقلوه مرة أخرى
رجل1 : وأطلقوا سراحه أيضا
رجل2 : لماذا؟
الكاتب : لان الأخطر عندهم ليس صلاح العراقي بل ما يحمله صلاح
رجل1 : لم افهم
رجل2 : ماذا يوجد في صلاح ولا يوجد فينا
الكاتب : روح أدركوا أنها مختلفة وان عليهم القبض عليها
رجل1 : عماذا تتحدث بالضبط
الكاتب : عن روح هائمة تبحث عن مستقر لها داخل أجسادنا المضطربة
رجل1 : أتعني روح الحرية
الكاتب : بكل تأكيد..نعم
رجل1 : لكن المقاومة تعني الحرية أيضا
الكاتب : في جانب ما ..نعم
رجل1 : والجوانب الأخرى؟
الكاتب : ينبغي تسخيرها لاحتواء تلك الروح
رجل1 : وان سخرناها فعلا
الكاتب : سنكون مطلوبين لهم طوال عمرنا وإذ ذاك فقط سوف لن يطلقوا سراحنا من هذا السجن أو أي سجن آخر هنا أو هناك(يشير الى البعيد)
رجل1 : لكنهم أطلقوا سراح صلاح
الكاتب : نعم..لغاية في ذواتهم وقد أدرك صلاح هذه الغاية ولذا تعذر عليهم إلقاء القبض عليه مرة أخرى
رجل1 : حقا انك عبقري
الكاتب : يا رجل أنا مجرد إنسان بسيط مثلك
رجل1 : ولكنك تملك عقلا اكبر مني بكثير..أرجوك يا أستاذ عندما تخرج من هذا المكان اعمل على إيصال هذه الحقيقة للناس..اجعلهم يتعرفون على موضعها داخل كل منهم قبل أن يرتكبوا أية حماقات أخرى
الكاتب : لا عليك يا رجل..لن تتوقف محاولاتي أبدا وها أنا ذا اكتب نصي الجديد من اجل ذلك
رجل1 : هل اعتبر نفسي مدعوا لمشاهدة العرض
الكاتب : بالطبع نعم
رجل2 : (ممازحا) أعطونا مما أعطاكم الله
الكاتب : هذه الدعوة لك أيضا يا صديقي وللآخرين (يلتفت الى الجمهور) ولكم جميعا ولكن قبل كل شئ دعونا نفكر بالوسيلة
رجل 2: أية وسيلة!
الكاتب : وسيلتنا في إيصال أفكار النص
رجل 2: لم أفهم
الكاتب : حسن سأشرح لك(يتقدم منه) عندما نخرج من هذا السجن.كيف يتسنى لنا تقديم المسرحية ولن نجد ممثلا إلا واعتقلوه ولا مخرجا إلا وأودعوه
الحجز ناهيك عن اختفاء الآخرين في أماكن نجهلها
رجل 2: كيف ستقدم العرض إذن؟
الكاتب : (مفكرا) بواسطتكما
رجل 2: (مستغربا)بواسطتنا!..كيف؟
الكاتب : أنتما ستمثلان المسرحية
رجل 1: هكذا ومن غير أن تكون لنا أية خبرة في التمثيل!..مستحيل
الكاتب : لا مستحيل تحت الشمس كما قيل
رجل 1: هذا إذا كانت الشمس موجودة أصلا
الكاتب ولكنها موجودة فعلا
رجل 1: أين؟
الكاتب : داخل كل منا..أنظر الى دخيلتك فقط وستراها مشعة وساطعة وحارقة
رجل 1: (موسيقى..الرجلان يفكران بتأمل ثم) نعم..أكاد أراها..بل أستطيع لمس خيوطها الذهبية
رجل 2: وأنا أيضا(الى الكاتب) ما أروع أفكارك يا أستاذ..أنت تعرّفنا على أنفسنا كما لو كنا نجهلها فعلا
الكاتب : هكذا ستمثلان المسرحية
الرجلان: هكذا كيف؟
الكاتب : أحدثكما عن أفكاري وعما أريد فعله في المسرحية وما عليكما إلا أن تبحرا داخل نفسيكما لتجدا أن تلك الأفكار موجودة داخل كل منكما أصلا،وإذ ذاك،فقط،تصرفا بما تمليه عليكما ردود أفعالكما الطبيعية وهذا هو المهم
رجل 2: أظن أننا فهمنا ما ترمي اليه
الكاتب : وأنا متأكد من فهمكما لما أريد..هل أنتما جاهزان
رجل 2: أنا جاهز
رجل 1: وأنا أيضا
الكاتب : ليجلس كل على سريره(الرجلان يجلسان) ليغمض كل منكما عينيه(يغمضان)الآن انتبها لما أقول،وقبل هذا أريد منكما أن لا تفكرا بأي شئ غير الذي أقوله
رجل 1: هل تريد تنويمنا مغناطيسيا يا أستاذ؟
الكاتب : لست بحاجة الى هذا..افعل ما أقول لك حسب
رجل 1: حسن سأفعل
الكاتب : أريد منكما أن تتذكرا اليوم الذي دخل فيه المحتلون بلادنا بدعوى التحرير وكيف تركوا الحدود مفتوحة،بتعمد،لمن هب ودب وكانوا قادرين على إغلاقها مثلما أغلقوا حدود وزارة النفط..تذكرا ماذا حدث بعد ذلك،وتصرفا كما لو أنكما تواجهان الحدث نفسه لنرى مع هؤلاء الناس(يشير الى جمهور النظارة) ما حدث بالضبط..(كمن يوجه أمرا لمنفذي الإضاءة) إظلام(يظلم المسرح ونسمع من خلال الظلام صوت
الكاتب وهو يوجه أمرا آخرا)..أكشن
المشهد الثاني
حزمتان من الضوء تسلطان على رجل1 ورجل2 في أسفل يمين المسرح ويساره
رجل 2: (يقدم نفسه لجمهور النظارة)أنا منكم
رجل 1: وأنا أيضا
رجل 2: لسنا ممثلين ولكن أوصانا كاتب المسرحية أن....
رجل 1: (يقاطعه)لا علاقة لكاتب المسرحية بما نقدمه الآن
رجل 2: ألم يقل لنا...
رجل 1: (مكملا السؤال بآلية)تصرفا كما لو أنكما تواجهان الحدث
فعلا؟
رجل 2: أحسنت..ولكننا نواجهه الآن فعلا، إذن ما المطلوب منا الآن؟
رجل 1: لا عليك..سأتصرف كما ينبغي(يعدل هندامه ثم يوجه حديثه الى جمهور النظارة) سيداتي وسادتي دعونا ننقل
لكم ما حدث لنا في وضح أحد نهاراتنا(يقومان بالاستعداد للتمثيل..يرتبان المكان ويجلسان الى طاولة
مستديرة..يلعبان بطريقة إيمائية على إيقاع أصوات الدومينو..صوت انفجار قوي يهدم المكان عليهما مثيرا غبارا شديدا..تتوقف الحركة على خشبة المسرح.. وإذ تنجلي الغبرة نرى الرجلين وهما يسحبان نفسيهما من تحت الأنقاض بصعوبة)
رجل 2: (يتكلم بصعوبة بادية عليه) ماذا حدث لنا يا صديقي؟
رجل 1: (بدعابة) أمر بسيط جدا
رجل 2: (وهو يشير الى حجم الكارثة ساخرا) أكل هذا(مقلدا صوت صديقه) "بسيط جدا"
رجل 1: أعني أننا ما نزال على قيد الحياة،وان الأمر لم ينته بعد
رجل 2: هل أنت على ما يرام
رجل 1: نعم(منتبها ثم هامسا بسرعة) هسسس..اسمع
رجل 2: اسمع ماذا!؟
رجل 1: أصوات
رجل 2: أصوات من؟
رجل 1: لا أدري..ربما هي أصواتهم
رجل 2: من هم؟
رجل 1: الضحايا
رجل 2: لا أظن
رجل 1: إنها قادمة من هذه الجهة.. من بيت جارنا(يشير الى يمين المسرح..يزحف باتجاه الأصوات) أنا اسمع أنينهم..هل تسمعهم أنت أيضا؟
رجل 2: لا
رجل 1: اقترب إذن(رجل 2 يزحف حتى يصل الى جوار صديقه..ينظر من ثقب أحدثه الانفجار) يا الهي ما هذا..هل ترى ما أرى
رجل 2: نعم
رجل 1: اللعنة يحاول المارينز إجبارهم على القبول بأمر ما..يا لجاري المسكين(بدهشة وانفعال شديدين) يا الهي ما هذا!
رجل 2: ماذا أيضا
رجل 1: اللعنة إنهم يحاولون اغتصاب ابنة جاري على مرأى من أهلها
رجل 2: يا لها من فتاة شجاعة جدا..إنها تقاومهم بقوة غريبة
رجل 1: اللعنة على هذا الوحش الشرس..لقد مزق ثيابها
رجل 2: يا الهي ..لا(يصرخ)لا (صوت إطلاق ناري قوي..صمت)
رجل 1: لقد قتلوا شقيقها الصغير وهو يحاول تخليصها منهم
رجل 2: يا الهي لقد جردوها من ملابسها
رجل 1: أنظر..هذا والدها يهجم عليهم
رجل 2: إنه يشتبك معهم على الرغم من تلقيه ضربات مبرحة..لقد وصل الى ذلك
الوحش الذي يمسك بها بشراسة..لا..يا الهي(صوت اطلاقة أخرى..صمت)
رجل 1: الأنذال..قتلوا والدها أيضا
رجل 2: إنها ما تزال تقاومهم بقوة
رجل 1: ليتني أستطيع الوصول إليهم
رجل 2: ما العمل..ماذا يمكن أن نعمل من أجلها
رجل 1: آه..لو أنني أستطيع النهوض..هل تستطيع أنت
رجل 2: لا..أشعر وكأن جبلا يرقد على رجلي
رجل 1: إذن لا مفر من أن أفعل شيئا
رجل 2: وماذا تستطيع أن تفعل
رجل 1: سترى(يزحف مبتعدا الى الجهة الأخرى..يحاول إزاحة بعض ما تراكم من الأنقاض التي خلفها الانفجار مستعينا بما تبقى له من قوة ذراعيه)
رجل 2: الوحش يحاول افتراسها وأنت تبحث في كومة القش عن إبرة مفقودة..يا الهي إنه يضربها بقوة
رجل 1: (كأنه يحدثها)لا تستسلمي يا ابنتي..قاومي ريثما أستطيع الوصول
رجل 2: الى ماذا تريد الوصول وهذا الوحش لا يكف عن ضربها(صارخا) يا الهي لقد..لقد..لقد
رجل 1: ماذا حصل ها؟..قل أرجوك
رجل 2: لقد بدأت بالاستسلام..لم يعد ثمة ما يعينها
رجل 1: افعل شيئا أرجوك
رجل 2: ماذا أفعل وأنا برجلين معطلتين
رجل 1: ألا تستطيع الصراخ؟..اصرخ بهم..أوصل صراخك اليها..دعها تقاومهم بضع ثوان أخرى
رجل 2: وما نفع الصراخ وهم بلا حياء يمنعهم من فعل أي شئ
رجل 1: (وهو مستمر في البحث) افعل ما أقوله لك ..هيا..دعها تقاوم
رجل 2: (يصرخ بأعلى ما يستطيع)
رجل 1: أهذا كل ما تستطيع فعله يا رجل
رجل 2: ألا تكف عن بحثك في هذه القمامة
رجل 1: انظر لقد وجدتها
رجل 2: (دون أن يلتفت اليه) وجدت ماذا؟
رجل 1: وجدت ما يبعدهم عنها
رجل 2: هيا إذن..إنهم يمسكون بيديها ويباعدون بين ساقيها..لقد أفلتت الأم نفسها منهم
رجل 1: هل استطاعت الهرب؟
رجل 2: بل استطاعت الهجوم على الوحش..إنها تحاول تخليص ابنتها من يديه
رجل 2: آه..ما أشجعها..إنها تعض يديه بقوة..لقد ترك الفتاة تفلت من يديه
رجل 1: والأم
رجل 2: انه يجرها بشراسة ووحشية وهي ما تزال تعض يديه(صوت طلاقة نارية يعقبها صمت)
رجل 1: هل قتلها هي الأخرى
رجل 2: نعم
رجل 1: والفتاة
رجل 2: عاد وامسك بها مرة أخرى
رجل 1: لم لم تحاول الهرب بنفسها؟
رجل 2: حاولت ولكن الآخر تمكن من إلقاء القبض عليها،وها هو يقدمها للوحش(منتبها لرجل1) ماذا تفعل هناك وأنت تمسك هذه البندقية القديمة؟هل تنتظر أن يقوموا باغتصابها؟ لقد ألقى نفسه عليها بهمجية وجنون..إنه..إنه..إنه.....
رجل 1: (زاحفا نحو الفتحة بصعوبة بالغة..يزيح رجل 2 يضع فوهة البندقية في فتحة الجدار الضيقة)اللعنة لم أعد أرى..لقد سدت فوهة البندقية الفتحة كلها
رجل 2: ماذا تنتظر أطلق النار قبل أن يتمكنوا منها
رجل 1: ولكنني قد أصيبها بدلا منهم
رجل 2: لا خيار لك هيا أطلق النار..لا بد من إيقافهم..أطلق النار أرجوك(صارخا)أطلق
رجل 1: (يطلق النار..يستمر بالإطلاق حتى تفرغ البندقية ويخيم الصمت على المكان..تمر بضع ثوان قبل أن نسمع وقع أقدام تقترب..لحظة صمت تبدده صرخة قوية واقتحام مفاجئ للمكان..يدخل رجال المارينز..يوجهون أسلحتهم باتجاه رجل1و2 ..يسحلوهما الى منتصف المسرح..يقيدون أيديهم..يضعون على رأس كل منهما كيسا أسود..يجروهما الى خارج المسرح بينما تطفأ الأضواء تدريجيا)
المشهد الثالث
(الرجلان جالسان في الزنزانة نفسها كما في المشهد الأول..كل على سريره..الكاتب يتحرك بينهما جيئة وذهابا..يؤدي بعض الحركات..يتوقف في منتصف المسرح..يوجه حديثه للرجل 1و2)
الكاتب : أنتما هنا إذن لإطلاقكما النار عليهم
رجل 1: ليس بالضبط
الكاتب : ماذا تعني
رجل 1: اعني أنني لم اقل لهم هذا
الكاتب : ماذا قلت لهم إذن؟
رجل 1: قلت أنني أطلقت من أجل جر انتباه الآخرين إلينا، وإخراجنا من بين الأنقاض
الكاتب : وهل صدقوك
رجل 1: إنهم لا يصدقون أحدا
الكاتب : نعم هم هكذا دوما لا يصدقون أحدا
رجل 1: الآن..ما الذي ينبغي فعله
الكاتب : افعل ما قلته لك في المشهد السابق
رجل1 : المشهد السابق انتهى
الكاتب : إذن هيئ نفسك للمشهد اللاحق
رجل 2: وماذا عني؟ هل أكتفي بالبقاء الى جوارك يا أستاذ
الكاتب : بل عليك القيام بدورك في المشهد
رجل 2: كيف
الكاتب : بالطريقة نفسها(الى الرجلين) أغمضا عيونكم وانتبها لما أقول حسب..هل أنتما جاهزان؟
الرجلان: (معا) نعم
الكاتب : أنتما الآن في يوم عاشوراء..هل تستذكران ما حدث لكما في ذلك اليوم الحزين
الرجلان : (معا) نعم
الكاتب : ابدءا حالا إذن
الكاتب : (كمن يوجه أمرا)..إظلام..(يظلم المسرح)..أكشن
المشهد الرابع
(الرجلان يسيران بين حشد من الناس.. يندفعان باتجاه المكان الرئيس للمواكب الحسينية..رجل 2 يحمل ولده الصغير وأكبر أولاده يسير الى جانبه..خلفهما مباشرة يسير رجل 2..من بعيد تأتي أصوات العزاء هادرة بطريقة تجعل الأبدان تقشعر والقلوب تخشع..يمكن عرض فيلم سينمائي عن أحداث الطف بينما يتزاحم الناس على مشاهدة ما يجري)
رجل 1: كان الأفضل أن لا تصطحب ولديك..ألا ترى كم هو صعب السير وسط هذه الحشود
رجل 2: إنهما لم يشاهدا مثل هذه الأحداث من قبل..منذ منعونا من القيام بها
رجل 1: لو كنت مكانك لفضلت البقاء في البيت ومشاهدة الموكب من شاشة التلفاز حسب.وبهذا أجنب نفسي وأولادي هذا المشقة
رجل 2: يا رجل هذه المشقة مأجورة
رجل 1: مأجورة !أجرها على من؟
رجل 2: على أبي عبد الله
رجل 1: لكن الله فقط هو الذي يحتسب الأجور للناس
رجل 2: لا تسئ الى أبي عبد الله في يوم كهذا
رجل 1: أبو عبد الله أكبر من كل الإساءات..ولا داعي أن تذكر هذا علنا..ألا تعرف أنهم لو سمعوك لمزقوني إربا إربا
رجل 2: انك تستحق
رجل 1: ما هذا يا رجل..أنسيت انك صديقي وانك تعرف ما أنا عليه
رجل 2: أعرف انك لست على ما نحن عليه ولا تتورع من التقول علينا حتى في لحظات مقدسة كهذه
رجل 1: أنا لا أتقول على أحد،وإن كنت قد نهيتك عن جلب الأولاد معك فهذا من اجل سلامتهم فقط..ألا ترى أننا بالكاد نستطيع شق طريقنا وسط هذه الحشود؟
رجل 2: وماذا يعني هذا ها؟..ألا تعرف أن في كل خطوة ثواب؟
رجل 1: إن كان فيها ثوابا أم عقابا..لا أريد منك أن تفكر بهذه الطريقة
رجل 2: حسن إذن دعنا نشاهد ما يجري..لقد بدأت (التشابيه)
رجل 1: أنظر الى هؤلاء الصغار إنهم كالورود
رجل 2: هؤلاء هم أولاد مسلم عليهم السلام (أولاد يرتدون الملابس الخضر الأنيقة والزاهية وهم يقادون إلى
حتفهم وقد ربطوا على التوالي بسلسلة حديدية)
رجل 1: اعرف أنهم أولاد مسلم،وان شمر سيمنع عنهم الماء..ها هو الشمر قد أتى(يرتدي شمر بن ذي الجوشن
الملابس الحمر وهو يلوح بسيفه الضخم..ينقض على آنية الماء التي تقدم للأولاد فيسقطها أرضا)
يا لقسوتك يا شمر
رجل 2: لنرجمه بالحجر إذن
رجل 1: وما ذنب الرجل الذي وافق على تمثيل دور شمر..أنسيت أن هذا كله تشبيه حسب
رجل 2: إنك لا ترى ما أرى
رجل 1: ما الذي تراه أنت ولا أستطيع رؤيته أنا
رجل 2: ما أقسى قلبك يا رجل..أيزيدي(نسبة الى يزيد بن معاوية) أنت!
رجل 1: أتراني على هذه الدرجة من قبح السلوك يا صديقي!
رجل 2: لقد امتنعت عن رجم الشمر فماذا ننتظر منك أكثر من هذا
رجل 1: قلت لك إن شمراً مجرد رجل مثلنا يقوم بما طلب منه تشبيها لحالة معروفة
رجل 2: (يتناول حجرا يرمي به الشمر..يفعل الآخرون مثله..عشرات الأحجار
تنهال على الشمر من جانبي الموكب..الشمر يحاول تلافيها بالترس. يصاب رجل1 بحجر فيسقط مضرجا بالدم..يتقدم رجل من بين الحشود بطريقة مريبة..يشق طريقه وسط الناس..يقف قريبا من رجل2..يفتح أزرار سترته مفجرا حزامه الناسف بين الجموع التي راحت تتناثر أجزاؤها في كل مكان..يصاب الشمر بعدد من الشظايا فيخر صريعا،وكذا حال بعض أولاد مسلم الذين راحوا يتلوون أو يرتجفون جراء الدم المتدفق بغزارة من جروحهم الكثيرة..يضطرب الموكب..ترفع الجثث
وبقايا اللحوم المتناثرة،ويستأنف الموكب مسيرته على إيقاع الطبول
والدفوف بينما تطفأ الأضواء تدريجيا)
المشهد الخامس
تفتح الأضواء تدريجيا..بقعة ضوء تتوهج على سرير رجل1 فيستيقظ من نومه..يلقي نظرة بانورامية على المكان..عدد من الأسرة يرقد عليها جرحى التفجير..الأطباء يعملون لهم ما يلزم..رجل1 ينهض..يتقدم الى مقدمة الخشبة)
رجل1:(الى جمهور النظارة) أكان هذا مجرد كابوس مريع!؟..أم هو ما حدث لنا فعلا..أللعنة..لم أعد أميّز بين ما نقوم به من تمثيل وبين ما يحدث لنا فعلا..لقد التبس علي الأمر..سأحاول أن....(يستدير لكنه يتوقف فجأة صامتا إذ يرى الجرحى على أسرة المستشفى ثم الى الجمهور) هذه الوجوه أعرفها..أليس هذا ابن صديقي؟!(يصمت..يتذكر)..إنه هو بالتأكيد..ولكن أين والده؟وأين شقيقه الصغير؟..(صارخا بقوة)..لا..لا يمكن..لم يكن الأمر حقيقيا(يتقدم منه أحد الممرضين)
الممرض: تعال معي رجاءًا
رجل 1: معك الى أين؟
الممرض: الى سريرك طبعا
رجل 1: سريري ليس هنا..سريري حيث....
الممرض: ولكنك مصاب
رجل 1: (بذهول)أنا مصاب؟
الممرض: نعم
رجل 1: هذا يعني أن الحدث كان واقعيا الممرض:نعم
رجل 1: وأين صديقي الذي....
الممرض: (مقاطعا)البقاء في حياتك يا رجل
رجل 1: ماذا تقول..أنت تهرف بما لا تعرف
الممرض: الذي أعرفه أنا هو انك أصبت خلال الموكب وان علي العناية بجرحك هذا(يشير الى الجرح)
رجل 1: (مرددا بآلية) جرحك هذا(منتبها)هل يعني أنني جرحت معهم في الـ.....
الممرض: نعم
رجل 1: ولكن الأمر كان مجرد تمثيل
الممرض: صدقت لقد صارت حياتنا كلها تمثيل في تمثيل
رجل 1: هذا غير ممكن دعني أرى الكاتب
الممرض: يبدو أن حرارتك قد ارتفعت ثانية..منذ جئنا بك الى هنا وأنت لا تكف عن مناداة الكاتب.. دعني أضعك على السرير أولا
رجل 1: أريد الكاتب..أريد الكاتب..أريد الكاتب(تطفأ الأضواء)
الكاتب : (تفتح الأضواء..رجل 1 ما يزال مرددا جملته الأخيرة)اهدأ يا رجل..أنت هنا معي..وأنا معك
رجل 1: أ أ أأنت الكاتب؟
الكاتب : ومن تراني
رجل 1: ها(مرتبكا)..أأعني أنت الكاتب
الكاتب : ومن سيكون غيري
رجل 1: ولكن..
الكاتب : لا عليك يا رجل..اهدأ..لقد كانت ردود أفعالك طبيعية حد انك بدأت تتوهمها
رجل 1: حسنا ..حسنا..ولكن أين صديقنا الـ....
الكاتب : فقط انظر الى هناك(يشير الى سرير رجل 2)
رجل 1: (باسترخاء) حمدا لله أنك لم تمت
رجل 2: ما هذا يا رجل..لا تدع ردود أفعالك تجرك الى الاستيهام
رجل 1: وهل يمكن خلاف هذا
رجل 2: نعم..أنسيت أننا نتبع ردود أفعالنا حسب
رجل 1: يبدو أنني نسيت فعلا..أنا آسف
الكاتب : لا عليك يا رجل..دعنا نكمل ما بدأنا..
رجل 1: مهلا (ينصتون) ثمة أصوات تقترب..إنها أصواتهم على ما يبدو
رجل 2: ماذا وراءهم هذه المرة
رجل 1: لننتظر ونرى(يقتحم رجال من المارينز الزنزانة على نحو سريع ومريع)
الأول : أنتِ..تعالي إلى هنا
الكاتب : ماذا تريدون
الأول : لا نريدك أنتِ بالطبع..هيه أنتِ تعالي بسرعة
رجل 1: (يعرف انه هو المقصود وليس رجل2 فيعيد مكررا)هيه أنتِ ..تعالي إلى هناك
رجل 2: هناك أين؟
رجل 1: هناك هنا
رجل 2: (يشير بيديه)هناك..هنا..لم أفهم
رجل 1: (الى رجل المارينز) انه لم يفهم..كيف تستطيع أنت إفهامه
الأول : إفهام من؟
رجل 1: إفهامه هو بالهناك
الأول : وما شأنه
رجل 1: شأنه بالهناك؟
الأول : نعم
رجل1 : شأنه شأني
الأول : وما شأنكما
رجل 2: صديقي يعني أن لا شأن لنا بهناك
الثاني :(متدخلا لحسم الموقف)أنتِ تعالي الى هنا
رجل 2: (ضاحكا) إنها ليست هنا
الثاني : أنت (إشتح)
رجل 2: أين تريدني أن (إشتح)
رجل 1: عليك أن تعرف(مقلدا الثاني)..ألم (تشتح) من قبل
الثاني : (يمسك بتلابيب رجل1ويجره بقوة)أنتِ
رجل 1: نعم ..أنا أشتح وليس هو
الثاني : سأعلمك كيف تشتح
الكاتب : (متدخلا) ما الأمر؟
الأول : (يصرخ بوحه الكاتب) إشتح (يجرون رجل1 عنوة ويخرجون)
رجل 2: لماذا أخذوه
الكاتب : لغاية ما
رجل 2: ما هي
الكاتب : سنعرف فيما بعد
رجل 2: والمسرحية؟
الكاتب : سنكملها معا..أنا وأنت
رجل 2: كيف
الكاتب : كما في المشاهد السابقة(يتقدم منه..يضع يده على رأسه ثم يقول له بصوت مؤثر) أغمض عينيك ودع ذاكرتك تقودك الى الوراء..الى اليوم الذي كنت فيه تحت نصب الحرية.
المشهد السادس
{صورة نصب الحرية تغطي خلفية المشهد وتتداخل مع ما يعرض أسفلها من صور سينمية إن شاء المخرج ذلك}
رجل 2: (الى رجل يقف الى جانبه سنطلق عليه تمييزا رجل3) ما الذي يجري هنا بالضبط،ولماذا يتجمع الناس تحت نصب الحرية؟
رجل3 : هل أنت أمّي
رجل 2: لا..لماذا؟
رجل3 : لماذا لم تقرأ إذن؟!
رجل2 : أقرأ ماذا؟
رجل3 : الورقة
رجل 2: أية ورقة؟
رجل3 : تلك التي هناك(يشير الى ورقة ملصقة على جدار إحدى ركيزتي النصب)
رجل2 : أهي مهمة حد التزاحم من اجل قراءتها؟
رجل3 : ماذا دهاك يا رجل..أتظن أمر النصب هيّناً الى هذه الدرجة؟
رجل 2: وما علاقة النصب بالورقة
رجل3 : هل أنت عراقي؟
رجل2 : طبعا..هل يحتاج هذا الى سؤال!
رجل 3: قل هذا لنفسك إذن
رجل 2: عفوا لم أفهم
رجل 3: (غاضبا) الورقة من جماعة لها مصلحة في تفجير نصب
الحرية..ها هل فهمت!؟
رجل2 : ألا لعنة الله على من يفكر بأمر كهذا(لنفسه) أتعتقد أن هذه الورقة لها علاقة بوجودهم هنا أيضا
رجل 3: وجود من؟
رجل 2: المارينز
رجل3 : هل رأيتهم
رجل3 : نعم
رجل2 : أين
رجل2 : حول الساحة وهم في حالة تأهب تام
رجل3 : ولم هم متأهبون..أهو حرص منهم على النصب
رجل2 : ظاهريا..نعم..وباطنيا يتمنون إزالته اليوم قبل الغد
رجل3 : لماذا؟
رجل2 : أنظر الى هناك
رجل3 : هناك..أين؟
رجل2 : الى النصب
رجل3 : أنا أنظر
رجل2 : ألا تفهم ما تنطق به كل قطعه من قطعه
رجل3 : ليس كثيرا
رجل2 : إذن انظر من اليمين الى اليسار وتوقف عند منحوتة المرأة التي تحمل مشعلا وكأنها تحلق به الى الأعلى من مركز النصب
رجل3 : ها أنا ذا أنظر
رجل2 : قل لي.. بماذا تشعر
رجل3 : أ .أ.أ.. أشعر بشئ لا أستطيع تفسيره لك
رجل2 : وماذا أيضاً؟
رجل3 : أكاد أراه في دخيلتي ولكنني...
رجل2 : (مقاطعا)عظيم
رجل3 : من؟
رجل2 : الذي تراه في دخيلتك
رجل3 : إنك تحيرني
رجل2 : لماذا؟
رجل3 : لأنك تجعلني أرى ما لم أره من قبل
رجل2 : نعم..هذا بفضل الكاتب
رجل3 : أي كاتب؟
رجل2 : كاتب المسرحية
رجل3 : (باستغراب) أية مسرحية
رجل 2: مسرحية..أ..أ..الحقيقة لا اعرف اسمها بعد لكنني أقوم
بالتدريب عليها
رجل3 : أين؟
رجل2 : هنا
رجل3 : هنا!!هاهاهاهاها..اعتقدت انك رجل........
رجل2 : (مقاطعا بسرعة) أنظر
رجل3 : ماذا
رجل2 :(يشير الى رجل قادم من وراء الحشد) من ذاك ولماذا يشق الجمع بحماس مريب؟
رجل3 : (ينظر باتجاه الرجل مرتاباً)لا بد أنه
رجل2 : إنه من؟
رجل3 : واحد منهم
رجل2 : من هم؟
رجل3 : الذين يريدون تفجير النصب
رجل2 : هيا لنوقف هذا المجنون..(صارخا) انبطحوا أرضا هذا رجل مفخخ (ينبطح الجميع على الأرض..الرجل المفخخ يستمر بالاندفاع نحو قاعدة النصب..يتبعه رجل2 ورجل3 وبضعة رجال آخرين..يحاصرون المفخخ في دائرة ضيقة..يرمون بأنفسهم عليه..وفي اللحظة التي يغطونه بأجسادهم يسحب حزامه الناسف فتتطاير أشلاؤهم متناثرة في فضاء المكان..تطفأ الأضواء ويسود الصمت.
المشهد الأخير
تفتح الأضواء..رجل2 ما يزال على سريره..يتلوى..يتألم..يصرخ بقوة..يحاول الكاتب تهدئته وتخليصه من حالة الاستيهام التي تلبسته..ينتبه لنفسه)
رجل2 : حمدا لله أن النصب ما يزال بخير
الكاتب : للنصب رجال تحميه فلا تقلق
رجل2 : هل عاد صاحبنا ؟
الكاتب : ليس بعد..لكنه سيعود حتما
رجل2 : معك حق..لا بد أنهم قد انتهوا من استجوابه الآن(ينهض) قل لي يا أستاذ..لماذا لم يحققوا معك حتى هذه
اللحظة..أتراهم يبيتون لك أمرا
الكاتب : لا تقلق بشأني
رجل2 : كيف لا اقلق
الكاتب : لأنهم لا يعرفون ما أعرف
رجل2 : ولكنهم...(يتوقف عن الكلام فجأة..يتنصت..ثم الى الكاتب) هل تسمع ما أسمع
الكاتب : (بلا مبالاة)أهو ضجيجهم مرة أخرى؟
رجل2 : نعم
الكاتب : ربما جاءوا بصاحبنا
رجل2 : ربما
الكاتب : لقد اقتربوا ..هل تستطيع رؤيته معهم
رجل2 : كلا(يحدق جهة الصوت) انه ليس معهم
الكاتب : هذا يعني أن دورك في التحقيق قد حان وربما هو دوري
{يتوقفان عن الكلام ..ينظران الى جهة الصوت..يتراجعان الى الوراء قليلا..يقتحم المارينز المكان كما في كل مرة وهم يشهرون أسلحتهم بوجه رجل2 والكاتب..يمسكون رجل2..يقيدون يديه..يغطون رأسه بكيس أسود..وبكعوب بنادقهم يدفعونه الى خارج المكان.
موسيقى..بقعة ضوء صغيرة تسلط،تدريجيا،على الكاتب فتفصله عن بقية الموجودات..الكاتب يمسك قضبان السجن..يرفع يمينه الى ما فوقها بحركة تشبه حركة المفكر السجين في نصب الحرية..موسيقى مارش..أو موسيقى (موطني)
يصعد الى الخشبة رجل من بين الناس يمسك القضبان الحديدية داعماً الكاتب كما في نصب الحرية أيضا..تظهر صورتهما مكبرة على الشاشة..ومن عمق الشاشة يتقدم الجزء نفسه من نصب الحرية حتى تمتزج صورته بصورة الكاتب..تستمر الموسيقى..تتوقف الصورة في الشاشة مع بقاء تشكيلة الكاتب والرجل ثابتة على خشبة المسرح حتى النهاية.