السيدة العانس
مسرحية من فصل واحد
راهيم حسّاوي
مقدمة:
يُفترض أن تكون هذه المسرحية مكوّنة من عدد كبير من الفصول
وهذا النص يمثل الفصل الأخير لتلك الفصول
وذلك لأننا لا ندرك من حياتنا شيئاً سوى الفصل الأخير
فحياتنا التي نحياها هي عبارة عن فصل أخير لفصول ما قبل الولادة.
الإهداء:
إلى الذي ينقلب وجهه إلى قوس قزح وهو خلف عربة القمامة ذات العجلات الثلاث
إلى الذي يتعامل مع القمامة بودٍ وإخلاص
إلى عامل النظافة : ( م . أ )
راهيــــم حسّــــاوي
الشخصيات:
1- سيد متجر الأحذية
2- الأرملة العوراء
3- ابن القبو
4- ابن القمل
5- السيدة العانس
متجر أحذية, بجدران متشققة , رمادية اللون ,وباب رئيسي ,فوق الباب الرئيسي نافذة صغيرة بزجاج مكسور, وعلى اليمين باب غرفة صغيرة خاصة بسيد المتجر.وعلى اليسار باب قبو خاص بابن القبو. وفي الوسط وعلى امتداد جدار الباب الرئيسي توجد رفوف عليها أحذية مختلفة الأنواع يغلب عليها اللون الأسود. أمام غرفة سيد المتجر الخاصة توجد طاولة خشبية تصدر صريراً إذا ما تعرضت لحركة ماْ وعلى الطاولة سجل كبير وخلفها كرسي خشبي بأربع أرجل إحدى هذه الأرجل مكسورة , تسبب عدم اتزان الكرسي.
(يدخل رجل في الخامسة والخمسين من العمر , ممتلئ الجسد متوسط الطول , يميل للصلع , له عينان عسليتان كبيرتان , يظهر على وجهه بعض التجاعيد , يعاني من آلام في الظهر , يرتدي معطفاً بنياً وبنطالاً اسود , وقميصاً ابيض واسعاً ومخططاً بالبرتقالي , ينتعل حذاءاً ابيض غريب الشكل قليلاً, يحمل مظلة صفراء .
سيد المتجر:(بتذمر) أكاد اقسم أن هذا العالم قد أوشك على النهاية . سيول , فيضانات , رعود
بروق , كل شيءٍ يشير إلى ذلك . تباً لهذه المدينة الخرقاء , إنها مدينة مشؤومة حقاً.
كل شيء ٍ فيها يبعث على التعاسة , كلاب جائعة ,خفافيش هرمة ,جرذان غبية ,قطط
غبية , أطفال مشوهون , رجال شبه موتى , نساء قبيحات الشكل ,تباً لذلك .
( يخلع معطفه , يضعه على الكرسي , يغلق المظلة, يضعها على الطاولة )
نساء قبيحات! إلاّ أنهن ممتعات حقاً. (يبتسم ببطءٍ).
الأرملة العوراء ! الأرملة العوراء ! صحيح أنها عوراء ,إلا أنها في الفراش تنقلب
إلى حوتة, حوتةٌ تريد أن تبتلع ماء البحر بصخره وملحه. (فجأة) كفاك نوماً أيها
الجرذ المشوه , يا له من خادم يثير البُصاق في فمي (يبصق) تباً له (ينظر إلى
أرضية المتجر ) مازال المتجر وسخاً مثل وجهه (يتحسس بأصابعه الأحذية فيلاحظ
الغبار فوقها)
يالكسله ! ويا لإهماله . وكم يستحق الحرمان ويستحق العقاب .
(يتجه نحو باب القبو , يفتح باب القبو , ينظر إلى الأسفل)
(بغضب) هيه ,أنت , أيها الخادم الكسول , أيها اللقيط ,يا ابن القبو,هيا اصعد إلى هنا
حالاً . تباً لك ولهذا القبو المظلم . وتباً لقطك العجوز, هيا اصعد حالاً .
(يصعد ابن القبو من باب قبوه,وهو شابٌ في الثالثة والثلاثين من العمر قصير القامة
نحيل الجسد, له عينان عسليتان وصغيرتان ,وأنف صغير ,توجد بقع كبيرة على
رأسه بلا شعر (ثعلبة ) يرتدي قميصاً متسخاً وضيقاً وبزرين مغلقين واحد في وسط
القميص والآخر عند الرقبة , وبنطالاً اسود وضيقاً وقصيراً , حافي القدمين).
ابن القبو: (بهدوء) أرجو المعذرة يا سيدي لم أستطع النوم حتى ساعة متأخرة من الليل
سيد المتجر:(مقلداً باستهزاء) ساعة متأخرة من الليل
ابن القبو: (بهدوء) أجل يا سيدي
سيد المتجر:خادم معتوه مثلك مع قط هرم في قبو حقير,كيف له أن يسهر لساعة متأخرة!
ابن القبو: (بحزن) القط يا سيدي
سيد المتجر:(بسخرية) ما به
ابن القبو: (بحزن) إنه لا يموء يا سيدي, منذ ستة عشر يوماً ونصف اليوم وهو على هذه الحالة
لا يموء.(سيد المتجر لا يكترث لحديث ابن القبو,وينشغل بالنظر إلى رفوف الأحذية)
في بداية الأمر ياسيدي اعتقدت أنه يتظاهر بالغموض, وفيما بعد ظننتُ أنه يلعب معي
لعبة الصمت ,ولكن المواء لا علاقة له بالصمت ياسيدي , لقد خيّل لي أنه حرك رجله
اليسرى, وكيف لا يحركها وهو لم يتجاوز التسعين بعد , لا لا لم يخيّل لي بل أنا شبه
متأكد أنه حرك رجله اليسرى , منذ أربعة أيام وبينما كنت مستغرقاً في النوم سمعت
صوت مواءٍ فعرفت أنه يستغل فترة نومي ويأخذ حاجته من المواء, وبهذا يجعلني
أعيش بدوامة , هكذا اعتقدت (بحزن شديد) لكني فيما بعد تظاهرت بالنوم أكثر من
مرة . فتأكدت أنه لا يموء (يفكر) ربما شعر بأني لست نائماً فلم يمؤ.
لكنه....لكنه....لكنه حرك رجله اليسرى نعم حركها....ومنذ أيام
سيد المتجر:(يقاطعه بغضب) تباً لك ولقطك الهرم , لماذا لم تعد تهتم بواجباتك أيها
الخادم الرديء , هيا تعال وقف هنا (يقف ابن القبو أمام الأحذية مطرق الرأس)
أقسم إني سأطردك إذا تكرر هذا الإهمال وسأحرمك من وجبة غداء هذا اليوم ,
وسأحرمك من رؤية ابن القمل هذا اليوم ,بل هذا الأسبوع
وسأجعل سيدته العانس تطرده هو أيضاً , إنكما وجهان لحذاء واحد
هيا قم بإنزال الأحذية من على رفوفها وامسحها جيداً قبل أن يبدأ قدوم الزبائن,
ثم تباً لزبائن هذه المدينة إنهم معتوهون وأشباه موتى .
(يقوم ابن القبو بإنزال الأحذية من على رفوفها ومسحها بحركة بطيئة,بينما يقوم سيد
المتجر بالجلوس على كرسيه خلف طاولته ).
هيا أسرع , عليك أن تنتهي قبل مجيء الأرملة العوراء
هيا أسرع أكثر (يسرع ابن القبو بمسح الأحذية).
ابن القبو: (محدثاً نفسه) القط لا يموء! منذ ستة عشر يوماً ونصف اليوم والقط لا يموء!
سيد المتجر:(محدثاً نفسه) لا شك أنها ستأتي,بقي لديها ولدان مازالا
حافيا القدمين.
ابن القبو: (بهدوء) ولد واحد يا سيدي
سيد المتجر:(بدهشة) ماذا ؟!
ابن القبو: ولد واحد بلا حذاء
سيد المتجر:(يقف مستغرباً ,يدور حول ابن القبو) كيف هذا ؟
(يشير بأصابعه) واحد ,اثنان ,ثلاثة ,أربعة, خمسة, ستة, سبعة ,ثمانية ,تسعة
نعم تسعة أولاد هل تذكر العاصفة الثلجية
ابن القبو: لم أشعر بها, كنت أنا والقط مستغرقين بالنوم ,كان الدفء يملأ القبو
سيد المتجر: منذ فترة أعطيتها خمس أزواج, بقي لديها أربعة أولاد بلا أحذية
(يعد الأصابع الأربعة من يده اليمنى) واحد..اثنان..ثلاثة..أربعة . وبعد ذلك جاءت
وأعطيتها زوجين من الأحذية ,وهكذا يكون (ينزل أثنين من أصابعه) يكون قد بقي
اثنان من أولادها بلا أحذية . وليس واحد أيها الغبي .
ابن القبو: (بهدوء) واحد منهم كسيح يا سيدي .كسيح لا يحتاج لحذاء
(صوت رعد شديد , صمت)
سيد
المتجر:(باستغراب) ومن قال لك ذلك؟
ابن القبو: هي قالت لك ذلك حين كنتما معاً في الغرفة,صوتها كان عالياً تسلل من
ثقب باب
غرفتك هذه إلى صمت القبو وظلمته
سيد المتجر: وهل سمعت كل شيء؟
ابن القبو: لا يا سيدي, كنت مستغرقاً بالنوم
سيد المتجر:(بغضب) وكيف سمعت إذن؟
ابن القبو: القط يا سيدي, أيقظني حين كانت تقول لك أن أحد أولادها كسيح , كانت تقولها بفرح
ونشوة , لبعض الكلمات منقارٌ يشبه منقار نقار الخشب . منقار يستطيع أن....
سيد المتجر:(يقاطعه) كفى كفى هيا امسح الأحذية جيداً واختر حذاءاً لابنها ,ليكن حذاءاً جيداً إنها
تستحق ذلك
(يعود سيد المتجر للجلوس على كرسيه خلف طاولته ,يدقق السجل,ينتفض من
كرسيه ,يعد الأحذية ,يعود إلى السجل ,يقوم بإعادة عد الأحذية ,يرمق ابن القبو
بنظرات ثاقبة وهو يهز رأسه)
ابن القبو: ما بك يا سيدي ؟
سيد المتجر:هناك فردة حذاء نسائية مفقودة ,كعادتك أيها المعتوه ,إنك تمطرني دهشة , ماذا تفعل
بفردة حذاء نسائية في دهاليز قبو مظلم كظلمة ماضيك؟
لا أعرف ما السر الذي يمنعني من طردك من هذا المكان , ولكن سأطردك ذات يوم
(ابن القبو صامت ,مطرق الرأس , لا يحرك ساكناً)
هيا انزل إلى جحيمك وأحضر فردة الحذاء إلى هنا
(ينزل ابن القبو إلى القبو بخطوات متثاقلة)
فردة حذاء نسائية ! قط هرم ! قبو مظلم أقسم إن هناك شيئاً ما يدور
في دهاليز هذا القبو المظلم
(يمسك رأسه بكلتا يديه وكأنه يتألم )
أي فلاح حقير قد اختار رأسي وراح يزرع فيه مزارع الفلفل الحاد
وأية بوصلة شمطاء حثت ثعابين الليل على الزحف نحو أوردتي
(يتجه نحو باب القبو)
وأي شيء يفعله ابن القبو بفردة حذاء نسائية ؟ (يمد رأسه نحو باب القبو )
هيا أسرع أنت وفردة الحذاء إلى هنا , هل تسمعني؟ إني لا أرى شيئاً,
أخاف أن يكون ندائي هو أيضاً لا يبصر شيئاً في ظلمة هذا القبو
(يعود إلى مكانه)
كلما نظرت إلى ظلمة هذا القبو أشعر وكأنني أنظر إلى عين الأرملة العوراء
(يصعد ابن القبو وهو يحمل فردة الحذاء براحتيه, يمسك سيد المتجر فردة الحذاء
يتأملها يرمق ابن القبو بنظرة حادة ,ينظر في داخلها ,يرمق ابن القبو بنظرة غريبة
يضع أصبعه بداخل الحذاء, يخرج أصبعه, يشم أصبعه , بحركة مفاجئة يصفع ابن
القبو بالحذاء على وجهه يغطي ابن القبو رأسه بكلتا يديه تفادياً للضربات).
ابن القبو: (بحرقة) أرجوك يا سيدي دع الحذاء ومن فيه, دع الحذاء واضربني بأي شيء تريده
فقط دع الحذاء أرجوك , سيموت الجنين دعه يرى ظلام القبو
سيد المتجر:سأوجعك ضرباً كما توجعني ألغازاً وحيرةً
ابن القبو: (بحزن) كفى لقد تحطم كل شيء , كفى يا سيدي , لقد مات
سيد المتجر:(وهو يلهث) حسناً في المرة القادمة سأحطم لك هذا الرأس, وسأمزق الحذاء
على جلدك
ابن القبو: حطم رأسي ,مزق الحذاء على جلدي, ولكن دع محاولاتي وشأنها
سيد المتجر:(بسخرية) محاولاتي وشأنها ! هيا اغرب عن وجهي لا أريد رؤيتك ,
محروم أنت من وجبة العشاء (بحدة) بل محروم من الطعام حتى..حتى(يفكر)
حتى يموء قطك الهرم.
ابن القبو: إنه لا يموء يا سيدي , منذ ستة عشر يوماً وأكثر من نصف اليوم وهو لا يموء ,
لكنه حرك رجله اليسرى
سيد المتجر:إذا كان يجب على أحد أن يموء فهو أنت, فلمَ لا تموء بدلاً عنه؟ هيا انزل إلى قبوك
ومؤ كما تشاء.
(يمسك ابن القبو فردة الحذاء, ينظر في داخلها , يضعها على احد الرفوف ثم ينزل
إلى القبو , صوت رعد شديد )
سيد المتجر : اللعنة عليك يا ابن الخادمة وعلى قبوك وقطك , اللعنة على الجميع
(تدخل الأرملة العوراء وهي امرأة في الخامسة والأربعين, متوسطة الطول, نحيلة
الجسد , لها عين عوراء , وعين سليمة خضراء اللون, ووجه حنطي مُتعَب, وشعر
بني مبعثر يخطه بعض الشيب , ترتدي ثوباً أسود .
الأرملة العوراء:كيف حال سيدي؟ وكيف حال متجرك؟ وكيف حال أحذيتك النابضة بالحياة
أنا متأكدة أنها بخير,متجر جميل,وخادم خاص بها,صحيح أين هو؟
في القبو المظلم مع قطه الهرم أليس كذلك؟ وما أخبار صديقه ابن القمل ؟
وما أخبار سيدته العانس ؟
سيد المتجر : مازالوا أحياء وينعمون بصحة جيدة
الأرملة العوراء : إن الأحذية التي أعطيتني إياها , بدأ الماء يتسرب إلى داخلها بسهولة كما
يتسرب الظلام في عيني هذه (تشير إلى عينها السليمة) .
سيد المتجر: كنت انتقي لك أفضل ما عندي, لا ذنب لي في ذلك, لا يمكن للماء أن يتسرب إلى
داخلها ,إنها متينة جداً إنها من الجلد الطبيعي
الأرملة العوراء:ولكن لماذا تسرب الماء إلى داخلها بهذه السهولة (تفكر) ربما بسبب ركل
الحجارة الصغيرة (بفرح) ..ابني الأوسط
يحب ركل الحجارة الصغيرة حباً غريباً, منذ يومين استطاع أن يركل مئتي حجراً
صغيراً . أمّا أخوه الأصغر منه فقد استطاع أن يمشي لمسافة طويلة جداً وهو
يركل الحجارة الصغيرة. استطاع أن يفعل ذلك ويداه بجيوبه هكذا(تضع يديها في
جيوبها وتدور حولهما وكأنها تركل حجارة صغيرة).
سيد المتجر: كلهم يفعلون ذلك ؟
الأرملة العوراء:ما عدا اثنين منهم ....
سيد المتجر: أعرف ذلك . واحد منهم كسيح والآخر بلا حذاء
الأرملة العوراء:(تتوقف) وكيف عرفت ذلك ؟ أنا لم أخبرك بذلك
سيد المتجر: أنت قلت لي ذلك بصوتٍ عالٍ ,حتى أنه تسلل من ثقب باب هذه الغرفة إلى
صمت القبو وظلمته , قلت ذلك بنشوة وفرح . لبعض الكلمات منقار يشبه منقار
نقار الخشب .
الأرملة العوراء: لم أقل لك ذلك, ولكن ما تقوله صحيح , لدي ولد كسيح ولا أحد
يعلم بذلك , حتى إخوته الأصغر منه لا يعلمون ذلك
سيد المتجر: وكيف ذلك ؟
الأرملة العوراء: أقوم بإنزال الطعام إليه مرة باليوم على ضوء شمعة, هو يكره الضوء كثيراً.
سيد المتجر: (بدهشة) وهل يعيش معه قط هرم مثل القط الذي يعيش مع ابن القبو ؟
وهل لاحظتِ وجود فردة حذاء نسائية حوله؟
الأرملة العوراء: أمّا الآخر فهو بلا حذاء. هو أيضاً يحب ركل الحجارة الصغيرة,
منذ أيام قليلة سرق حذاء أخيه .وخرج إلى البعيد ...
وحين عاد ,كان يلهث من الفرح ,أخبرني أنه استطاع أن يركل مئة وواحد
وثلاثين حجراً صغيراً(بفرح) استطاع أن يفعل ذلك على الرغم من
أن الحذاء كان كبيراً على قدميه.
سيد المتجر: (بحماس) الفارق بسيط بينهما , لو كنت مكانه لركلت ألف حجراً,
هكذا (يتحرك وكأنه يركل حجارة صغيرة).
الأرملة العوراء: قلت لك إن الحذاء كبير على قدميه
سيد المتجر: حسناً , حسناً , سأختار له حذاءاً على مقاس قدميه , حذاء يستطيع أن يركل به أكثر
من ألف حجراً . (يفتش عن حذاء مناسب).
الأرملة العوراء : ما أخبار السيدة العانس ؟
سيد المتجر : لم أعد أراها
الأرملة العوراء: وخادمها ابن القمل ؟
سيد المتجر : كلما أتى إلى هنا أطرده
الأرملة العوراء : ولمَ يأتي ؟
سيد المتجر : (بسخرية ) كي يرى صديقه ابن القبو
الأرملة العوراء :(بمكر) سمعت أنه يأتي لغرض آخر
سيد المتجر : ماذا تقصدين ؟ قلت لك لم أعد أرى سيدته العانس, إنها امرأة مجنونة , إنها امرأة
لم تعد تطاق (ينتقي حذاءاً ) انظري إنه حذاء متين .
الأرملة العوراء:(تتفحص الحذاء دون اكتراث ) لا بأس به , (تنظر إلى فردة الحذاء التي كان قد
وضعها ابن القبو على الرف ) أوه ! إنها فردة أنيقة , تبعث على الإحساس بالـ
.... (تنظر في داخلها )
سيد المتجر : تبعث على الإحساس بماذا ؟
الأرملة العوراء :لا أعرف بالضبط , ولكن ( تضعها في مكانها ) قلتَ لي إن السيدة العانس لم
تعد تطاق ؟
سيد المتجر : أكثر من مما تتصورين
الأرملة العوراء : (بمكر) أكثر من تلك الخادمة ؟
سيد المتجر : أية خادمة ؟
الأرملة العوراء : تلك التي تركت لك أمانة في القبو قبل أن تهجرك
سيد المتجر :(بغضب) القبو , القبو , أي فلاح حقير قد أختار رأسي وراح يزرع فيه مزارع
الفلفل الحاد ؟
الأرملة العوراء : وأيه بوصلة شمطاء حثت ثعابين الليل على الزحف في أوردتك .
سيد المتجر : لماذا تصرين على اشعالي يا امرأة ؟
الأرملة العوراء : كي تطفئك السيدة العانس
سيد المتجر :(بحدة) هي مشغولة الآن بإطفاء القبطان
الأرملة العوراء : القبطان !
سيد المتجر : ذات مرة راحت تهذي بقبطان يسكن في الظلمة , تقول إنه كالشال الحريري
تطويه كما تشاء , مرة تطويه طولاً , ومرة تطويه عرضاً , وتقول إن له
صوتاً جميلاً
الأرملة العوراء: ألم تشتق لعيني (تقترب منه ,بينما يقوم هو بالابتعاد عنها)
انظر إليها جيداً ,الحقيقة تكمن بداخلها ,هيا اقترب وانظر في قبوها
(يدوران حول بعضهما وهي تقهقه)
سيد المتجر: كفى كفى (تمتزج قهقهة الأرملة العوراء مع صوت الرعد) كفى كفى أيتها
المجنونة (يدخل ابن القمل , وهو شاب في الثلاثين ,يبدو أكبر من سنه ,نحيل
الجسد ,متوسط القامة, له عينان بنيتان صغيرتان وأسنان نخرة ,وشعر كثيف
مهمل وطويل إلى كتفيه , يلبس بنطالاً بنياً واسعاً ,وقميصاً متسخاً أسود اللون
قدماه ملطختان بالطين . يضع يداً على بنطاله
الواسع كي لا يسقط واليد الأخرى يحك بها شعره)
ابن القمل: (وهو يلهث) سيدي ...سيدي
سيد المتجر: ما بك أيها النكرة ,هيا اقترب وقل ماذا تريد ,بل قل ماذا تريد وأنت في مكانك
لا تقترب ولا تحك رأسك كي لا يتساقط القمل من رأسك النتن على أرض متجري
ابن القمل: (ثابت لا يتحرك) سيدتي أرسلتني إليك وقالت لي أن أقول لك ما قالته لي
الأرملة العوراء:وماذا قالت لك سيدتك العانس , هل وجدت عريساً لها أم ماذا؟
ابن القمل: قالت لي (يفكر) قالت لي أن أقول لك ما قالته لي (يصمت) قالت إنه أمر مسلٍ
وممتع معاً
سيد المتجر: وما هو الأمر المسلي والممتع معاً؟ وهل هناك أمر مسلٍ وممتع أكثر من القمل
الذي يسكن رأسك
ابن القمل: نعم يا سيدي ربما هذا ما قالته لي سيدتي ,وقالت لي أيضاً أني نكرة ,وصرخت
في وجهي وأمرتني أن أسرع لأخبرك ما قالته لي
سيد المتجر: (بعصبية) ماذا قالت لك قبل أن تقول لك أنك نكرة
ابن القمل: (بفرح) نعم قالت لي كلاماً كثيراً لم أحفظ منه إلا الشتائم و المسبات , إني أحفظها
وبشكل جيد ,أحفظها غيباً . وقالت لي أيضاً (يفكر) قالت لي بأني وزنٌ زائدٌ على
ظهر الأرض.
الأرملة العوراء:والأرض سفينة في بحرٍ متلاطم سفينة ستغرق ما
لم يتم التخفيف من حمولتها
ابن القمل: أنا لست ثقيلاً ,أنظري يا سيدتي أشعر أني بلا وزن , وإن لزم الأمر
لتخفيف حمولة السفينة سألقي بملابسي وأقف عارياً كي لا تغرق السفينة ,لا أريد
أن أكون سبب غرق السفينة, لا أريد لأحد أن يموت ,لا أريد أن تموت
سيدتي إني أحبها كثيراً . وأحبك أنت يا سيدتي وأنت يا سيدي,
أحب كل شيء ,وأحب صديقي ابن القبو,أحبه كثيراً, وأحب ذاك الولد الذي لمحته
منذ أيام وهو يركل الحجارة الصغيرة ,كان يفعل ذلك ويداه بجيوبه.
الأرملة العوراء:(بفرح)إنه ولدي , استطاع أن يركل مئة وواحد وثلاثين حجراً صغيراً وبحذاء
أخيه (هكذا تقلده)
سيد المتجر: (بسخرية) وماذا تحب أيضاً ؟
ابن القمل: وأحب أن أتذكر ما قالته لي سيدتي كي أقوله لك , قالت إنه أمر مسلٍّ وممتع معاً
سيد المتجر: تباً لك ,هيا اغرب عن وجهي أيها الوزن الزائد
ابن القمل: أرجوك يا سيدي أريد أن ألقي التحية على صديقي ابن القبو ,اشتقت له كثيراً
(يُخرج من جيبه تفاحة صغيرة الحجم) انظر يا سيدي اشتهيتها له, يقال إنها طيبة
المذاق (يأخذها سيد المتجر منه ويبدأ بقضمها كلها ) إنها طيبة المذاق أليس كذلك
يا سيدي
سيد المتجر: ليس كثيراً
ابن القمل : أرجو المعذرة يا سيدي ,كنت أتمنى أن تكون طيبة المذاق
سيد المتجر: لانصرافك مذاق أطيب , هيا انصرف
ابن القمل: أريد أن أرى صديقي ابن القبو أريد, أريد (يفكر) أريد أن أتقيأ من شدة الشوق إليه
سيد المتجر: سأدعك تراه حين يموء قطه الهرم
ابن القمل: أرجو منك يا سيدي أن تقول له أني أريده في أمرٍ, أمرٍ (يفكر) أمرٍ كئيب
ومحزنٍ معاً (يخرج مسرعاً)
الأرملة العوراء:لو كان يملك حذاءاً على مقاس قدميه لاستطاع أن يركل ألف حجراً, بل ألفين,
بل أكثر, ولاستطاع أن يركل رؤوسنا ومؤخراتنا , (تهم بالخروج)
سيد المتجر : إلى أين ؟
الأرملة العوراء : سأسبقك إلى البيت , لا تتأخر
سيد المتجر : حسناً ساتبعك حالاً
(يرتدي معطفه ويحمل مظلته ويُخرج من جيبه مفتاح باب المتجر , يخرج
ويغلق باب المتجر من الخارج بالمفتاح, يخيم الصمت على المكان)
(ظلام)
صالون منزل السيدة العانس، ممر يفضي إلى باب المنزل الرئيسي، باب غرفة نوم،
بابان متقابلان يتوسطان الممر،على الجداران مشبك عليه بعض الملابس الزاهية الألوان، لوحة زيتية قياس 110×75 لشابة تشعُّ إغراءً ،مرآة متوسطة الحجم تعكس أضواء الشموع الموجودة
يتوسط الصالون أريكة باهتة اللون عليها وسادتان صغيرتان ، وعلى جانب الأريكة يوجد كرسي خشب عليه قميص نوم أزرق اللون ، أمام الأريكة يوجد طاولة صغيرة عليها شعر مستعار(بروكة ) ، العتمة تخيم على المكان، رغم الشموع المشتعلة على شمعداناتها .
(تدخل السيدة العانس من غرفة النوم وهي تدندن لحناً يشبه العويل حيناً ،والعواء حيناً آخر. بيدها غليون تبغ كبير الحجم , ترتدي قميص نوم ٍ وردي اللون عليه خطوط بيضاء،مكشوف الكتفين ،تضع قرطين غجريين ، وتلبس عدداً من الأساور والخواتم الكبيرة وعقداً عليه الكثير من الخرز المتعدد الأحجام والألوان . ممتلئة الجسد، متوسطة الطول , مقوسة الظهر، شعرها ناصع البياض , لها وجهٌ عليه آثار حرقٍ قديم ، ولها أسنان كبيرة ومتراكمة وناصعة ، تنظر في المرآة وهي تدندن، ترمق اللوحة وهي تدندن , تحمل القميص الأزرق الموجود على الكرسي وتدخله إلى غرفة النوم وتخرج وهي لا تزال تدندن ذاك اللحن الرديء المثير للاشمئزاز ، تتمدد
على الأريكة ، تلاعب قدميها وتصفق بهما بعض الصفقات المتقطعة ، تقوم بإطفاء الشموع ماعدا الشمعة الأخيرة ، وبالشمعة الأخيرة تعود وتشعل الشموع التي أطفأتها، تعود وتتمدد على الأريكة )
السيدة العانس:(وكأنها تغني) بعدد الشموع المحترقة انتظر ، أنت لا تفعل ذلك ،أنت فقط تشعل
الشموع، وتحرق الوجوه (تضحك ببلادة ) احرقني، اشعلني ،احرق نصف وجهي
الآخر (تضحك ببلادة اشد) بعدد الشموع والمرايا بعدد الأساور والخطايا
(يُطرق باب المنزل طرقة واحدة) بعدد طرقات الباب (يُطرق باب المنزل طرقة
واحدة) بعدد طرقات الباب (يُطرق باب المنزل طرقة واحدة) احرقني ,اشعلني
(تقوم وتفتح الباب وتدخل هي وابن القمل )
ابن القمل: (يحمل كيساً) أين أضعه ؟
السيدة العانس:(تتمدد على الأريكة) وما رأيك أنت ؟
ابن القمل: في غرفة النوم كالعادة
السيدة العانس: في أي مكان تريد، حسناً في غرفة النوم كالعادة (يذهب)
ابن القمل: (من الداخل) هل أضعه على يمين السرير أم على يساره؟
السيدة العانس:(بصوتٍ عالٍ) في أي جهة لا مشكلة(بصوت منخفض) في أي مكان ما عدا القبو
القبو لي انا وحدي ،حديقتي الغناء ،بلبلي الكسيح يغرد فيها ارقاماً ,وقميص نومي
الأزرق يغرد له ساعة في الأسبوع (تدندن ) القبو والكسيح و قميصي الأزرق
بينهما يرقص ساعة في الأسبوع
ابن القمل: (من الداخل )هل آتي إليك أم أبقى أم ماذا ؟
السيدة العانس:افعل ما يجب أن تفعله الخليلات ،يا خليلتي الجميلة
ابن القمل: (من الداخل) ماذا يعني
السيدة العانس: (تضحك) تعالي إلى هنا وسلِني
ابن القمل: (يقف أمامها وهو يحك رأسه)أين أين؟
السيدة العانس:(تشير على الكرسي الذي على يمين الأريكة) هنا (بحدّة) يا غبي
ابن القبو: (يجلس مرتعداً)أرجوك لا تغضبي ،الغضب يفسد عليك متعة الدندنة التي
تدندنينها . صوتك جميل جداً .
السيدة العانس :ليس أجمل من صوت الكسيح
ابن القمل: الكسيح!!!!
السيدة العانس:(تأخذ نفساً من الغليون) نعم هو الكسيح صوته جميل ومغر أيضاً ,لصوته
قدرة على أن يجعل كل المنازل تتساقط في القبو
ابن القمل: (يحك رأسه بكلتا يديه) الكسيح ،الكسيح ، آه ! ابن الأرملة العوراء
السيدة العانس: (تنتفض غاضبة) تباً لك ، كيف تجرأت على ذكر اسمها في حضرتي ألا تعلم أني
امقت هذه المرأة (تقولها بملامح وجه غريب الشكل ) وأكرهها (تعود لوضعها
التي كانت عليه وكأن شيئاً لم يكن ) لا بأس عليها هنّ الحموات هكذا دائماً
يكرهن الجميلات اللواتي يسرقن أولادهن
ابن القمل: (بسذاجة) نعم هكذا هن الحموات دائماَ (صمت، ورأسيهما للأعلى) هل أغضبكِ
إذا قلت إني لا أفهم شيئاً
السيدة العانس:(بفرح) على العكس تماماً، جميلٌ أنك لا تفهم إنها نعمة من السماء ، والسماء
لا تعطي هذه النعمة لأيٍ كان، ليتني مثلك
ابن القمل: (مجاملاً ) نعم ,إنها امرأة سيئة وقذرة ولها عين أكثر رعباً من القمل الذي برأسي
السيدة العانس: من ؟
ابن القمل: الأرملة العوراء
السيدة العانس: (تفكر) ولصة أيضاً لقد سرقت مقتنياتٍ مني ، صحيح أنها مقتنيات تافهة ,إلا أنها
كانت تملأ علي الفراغ الذي أنا فيه ,وآخر ما سرقت منّي هو ( تصمت ) ، لم
يأتي ( تصمت ) كله بسببها(بحرقة) لقد أخذته منّي ,كان يفي بالغرض على
الرغم من أنه لم يكن مثل أولئك الذين رحلوا . كنت شابة آنذاك (تنظر الى
اللوحة) كان الشباب يغلي في داخلي وينفجر حمماً تذيب كل من حولي
( تصمت )لقد سرقت أتفه ما بقي لدي ....
ابن القمل: (بسرعة) مَن ؟
السيدة العانس:(بسرعة دون أن تدري) صاحب المتجر (صمت) تباً لك. هيا اغرب عن وجهي .
لا أريد رؤيتك ، هيا إلى حظيرتك
ابن القمل: (يقف مرتبكاً) سيدتي
السيدة العانس:(تقلده) سيدتي، أوه سيدتي ، (بلهجتها) هيا ,وإلا حرمتك الخروج طيلة حياتك
وأنت تعلم أنه ما من أحد يؤويك , بسبب القمل الذي في رأسك ،و أنت تعلم أنه
مرضٌ عضال. وأنا الوحيدة من يؤويك .(بلهجة هادئة) خليلتي هيا اجلسي ,وقولي
لي لماذا لم يأتي صاحب متجر الأحذية
ابن القمل: (يجلس وكأن شيئاً لم يكن) طردني وقال لي (يقلده وكأنه يقضم تفاحة) لخروجك
مذاق أطيب من مذاق هذه التفاحة (بأسى) وحرمني من رؤية صديقي ابن القبو
السيدة العانس: ها ها ,إن طرد رسولي هو بمثابة طردي (بكبرياء) أنا (محاولة ً إخفاء غضبها)
وماذا كان يفعل ؟
ابن القمل: كان يقضم التفاحة التي قال إنها ليست طيبة المذاق
السيدة العانس: قبل ذلك يا أبله ماذا كان يفعل ؟
ابن القمل: لم أكن موجوداً
السيدة العانس:أوه نفذ صبري ,وبعد أن قضم التفاحة اللعينة ,ماذا كان يفعل ؟
ابن القمل: طردني
السيدة العانس:أبله
ابن القمل: أبله
السيدة العانس : ابن القمل
ابن القمل : ابن القمل
السيدة العانس:(تأخذ نفسا من الغليون) من كان عنده؟
ابن القمل :(يفكر) صديقي ابن القبو، لم أره ، لقد كان في القبو ، آه كم كنت متلهفاً لرؤيته
كانوا يتحدثون عن سفينة ستغرق
السيدة العانس: من هم؟
ابن القمل : سيد المتجر
السيدة العانس:والأرملة العوراء
ابن القمل : نعم هي بعينها
السيدة العانس:إذاً هو ذلك ،إنه صراع قديم ,إلى أين تريد أن تصل هذه
المرأة اللعينة (تصمت ثم تبتسم بأسنان تلمع )إنها تجهل أني أثأر منها ساعة في
الأسبوع دون أن تدري، أوه كم أنا طاغية العقل والجمال كل النساء كنّ يمتن غيرةً
مني، هذه هي ضريبة جمالي ,كنّ ولا يزلن يفعلن هذا بي ,فقط لأني امرأة جميلة
(تقف أمام المرآة) فقط لأني جميلة (تقترب من ابن القمل ) انظر ألست جميلة ؟؟
هيا قل بكل حرية، لن أغضب منك
ابن القمل: جداً جداً يا سيدتي ,جميلة حقاً ,وشعرك خالياً من القمل أحسدك على ذلك .
السيدة العانس:(تجلس وهي تضحك) لكن السماء رحيمة أكثر مما تتخيل الأرملة العوراء
هي لا تعرف ذلك ، فليمضيا إلى الجحيم ,هي وصاحب المتجر(تنظر إلى ابن
القمل نظرات غريبة و هي تتمدد على الأريكة) تعال إلى هنا بني ،يا طفلي
الصغير يا ولدي ,هنا بجانبي على الأريكة (يجلس في منتصف الأريكة بينما هي
تكون ممددة خلفه رأسها على الوسادة ,وبيدها تلعب بشعر ابن القمل بحنان)
أوه ،صغيري العزيز احذر أن تتركني فأنا أمك التي تحبك (شعور ابن القمل يكون
شعوراً خالياً من الإحساس الذي يتناسب والموقف وذلك بحكم العادة التي اعتادها
من العانس )هيا قبّل جبين أمك واطلب رضاها (يقبل جبينها) أنت ابنٌ بار, بُني
ها قد أصبحتَ شاباً وصار يجب أن أخبرك . ( بتردد )إني ...إني .... (بشجاعة)
إني تزوجت ( بفرح) نعم تزوجت ، ستفرح كثيراً ،إنه شابٌ مثلك ( بفرح عارم )
ولديه سفينة رائعة ، سفينة بعجلتين كبيرتين ( بكبرياء ) زوجي قبطان سفينة ،
(ليست كتلك السفينة التي تحدثت عنها العوراء(بفرح عارم)سيكون صديقاً حميماً لك
ابن القمل: سنصبح ثلاثة ,أنا ،وزوجكِ (بنشوة )وابن القبو
السيدة العانس: ( بمودة )نعم ثلاثة ، أوه ,كدت أن أنساه ,
ابن القمل: ولماذا لا يأتي زوجكِ إلى هنا ,كي أراه وأقوم على خدمتكما
السيدة العانس:(بأسى) أنا الذي أذهب إليه ،فقط ساعة في الأسبوع ،هو لا يستطيع المجيء ولا
يستطيع الصعود ,هو يكره النور، يحب الظلام وأنا كذلك بدأت أحب الظلام
وبدأت أكره ظهر الأرض (بفرحٍ مفاجئ) له صوت جميل ,اليوم كنت عنده ,لم
نتحدث فقط كان يغني ، يغني وهو جالس على كرسي بعجلتين ,وكنت أنا جالسة
عند قدميه ويداه كانتا مجدافين بشعري .إنه قبطان حقيقي , أنا لا أبالغ . استمتعت
كثيراً بأغنيته ,آه كم كانت رائعة .
ابن القمل: أنا سعيد بذلك
السيدة العانس: وسننجب أطفالا لكن ليس هنا
ابن القمل: أين؟
السيدة العانس: في الأسفل
ابن القمل: أين في الأسفل؟
السيدة العانس: (تتغير لهجتها بشكل مفاجأ) وما دخلك أنتِ أيتها الخادمة اللعينة ,هيا اغربي عن
وجهي ,واجلبي لي فنجان من القهوة (يقف ابن القمل)هيا(يمشي ابن القمل)قف
(يقف)آووه ,لا يليق بالزوج أن يصنع قهوة لزوجته , تعال هنا واجلس يا زوجي
العزيز (يجلس) زوجي حبيبي (تجلس ملتصقة به ، ينتابه شعور بالحرج)
يا صاحب الذوق الرفيع ،وكيف لا يكون ذوقك رفيعاً ,وقد اخترتني من بين كل
نساء هذا الكوكب ،آه أنت رجلٌ قد وضعت السماء عليه علامة فارقة
(يحك رأسه) صحيح أن القمل مرضٌ يثير الرعب ,لكن لا مشكلة لدي
(تقف وتدور حوله ) لو أنك اخترت غيري لكانت حياتك جحيمٌ بسبب
القمل الذي برأسك ,إن النساء يقرفن الرجال الذين يسكن القمل رؤوسهم ،
فاحذر أن تتركني في يومٍ ما (تعود وتجلس بقربه)هيا زوجي الرؤوف , اطلب
الرضا من زوجتك المغرمة بذوقك الرفيع(تعطيه يدها ، يقبل يدها) زوجٌ
مطيع وأليف (تقف) استأذنك حبيبي في الذهاب للمطبخ أريد أن أصنع لك فنجان
من القهوة
ابن القمل: عفوك سيدتي ،أنا سأفعل ذلك
السيدة العانس: لا لا ، لا يليق هذا بزوجي , بثوري الهائج صاحب الذوق الرفيع
ابن القمل : لا أريد أن أكون ثوراً ، الثور كبير وثقيل أيضاً , سيجعلها تغرق
السيد العانس: مَن ؟
ابن القمل: السفينة
السيدة العانس:آ ه السفينة ! نعم ستغرق ،لكن ليس في قاع البحر ، ستغرق في القبو حيث الظلام
(تذهب لصنع فنجان قهوة)
ابن القمل: (محدثاً نفسه) القبو! القبو! في هذا المنزل يوجد قبو (يتحرك في المكان)
وليس بوسعي أن أمتلك أية شجاعة لدخوله ، سيدتي ستغضب مني لو فعلت ذلك ،
(حالماً) آهٍ لو أستطيع الدخول إليه ، لأصبحت مثل صديقي ابن القبو ,لكن ليس
بوسعي أن أخلع قفل باب القبو ،وقبل ذلك ,ليس بوسعي أن اخلع قفل باب صدري
أنا جبان، أنا جبان، أريد أن افعل شيئاً يكسر كل أقفال الأبواب الموصدة
لكن القمل الذي برأسي يمنعني عن التفكير، نعم القمل يمنعني عن التفكير
السيدة العانس:(تدخل حاملة فنجان قهوةٍ)صنعت لك فنجان قهوة يليق بذوق زوجي العزيز
ابن القمل: (بارتباك) عفوكِ سيدتي (يمد يده ليأخذ الفنجان ضاناً أن الفنجان له، لكن السيدة
العانس لا تكترث ليده، وتجلس على الأريكة وتبدأ بارتشاف القهوة)
السيدة العانس: أين وصلنا بالحديث؟ هيا تذكر , إني أختبر ذاكرة زوجي , هيا لا تفشل
ابن القمل: (يحاول التذكر جاهداً) كنت تتحدثين عن شيء له علاقة بخلع أقفال الأبواب،
وعن الشجاعة وعن ( يتذكر )وعن شيء له علاقة بابن القبو
السيدة العانس: بالضبط تماماً , نعم هو ذلك يا زوجي العزيز ,تعال واجلس هنا بقربي
(يجلس بقربها) نعم كنت أريد أن أحدثك عن القبو(بدلال)زوجي الغالي ,بعلي
الوديع ,ديكي الأرعن ، أريد أن أطلعك على أمر، فلا يليق بي أن أكتم عن زوجي
أمراً ما ’ها قد أصبحت رجلاً ,وصار يجب أن أخبرك ، أنا خائفة منك ,ولكن
الذي حدث قد حدث
ابن القمل: (يهز رأسه مستفسراً)ما هو ؟
السيدة العانس: لقد أخفيت عليك أمراً ، ( بارتباك ) ها أنا استجمع قواي الخائرة ، لكن دون
جدوى ، زوجي هب لي نسمة قوة , ونسمتي جرأة , ( تهدأ ) لقد أخفيت عليك أمراً
في الحقيقة أنه لي أبن ،ولم أخبرك بذلك ، اعلم أن الأمر سيغضبك ,ولكن لن
تغضب حين تعلم أنه صاحب صوت جميل اليوم كنت عنده، لم نتحدث ,فقط كان
يغني كان يجلس على سفينة بعجلتين , وكنت جالسة عند قدميه ويداه تجدفان
بشعري ,استمتعت كثيراً بأغنيته ,آه كم كانت رائعة
ابن القمل: أنا سعيد بذلك
السيدة العانس: وسأزوجه
ابن القمل: (بفرح) جميلٌ ،متى ذلك؟
السيدة العانس:(بفرح) سيكون رائع ذلك
ابن القمل: (بفرح) سيتوهج المنزل بقدومه
السيدة العانس: ليس هنا يا زوجي العزيز
ابن القمل: أين؟
السيدة العانس: في الأسفل
ابن القمل: أين في الأسفل؟
السيدة العانس:(تتغير لهجتها بشكل مفاجأ) وما دخلك أنت أيتها الخادمة اللعينة ,هيا اغربي عن
وجهي واجلبي لي كأساً من الماء(يذهب لإحضار كأس ماء) الأرملة العوراء! آه
كم أكرهك! سلبتني أتفه ما املك ,تافه كأحذية متجره ,تباً لهم جميعاً ,هم لا يفقهون
شيئاً عن علم الجمال ولا يدركون ألوان الفراشات التي تتطاير بداخلي صعوداً
ونزولاً
ابن القمل: (يدخل وبيده كأس ماء) تفضلي سيدتي
السيدة العانس: ومن قال لك أني عطشى
ابن القمل: أنت طلبت مني أن أحضر لك كأس ماء
السيدة العانس :أنا لم اطلبه !
ابن القمل: عفوك سيدتي
السيدة العانس: أبله
ابن القمل: أبله
السيدة العانس: بلهاء
ابن القمل: بلهاء
السيدة العانس: هيا اشربه
ابن القمل: لست عطشان لقد شربت ستة كؤوس في الداخل
السيدة العانس: ستة!
ابن القمل: نعم ستة
السيدة العانس:(بدهشة) وحدك استطعت فعل ذلك!
ابن القمل: (يمدها بزهو) أجل
السيدة العانس:(بحدة) وكيف لك أن تشرب الماء دون أن تستأذني، ألا تقدس النساء
الجميلات امثالي؟ وتستأذنهن
ابن القمل: ( بارتباك ) ليست ستة كؤوس بالضبط إنها فقط ثلاثة
السيدة العانس:ثلاثة وليست ستة إذاً (تفكر) أوه , حسناً كان عليك أن تشرب ستة كؤوس يا أبله،
هيا اشرب ستة كؤوس كما ادعيت ، وعقوبة لكذبك سيتضاعف العدد إلى اثني
عشر كأساً
ابن القمل: اثنا عشر كأساً؟
السيدة العانس: على عدد شهور السنة
ابن القمل: لكن السنة طويلة ، عفوك سيدتي
السيدة العانس: غبي
ابن القمل: غبي
السيدة العانس:ابله
ابن القمل: ابله
السيدة العانس: هيا وإلا طردتك ,وأنت تعلم أن الناس يتقززون منك , ومن مرضك المميت
ابن القمل: (يحك رأسه) نعم مرضي خطير ومعدٍ
السيدة العانس:نعم هو ذلك مرضٌ معدٍ ومميت ,وانأ الوحيدة التي رقى قلبها لك وآوتك ,
فاحذر(حالمة ) قلب رقيق يلفه جسد جميل يبعث على تساقط النجوم نجمةً نجمة
ابن القمل: حسناً(يشرب من الكأس التي بيده) صاحبة قلب رقيق(يشرب) نجمة , نجمة
السيدة العانس: هيا اذهب واحضر كأساً آخراً واشربه أمامي ,وستشرب اثني عشر كأساً
ابن القمل: عفوك سيدتي لا استطيع ذلك ,ثم تذكرت الآن أني جائع .لم آكل بعد
السيدة العانس:هذا أجمل .هيا افعل ذلك تقديراً لعلم الجمال والجميلات
ابن القمل: أنت جميلة يا سيدتي ,اقسم لك أني لا أجامل
السيدة العانس: من قال لك أني أريد رأياً من خادمة وضيعة لا تجيد أن تفعل ما ارغب به ،هيا
اغرب عن وجهي ,وافعل ما آمرتك به
ابن القمل: أمرك مولاتي الجميلة(يذهب)
السيدة العانس:(بزهو)مولاتي الجميلة أوه !بدأ يتذوق الجمال وعلم الجمال ,لكن ما جدوى ذلك
طالما أنه لا يجيد التسول أمام أبواب الجمال ,على عكس ابن الأرملة العوراء
صحيح أنه كسيح ,وأنه لا يقدر علم الجمال ,إلا أنه يجيد فعل ما أرغب به ,ورغماً
عن انفه , ففي الظلام سهلٌ على الإنسان أن ينكر ما فعل. أوه !ما أجمل الخطايا في
الظلام .هيه أين أنت يا خليلتي لقد نفد صبري ,مللت مجالسة خواطري, تعالي
واقطعي خلوتي بسكين وجودك معي (يدخل ابن القمل وبيده كأس ماء يشربه
بصعوبة, وتكون السيدة العانس ممددة على الأريكة مستمتعة بما يفعله ابن القمل
وبقدر ما يجد صعوبة في شرب الماء تزداد هي متعةً في ذلك ,وهكذا إلى أن ينهي
ابن القمل شرب اثني عشر كأساً من الماء)
ابن القمل: (لا هثاً) اثنا عشر كأساً ’اقسم أنك جميلة،أنت...(يتلعثم لا يجد ما يعبر به) أنت....
السيدة العانس: (بزهو) أوه !خادمتي المطيعة كفى ,كفى هذا ,إني ثملة ومتعبة ولا يليق هذا
بالجميلات اشعر أني بحاجة للنوم ,خادمتي هيا اتبعيني إلى غرفة النوم ,ودلكي
لي ظهري وقدماي
ابن القمل: (بتعب)أمر مولاتي ,أقسم انك جميلة جداً
السيدة العانس: لم أكن أعرف أن للماء سر عظيم بهذا الشكل ,أعيدي ما قلت
ابن القمل: قلت أقسم ....
السيدة العانس: أني جميلة
ابن القمل: (بحماس) أقسم أنك جميلة
السيدة العانس: جداً
ابن القمل: جداً
السيدة العانس:هذا رائع (تتذكر) أوه !كدت أن أنسى(وهي تترنح) سأغلق الباب بالمفتاح
ابن القمل: لماذا ذلك
السيدة العانس:بعد قليل تعرف(تذهب وتغلق الباب بالمفتاح) وكذلك سأغلق باب الحمام
(تفعل ذلك) أنت محروم من التبول (تضحك) للماء فعلٌ كفعل الخمرة ,تجعل الناس
ينطقون بالحقيقة دون تكلف ,أريدك أن تبق مخموراً لأطول وقت ممكن ,ودع
الماء يجري بحرية ,فربما بعد قليل، تبدأ تتسول على باب غرفتي
ابن القمل: ( بتوسل ) ولكن يا سيدتي ... هذا الأمر يسبب لي ...
السيدة العانس:(بحدة) كفى ، كفى انتهى الأمر ,هن الجملات هكذا ,لا يرحمن أحداً , ولا يمكن
أن يكون الجمال جمالاً ,ما لم يكن له ضحاياه ،هيا اتبعيني يا خليلتي , ولا تنسي
أن تحضري البروكة التي على الطاولة ( تدخل لغرفة النوم , يمسك ابن القمل
البروكة بيديه , ويتأملها بشرود)
السيدة العانس : (من الداخل ) خليلتي ,
ابن القمل : إني أحضر البروكة
السيدة العانس : هيا تعالي
ابن القمل :( يحك رأسه ) إني قادم (يدخل ورائها غرفة النوم)
(ظـــــلام)
(يصعد أبن القبو من قبوه إلى المتجر)
ابن القبو: الآن فقط أسمع صوت الصمت القادم من بعيد, فقط أحتاج لكثير من الظلام مع
هذا الصمت كي أشعر وكأني بمسقط رأسي , القبو أه منه , سينقلب إلى عالم حقيقي
(بحماس) فقط نحتاج لبعض الوقت ,وسيصبح القبو مكتظاً بالكائنات الجديدة
(يقف مغمض العينين, يشتم الهواء بنفسٍ عميق) رائحة جثث ظهر الأرض تملأ
المكان ,كأنني الشخص الوحيد المتبقي على ظهر هذه الأرض
(فجأة يظهر ابن القمل من باب القبو)
ابن القمل: (لاهثاً) الكسيح .الكسيح
ابن القبو: ابن الأرملة العوراء!
ابن القمل: نعم
ابن القبو: ما به ؟
ابن القمل: رأيته في طريقي إليك , وقفت معه قليلاً ,كان حزيناً
ابن القبو: أعلم ذلك
ابن القمل: (وهو يحك رأسه) إنه يجيد العد بشكل جيد ,ألقيت عليه التحية أكثر من مرة ولم يرد
عليّ , فقط كان يعد, كان عده يشبه الأغنية الحزينة , شيءٌ مدهش ,استطاع أن يجعل
من الأعداد أغنية, لكنها أغنية حزينة, ظل يغني إلى أن وصل العدد مئة وواحد
وثلاثين ثم توقف فجأة (صمت) وحين تركته لأتابع طريقي المظلم إليك , راح يعيد
الأغنية ذاتها وبلحن أكثر حزناً وأكثر سرعة هكذا (يقلده) واحد ,اثنان , ثلاثة
أربعة (يجلس) خمسة ,ستة , سبعة ثمانية , تسعة (يجلس ابن القبو بقربه ,ويتابع
العد معه) تسعة ,عشرة , أحد عشر
اثنا عشر, ثلاثة عشر (يتوقفان ,ينظران إلى بعضهما البعض ,صمت, يتابعان)
أربعة عشر ,خمسة عشر , ستة عشر.
ابن القبو: كفى, كفى , العد طويل جداً , نحتاج لحذاء على مقاس قدمينا كي نصل إليه
ابن القمل: وأنا لا أجيد العد كثيراً , سيدتي لم تعلمني العد
ابن القبو: ولن تعلمك
ابن القمل: ولكن ماذا كان يعد؟ أعتقد أنه كان يعد القمل الموجود برأسه , فله شعر طويل
وذقن كثيفة , أوه أنا حزين عليه, ليس بوسعه أن يتخلص من هذا العدد الكبير من
القمل (بفرح) أنا متأكد أنه لا يوجد في رأسي سوى ثلاث قملات (بحزن) ولكن
أخشى أن تكون إحدى هذه القملات ذكراً ,لا أريد لهذه القملات أن تتكاثر فوق رأسي
(صمت) أعتقد أنها قملات إناث , لو كان غير ذلك لتكاثرت منذ زمن طويل
ولأصبح رأسي يضج بالقمل
ابن القبو: (باستغراب) ومن قال لك في رأسك ثلاث قملات , وإناث بالتحديد؟
ابن القمل: (بفرح) سيدتي هي أكدت لي أن في رأسي ثلاث قملات, وعانسات أيضاً.
ابن القبو: ثلاث قملات عانسات ! وكيف علمت ذلك ؟
ابن القمل: سيدتي تعرف كل شيء .هي قالت لي ذلك ,وطلبت مني أن أظل دوماً أحك رأسي
أمام الناس , وأنا منذ زمن طويل أحك رأسي , كلهم ينفرون مني , وحدها سيدتي
التي لا تنفر مني , رغم القملات الثلاث الموجودة في رأسي , أنا لا أستطيع الابتعاد
عنها رغم كل ما تفعله بي من قسوة , أشعر أن هناك شيئاً ما يجعلني أسيراً لديها , لا
أعرف ما السر في ذلك؟
ابن القبو: السر في القمل
ابن القمل: ماذا تقصد
ابن القبو: القمل في داخل رأسك , وليس على سطحه
ابن القمل: وكيف لي أن أخرجه
ابن القبو: سأعلمك ذلك حين تنزل معي إلى القبو,أعدك أن القط سيموء , وسيمتلئ القبو
ٍبكائنات جديدة
ابن القمل: أنا لا أفهم شيئاً , كل الذي أعرفه أنها كانت أغنية حزينة
(يقفان , يمشيان , يجلس ابن القمل متكوماً حول نفسه )
ابن القبو: علينا أولاً أن نجد فردة حذاءٍ نسائية لنكمل ما قد بدأناه
ابن القمل: إذاً سأغسل رأسي جيداً ،سأغسله ثلاث مرات ،بعدد القملات التي تسكن رأسي
ابن القبو: وسنستخدم قطعاً من ملابسي ، ٍالأجنة تحتاج إلى دفءٍ شديد كي تنمو .
ابن القمل: بل سأغسله أكثر من ثلاث مرات , سأغسله بعدد أرقام أغنية الكسيح
ابن القبو: سنحاول ونحاول إلى أن يمتلأ القبو بالبيض , بالأجنة , بالكائنات الجديدة
ابن القمل: سأحاول وأحاول إلى أن أتخلص من القمل
ابن القبو: وإذا استعصى الأمر , سنضاعف المحاولات
ابن القمل: إذا استعصى الأمر سأحلق شعري , بل سأنتزعه من منبته ,كما أنتزع شعر ساقي
سيدتي ، أنا أجيد هذا جيداً , هي تطلب مني أن أفعل لها ذلك , لدرجة أني أصبحت
أجيد نزع الشعر بأظافري وبدون ملقط , في ليلة الأمس انتزعت (يفكر) لا أعرف
العدد بالضبط فأنا أجهل الأعداد الكبيرة , ولكنه عدد كبير, ربما كان بحجم أعداد أغنية
الكسيح.
ابن القبو: هناك حبل متين جداً , طرفه الأول يغوص في رأسك كمرساةٍ والطرف الأخر مربوط
بساق سيدتك العانس
ابن القمل: ولكنها الوحيدة التي لا تنفر مني
ابن القبو: في القبو لن تجد أحداً ينفر منك
ابن القمل:أرجوك لم أعد أحتمل, أشعر أني بلا رأس ,أشعر أني ميت أرجوك اقصص عليّ قصة
مفرحة كي أخرج من هذا التعب المطبق (يفكر) لا , لا القصة ستكون طويلة ,سوف
ترهقني ,فأنا تعبت من الإصغاء . في كل يوم تتمدد سيدتي وأجلس بقرب رجليها
لأنزع شعراً من ساقيها, وبينما أنا أفعل لها ذلك , تبدأ سيدتي تقص عليّ قصة طويلة
كانت تقول كلاماً مبهماً , لا أفهم منه شيئاً وكان عليّ أن أصغي لها .
(صمت) تعبت من الإصغاء لقصصها لدرجة أني أنام وعيناي مفتوحة , تعبت
عضلات وجهي وأنا أعبر عما تقصه بوجهي كي أثبت لها أني أجيد الإصغاء
ابن القبو: وهل كانت تستمتع بذلك؟
ابن القمل: مَن ؟
ابن القبو: سيدتك العانس
ابن القمل: لا أجرؤ على أن أسألها , ولكن كنت ألاحظ علامات غريبة ترتسم على وجهها
حين أفعل لها ذلك , أرجوك أنا متعب (صمت) أحكِ لي نكتة
ابن القبو: نكتة! (يفكر) نكتة , نكتة, اسمع , أراد شخص أن يركل حجارة ظهر الأرض بكاملها
(يبتسم ابن القمل) لكنه تذكر أنه كسيح
(يضحك ابن القبو ضحكة مصطنعة , بينما يظهر الاستياء والأسى على ابن القمل)
ابن القمل: إنها نكتة حزينة ذكرتني بالحبل المتين والمرساة التي في رأسي , حبلي يشبه حبل هذا
الكسيح
ابن القبو : القمل والكساح سيّان
ابن القمل: أرجوك احكِ لي نكتة غيرها
ابن القبو: ولماذا ؟
ابن القمل: أريد أن أضحك قليلاً
ابن القبو: ولماذا تريد أن تضحك؟
ابن القمل: لا أعرف (صمت , يمشيان بهدوء)
ابن القبو: رائحة الفناء بدأت تزداد . وسيدي قتل لي جنيناً بكل قسوة
ابن القمل: وسيدتي تطلب مني أن أحكَّ رأسي بكلتا يديّ , وبسرعة جنونية (يحك رأسه بيديه
وبسرعة جنونية , وكأنه يرقص) فأبدو أمامها وكأنني أرقص هكذا (يتوقف)
أنا لا أجيد الرقص فلم يسبق لي أن رقصت , كانت تستمتع بذلك , كنتُ
حينها أشعر بالدوار , ولكني أكون سعيداً لأنني أجعلها تضحك
ابن القبو: لن تشعر بالدوار في القبو أبداً
ابن القمل: لنودع هذا المكان . أنا كذلك بدأت أشتم رائحة الفناء
ابن القبو: هل ستعود إلى سيدتك العانس
ابن القمل: لا . أريد أن أتخلص من القمل
ابن القبو: (بدهشة) ولكن لم تقل لي كيف دخلت إلى هنا
ابن القمل: من القبو
ابن القبو: أعرف , ولكن كيف ؟
ابن القمل: منذ زمن طويل , أذكر أنّ سيدتي أمرتني أن لا أفتح ذلك الباب الخشبي الصغير
قالت لي إنه باب مشؤوم , وإذا فتحته ستحلُّ عليك اللعنة , ومنذ ذلك اليوم كان هناك
شيء ما يدفعني لمعرفة ماذا يكمن خلف الباب , في هذا اليوم شعرت أن القمل يتحرك
في رأسي على غير عادته ودون أن أدري دفعت الباب بقوة , في بداية الأمر لم أرَ
سوى الظلام , حتى أني اعتقدت أنه حائط أسود وراء الباب , مددت رجلي فأدركت
أنه درج يهبط نحو الأسفل , لم أستطع التراجع ...فما حدث قد حدث
أشعلت شمعة ونزلت ,لم أكن أتوقع أن يكون قبواً , ولم أتوقع أن يكون كبيراً ومتشعباً
بهذا الشكل, وبينما كنت أسير سمعت أنيناً , لا أعرف
من أين مصدره؟ وبقيت أسير بهدوءٍ وخوفٍ إلى أن التقيت بالكسيح .
كان يغني أغنية حزينة
ابن القبو: وهل تعرف الآن طريق العودة
ابن القمل: لا أريد أن أعود . أريد أن أبقى معك
ابن القبو: إذن لنودع ظهر الأرض
ابن القمل: سأشتاق لسيدتي
ابن القبو: القط الهرم سيفرح بك كثيراً , هو طيب القلب كثيراً
ابن القمل: وهل هو قادر على المواء
ابن القبو: سيموء , لابد أن يموء
ابن القمل: نعم سيموء , ونحن سنموء معه
ابن القبو: سيموء
ابن القمل: سيموء
معاً: سيموء . سيموء . (ينزلان إلى القبو )
ابن القبو: (يصرخ من داخل القبو) سنموء , سنموء معاً , وداعاً أيتها الأحذية .
ابن القمل: (يصرخ من داخل القبو ) سيموء , سنموء معاً , وداعاً أيها القمل .
(يسود الصمت قليلاً , ثم ينفجر صوت الرعد انفجاراً هائلاً , تنكسر بقايا زجاج
النافذة التي تعلو باب المتجر , تصدر أصوات غريبة من القبو , يعود ويسود
الصمت من جديد , تتصاعد أصوات ابن القبو وابن القمل والكسيح وهم يعدون
الأعداد التي كان يغنيها الكسيح 1 ,2 ,3 ,4, 5, 6, 7 ,8 ,9 ,10
11 , 12 ,13 , 14 , 15 (صوت رعد شديد)
60 ,70, 80, 90, 100 (صوت رعد شديد)
125 , 126 , 127 , 128 , 129 , 130 , 131
(يخيم الصمت على ارجاء المكان)
(ظلام)