زهور وعقارب

                                     

  الشخصيات

  الأب

  نوار

 سديد

 الطبيب

 مدير المنزل وعدد من الخدم

 المرأة

 الفنان

    

        [صالة مؤثثة بأثاث فخم. تزين جدرانها لوحات زيتية غاية في الجمال. تطفأ الأضواء. موسيقى، ومؤثرات غرائبية، وإضاءة غير ثابتة تبرق عدة مرات قبل أن نسمع صرخة نوار]

نوار   : (صارخا. متألما) آخ خ خ خ خ.. لقد لدغت.. لقد لدغت يا أبي

الأب   : (بدهشة من خلال الظلام أيضا)  لدغت.. لدغت !! كيف !

نوار   : أبى أسرع.. أرجوك (يعتصر نفسه)  سيقتلني السم.

الأب   : لا تخف يا بني.. تشجع.. سأفتح النور ( نسمع من خلال الظلام صوت تعثر أقدامه هنا، وهناك)  يا الهي.. ما الذي يحدث هنا؟ لم اعد أستطيع الوصول إلى مفتاح النور ( ينادي)  سديد (يصرخ)  سديد (يضاء المسرح إضاءة خافتة. نوار ما زال يتلوى من الألم) 

سديد : ( يدخل راكضا) نعم أبى.

الأب  : افتح النور.

سديد  : أي نور.

الأب  : نور الصالة يا غبي.. ألا ترى كل هذا الظلام.

سديد : أي ظلام يا أبي ؟ الصالة مضاءة.

الأب  : مضاءة بالظلام؟

سديد : أنت الذي أمرت أن تكون أضاءتها خافتة.

الأب   : ليس إلى الحد الذي تنعدم فيه رؤية الأشياء.

سديد  : الرؤية لم تنعدم يا أبى.

الأب   : (يغضب) بل انعدمت.

سديد  : أبى.. هل.. هل...

الأب   : ( يقاطعه) لا.. لست كذلك (يضاء المسرح أكثر من ذي قبل)  ما زلت أستطيع رؤية ألاعيبك كلها.

نوار   :  (صارخا)  هل تتركاني أموت؟ !

سديد  :  (مستغربا)  يا الهي.. ماذا حدث (يقترب منه)  لماذا تخفي كفك هكذا..

          ها؟  

نوار   :  (صارخا متألما)  نادي على خادمي بدل وقوفك أمامي كالأبله.

سديد  : حسن (يتحرك نحو الباب . ينادي بصوت عال) أيها الخادمان.. تعالا..

        تعالا.  

الخادمان : (من خارج المسرح)  حالا سيدي (يدخلان إلى المسرح) 

 الأب   : (يشير إلى نوار)  خذاه إلى غرفته وقولا لطبيبي الخاص أن يقوم

           بمعاينته فورا. 

الخادمان : فورا سيدي (يمسك كل منهما بيد من يدي نوار ويخرجانه. يوقفهما

           الأب).   

الأب   : اسمعا (يتوقفان) قولا للطبيب أن يحضر إلى هنا حال انتهائه من معاينته

          هل فهمتما؟        

الخادمان : فهمنا سيدي (يخرجان . يلحق بهما سديد) 

الأب   : سديد  (يتوقف عند الباب)  تعال هنا (يعود) اجلس (يجلس على مقعد وثير..الأب يقترب منه)  من دون لف أو دوران.. قل.. كيف لدغ شقيقك؟

سديد  : ( بتجاهل) هل لدغ شقيقي حقا؟

الأب   : سديد.. أنا الذي يسال (صمت)  كنتما معا قبل أن يصرخ.. أليس كذلك؟

سديد  : نعم.

الأب   : إذن.. أنت تعترف انه تركك ليلدغ.

سديد  : لا.

الأب   : كيف لدغ إذن؟

سديد  : لم افهم.

الأب   : بل أنت تفهم.

سديد  : أبي.. أنا لم الدغ شقيقي حتى تحدثني بهذه الطريقة.

الأب   : بالتأكيد.. أنت لست عقربا أو أفعى.. أنت اكبر من ذلك بكثير (بأمر)  اسمع.. أنا اعرف انك الوحيد الذي يستطيع أن يدبر لعبة الظلام.

سديد  : أبي.. أرجوك.. لا تحدثني بهذه الطريقة.. واسمح لي أن أقول لك انك صرت تتوهم كثيرا.                                                                              

الأب   : أتوهم؟ هل تريدني أن اكذب عيني وأصدقك أنت؟

سديد  : لست مضطرا يا أبي.

الأب   : بل مضطر أن أقول لك انك كاذب (سديد لا يرد) وانك أنت من خطط للإيقاع بأخيه ( سديد لا يرد) وانك أنت من خطط للإيقاع بأخيه (يسمع طرقا على الباب) ادخل.

الطبيب : (يدخل) سيدي.. هل تأذن لي...

الأب   : تفضل أيها الطبيب.. تفضل (صمت) هل عاينت حالته؟

الطبيب : نعم.

الأب   : وماذا وجدت؟

الطبيب : ثمة حالة تسمم غريبة يا سيدي.

الأب   : ماذا؟ (ينظر إلى سديد نظرة شزراء)

الطبيب : نجلك تعرض لحالة لدغ من كائن غريب.

الأب   : كائن غريب !! ماذا تقول أيها الطبيب؟

الطبيب : دعني اشرح لك الأمر سيدي.

الأب   : حسن.. تفضل.

الطبيب : عندما بدأت بمعاينته تبادر إلى ذهني انه مصاب بالتسمم جراء لدغة عقرب سام جدا.. ولكن ما أن أمعنت النظر إلى ذراعه التي تضخمت على نحو غريب حتى تأكد  لي أن ما تعرض له شيء مختلف تماما.

سديد : (متدخلا) وما ذلك الشيء أيها الطبيب؟

الطبيب : شيء أجهله لعدم حدوثه من قبل.. حضرتك تعرف أنني تخصصت بدراسة السموم كلها ولكنني لم اعرف سما بإمكانه أن يفعل ما فعله هذه السم الغريب بذراع شقيقك.. لذا حقنته بمضاد حيوي وأرسلته إلى المستشفى لإجراء المزيد من التحاليل المختبرية.

الأب  : حسن هذا يكفي.. بإمكانك الذهاب إلى المستشفى لمتابعة حالته (إلى سديد) اذهب مع الطبيب إن شئت.

سديد : حسن يا أبي سأذهب ( يخرجان)

الأب  : (وحده) لقد أضاف لي الطبيب شكوكا أخرى.. اعتقدت للوهلة الأولى أن الحادث كله من تدبير سديد.. ولم يخطر على بالي وجود كائن غريب رهيب له كل هذه القدرة على اللدغ والاختفاء ( بصمت. يفكر) لا ليس الأمر مجرد لدغة من كائن غريب.. فالظروف التي رافقت اللدغ تبدو لي غريبة أيضا.. لقد انعدمت الرؤية تماما.. مع أن سديدا كان يؤكد أن الصالة مضاءة وان الرؤية واضحة وجلية (يفكر) يا الهي.. (يضطرب).. المسألة اعقد مما تصورت.. يبدو وكأن قوة غريبة تسكن قصري وتعبث بي ولا ادري لماذا.. قوة تحاول أن.. أن.. (يتذكر فجأة) آ.. تذكرت.. لقد ومض الضوء في الصالة عدة مرات قبل أن يصرخ نوار.. حينها فقدت السيطرة على نفسي وفقدت الرؤية ولم يعد بمستطاعي القيام بأي فعل أو حركة (يصمت) هراء.. كل هذا هراء.. أنا لا أؤمن بوجود مثل هذه القوى الخفية.. وما حدث لنا لم يتعد كونه وهما.. وهما وحسب ( يصمت. يفكر) ولكن.. إن كان وهما حقا.. فمن لدغ نوار بهذه الطريقة الغريبة؟ ومن دبر هذه الفعلة التي بدت وكأنها فعلة طبيعية فعلا.. (يمسك رأسه بيده) آه .. أحس بصداع ودوار وتعب يغزو رأسي بيده..(يجلس على الكرسي.. يهمس لنفسه) كائن غريب.. (ينتفض) إن كان هذا الكائن قادرا على اللدغ بهذه الطريقة فلا بد أن يكون حجمه كبيرا إلى الحد الذي يسهل مشاهدته بالعين المجردة (يذهب الى الباب. ينادي على الخادم) هيه.. أنت يا خادمي.

الخادم : ( من خارج المسرح. خلف الباب الوسطى) نعم سيدي.. (يدخل).. بماذا يأمرني سيدي.

الأب : اسمع.. هل كنت قريبا من الصالة لحظة وقوع الحادث.

الخادم : اجل سيدي.

الأب : هل أحسست بشيء؟ اعني هل رأيت تبدلا أو تغيرا في الأشياء التي حولك

الخادم : لم الحظ شيئا سيدي.. لكنني أحسست كما لو أن الظلام هطل علينا فجأة.         

 الأب : إذن.. أحسست بهطول الظلام.

الخادم : نعم.

الأب : اسمع.. داخل هذه الصالة.. كائن غريب.

الخادم : (يخفي خوفه) كائن غريب؟

الأب : أتخاف من الكائنات الغريبة؟

الخادم : (متصنعا الشجاعة) كلا سيدي.

الأب : حسن تعال إلى هنا (يقترب منه بحذر) أريدك أن تتحقق من وجود هذا الكائن بنفسك (يهم بالخروج ثم يتوقف) إن احتجت إلى شيء أو توصلت إلى شيء نادني حالا.. سأنجز بعض الأعمال في مكتبي.. مفهوم.

الخادم : مفهوم سيدي ( وحده).. كائن غريب.. هه (مستهزئا) في أي زمان يعيش حضرته (يشير الى المكان الذي خرج منه الأب.. مقلدا صوته.. إلى الجمهور) صدقوني (يصمت).. مذ حللت في هذا القصر وأنا لا أعرف عن هذا السيد غير الوهم.. الجميع هنا يتوهمون.. وربما لا يعرفون في حياتهم شيئا غير الوهم.. على أي حال.. سأفتش الصالة ركنا ركنا كما أمر سيدي (يفتش بلا مبالاة ودون اهتمام.. تحت المقاعد.. خلف الأبواب.. بين الستائر.. ثم يتوجه الى الجمهور) أنتم ترون أنني فتشت المكان كله ولم يبق غير هذه اللوحات (يشير بيده دون أن يلتفت الى اللوحات. يتوجه الى إحداهن فيجفل ويصرخ فزعا بشكل يثير ضحك جمهور النظارة)

الأب : (يدخل مسرعا) ها.. هل وجدت شيئا.

الخادم : (ما يزال يرتجف) كلا سيدي لم أجد شيئا.

الأب : لم صرخت إذن؟ (ينتبه له) ما هذا.. أنت لا تكاد تثبت على قدميك.

الخادم : (ساهما. هامسا لنفسه) لا بد أن الوهم قد تسلل إلي أنا الآخر.. لا بد أنني أتوهم.

الأب : ماذا قلت؟

الخادم : قلت أني.. أني.. تعثرت هنا فحسبت الكائن الغريب انقض علي.

الأب : (بتهكم) رجل شجاع.. شجاع جدا (بأمر) فتش الصالة كما أمرتك بسرعة يا غبي هل فهمت؟

الخادم : فهمت سيدي (يخرج الأب ثانية) يا الهي لا أعرف كيف حدث لي هذا.. أنا (بتأكيد) أنا أتوهم مثلهم؟ (  صمت. يفكر) يخيل إلي أني لم أكن أتوهم.. بل.. أن شيئا ما في الصالة هو الذي بعث في نفسي هذا الوهم.. ترى.. ما هو.. ها؟.. ما هو؟ آ.. تذكرت.. اللوحة (يلتفت إلى اللوحة. يصرخ) لا (يغطي عينيه بيديه ثم يبعدهما ببطئ. يدقق النظر) عجبا ما هذه اللوحة الغريبة المفزعة (يدقق النظر أكثر)  ويلي.. أي قدرة تمتلكها هذه العقارب العجيبة (يصمت) لكن العقارب ليست كائنات غريبة كما يقول سيدي (يفاجأ) ها.. ما هذا‍؟.. انها تتحرك (يدقق النظر) تتحرك بالفعل.. من يصدق ان عقاربا في لوحة كهذه  يمكن ان تتحرك بهذه الطريقة (مندهشا) انظروا انها تحاول الهجوم على الزهور (يدير ظهره للوحة.. على منفذ اللوحة استخدام تقنية خاصة لجعل الجمهور يرى العقارب تتحرك أيضا كأن يرسم الزهور على لوح عادي والعقارب على لوح شفاف. وهكذا عندما نحرك اللوح الشفاف يبدو لنا كأن العقارب تتحرك فعلا.)

 

         هل هذا وهم آخر.. ها.. كيف.. هل اكذب عيني (يستدير إلى اللوحة مرة أخرى) ما هذا..يا الهي.. اللوحة ثابتة.. وكذلك العقارب.. ولا شيء فيها يتحرك (يضرب جبهته بباطن كفه بقوة) أصح اصح يا رجل (يذهب إلى اللوحة.. يتردد. تخفت الإنارة.. يحاول التغلب على تردده.. تتصاعد الموسيقى مع كل خطوة يخطوها باتجاه اللوحة.. يرفع يده. يمدها إلى اللوحة.. تطفأ الأضواء ثم تبرق عدة مرات.. يصرخ صراخا قويا.. يسحب يده بقوة.. يتراجع إلى الخلف فيسقط. يتدحرج على الأرض.. يمسك يده الملدوغة بيده الأخرى ويضمها إلى وسطه)

الأب : (يدخل راكضا وكذلك الخادمان)  ماذا حدث لك ها.. هل أمسكت بالكائن الغريب؟

الخادم : (متألما) سيدي أرجوك.. أكاد أموت من الألم.. يدي يا سيدي.

الأب   : هل لدغت؟

الخادم : لا ادري يا سيدي.. أنا.. أنا.. لا.. أستطيع.. الحركة الآن.

الأب   : والكائن الغريب؟

الخادم : (ناسيا نفسه) ليذهب إلى الجحيم.. أنا أموت.. أموت يا سيدي.

الأب   :  قبل أن تموت .. قل شيئا عن الكائن الغريب الذي فعل بك هذا حتى انتقم لك منه(الخادم يعتصر نفسه. يتلوى من الألم.. الأب يمسك به.. يمنعه من السقوط) قل شيئا.. أي شيء.

الخادم : (يتكلم بصعوبة) سيـ.. سيد.. ي.. ان.. ها.. شيء.. لا.. يصدق

الأب   : (بعجالة) أنا اصدق.

الخادم : لن تصدق.

الأب   : (بنفاد صبر) سأصدق.

الخادم : انهـ .. ا .. إنها .. إنها اللو.. حة يا.. سيدي (يفقد القدرة على النطق ولكن شفتيه تظلان تتحركان في محاولة منه لإيصال السر الى سيده)

الأب   : (إلى الخادمين)  أيها الخادمان. ابعثا به الى المستشفى (يحملانه ويغادران الصالة) أكاد لا اصدق أن هذا  يحدث في قصري.. لدغتان.. وكائن غريب.. وظلام مخيف.. ولا أحد يعرف كيف أو من أين أتى كل هذا (يتوقف فجأة)  لقد قال الخادم إنها اللوحة (يتذكر صوت الخادم) إنها.. اللو.. حة.. اللوحة يا.. سيدي (يكرر بينه وبين نفسه)  إنها اللوحة.. اللوحة (بنفاد صبر) أوه.. لو أنه أضاف كلمة واحدة فقط لعرفت أي لوحة كان يقصد (يفكر)  ليس في الصالة غير لوحتين.. أيهما كان يقصد.. هذه أم تلك.. لا.. لا شك انه قصد لوحة أخرى (يدقق النظر اكثر فيفاجأ) مهلا.. مهلا.. ما هذه البقع السود في أسفل هذه اللوحة.

       (يدقق النظر.. يرتدي نظارته الطبية فيفاجأ  أكثر)  يا الهي !! إنها.. عقارب.. زهور وعقارب (يغضب)  زهور وعقارب في قصري  أنا !! أي مجنون سمح بدخول هذا الشيء المقرف إلى بيتي؟ .. (يصرخ ).. أيها الخادمان.. أيها الخادمان.

الخادمان : (يدخلان بسرعة وارتباك فيرتطم أحدهما بالآخر)  نعم سيدي.

الأب   : ناديا على مدير المنزل بسرعة.

الخادمان : نعم سيدي (يقفان عند الباب. يناديان)  يا مدير المنزل.. أيها المدير.

مدير المنزل : (من خارج المسرح)  ماذا تريدان؟

الخادمان : لا نريد.. سيدنا هو الذي يريد.

مدير المنزل: حسن أنا قادم (يدخل) هل يأمر سيدي بشيء.

الأب   :  (يتفرس في وجهه)  أ أنت اشتريت هذه اللوحة (يشير إلى اللوحة   المقصودة) 

مدير المنزل : (ينظر إلى اللوحة) نعم.

الأب   : ومن طلب منك ذلك؟

مدير المنزل : (بثقة)  حضرتك.

الأب   : حضرتي  طلب منك أن تقتني لوحة مقززة كهذه.

مدير المنزل : سيدي لقد أمرتني أن اقتني لوحات  لزهور مختلفة.

الأب   : زهور مختلفة.. نعم.. ولكن لم اطلب منك أن تجلب العقارب معها.

مدير المنزل : اعتقدت أنها ستنال رضاك.

الأب   : من أنت حتى تعتقد؟ ! ها؟ ! .. ارفع اللوحة من الجدار حالا يا حضرة المدير.

م . المنزل : حالا سيدي (يتقدم نحو اللوحة.. يقف بمواجهتها.. يفاجأ.. تداخله الريبة والخوف.. يتردد) إنها.. إنها.. لم.. لم تكن هكذا عندما اقتنيتها.

الأب   : ماذا جرى لك يا مدير المنزل (بأمر) ارفع اللوحة.

م . المنزل : (مرتجفا) سيدي.. أنا.. أنا.. أنا.. أنا..

الأب   : ( بنفاد صبر) أنت أغبى واجبن من رأيت (يوجه كلامه إلى أحد الخادمين)  هيه أنت.

الخادم 1 : أنا سيدي؟

الأب   : من غيرك يا غبي.. ساعده في رفع اللوحة.

الخادم 1 : ( إلى الخادم 2)  يقول لك سيدي.. ساعده في رفع اللوحة يا غبي.

الخادم 2 : أنا أم أنت؟

الأب   : (يغضب) أنتما أيها الأحمقان.

 م المنزل : نعم.. أنتما أيها الأحمقان.

 الخادمان : هذه اللوحة سيدي؟

الأب   : نعم.

الخادمان : سيدي.. إنها.. إنها.

الأب   : (   يستعر غضبا ) إنها ماذا .. ها .. قولا بسرعة

الخادمان : (مستسلمان)  لا.. لا شيء.. لا شيء.

الأب   : إذن خذاها قبل أن آخذ روحيكما.

الخادمان : حاضر.. سيدي.. اللو.. حة.. ان.. أنها (يصرخان بقوة) لا.. لا

           نستطيع.

الأب   : أتخالفان أمري!!

الخادمان : سيدي إنها.. إنها (تخفت الإضاءة ثم تبرق)

الأب   : (بهستريا) ارفعا هذه القمامة.

الخادمان : (يتقدمان نحو اللوحة خائفين مترددين.. يمدان أيديهما.. تطفأ الأضواء ونسمع من خلال الظلام صراخهما) آخ خ خ خ خ.

الأب   : ماذا حدث لكما (صمت)  هل رفعتما اللوحة.. هل تخلصتما منها.. لم لا تجيبان.. ها (تفتح الأضواء.. الخادمان يتكوران على وسطيهما وهما يعانيان الألم)  ما هذا.. ماذا تفعلان؟

سديد : (داخلا)  هل وجدتما الكائن الغريب؟

الأب  : لا وجود على ما يبدو هنا لأي كائن غريب.

سديد : ماذا يعني هذا إذن (يشير إلى الخادمين) 

الأب  : اللدغ بالإيحاء.

الأب  : (مفكرا ثم كمن وجد جوابا)  اللدغ بالإيحاء.

سديد : لم افهم.

الأب  : لو لم يسمع هذان عن الطريقة التي لدغ بها خادمي الخاص لما لدغ أي

         منهما  

سديد : وشقيقي.. ممن سمع حتى يلدغ بالإيحاء هو الآخر.

الأب  : من اللوحة.. هذه اللوحة.

سديد : (ينظر إليها)  هذه؟ (الأب يومئ له بالموافقة)  إنها مجرد لوحة.

الأب  : هذا ما تراه للوهلة الأولى.. دقق النظر قليلا وسترى.

سديد : (يدقق النظر فيفاجأ هو الآخر) يا الهي.. أي لوحة رهيبة هذه.. زهور وعقارب؟ ما الذي جمع الاثنين.. سأرفعها حالا (يهم بالاقتراب منها لرفعها).

الأب  : (يمنعه)  لا.. لا تفعل.. أرجوك.

سديد : أنت متمسك بها إذن (الخادمان يصرخان ثم يتوقفان عن الصراخ) 

الأب  : لا.. لست متمسكا بها.. ولكني أخاف أن يحدث لك ما حدث لشقيقك.

سديد : أبي.. هل بلغ بك الوهم هذا الحد.

الأب  : لا ليس وهما.. بل.. بل.. أوه.. لا ادري ما أقول.. اسمع اسحب هذه ( يشير إلى الخادمين)  خارج الصالة وتخلص منهما بإرسالهما إلى المستشفى (سديد يسحب أحدهما.. ينظر إلى مدير المنزل الذي ظل طوال الوقت واقفا منبهرا مما يحدث) هيه أنت يا أبله.. تعال اسحب هذا الشيء المقرف معي.

م . المنزل : حاضر سيدي.. اتركه لي.

الأب  : سديد.

سديد : نعم يا أبي.

الأب  : أرسل من يأتيك بالشخص الذي بيعت اللوحة في محله حالا.

سديد : حاضر يا أبي (يخرج). 

الأب  : (يتمشى جيئة وذهابا بقلق، وتوتر واضحين.. يرفع سماعة الهاتف.. يدير القرص) الو.. من.. مدير المستشفى.. اسمع.. هل انتهيتم من التحليلات.. حسنا.. ماذا وجدتم؟ (باندهاش) ماذا؟‍‍ لم تجدوا أثرا للدغ على يده؟ كيف؟ بماذا تخرف؟ أطبيب أنت أم مشعوذ؟ لا.. لا يمكن.. ماذا تقول؟ الباراسايكولجي.. أي علم هذا؟ ماذا.. الخوارق؟ اسمع.. أنا لا افهم هذه الثرثرة.. أريد تقريرا دقيقا ومفصلا عن هذه الحالة (يقفل الهاتف.. ينهض.. يستدير نحو اللوحة.. يواجهها) لحد هذه اللحظة.. لا أكاد اصدق أن ما يجري هنا بسببك (ساخرا)  ما أنت إلا لوحة خرساء جامدة نعلقها أينما نشاء.. ووقتما نريد.. إذن.. سأقضي على وهمي.. والقي بك الى القمامة (يتقدم منها.. يعلو صوت الموسيقى ويخفت الضوء)  ما هذا؟ ماذا يحدث لي؟ (يضرب رأسه) اصح يا رجل.. لا تدع الوهم يلعب بك.. سأرفعها هذه المرة.. (بعزم).. سأتخلص من شؤمك إلى الأبد (يتوقف إذ يبرق الضوء في وجهه) يا الهي.. اعلي أن اصدق بالسحر والشعوذة (ينتبه) ها.. ماذا؟.. إنها العقارب.. العقارب تتحرك.. تهاجم الزهور يغطي عينيه يكفيه.. يستدير)  لا يمكن أن أكون ضحية أخرى لهذه الكائنات الغريبة (يصرخ) لا.

سديد : يدخل راكضا) أبي (يتوقف إذ يرى أباه واقفا) هل يحتاج أبي شيئا؟

الأب  : هل طلبت منك الحضور؟

سديد : لا.. ولكني سمعتك تصرخ فأتيت.

الأب  : حسن (يغير الموضوع)  هل أرسلت في طلب الشخص الذي أريد؟

سديد : نعم أبي.. وسآتيك به حالا ( يخرج). 

  الأب  : (إلى الجمهور)  ما أكثر ما يتوهم هذا الولد الشقي (يشير في إثره.. يقلد صوته)  سمعتك تصرخ فأتيت.. متى صرخت (يسأل الجمهور)  هل صرخت حقا؟

       (يجيب بعضهم بالموافقة)  إنكم تتوهمون مثله.. ولا تدركون أنكم مهددون مثلي بهذه اللعبة اللعينة.. إنها مؤامرة واسعة يقصد منها تدميري.. وما هذه اللوحة إلا فخ من فخاخ هذه المؤامرة (طرق على الباب)  ادخل (يدخل سديد ومعه امرأة متوسطة العمر.. رشيقة القوام.. أنيقة الملبس.. تتحدث بطريقة مهذبة)

المرأة : أسعدت مساءا سيدي.

الأب  : (ينظر إليها بصمت.. يشير بيده إلى أحد المقاعد فتجلس المرأة عليه..

         يقترب منها)  إذن أنت صاحبة صالة العرض يا سيدة...

المرأة : وداد.

الأب  : يا سيدة وداد.

المرأة : بكل سرور.. نعم.

الأب : (يتأملها) وجهك ليس غريبا علي.. هل تقابلنا قبل هذه المرة؟

المرأة : كثيرا.

الأب : كيف؟

المرأة : حضرتك تراني كل يوم تقريبا.

الأب  : متى؟

المرأة : عندما تمر صباحا أمام صالتي.

الأب   : آ.. تذكرت.. أنت صاحبة صالة العرض التي في الجوار

المرأة : بالضبط.

الأب   : حسنا سيدة وداد.. انظري إلى هناك.

المرأة : إلى أين يا سيدي؟

الأب   : إلى تلك اللوحة (تنظر إليها)   هل بيعت في محلك.. أقصد صالتك يا

          سيدة وداد؟    

المرأة : على ما اعتقد.. نعم.

الأب   : إذن.. أنت غير متأكدة.

المرأة : لسبب واحد هو أنني لم اعرضها للبيع وآثرت الاحتفاظ بها في مستودع

        اللوحات.

الأب   : لماذا؟

المرأة : لأنني أحسست بالقرف وأنا انظر إليها.. أحسست أنها تشوه الجمال

         بطريقة سحرية؟ !  

الأب   : (مندهشا) بطريقة سحرية؟

المرأة : نعم.

الأب   : ألا يمكنك رجاء أن توضحي هذه العبارة؟

المرأة : أنا لا املك لها إيضاحا محددا.. كل ما في الأمر.. أنني أحسست بها

         هكذا.  

الأب   : وماذا أيضا؟

المرأة : أقنعت الفنان بعدم عرضها لاختلاف أسلوبها عن الأسلوب الذي رسم به

         بقية لوحاته.  

الأب   : أقلت لاختلاف أسلوبها؟

المرأة : نعم.

الأب   : هي متميزة إذن.

المرأة : نعم.

الأب   : سيدة وداد.. اخبريني رجاء كيف وصلت هذه اللوحة بيتي؟

المرأة : (تحاول التذكر) آ.. تذكرت.. لقد جاءني مدير منزلك وأراد لوحات عن الطبيعة بضمنها لوحات زهور.. وعلى عادته دخل إلى المستودع.. وفتش عن اللوحة التي ترضيك فوقع اختياره على هذه اللوحة.

الأب   : من دون أن يشجعه أحد على اختيارها؟

المرأة : بكل تأكيد.

الأب   : غبي.

المرأة : ماذا؟

الأب   : لا عليك.

المرأة : هل اخدم السيد بشيء؟

الأب : فقط.. اتركي لي عنوان الفنان الذي رسم هذه اللوحة.

المرأة : بكل سرور (تخرج من حقيبتها بطاقة تكتب عليها عنوان الفنان) 

الأب   : شكرا لك سيدة وداد (يتوجه الى ابنه سديد) سديد.

سديد : نعم أبي.

الأب  : رافق السيدة إلى خارج القصر و ارسل من يأتي بهذا الفنان (يناوله البطاقة) أريده هنا حالا.

سديد : حالا أبي (يشير للسيدة بالخروج أمامه.. يخرجان) 

الأب  :  (لوحده) لوحة تشوه الجمال بطريقة سحرية (يصمت قليلا) لم تعرضها                       المرأة وقتذاك لاختلاف أسلوبها عن بقية اللوحات (يلتفت إلى اللوحة) ألوحة أنت أم... (لا يكمل) مؤكد انك لست بالشيء العابر، والعادي.. فلو كنت كذلك لما استأثرت باهتمام أحد، ولما استطعت أن تمارسي ضدنا كل هذه الأمور الغريبة.. ولكن لماذا لم توح للسيدة وداد بغير القرف، وعدم الارتياح؟ ها؟ لم لم تمارسي سحرك الرهيب ضد أحاسيسها؟ ألانها امرأة فنانة؟ أم لأنها تعرف أسرار هذا النوع من الرسم العجيب بحكم كونها تاجر لوحات؟ أم انك تختارين المكان الذي يلائم قوتك السحرية (بغضب) قولي شيئا أجيبي أيتها القمامة.. أجيبي.. أجيبي قبل أن أحطمك تماما (تطفأ الأضواء ثم تبرق عدة مرات مع انطلاق صوت موسيقى غرائبية.. الأب يقهقه بصوت عال) هاهاهاه.. لا تحاولي تدبير أمر لي.. فأنا لست ضعيفا إلى الحد الذي تستطيعين إفراغ سحرك وسمك في جسدي (يصرخ) لا.. لا (يدخل الخادم).

الخادم : ماذا حدث لك سيدي.

الأب  : (يهجم عليه فيهرب.. يطارده بين قطع الأثاث.. الضوء مازال خافتا.. يمسك بالخادم ويعضه من يده فيصرخ الأخير صرخة قوية).

الخادم : سيدي.. رحمة بي.. أنت تقتلني.. تقتلني يا سيدي.

سديد : (يدخل مسرعا.. يتوقف مندهشا)  أبي.. لا يليق بك أن تعاقب خادما بهذه الطريقة.. اتركه لي أرجوك (الأب ما يزال ممسكا بيد الخادم) 

الخادم : (إلى سديد) سيدي.. خلصني أرجوك.

سديد : (يحاول تخليص الخادم من أبيه) أبي (الأب يترك الخادم ينفلت منه ليمسك بسديد) أبي.. ماذا تفعل.. انك تهاجمني (يصرخ به) أبي.

الأب  : (ينتبه لنفسه) ها.. سديد.. ماذا حدث.. ما سبب كل هذا؟

سديد : أبي.. لم أرك غاضبا من قبل هكذا بطريقة لا تليق بك.

الأب  : سامحني يا بني.. لا اعرف أي شيء بسط نفوذه علي وراح يتحكم بإحساسي.. لقد فقدت سيطرتي على نفسي.. وصرت كما لو كنت عقربا يحاول اللدغ لأجل.. لأجل.. ها.. لا.. لا شيء.

سديد : أبي .. أنت تعرف سر هذه اللوحة، وتخفيه.

الأب  : كيف عرفت؟

سديد : حضرتك لم تنتبه كيف شبهت نفسك بالعقرب.

الأب  : لم انتبه لأي شيء على الإطلاق.

سديد : وهكذا كله بسبب هذه (يشير الى اللوحة)  لماذا منعتني وقتها من التخلص منها؟

الأب  : لأنني لم أشأ أن تسقط أنت الآخر ضحية لها.. ثم أننا لا نستطيع التخلص منها بسهولة كما تظن.

سديد : ألهذا السبب أرسلت في طلب الفنان الذي رسمها.

الأب  : نعم (يسمع طرقات على الباب)  ادخل (يدخل رجل طويل القامة ويمكن أن يكون قصير القامة أيضا وهو يرتدي معطفا طويلا ويضع على عينيه نظارة سوداء ومعه الفنان). 

الرجل : لقد أحضرته يا سيدي.

 الأب  : من؟ (ثم كمن يعرفه)  آ.. منير.. منير العبيدي.

        أهلا.. أهلا بك في قصري.. تفضل يشير إلى أحد المقاعد فيجلس الفنان عليه.. يقترب منه الأب)  أتعرف لماذا أرسلت في طلبك؟

الفنان : بل قل جرجرتني إلى قصرك.

الأب  : ماذا تعني؟

الفنان : اسأله (يومئ إلى الرجل ذي المعطف الطويل.. الأب ينظر إلى الرجل نظرة استفسار)  سيدي.. لقد امتنع عن الحضور فأحضرته...

الأب  : (يخرج ليقف خلف الباب الوسطى ونصف ظهره الأيمن ظاهر لجمهور النظارة كما لو كان يتنصت بأسلوب بوليسي.. الأب يقرأ الورقة بصمت.. ثم يوجه كلامه إلى الفنان) أرايت؟ لا يمكنني الاعتماد على واحد منهم.. كلهم أغبياء.. لا فرق عندهم بين الفنان وغيره (يغير الحديث)  الآن دعنا منهم ولنتحدث  في المهم.. علمت من مصادري انك مولع برسم الطبيعة

الفنان : صحيح.

الأب  : وانك ابتكرت واقعية جديدة أطلقت عليها الواقعية السحرية.

الفنان : لست مبتكر هذه الواقعية.. كل ما في الأمر أنني وجدت هذه العبارة

        ملائمة تماما لتوضيح طريقتي في تناول الطبيعة.  

الأب  : افهم من هذا انك لا تعرف شيئا عن السحر؟

 الفنان : بل اعرف أشياء غير قليلة

الأب  : هل تعني انك مارسته فعلا؟

الفنان : أحاول وأعيد المحاولة مرات عديدة في كل لوحة من لوحاتي. 

الأب  : هل تعتمد على تعويذة معينة.

الفنان : اعتمد على أية تعويذة متاحة وممكنة.

الأب  : وهل نجحت؟

الفنان : هذا ما طمحت إليه طوال حياتي.

الأب  : (بتأكيد)  بل انك نجحت (يتقدم منه.. يضع يده على كتفه) أنت ساحر

         فعلا.    

الفنان : هذا إطراء كبير لا استحقه.

الأب  : أنت تستحق أكثر من هذا بكثير.. ما تقوم به أنت لا يقوم به أي ساحر

        غيرك.

الفنان : لكني لم ارق بعد إلى مصافي أولئك العظماء.

الأب  : بل تجاوزتهم.

الفنان : كيف (صمت)  ألا تدهشك قوة تعبير سيزان؟ ألا يبهرك بفيض جماله وسحره كوكان؟ وفان كوخ.. ألا تفيض لوحاته بالسحر، والجمال حد أنها تخطفك من عالمك المحسوس إلى عالم آخر سحري؟

الأب  : لا تحاول تغيير الموضوع.                                                             

 الفنان : أنا أتحدث ضمن موضوعة السحر.

الأب  : وأنا أتحدث ضمن موضوعة  تأثير السحر (يصمت ثم ينطق بخبث) تأثير سحرك في الناس.

الفنان : أنت تحاول اتهامي بالشعوذة .. أليس كذلك؟

الأب  : كلا.. لكني فقط أريد التأكد من قدراتك السحرية.

الفنان : يبدو انك أخطأت في طلبي يا سيدي.. فأنا لست الشخص الذي تريد.. أنا فنان.. مجرد فنان يتواصل مع العالم، والحياة من خلال فرشاته وألوانه، ولا يعرف أي شيء عن الشعوذة.

الأب  : وهذه اللوحة ( يشير إليها)  أليست من وضع فرشاتك وألوانك نفسها؟

الفنان : (يلتفت إلى اللوحة)  زهور وعقارب؟ اجل.

الأب  : إذن.. أنت تؤكد سلامة القصد.

الفنان : أي قصد يا سيدي.

الأب  : السحر الذي مارسته في هذه اللوحة، وفجرته فيها من خلال العقارب لا من خلال الضفادع كما هو معتاد وهذا أمر لم يقدم عليه أحد من الذين سبقوك.

الفنان : (محتارا)  لم افهم.

الأب  : سأجعلك تفهم (يتحرك باتجاه اللوحة)  ولوحتك هذه يا أستاذ أرسلت إلى

         هنا بقصد واضح هو.. تدميري.  

الفنان : ماذا؟.. تدميرك؟ !

الأب  : نعم.

الفنان : لماذا؟

الأب  : أنت تعرف السبب طبعا.

الفنان : ما اعرفه سيدي أنها مجرد لوحة.. لوحة جمعت فيها نقيضين هما الزهور

        والعقارب وأردت من خلال هذا...  

الأب  : ( يقاطعه) تدميري.. هذا ما أردته بالضبط.

الفنان : أنا لا أهدف إلى تدمير أحد.

الأب : أصادق أنت؟

الفنان : نعم.

الأب  : إن كنت صادقا حقا غيّر عقاربك هذه إلى فراشات ملونه.. أليست الفراشات أكثر انسجاما مع الزهور.

الفنان : والتضاد؟ كيف اخلق التضاد.

الأب  : ليذهب التضاد إلى الجحيم (بانفعال واضح) حول عقاربك إلى فراشات

        جميلة يا أستاذ منير.     

الفنان : (بحزم) مستحيل.

الأب : (متراجعا)  معك حق.. لا أحد اليوم يقوم بعمل دون مقابل.. سأمنحك

        عشرة آلاف دينارا عن كل عقرب تحوله إلى فراشة.  

الفنان : عشرة آلاف فقط؟

الأب  : لا.. سأمنحك مكافأة إضافية.. بضعة آلاف أخرى.

الفنان : آلافك هذه يا سيدي كلها لا تعادل تغيير عقرب واحد.

الأب  : حسن.. أنا موافق.                                                               

 الفنان : موافق؟ على ماذا؟

الأب  : على دفع هذا المبلغ لقاء كل عقرب من عقاربك.

الفنان : وأنا غير موافق.

الفنان : حين تكتمل اللوحة وتعرض للناس فأنها تصبح ملك مرحلتها.. لا ملك الفنان الذي أنتجها.

الأب  : هذا يعني انك تريد رفع ثمنها.

الفنان : الإبداع لا يعادله ثمن مهما كان الثمن باهضا.

الأب  : لكل شيء في هذا الوجود ثمن.

الفنان : إلا الإبداع.

الأب  : افهم من هذا انك لا تريد إبطال السحر من اللوحة (الفنان لا يجيب) اجبني دون  لف أو دوران.. هل ستغير هذه العقارب أم لا؟

الفنان : بصراحة (يصمت) لا.

الأب  : (بتعجب)  وقاحة لم اعهدها من أحد.. أتخالف أمري؟‍‍‍

الفنان : (لا يجيب). 

الأب  : ينظر إلى الرجل ذي المعطف الطويل الذي ما يزال واقفا يصغي عند الباب.. أنت.. تعال (يشير برأسه إلى الفنان فيسحبه بقوة نحو الخارج)  توقف (يتوقفان) لن اسمح لك بمقابلتي ثانية إلا والفرشاة بيدك.. هل فهمت (الفنان يكتفي بابتسامة معبرة خفية تثير حنق الأب) خذه ( يخرجان.. الأب يتوجه إلى اللوحة)  لقد أرسلته إلى الجحيم (يشير في اثر الفنان)  وسأجعلك تلحقين به الآن أيتها الفاجرة (يتقدم منها أكثر.. وسأجعل من زهورك هذه وقودا لجحيم لم يحلم به ساحر يوما (يتقدم أكثر)  وسأرمى رمادك على اكبر مزبلة في المدينة.. ها.. هل.. تعتقدين أنني خائف منك أو متردد في تنفيذ ما أريد.. حسن.. حسن.. سترين أن سحرك كله غير قادر على الوقوف بوجهي.. وان لا أحد يستطيع عصيان أمري.. ما أريده هو الذي ينفذ.. وما تريدينه أنت ليس سوى هراء أو خراء.. هل تسمعين (يصمت قليلا بانتظار الإجابة) أنا اعرف انك لا تسمعينني فما أنت إلا لوحة صماء.. وان عقاربك هذه لا تستطيع لدغي.. هل فهمت أيتها الفاجرة..                    (يصرخ بها) هل فهمت (يصرخ أعلى)  هل فهمت ( اللوحة لا تجيبه فيتقدم منها غاضبا)  إذن الفظي أنفاسك الأخيرة (نسمع الأصوات والمؤثرات الغرائبية نفسها.. ونرى الإضاءة تخفت قليلا ثم تطفأ ليبرق الضوء عدة مرات خلال تقدم الأب وتراجعه أمام اللوحة.. وما أن يظلم المسرح حتى نسمع صرخة الأب.. تفتح الإضاءة خافتة على المسرح.. نرى الأب في وسط الخشبة ماسكا يده.. متألما غير مصدق ما حدث.. يستمر وقوفه وتحديقه باللوحة لفترة وجيزة.. تختفي بقعة الإضاءة من عليه تدريجيا مع الموسيقى لتضاء اللوحة في الوقت نفسه تدريجيا أيضا مع الموسيقى.. تستمر الإضاءة مركزة عليها مدة قصير قبل أن يسدل الستار).