متوالية الدم الثانية

 

شخوص المسرحية‏

 

المخترع

المساعد‏

المساعدة‏

أستاذ 1، 2 ،3، 4                     

المتطوع 1‏، 2

رجل 1، 2                        

عالم 1، 2، 3، 4

عدد من الأتباع والحراس

[على الجدار المواجه لجمهور النظارة علق شعار (أكاديمية العلوم) بحجم يتيح لمن يجلس في آخر الصالة مشاهدته بوضوح. تحته كتب بخط واضح (جناح التجارب والبحوث) وتحتها (شعبة الدماغيات). على الجدار نفسه وفوق المنضدة التي تمتد مع امتداده هناك شاشة (سكرين] كبيرة وشاشتان صغيرتان وفرن تكاثر. على الجدارين الأيمن والأيسر تمتد الخزائن وفوقهما أجهزة، ومعدات، ولوازم طبية مختلفة. الجدران الثلاثة تعزل عن الخشبة بوساطة مسطحات سلايد ذاتية الحركة. كرسيان آليان في وسط المسرح ربط عليهما المتطوعان الأول والثاني. على أسفل يمين الخشبة قضبان ومشبكات حديدية هي بمثابة قفص أمان لحجز حيوانات التجارب. وعلى أسفل يسارها ثبتت أزرار كثيرة وأجهزة تحكّم مختلفة يمكن للمسارح التي أجهزة تحكمها بالإضاءة ما تزال يدوية وضع جهاز السيطرة (الدمير) تحت تصرف المخترع الذي سيكون متواجداً هناك أغلب الوقت.

عندما تفتح الأضواء نرى المخترع (بالملابس البيض) والمساعدين (بالملابس الخضر) والمتطوعين (بالملابس البيض) ومجموعتين من العلماء والأساتذة. تجلس الأولى على أسفل يسار الخشبة التي تتقدم خشبة المسرح الكبيرة، وتجلس الثانية على أسفل يمينها. مع الموسيقى يقوم المخترع بتحريك المسطحات التي تحجب الجدران الثلاثة تحريكاً آلياً بواسطة جهاز التحكم عن بعد "REMOTE CONTROL"..]

 

المخترع : (إلى مساعديه) الآن سنبدأ.. هل أنتما جاهزان؟‏

المساعدان : (معاً) نعم (يقوم أحدهما بإنزال جهاز الإشعاعات من فضاء المسرح ليستقر فوق الكرسيين مباشرة)‏

المخترع : وحدة الإشعاع جاهزة؟‏

المساعدة : نعم‏

المخترع : وجهاز النقل‏

المساعد : جاهز هو الآخر‏

المخترع : حسن.. اجعل السعة الخزينية لجهاز التحفيز على أقراص CD-ROM 6050 ميكابايت وانتظر الإشارة (إلى مجموعة العلماء والأساتذة الجالسين أسفل يسار وأسفل يمين الخشبة الصغيرة) العملية كما سترون، أيها السادة والسيدات، تنجز بمرحلتين: في المرحلة الأولى نقوم بتحفيز منطقة (بايرنك) (يشير بعصا صغيرة إلى منطقة بايرنك التي ظهرت على الشاشة الصغيرة الأولى ضمن نموذج إيضاحي لجغرافية الدماغ) وهي، كما تعرفون، مختصة بالاستيعاب، بوساطة جهاز التحفيز الصوتي المبرمج . وفي المرحلة الثانية نقوم بنقل الدم ، نقلاً سريعاً متوالياً متزامناً ، مع التحفيز. وهاتان المرحلتان المختلفتان والمتزامنتان ، لا يمكن القيام بهما باستخدام الأجهزة التقليدية لأنهما تحتاجان إلى برمجة غاية في الدقة والتعقيد.‏

انظروا، الآن، إلى دماغي هذين المتطوعين (تظهر صورة الدماغين على شاشة السكرين الكبيرة) الدماغ الأول يتمتع بتفوق في المجالات المعلوماتية بينما لا يتمتع الثاني بأي تفوق يذكر، علاوة على إصابته ببعض التخلف . راقبوا ما يحدث عندما أقوم بتشغيل الجهازين (يعطي الإشارة للمساعدين فيقومان بتشغيل الجهازين. يصدر عن جهاز التحفيز صوت صفير حاد يشتد شيئاً فشيئاً. ومع اشتداده تزداد الشحنات الكهربائية الخارجة من الدماغ الأول. والداخلة إلى الدماغ الثاني. ويظهر جلياً تأثر التلافيف الدماغية بتلك الشحنات. نرى على الشاشة الصغيرة الثانية التخطيط الخاص بالدماغين) لاحظوا سرعة خزن المعلومات في (بايرنك) الثاني.. وراقبوا كيف يستغلها ويخزنها بدقة تفوق أي كمبيوتر على الخزن السريع والدقيق (ثم بلهجة خطابية) سادتي العلماء.. يسعدني جداً أن أضع هذين الجهازين( يشير إلى الجهازين) في خدمة البشرية جمعاء.. وكلي ثقة بأنهما سيحققان لعالمنا قفزة عقلية وحضارية هائلة.. ولكم أن تقرروا صلاحيتهما قبل عرضهما على المؤتمر العلمي لعموم أقطار الكرة الأرضية (تصفيق)‏

عالم 1 :   (وهو واحد من مجموعة العلماء الجالسين يسار الخشبة الصغيرة) اختراعك هذا يضعنا أمام امتحان صعب وعسير من الناحية العملية لأنه يقوم أساساً على وحدة العقل البشري.. كيف يمكن أن نتصور وضع البشرية وهي تفكر وتعمل وتقرر وتبدو كأنها ضغطت في عقلية واحدة.‏

المخترع : المستوى العقلي الواحد لا يلغي بنية التطور في العقلية البشرية.. واختراعي سيوفر الفرصة للتقدم والتطور الكبيرين في كل أرجاء المعمورة.

عالم 2 : (وهو واحد من مجموعة العلماء الجالسين أٍسفل يمين الخشبة الصغيرة) ولكنك بهذا تنمذج العقلية البشرية.

عالم 3 : لا بأس في هذا إذا كان الخيار موفقاً.

عالم 4 : أعتقد أن المسألة أعقد من هذا بكثير أن نحن أردنا اختيار عقلية متكاملة متفوقة .. أنا أقترح، أن سمحتم لي، وهذا أمر قد يكون سابقاً لأوانه فالجهازان لم يعرضا بعد على المؤتمر العلمي لعموم أقطار الكرة الأرضية، بلورة نموذج خاص مأخوذ من مصادر متعددة نلاقح بينها ثم نبدأ بالنقل والتناسخ.

عالم 5 : مع ذلك تظل مشكلة الناس قائمة.

المخترع : أي مشكلة‏.

عالم 5 : مشكلة رفضهم التخلي عن خزينهم الذاكراتي.

المخترع : تجربتنا لا تمحو من خزينهم الذاكراتي شيئاً.. إنها مختصة بمنطقة (بايرنك) فقط والنموذج الجديد يختزن معلومات جديدة دون أن يفقد، في المقابل، معلومات مختزنة ويصحح المعلومات الخاطئة دون أن يلغيها.. ثم أن مناقشة الأهداف والنوايا سيكون من نصيب المؤتمر العلمي الدولي الذي سيقرر الطريقة والاختيار.

أستاذ 1 : (وهو عميد أكاديمية العلوم.. ينهض موجهاً حديثه إلى المخترع ومجموعة العلماء) لا ينبغي عرض هذين الجهازين على المؤتمر الدولي، ولا ينبغي استغلالهما دولياً قبل أن نحقق المجتمع المنشود في بلادنا.. نحن سنكون قوة مثال هائلة للبشرية.. والعالم كله سيكون مديناً لنا بشكل أو بآخر.. إما بالنسبة للاختيار فأمره أسهل مما تتصورون بكثير (ينبعث من جهاز النقل صوت المنبه فينظر المخترع إلى ساعته).

المخترع : سيدي عميد أكاديمية العلوم.. عذراً لمقاطعتك.. لقد انتهى وقت النقل الآن.

أستاذ 1 : حقاً؟ بهذه السرعة ! عظيم.. عظيم جداً.. تفضل.

المخترع : (إلى المساعدة) هل الإشارة في جهاز النقل ثابتة عند الصفر؟‏

المساعدة : نعم.

المخترع : إذن افتحي الأربطة (تقوم بفتح الأربطة. ثم إلى المساعد) افتح جهاز التحفيز الصوتي (يفتح الجهاز بينما يقوم المخترع برفع جهاز الإشعاعات بواسطة جهاز التحكم اليدوي. تفتح الأضواء) خذوهما إلى غرفة الاستشفاء بالذبذبة وأعيدوهما، إلى هنا، لإجراء الاختبار (يهمان بالخروج فيوقفهما بإشارة منه. ثم إلى المساعدة) ناولني جهاز التحفيز لو سمحت يا دكتور.

المساعد : (يناوله جهاز التحفيز) تفضل‏.

المخترع : شكراً لك.. يمكنكما الخروج (يخرجان وهما يدفعان أمامهما الكرسيين بوساطة جهاز تحكم يدوي صغير. المخترع يعود لمحاورة عميد الأكاديمية) أعتذر لك ثانية سيادة العميد لمقاطعتي إياك.. أظن أنك قلت: إن الأمر أٍسهل مما نتصور بكثير‏.

أستاذ 1 : نعم.. ولكنني أرى تأجيل، هذا الأمر إلى ما بعد الاستشفاء‏.

المخترع : كما تريد سيدي (ثم) الاستشفاء كما تعلم لا يتطلب سوى لحظات قصيرة سأفترض خلالها أن الأمور سارت على ما يرام وصار بالإمكان نقل أي عقلية إلى الآخرين..‏ كيف سنفرض أو بالأحرى كيف نقنع الآخرين بقبول فكرة التحول إلى المجتمع الجديد الموحد عقلياً؟‏

أستاذ 1 : بالتوعية والتثقيف‏.

المخترع : أنت متفائل جداً يا سيدي العميد.. مجتمعنا اليوم ليس كمجتمع الأمس.. إنه متحضر ومتطور ولكنه في الوقت نفسه يكره التغييرات السريعة.‏

أستاذ 1 : لا عليك أيها المخترع.. سأتكفل الأمر بنفسي حالما تبدأ الخطوة الأولى.

المساعدة : (تدخل مع زميلها المساعد) لقد تم الاستشفاء يا سيدي.

المخترع : هل هما على ما يرام؟‏

المساعدة : نعم.

المخترع : أحضراهما، إلى هنا، لإجراء الاختبار (يخرجان ثم يعودان ومعهما المتطوعان وبوساطة أجهزة التحكم اليدوية يدخلان كرسيين آليين ليجلس عليهما كل متطوع في جهة من جهتي المسرح ثم يضع كل مساعد على أذني المتطوع الذي يقف بقربه جهاز حجب الصوت لكي لا يتسنى للمتطوعين سماع أحدهما الآخر وهو يجيب على أسئلة المخترع. المساعدة تضع الجهاز، أولاً، على أذني المتطوع الثاني. المخترع يتقدم من المتطوع الأول) أجبني يا بني بكلمة واحدة فقط ما الذي جعل الإنسان إنساناً؟‏

المتطوع 1 : (مفكراً) العمل.

المخترع : (يتوجه إلى المتطوع الثاني يشير إلى مساعدته فترفع عن أذنيه الجهاز ليتسنى له سماع السؤال) وأنت يا بني.. أجبني أيضاً.. ما الذي جعل الإنسان إنساناً؟‏

المتطوع 2 : (يفكر) العمل.

المخترع : (يتوجه إلى المتطوع الأول) من جعل الليل ليلاً.. والنهار نهاراً؟‏

المتطوع 1 : التعاقب‏

المخترع : (يتوجه إلى الثاني فترفع المساعدة جهاز حجب الصوت من على أذنيه) هه وأنت بماذا تجيب؟.. من جعل الليل ليلاً والنهار نهاراً؟‏

المتطوع الثاني : التعاقب.

المخترع : (بسرعة) ما زينة المرء؟‏

المتطوع1 : العقل.

المخترع : ما زينة المرء؟‏

المتطوع2 : العقل.

المخترع : من منحك الثقة بنفسك.

المتطوع1 : التوازن.

المخترع : وأنت.. من منحك الثقة بنفسك.

المتطوع2 : التوازن‏.

المخترع : أحسنت.. الآن يمكنكما الانصراف.. شكراً لكما (يخرجان بأدب جم. ثم إلى مجموعة العلماء) لنعد ثانية إلى مسألة الاختيار.. شخصياً أضم صوتي للمقترح القائل ببلورة نموذج خاص مأخوذ من مصادر متعددة.. نلاقح بينها ثم نبدأ بالنقل والاستنساخ.‏

أستاذ1 : لا تضيعوا وقتكم أيها السادة.. لقد حسم الأمر وتم الاختيار (صمت) الجميع ينظرون إليه باستغراب ثم بهدوء وثقة) لا أظن أحداً منكم يرفض أن تكون عقلية المجتمع الجديد متناسخة من عقليتي أنا.‏

المخترع : (يصاب بالدهشة) ولماذا عقليتك أنت يا سيدي.‏

أستاذ1 : لنقل أنه وفاء لدين.‏

عالم1 : هذا أمر يحتاج إلى قرار جماعي.‏

أستاذ1 : الأمر لا يحتاج إلى قرار.‏

المخترع : بل يحتاج.. عندما يتعلق الأمر بما ستؤول إليه عقول الآخرين فإنه يحتاج إلى قرار جماعي.‏

أستاذ1 : هل أفهم من هذا أنك تستبعدني يا حضرة المخترع.‏

المخترع : بصراحة.. نعم.‏

أستاذ1 : ولكن الأمر لم يعد بيديك.‏

المخترع : أنا مخترع هذا الجهاز (يشير إلى جهاز التحفيز الصوتي).‏

أستاذ1 : بالتأكيد.. لا أحد يقول خلاف هذا.. ولكن لكل إنجاز علمي طرفان.. حالما ينتهي عمل الأول يبدأ عمل الثاني.‏

المخترع : وأنت يا سيادة العميد.. هل تعتبر نفسك طرفاً في الإنجاز‏

أستاذ1 : أنا من يقرر ويختار ويوافق على وضع جهاز التحفيز الصوتي أو أي جهاز آخر قيد الاستعمال.‏

المخترع : ألهذا تقدم نفسك على الجميع‏

أستاذ1 : لأنني أريد صالح الجميع‏

المخترع : كيف؟.. باختيار عقليتك نموذجاً لهم؟‏

أستاذ1 : بالضبط.‏

المخترع : سيادة العميد.. أنت واهم.‏

أستاذ1 : ماذا تعني؟‏

المخترع : أنا.. أستبعدك من التجربة.‏

أستاذ1 : لن تستطيع.. المجتمع الجديد.. مجتمعي أنا.. ثم أتعتقد أنني وضعت ميزانية الأكاديمية تحت تصرفك للاشيء؟‏

المخترع : إذن.. أنت تريد الثمن.‏

أستاذ1 : لنقل.. أنك بدأت تفهمني.‏

المخترع : بل قل.. بدأت أعرفك على حقيقتك.‏

أستاذ1 : حذار أيها المخترع.. لن تستطيع فعل أي شيء على الإطلاق. إلا بوساطتي هل فهمت؟‏

المخترع : لم أفهم سيدي العميد.‏

أستاذ1 : سأجعلك تفهم (يتقدم باتجاه المخترع) العملية التي قمت بها، الآن، تكمن خطورتها في الوجهة التي سيَسير عليها المجتمع الجديد.. وأنا لا أريد أن يتعرض مجتمع كمجتمعنا للاضطراب.. لهذا يجب أن يتحكم به شخص راجح العقل ليقوده بحكمة على طريق التقدم والإنسانية.‏

المخترع : مع شديد احترامي لشخصك ، يا سيدي ، أرى أنك غير مؤهل للقيام بكل هذا.‏

أستاذ1 : أنت لا تعرفني كما ينبغي.‏

المخترع : السنوات التي قضيتها في هذه الأكاديمية جعلتني على معرفة بكل شخصية من شخصياتها.‏

أستاذ1 : إن كنت كذلك حقاً.. لم تستبعدني؟.. أليس في هذا بعض الجحود؟‏

المخترع : بل قل بعض الإنصاف.‏

أستاذ 1 : الإنصاف في استبعادي ؟.. أي إنصاف هذا يا حضرة المخترع.‏

المخترع : أنا لا أريد أن أحملك وأحمل نفسي مسؤولية لا طاقة لنا بها.. أنت تدرك، طبعاً، ما سيحصل للأجيال المقبلة إن لم يكن الاختيار موفقاً.‏

أستاذ 1 : أنا سأتكفل بكل شيء.‏

المخترع : إذن أنت مصر على طلبك.‏

أستاذ 1 : نعم.. لأني لا أجد من هو أكثر نفعاً مني للمجتمع الجديد.‏

المخترع : هذه أنانية الفرد في الاستحواذ على ما يخص الجماعة.‏

أستاذ 1 : بل هي حكمة المرء في أن يرى صورة سلوكه في الآخرين ليطمئن أخيراً على أن السلوك الجديد سيكون إيجابياً.‏

المخترع : الإيجابية لا تعني قولبة السلوك على نمط معين.‏

أستاذ 1 : أنت تتمادى كثيراً.

المخترع : أنا مخترع هذا الجهاز (يشير إلى جهاز التحفيز الصوتي) ومن حقي أن أفرض إرادتي كي لا يستخدم اختراعي لأغراض شخصية.‏

أستاذ 1 : جحودك يجعلني أغير طريقة تعاملي معك.‏

المخترع : ماذا تعنى؟‏

أستاذ 1 : سترى (يتقدم باتجاه المخترع وقد استشاط غضباً، وقبل أن يصل إلى منتصف المسافة يقاطعه أحدهم وسنطلق عليه تمييزاً له رجل1).‏

رجل1 : مهلاً سيادة العميد (يتوقف العميد في محله. يستدير) أجبني حالاً.. بأي حق تختار نفسك وتفرضها على المجتمع الجديد؟‏

أستاذ 1 : خدمتي للعلم والعلماء ومسؤوليتي في هذه الأكاديمية كعميد.. لولاي لم يستطع أحد أن ينجز ما أنجز.. أليس هذا كافياً يا حضرة الـ..‏

رجل1 : السكرتير.‏

أستاذ 1 : يا حضرة السكرتير.‏

رجل1 : لا.. ليس كافياً يا حضرة العميد.. أقولها لك وللمخترع وللجميع.. لقد نسيتم جميعاً من يقرر ومن يختار (يتقدم رجل 1 من المخترع ويقف إلى جانبه) الآن سنبدأ البداية الصحيحة (يخرج من جيب معطفه هاتفاً خلوياً ويطلب رقماً. الجميع منبهرون بما يفعل) سمو الأستاذ.. كل شيء جاهز كما توقعت.. بالضبط.. إطمئن.. حسناً.. نحن بانتظارك (إلى الجميع) سيطل علينا سموه وسيختار من يختار ويرفض من يرفض.. باسمه أحذر من أي تصرف لا يليق بمكانته بيننا (إلى العميد) أما أنت يا سيادة العميد.. ونظراً لتجاوزك على صلاحيات سمو الأستاذ.. فقد تقرر إيقافك حتى يبت الأستاذ بأمرك.‏

المخترع : أيها السيدان.. ألا تريان أنكما تتصرفان وكأن كل شيء عائد لكما.‏

رجل1 : إن كان كلامك موجهاً لي، يا سيدي، فاسمح لي أن أقول أنك على خطأ كبير.‏

المخترع : لماذا؟‏

رجل1 : لأني لم أرد شيئاً لنفسي.‏

المخترع : ماذا تعني؟‏

رجل1 : سمو الأستاذ، يا سيدي، أحق منك ومني بامتلاك أمورنا.‏

المخترع : عن أي أمور وأي أستاذ تتحدث؟‏

رجل1 : أستاذي وأستاذك.. بل أستاذنا جميعاً.. إنه السيد رئيس جامعة العلوم الطبية.. الجامعة التي فتحت لك أبوابها واحتضنت تجاربك كلها (المخترع يعترض فيقاطعه السكرتير) أرجوك يا سيدي.. أنت موضع احترامه.. فلا تفرط باحترامه لك (يدخل الأستاذ رئيس الجامعة، مع اثنين من مرافقيه وسنطلق عليه اختصاراً أستاذ 2).‏

أستاذ 2 : (داخلاً) صه يا أنت.. المخترع لا يفرط باحترام أحد.. وهو جدير باحترام الجميع.. (إلى المخترع) أهنئك أيها المخترع العظيم على إنجازك الرائع وأقر أمام الجميع أنكَ دخلت التاريخ من أوسع أبوابه وإني أمنحك الموافقة على تسجيل اسمك، في حفل خاص، على لوح الخالدين.‏

المخترع : شكراً سمو الأستاذ.‏

أستاذ 2 : لنتحدث، الآن، بما هو أهم من كلمات الشكر والمجاملة.‏

المخترع : هل أفهم أن الأستاذ يلمح إلى مسألة الاختيار.‏

أستاذ 2 : بالضبط.. وهذا ما جئت من أجله الآن.. ولا أخفي إني انتظرت، هذه اللحظة، مذ كانت تجربتك مجرد فكرة استنتجها عالم طموح من مسرحية خيالية ، لقد شاهدت أنا، كما شاهدت أنت، عرض مسرحية صباح الأنباري، متوالية الدم الصماء، ولم يفتني الانتباه إلى الاختيار الملائم الذي اهتدى إليه كاهن المسرحية في اللحظة المناسبة.‏

المخترع : إلى أي شيء يرمي سمو الأستاذ؟‏

أستاذ 2 : إلى الاختيار طبعاً.‏

‏المخترع : هل أفهم من هذا ان الاختيار قد تم وأن الأمر قد حسم؟‏

أستاذ 2 : بالضبط.‏

المخترع : كيف؟.. كيف يمكن أن يتم، هذا، بدوني؟.‏

أستاذ 2 : يمكن في حالة واحدة.‏

المخترع : أية حالة؟‏

أستاذ 2 : عندما تكون العقلية المختارة هي (يتوقف قليلاً. يبتسم) عقليتي أنا.‏

المخترع : ولكنا، يا سيدي ، اقترحنا بعض المواصفات التي لا تنطبق على عقلية سموك.‏

أستاذ 2 : خطأ.. ما فعلتموه خطأ كبير.. أنكم تجهلون ما سيؤول إليه المجتمع الجديد من دون نظام جديد.. لقد جئت لأقول لكم اطمئنوا فصورة المجتمع الجديد ونظامه هنا (يشير إلى رأسه) في هذا الرأس.‏

المخترع : ترى هل فكر سمو الأستاذ، أيضاً، بالوسيلة التي تقنع الناس بفكرة تغيير عقلياتهم.‏

أستاذ 2 : أجل.. لقد فكرت بكل صغيرة وكبيرة حتى أصبحت صورة العالم واضحة أمام عيني.‏

‏المخترع : إذن.. بشكل أو بآخر أنت تريد امتلاك العالم.‏

أستاذ 2 : بالضبط (متداركاً) أعنى إسعاد العالم عن طريق إزالة الفوارق العقلية و الطبقية وجعل العقلية السائدة اجتماعياً مرتكزة على عقليتي أنا.‏

المخترع : حتى وإن كانت عقلتيك غير ملائمة لهذا العالم؟‏

أستاذ 2 : نعم.‏

المخترع : سمو الأستاذ (بحده) أنت تطلب المستحيل.‏

أستاذ 2 : هذا يعني أنك تتحدى إرادتي.‏

المخترع : هل الدفاع عن مصائر الناس تحد لإرادتك.‏

أستاذ 2 : أنا أكثر معرفة منك بهؤلاء الناس وبمصائرهم، ولهذا حين أفرض عقليتي عليهم فإنني أدرك، تماماً، إن ما أقوم به لخدمتهم جميعاً.‏

المخترع : بل لخدمتك أنت.‏

أستاذ 2 : كيف؟‏

المخترع : عندما تجعل من عقليتك أنموذجاً لهم يعني منحك فرصة السيطرة على عقولهم و توجيهها الوجهة التي تشاء.‏

أستاذ 2 : أليس هذا في صالحهم أيضاً؟‏

المخترع : بل في صالحك أنت.‏

أستاذ 2 : لا فرق.. لا فرق أبداً.. لهذا يمكنك المباشرة بعملك فوراً.‏

المخترع : أي عمل؟!‏

أستاذ 2 : نقل عقليتي إلى الآخرين.‏

المخترع : وإن رفضت.‏

أستاذ 2 : لن ترفض.‏

المخترع : ألهذا الحد أنت واثق من عدم رفضي.‏

أستاذ 2 : بل أكثر من هذا أيها المخترع.‏

المخترع : (يفكر قليلاً) حسن.. إذن سأقوم بعملي (يبدأ بالتحضيرات وكأنه سيقوم بالعملية فعلاً، الأستاذ الجديد يراقبه باهتمام ودقة).‏

أستاذ 2 : (وقد أدرك نوايا المخترع) وغد.. كنت أعرف أنك وغد حقير.. لم يتبادر إلى ذهني أن عالماً، مثلك، يمكن أن يتحول إلى قاتل (بتهديد) اسمع.. ستقوم بالنقل الآن.. وسيشرف مرافقي، هذا، (يشير إلى أحد المرافقين) على عملك كله فلا تحاول معي شيئاً.. وتذكر أن مرافقي هذا (يشير للمرافق الآخر) لا يرحم القتلة.. الآن سنبدأ....‏

أستاذ 3 : (وهو يسير بين الجمهور في الممر المؤدي إلى الخشبة) أوقفوا هذا الرجل المعتوه (المرافقان يرتبكان لمرأى الأستاذ الجديد فيوقفان أستاذهم ويزجان به داخل قفص حيوانات التجارب (إلى المخترع) أهنئك أيها المخترع العظيم على إنجازك الرائع وأقر، أمام، الجميع، أنك دخلت التاريخ من أوسع أبوابه.‏

المخترع : (بآلية) شكراً سمو الأستاذ.‏

أستاذ 3 : لنتحدث، الآن، بما هو أهم من كلمات الشكر والمجاملة.‏

المخترع : إلام يلمح سمو الأستاذ.‏

أستاذ 3 : إلى الاختيار طبعاً.‏

المخترع : (يكرر عبارات الأستاذ السابق بآلية واضحة) وهذا ما جئت من أجله الآن.‏

أستاذ 3 : بالضبط.‏

المخترع : هل أخطأ أن قلت إنك لا تريد أن تخفى حقيقة انتظارك هذه اللحظة مذ كانت تجربتي مجرد فكرة خطرت في ذهني وأنا‏ أشاهد عرض المسرحية الصامتة (متوالية الدم الصماء)؟‏

أستاذ 3 : بالضبط.. إنك تتحدث وكأنك في عقلي أنا.

المخترع : أستطيع القول أيضاً.. إن الاختيار قد تمّ وأن الأمر قد حسم.‏

أستاذ 3 : عظيم.. رائع.. إنك عالم حقا.ً‏

المخترع : ولكن يا سيدي كيف يتم الاختيار ويحسم الأمر من دون موافقتي؟

أستاذ 3 : يتم، فقط، عندما تكون العقلية المختارة للمجتمع الجديد هي عقليتي أنا.‏

المخترع : هل تعتقد سمو الأستاذ أنك أنموذج ناجح للمجتمع الجديد.‏

أستاذ 3 : وهل تعتقد أنت خلاف هذا.‏

المخترع : إن سمحت، لي، أن أكون جريئاً، في حضرتك، سأقول...‏

أستاذ 3 : (يقاطعه وكأنه فهم ما سيقوله المخترع) لا حاجة بك إلى القول.. اسمع ليس لدي وقت أضيعه في القول.. سنقوم بالعملية الآن وسأكون نموذجاً للمجتمع المنشود.. هيا.. لنبدأ البداية الصحيحة.‏

المخترع : لن تكون البداية صحيحة دون دراسة مستفيضة واختيار سليم.‏

أستاذ 3 : ليس الاختيار من اختصاصك أيها المخترع.‏

المخترع : اعرف.. إنه من اختصاصنا جميعاً.‏

أستاذ 3 : لا.. ليس من اختصاصكم على الإطلاق.. إنه اختصاص الجهات العليا.‏

المخترع : عندما يتم الاختيار بقرار من أية جهة كانت فهذا يعني أنه اختيار محدود.‏

أستاذ 3 : صحيح.. ما تقوله صحيح جداً.. وهو يفسر الكيفية التي أتوخى فيها سلامة النموذج المقترح.‏

المخترع : وإذن.‏

أستاذ 3 : عليك أن تقوم بالعملية.‏

المخترع : على أي نموذج عقلي مقترح؟‏

أستاذ 3 : عليّ أنا أيها المخترع.. هكذا تكون بدايتنا صحيحة وسليمة.‏

المخترع : وإن رفضت.‏

أستاذ 3 : لا أحد، قبلك، استطاع أن يرفض لي أمراً.‏

المخترع : أنا أرفض.‏

أستاذ 3 : اسمع يا حضرة المخترع (يقترب من المخترع مفسراً).. قراري لا يمثل رغبتي الشخصية.. بل رغبة اجتماعية عامة.‏

المخترع : لا.. لا أصدق.‏

أستاذ 3 : عليك أن تصدق.‏

المخترع : لا أستطيع.‏

أستاذ 3 : إذن.. نفذ ما أقوله لك.‏

المخترع : أنفذ ماذا؟‏

أستاذ 3 : إرادتي في جعل المجتمع الجديد...‏

رجل2 : (ينهض من بين الجمهور، يوجه كلامه إلى أستاذ 3 وإلى المخترع معاً، أوقفا هذه المهزلة (ينتبهان إليه. يصعد إلى الخشبة. يوجه كلامه إلى أستاذ 3) من أعطاك الحق حتى تتصرف وكأن كل شيء خاضع لإرادتك.. أنسيت نفسك حتى صرت تقرر وتحسم مالا حق لك في تقريره وحسمه.‏

أستاذ 3 : (إلى المرافقين) أوقفا هذا المجنون.. (يتقدم المرافقان نحو الرجل. وإذ يشعر أن موقفه صار حرجاً ينظر باتجاه جمهور النظاره ويقترب منهم موجهاً نداءه إلى أحدهم).‏

رجل2 : أما آن لك أن تنهض وتوقف هذه المهزلة يا سيدي.. لقد عيل صبري وأنا أتابع هذه الكوميديا البلهاء (الجميع يحاولون معرفة الشخص الذي نهض من بينهم وتوجه إلى الخشبة بصحبة أربعة رجال مسلحين وخامسهم يحمل في حضنه كلباً صغيراً من تلك التي يبدو عليها الدلال. الأربعة يتجمعون من أماكن مختلفة من الصالة. الرجل يخلع القناع الذي تنكر به وهو يرتقي خشبة المسرح. أستاذ 3 ينسحب بإرادته ويدخل قفص حيوانات التجارب ومعه المرافقان. فريق العلماء والأساتذة يقفون احتراماً للقادم الجديد وربما خوفاً ومهابة أو تطبيقاً لأصول تقليدية تعارفوا عليها.. صمت مطبق يسود الصالة والخشبة).‏

أستاذ 4 : (يتجول بين الوجوه بصمت. يقف أمام المخترع. يبتسم له) أيها المخترع.. لقد قمت بعمل عظيم وإنجاز رائع.. لقد قدمت لنا خدمة لنا ننساها لك أبد الدهر.. و قدمت لي الراحة والطمأنينة وصفاء، البال.‏

المخترع (مندهشاً) أنا.. يا سيدي!؟‏

أستاذ 4 : نعم أنت يا أفضل مخترع أنجبه التاريخ.. المجتمع العلمي كله.. ورئاسة الجامعة بأسرها والمحافل والمنتديات العلمية قاطبة سيقيمون الحفلات والكرنفالات، على مدى شهر من الآن، ابتهاجاً بإنجازك العظيم.. وفرحاً بما سيمنحه لنا اختراعك الرائع.‏

المخترع : سيدي الكريم.. هذا ثناء كثير.‏

أستاذ 4 : ليس كثيراً على من قدم الكثير.‏

المخترع : شكراً لك يا سيدي.‏

أستاذ 4 : (يوجه كلامه إلى الأساتذة السابقين) ماذا دهاكم حتى نسي الواحد منكم أن مسؤوليته تحتم عليه أن لا ينسى ماله وماعليه.. ألم يخطر ببال أي منكم أن ما يقوم به يعد خيانة واستهتاراً بشرف المهنة (إلى الجميع) لقد جئت خلسة، إلى هذا المكان، لأرى بنفسي كيف تتصرفون إزاء حالة كهذه.. وها أنا أكتشف خيانتكم (إلى المخترع) أحسنت يا حضرة المخترع إذ ماطلت هذه الزمرة.‏

المخترع : لكني لم أقصد.....‏

أستاذ 4 : (مقاطعاً) مع ذلك.. أنت قمت بما يمليه عليك واجبك كعالم وضميرك كإنسان.‏

المخترع : (مستبشراً) سيدي الكريم.. هل أفهم من هذا أنك موافق على عرضي.‏

أستاذ 4 : من منا لا يوافق على عرضك أيها المخترع العظيم.‏

المخترع : الآن، فقط، أشعر بالارتياح.. كنت خائفاً إلى الحد الذي كاد خوفي يقضي عليّ.‏

أستاذ 4 : (مداعباً) والآن.‏

المخترع : أشعر بالطمأنينة.‏

أستاذ 4 : هذا شعور طبيعي.. من يمنح الطمأنينة ينال الطمأنينة.. أنت منحتها لنا باختراعك العظيم.. وأنا أمنحها لك بحسم الاختيار.‏

المخترع : (مصعوقاً) هل تعني، يا سيدي، أن الاختيار قد تم وأن الأمر قد حسم أيضاً.‏

أستاذ 4 : (يقهقه، يتقدم نحو المخترع، ينظر إليه) كلا.‏

المخترع : (يدهشه الرفض) ماذا.. أقلت كلا يا سيدي.‏

أستاذ 4 : أعتقد أنك سمعتني أيها المخترع.‏

المخترع : سمعتك فعلاً. ولكنك فاجأتني.‏

أستاذ 4 : ولمَ فاجأتك؟‏

المخترع : لأنك لم تختر عقليتك كنموذج للمجتمع الجديد.‏

أستاذ 4 : وهل تراني مغفلاً إلى هذا الحد.. كهؤلاء (يشير إلى أستاذ 1و 2و 3).‏

المخترع : أنت تحيرني يا سيدي حتى لا أكاد أفهم ما ترمي إليه.‏

أستاذ 4 : ما أرمي إليه أكبر من أن يفهم بسهولة.‏

المخترع : وإلام ترمي يا سيدي.‏

أستاذ 4 : إلى مجتمع لاعداء فيه ولا اضطراب ولا جحود ولا تمرد ولا رفض.‏

المخترع : (بتأكيد) مجتمع فاضل وسعيد ومتكافئ ومتطور علمياً وحضارياً.‏

أستاذ 4 : بالضبط.‏

المخترع : هذا هو عين ما نطمح إليه كعلماء وكبشر.‏

أستاذ 4 : أهدافنا واحدة دائماً.. ولكن وسائلنا إليها مختلفة أحياناً.‏

المخترع : لا تهمني الوسيلة ما دامت توصلني إلى الهدف.‏

أستاذ 4 : وهذا ما أريده أيضاً.‏

المخترع : حسن.. وما المطلوب مني يا سيدي.‏

أستاذ 4 : أن تبدأ العملية حالاً.‏

المخترع : ولكننا لم نختر العقلية بعد.‏

أستاذ 4 : ألم أقل أن الاختيار قد تمّ وأن الأمر حسم.‏

المخترع : أجل.‏

أستاذ 4 : إذن قم بالعملية دون تدخل بمسألة الاختيار (شلة الأستاذ تحيط بالمخترع بشكل يوحي بالتهديد إن هو رفض الانصياع للأمر).‏

المخترع : (متردداً، مضطرباً، خائفاً) حسن... سأقوم بها ولكن (ينظر في وجوه الرجال الأربعة) على دماغ من؟!‏

أستاذ4 : على دماغ هذا (يشير باتجاه الرجل الذي يحمل كلبه المدلل)

المخترع : (في حيرة أكبر) هذا مَن؟

أستاذ 4 : كلبي المدلل

المخترع : (غير مصدق) كلبك المدلل؟ (الأستاذ لا يجيب) أقلتَ كلبك يا سيدي!

أستاذ4 : سمعت ما قلت

المخترع : لا .. لا شك أنك تمزح (بتأكيد) يقيناً أنك تمزح

أستاذ4 : أنا لا أمزح

المخترع : وأنا لا أصدق أبداً أنّ سموك يختار عقلية كلب لتكون نموذج المجتمع الجديد

أستاذ4 : هذا ما يتطلبه المجتمع الجديد

المخترع : بل ما تطلبه أنت

أستاذ 4 : اخرس.. وافعل ما آمرك به فقط.‏

المخترع : (متصنعاً الانصياع لأستاذ 4) وبماذا تأمرني.‏

أستاذ 4 : البدء بالنقل فوراً.‏

المخترع : وإن رفضت.‏

أستاذ 4 : لم يسبق أن رفض لي أحد أمراً (المسلحون يحيطون بالمخترع في وضع تهديد).‏

المخترع : واأسفاه.. لم أعرف قبل الآن فداحة الخطر الجسيم الذي صنعته بنفسي.. أما وقد أدركت الآن هول ما فعلت فإني أرفع حمل اختراعي عن كاهل البشرية (يسرع نحو التقاط جهاز التحفيز ليدمره).‏

المساعد : (وقد أدرك ما ينوي المخترع فعله يصرخ بالمسلحين) أطلقوا النار (يطلقون النار على المخترع حال بلوغه جهاز التحفيز).‏

المخترع : (يترنح.. يتماسك قليلاً.. ينظر إلى مساعده بمرارة) حتـ.. تى.. أنـ.. أنت.. يا... (يسقط ميتاً. يسود الظلام خشبة المسرح. بقعة ضوء دائرية فقط تستمر فترة على المخترع مع استمرار موسيقى مارش جنائزي).‏

أستاذ 4 : (بحدة وغضب مقاطعاً جو الحداد الذي خيم على خشبة المسرح) افتحوا الأضواء (يضاء المسرح) اخلوا المكان من هذه النتانة (يقوم اثنان من الحراس بجر الجثة إلى خارج المسرح. أستاذ 4 يتقدم من المساعد . يضع يده على كتفه مشجعاً) أحسنت صنعاً أيها المواطن المخلص الشريف (يبتعد عنه. يستدير. يأمره) إبدأ بالنقل حالاً.‏

المساعد : (بانصياع كلي وخضوع) حالاً سيدي (إلى المساعدة) أنت يا دكتورة ستقومين بمساعدتي وستعملين على الجهازين في آن.. مفهوم.‏

المساعدة : مفهوم يا (تقلد طريقة كلامه مع الأستاذ) سيدي.‏

المساعد : حسن.. (المساعدة تقوم بعملها كما في التجربة الأولى. المساعد إلى الرجل الذي يحمل كلب الأستاذ 4) دع الكلب يجلس على هذا الكرسي (ثم إلى أستاذ 3) سنبدأ بك أيها الأستاذ.. تفضل اجلس على هذا الكرسي.‏

أستاذ 3 : (متردداً مرتبكاً) ولم لا تبدأ بغيري (المساعد لا يجيب) أرجوك.. ابدأ بغيري.‏

المساعد : ما الفرق يا حضرة الأستاذ. الكل مشمول بهذه التجربة وعلى رأسهم أنت.‏

أستاذ 3 : (أكثر اضطراباً) ولـ.. ولكن.. كيف؟ عقليتي!.. كلب.. لا.. لا أرجوك.‏

المساعد : وماذا في ذلك يا حضرة الأستاذ. الكلب أكثر وفاء من بعض البشر.‏

أستاذ 3 : ولـ.. ولكن.. أ.. أ.. أنا؟.. أنا.. كيـ.. كيف؟!.‏

أستاذ 4 : اجلس أيها الكلب بلا اعتراض (أستاذ 3 يجلس مستسلماً، طائعاً، خائفاً، مرتبكاً ونظراته تتوسل الجميع وتراقب المساعد وحركاته بدقة واهتمام ولكن بذعر كبير) تطفأ الأضواء على المسرح إلا بقعة ضوء تظل متوهجة على الكرسيين.. تتوهج البقعة أكثر حالما يضغط المساعد على أحد الأزرار فيتم النقل. يفتحون الأربطة ينهض أستاذ 3 يتنحى جانباً من المسرح وهو ينبح مثل كلب الأستاذ 4.. أستاذ 2 و 1 وبقية العلماء. يساقون بالقوة نحو كرسي النقل.. عملية النقل من الآن فصاعداً يقوم بها المساعد بسرعة كبيرة وبطريقة (البانتومايم). ويكتفي بأن يجلس الشخص على الكرسي وتتوهج بقعة الضوء بشكل خاطف لينهض الشخص، بعدها، وينضم إلى من سبقه ويبدأ معه النباح بطريقة الكلب المدلل، وإذ ينتهي المساعد من الأساتذة والعلماء يتقدم أستاذ 4 إلى مقدمة الخشبة الصغيرة موجها كلامه إلى جمهور النظارة).‏

أستاذ 4 : (بخبث ودهاء) الآن جاء دوركم أنتم.. ( يهبط المسلحون بسرعة ويسوقون الصف الأول من الجمهور نحو كرسي النقل. بعضهم يتذمر. بعضهم يتقدم بخوف ومع قهقهات أستاذ 4 وسخريته منهم يزداد اللغط في الصالة ويشتد صوت النباح كلما انتهى المساعد من مجموعة جديدة. المسلحون يسوقون الصف الثاني والثالث والرابع وصوت النباح يشتد أكثر فأكثر حتى يصبح مقززاً ومضجراً ومنفراً وهو يتضخم أكثر فأكثر باستخدام مكبرات الصوت المبثوثة في كل أرجاء الصالة. عدد كبير من الجمهور يولي وجهه هارباً إلى خارج الصالة، يلمحهم أستاذ 4 فيصرخ بهم (زاعقاً):

 

إنّى هربتم فإن كلابي تدرككم.‏

(يشتد النباح والضجيج واللغط بينما تعلو قهقهات أستاذ 4 وصوته عبر مكبرات الصوت يردد):

إنّى هربتم فإن كلابي تدرككم‏

أنّى هربتم فإن كلابي تدرككم‏

هاهاهاهاهاه‏