المائدة المســـــتطيلة
محي الدين زنكنه
المسكون بعشق المسرح والمكتوي بناره
· الشابة
· المجموعة
· الصبي
· الرجل 1
· المرأة
· الفضولي
· الرجل 2
· الملتحي
· الموظف
· الملتحون
· مجموعة السود
· مجموعة الزرق
· الوفد
· المقعد
· مجموعة الجمهور
· مجموعة الفنيين
· الشاب
· الشيخ
· جماهير- مراهقون- نساء- رجال- شباب- أطفال الخ الخ
[المسرح خال. موسيقى موحشة. تجوب فضاء المسرح شابة برداء وردي فضفاض. في رقصة باليه غاية في الجمال والعذوبة وقوة التعبير يتردد صدى صوتها في ارجاء المسرح بنبرات يابسة خشنة تحذيرية تمتزج بالموسيقى فتزيدها وحشة]
الشابة: الكارثة مقبلة. اسمعها. اسمع وقع اقدامها تضرب شغاف قلبي. الكارثة زاحفة. لزوجةُ دمائها تسد مسام جلدي. الكارثة قادمة، نتانة روائحها تخنق انفاسي.
[تندفع مجموعة رجال ونساء، شباب وشابات، شيوخ وعجائز، مجللين بأردية. بعضها اسود سوادا باهتاً وبعضها ازرق زرقة غامقة. بشكل يصعب التمييز بينهما. وهي تغطيهم من قمة الرأس حتى اخمص القدمين، عدا فتحات العيون والافواه، يطاردون الشابة في هستيريا محمومة. تسبقهم اصواتهم اللامتآلفة في نشاز بين… يؤدون رقصة غير متناسقة لفترة]
المجموعة: اغربي يا نذيرة الشؤوم. يا اكذوبة الزمان الخنوع. [يحاولون القبض عليها تفر من بين ايديهم كنقطة ضوء، في حركات رقصية]
الشابة: الجريمة واقعة، تمتليء بها الاردية السود والزرق. اراها مكشرة عن انيابها من تحت الاقنعة، بوسعكم خنقها. بامكانكم.. وادها. لا تقولوا قد فات الاوان. دائما ثمة اوان لمن ينشد الخير والنور والامان.
المجموعة: لملمي نقيقك المسموم وتواري. يا ضفدعة المستنقعات الاسنة كفي عنا طنينك يا ذبابة المزابل الموبوءة. يا بصقة الموتى في المقابر الملعونة (يهاجمونها)
الشابة: (هاربة كغزالة، لا سبيل الى صيدها) لا احد يدفنن راسه. لا احد يغمض عينيه. لا احد يبريئن نفسه. الكل شاهد. الكل يرى. الكل يسمع.. الكل مسؤول..
المجموعة: (يتهسترون اكثر، يرشقونها بالحجارة) موتي يا انفاس الدمار يا رسالة الخراب.
الشابة: هواء العالم يكفي لاكثر من رئة. رحم الارض يتسع لاكثر من بذرة. لا تسجنوا هواء العالم. لا تقلعوا رحم الارض. ليتدفق اكثر من نبع للحياة.. لتتفتح اكثر من زهرة.
المجموعة: لا. لا. العالم ضاق. الارض عقمت. لو هرتان تعاركتا على لحمة. لابد لاحداهما ان تقتل الاخرى. هكذا حال الدنيا. كذلك كان وهكذا سيبقى..
الشابة: الهرة تفترس الهرة. والكلبة تاكل الكلبة. كما اللص يفتك باللص. والحاكم يغدر بالحاكم. والملك يبطش بالملك. ان سطور التاريخ وحروفها ونقاطها شواهد وشهود. ولكن العالم يغتني بالعالم مثلما الشاعر يضيء بالشاعر ويزدهر..
المجموعة: (في هيجان شديد) الكل يذبح. الكل يقتل. لا استثناء ولا شذوذ. تلك هي القاعدة. ذلك هو القانون. فالحسي عواءك وانفقي، يا كلبة الازقة.. والطرقات.. يا نابشة المقابر واكلة الاموات.
الشابة: العالم لا يعادي العالم. مثلما قطرة الندى لا تعادي اختها، والشاعر لا يخاصم الشاعر. مثلما ورقة الزهر لا تخاصم الجذر، فاستمعوا الى صوت الضمير. اصغوا الى ضمير العقل. استجيبوا لعقل الروح. انتبهوا لروح القلب.
المجموعة: لا. لا صمّوا اذانكم. صبّوا الرصاص في اذانكم. لا تصغوا الى فحيح الافعى. لا تتراجعوا عن القرار. لا تخلوا بالعهد. الى الامام لا تراجع. الى الامام. فنحن الموعودون بالعيش الرغيد في الزمن الآتي السعيد.
[يتفرقون باحثين عنها عبر رقصاتهم التعبيرية هنا وهناك.. يظلم المسرح واذ يضاء يكون المنظر قد تغير. ساحة عامة. ناس غادون رائحون. حركة مستمرة. باعة متجولون. ينادون على بضاعتهم. يندفع صبي. يلوح بجرائده ويزعق]
الصبي: اخر الاخبار. احدث الانباء. اخبار التحدي الاعظم. اخبار المبارزة الكبرى..
رجل: (بفضول) من يبارز من؟ من يتحدى من؟ قولوا لي .. اخبروني..
الصبي: اشتر جريدة بمئة دينار. تعرف كل شيء. مئة دينار فقط.. يا بلاش؟
الفضولي: هاك. اعطني واحدة (ينقده الثمن. الصبي يناوله الجريدة، ويبتعد. مناديا على جرائده يقلب الجريدة) تعال يا هذا دلني على الخبر. اقرأ لي الخبر اقرأ لي الخبر. فانا لا اعرف القراءة. (تدخل امراة ملفعة بالعباءة . تخطف الجريدة)
المرأة:هاتها اقرأها لك، واح واح، ايمكن؟ لا.. لا.. مستحيل.. غير معقول.
الفضولي: ماذا؟ ماذا هناك؟ ايتها السيدة! اخبريني .. قولي لي..
المرأة: لا. لا. هذا معناه نهاية العالم. تعال يا ولدي تعال.. اعطني كل جرائدك واجلب لي المزيد. روح هات المزيد. كل الصحف والمجلات ذات الصلة. (تفرش عباءتها على الرصيف. تنشر فوقها الصحف. تصرخ) اليّ. ايها الناس الي مئتا دينار. مئتا دينار فقط. واعرف كل شيء..
الفضولي: ولكن من يتحدى من؟ من يبارز من؟
المرأة: ادفع مئتي دينار.. واعرف كل شيء انها مبارزة العصر. انه تحدي القرن الحادي والعشرين. انها فاتحة الالفية الثالثة (يتجمع حولها اناس يشترون) ترى من ينتصر؟ من يهزم؟ من يغلب؟
الفضولي: هاك.. اخبريني.. اخبريني حسب.. ولا تدعي لهفتي تقتلني..
المرأة: الشاب الاسود يتحدى الشيخ الازرق. قطبا العلم والمعرفة يتصارعان.
رجل: ماذا؟ ماذا؟ الازرق والاسود؟ العملاقان الاكبران؟ ان هذا جنون. ماذا جرى لهما. يجب منع ذلك. لابد من منعهما.
المرأة: تعال هنا. ما شأنك انت؟ انهما حران يفعلان ما يريدان.
الرجل: انهما خطيران. كلا الرجلين، خطير في علمه ودهائه. سيقضي احدهما على الاخر في لمح البصر. اية خسارة.. اية خسارة كبرى.. للبلاد. للكون. للانسانية.
الفضولي: و.. و.. ولكن كيف سيتبارزان بالسيف؟ بالسكين؟ بالمسدسات؟ اموت شوقا لمعرفة ذلك..
الرجل2: سيتصالحان. انهما مثل ديكة المزابل. تتقاتل على حبة قمح امام الدجاجات. واذ تبلغ منها اوطارها.. تفش.
المرأة: لا هذه المرة.لا.
الرجل2: وما معنى هذه المرة؟ انهما هكذا منذ سنين شدّ رخِّ. شّْ.. رخِّ.. شدّ.. رخِّ...
المرأة: هذه المرة خرج الامر من ايديهما. ويتوجب عليهما النزال الى اخر رمق..
الفضولي: ولكن من سيقتل من؟
الرجل2: لا يهم. المهم ان يسدل الستار على هذا الصراع الذي استهلك سنوات من عمرنا. انصار الاسود يتباهون. ومريدو الازرق يزهون.ونحن بين هذا المد والجزر.. لم يعد بوسعنا التثبت من مواقع اقدامنا..
المرأة: ستثبت اقدامنا في مواقعها ثبات اعمدة المعابد. بعدما يقضي احدهما على الاخر
الفضولي: ولكن كيف؟.. كيف؟ هل سيخنق احدهما الا خر.. هل..
الصبي: (وقد عاد بمجموعة كبيرة من الصحف والمجلات) ها ها ها. هل هما هران. انهما عالمان.. عالمان كبيران. خطيران يا عمي..
المرأة: لقد اعد احدهما للاخر دواءً او بالاحرى سحرا . وضع فيه كل خبرته ومكره ودهائه!
الفضولي: سمّ؟ ايكون سمّاً؟
المرأة: (تصيح) اخر تفاصيل المبارزة الكبرى. ادفع ثلاثمائة دينار واعرف.
الصبي: (يقاطعها) لا يا امي لقد طار السعر الى خمسمائة دينار (يصرخ) اعرف اسرار السم القاتل. اعرف خفايا السم الفتاك. الذي يعده كل منهما لقتل الاخر منذ سنوات..
الرجل1: سنوات للقتل. يا خسارة الزمن!!
المرأة: طبعا يا سيد.. انهما عالمان وليسا لصين يقتل احدهما الاخر. غيلة بطلقة من الخلف. لا تستغرق سوى ثانية خالية من كل جمال وكل تشويق.
الفضولي: هل ذكر في الجريدة من الذي سوف ينتصر؟
المرأة: ذلك ما يجب ان تعرفه بنفسك.
الفضولي: كيف؟ كيف؟ انا..
المرأة: تكهن. توقع. احدس. لقد وهبك الله عقلا لتستخدمه. فاستفد منه.. استنر به.. راهن على فوز احدهما.. ضد الاخر..
الفضولي: واني لي ان ادري؟ هل انا. استغفر الله العظيم علام الغيوب.
الصبي: حاول يا استاذ حاول لن تخسر شيئا.. (يهمس في اذن امه)
المرأة: بل وتربح كل شيء (تصرخ) واحد الى عشرة. هات الفا واربح عشرة الاف
الفضولي: واذا لم اربح0.. اعني.. اعني.. اذا خسرت.
الصبي: تخسر الفا فقط.
الفضولي: والله..انها لصفقة. هاك. هاك.. اخر خمسة الاف بقيت عندي.
المرأة: على أي الحصانين عفوا، العالمين تراهن.
الرجل1: اعوذ بالله. العالم يصبح حصانا. ايّ زمان تعيس هذا
المراة: بل يغدو وسيلة للعيش يا استاذ؟
الرجل1: (يغادر بغضب) الموت ارحم من وسائلك القذرة هذه..
المرأة: رح مت اذن (للفضولي) ها.. يا سيد على أيهما تراهن؟
الفضولي: (بسرعة) على الفائز طبعا على الفائز.. هاهاها. وهل من عاقل يراهن على الخاسر..
الصبي: ولكن ايهما هو الفائز؟ حدد. الأزرق ام الأسود؟ يجب ان تحدد.
الفضولي: أ.. أ.. لنقل الأسود او لا. لا. الازرق.. بل الأسود الأسود. او .. انا لا اعرف اختاري انت، أيتها السيدة، أحدهما.. من تشاءين منهما.
المرأة: حسنا. حسنا.. تنحَّ ودع غيرك يتقدم.. (تصرخ) هيا.. هيا.. الاسود ام الازرق؟ الواحد بعشرة. العشرة بمئنة. هيا. هيا. اسرع. موعد المبارزة يقترب والوقت يهرب. اسرع.. اغتنم الفرصة. انها فرصتكم الوحيدة للثروة والمال.. ان لم تنتهزها قضيت كل عمرك في الفقر والعوز والندم.. هيا.. (يزداد المراهنون للصبي)) انصرف انت لبيع الجرائد وارفع السعر. كل ربع ساعة مئة دينار.
الصبي: جرائد.. جرائد. ستمائة دينار فقط. ادفع الان.. اشتر الان خير لك من ان تدفع، بعد قليل، الف دينار.. هيا.. هيا اشتر.. اشتر.. هيا.. هيا..
المرأة: راهن تكسب. غامر تربح. لا تخف. لا تتردد.تقدم اقتحم. راهن.. المستقبل يفتح لك ابوابه. ابواب السعادة والرفاه. فلا تتأخر هيا.. هيا.. (يتجمع اعداد غفيرة على الصبي وعلى المرأة.. تتكوم امامهما الاوراق المالية. يقبل عليهم رجل ملتح. يتبعه مجموعة رجال ملتحين في اعمار مختلفة..)
الملتحي: (يتوقف) ما هذا؟ ما الذي يجري؟ تعالوا لنرى.. ماذا هنا؟
الصبي: صحف ومراهنات.. اتريدون صحفا؟ ام المشاركة في المراهنات؟
الملتحي: مراهنات امام الملأ وفي وضح النهار؟ هل ثمة موافقة رسمية؟ اجازة قانونية؟ تخويل من الجهات العليا؟
الصبي: هذه الامورتدخل ضمن الالعاب والتسليات البريئة.. يسمح بممارستها ليلاً ونهاراً
الملتحي: ها؟ هل الامر كذلك؟ (ثم) لا بد ان يكون كذلك والا لما رأينا ما نرى.. (يخترق صفوف الناس مقتربا من المرأة)
الفضولي: قل لي ايها الرجل. انت تبدو واثقا جدا.. وعارفا بخفايا الامور.. اخبرني وقاك الله عذاب الدنيا والاخرة. من منهما سوف يفوز؟
اصوات: تنحوا يا هؤلاء.. وانتم يا اولئك.. الشيخ يبارك لعبتنا.. افسحوا الطريق!
الملتحي: (باستنكار شديد)امرأة.. امرأة تقود الامة. اعوذ بالله؟
المرأة: اية امة! اية قيادة؟ انها لعبة نرفّه بها عن انفسنا ونكسب بعض المال الحلال.
الملتحي: لا.. لا. هذا لا يجوز بتاتا. هذا مخالف للمألوف تماما. مناف للقيم كليا. الا تعساً لأمة توكل امرها الى امرأة.
اتباعه: (من الملتحين بصوت واحد) تعساً وبعداً.و.. وسحقا.
المرأة: اه.. قلبي يخبرني ان عاصفة هوجاء ستهب علينا. تعال يا ولدي تعال (تهمس في اذنه. فينطلق هذا.. سريعا)
الملتحي: اتركي موقعك يا امة الله أنزلي والزمي دارك. فذلك اولى بك واجدر. يا الله. ماذا جرى لهذا الزمن الغريب. هل مسخ فيه الرجال تيوساً. فقبعوا في الحظائر واطلقوا نساءهم تدير لهم امورهم؟؟
الملتحون: (كجوقة) تعسا لهذا الزمن! تعساً وبعداً.و.. وسحقا.
الملتحي: اذهبي يا امراة واقبعي في بيتك. واتركي اموال الناس وديعة عندنا نجري عليها مستحقات الفرائض والصدقة ثم…
المرأة: مستحيل (تحتضن النقود بقوة) انت مجنون.. انت لا تعي ما تقول.
ملتح: انزلي يا امرأة كما اُمرِت.. والا فأننا.. (يهجمون عليها)
الصبي: (داخلا يصرخ) لا احد يمسّ امي. احذركم جميعا. تعال يا سيدي تعال.
الموظف: (داخلا في اعقاب الصبي في صراخ واحتداد) ما هذه الفوضى؟ ما هذا الاخلال بالنظام ما الذي يجري هنا؟
الرجل: مراهنات نتسلى بها.. نقضي الوقت ونكسب.. ولكن يبدو انها ستتحول الى معركة.
الفضولي: (يقدم له جريدته) اشتر جريدة تعرف كل شيء يا سيدي! ابيعك اياها بنصف السعر. اراهن به على الرجل الاخر
الموظف: (يدفعه بعيدا، بغضب وتحكم) هذا مخالف للقانون. هذا مخل بالنظام.
ملتح: انها تسلية بريئة.. والناس احرار فيما..
الموظف: (يقاطعه) لا حرية لا حد في الاخلال بالنظام. لا حرية البتة في الحاق الاذى بالنقد الوطني على هذا النحو المزري المهين. هل حصلتم على موافقة الجهات المسؤولة؟
الملتحي: يشهد الله وابنائي هؤلاء (يشير الى الملتحين) اني قد قلت لهم ذلك. ابصرتهم وارشدتهم الى حقيقة ان امورا كهذه لا ينبغي لها ان تجري الا بموافقة الجهات العليا ومباركة السلطات والمسؤولين. اليس كذلك.. يا اولادي.؟
الملتحون: ما قلت الا الحق. ما نطقت الا بالصدق.. لا فض فوك.
الملتحي: (متوددا الى الموظف) عفوا سيدي. عفوا وعذرا لطفا. من جنابكم؟ اعني.. اعني من انتم؟ ما عملكم؟ اقصد.. اقصد.. ما موقعكم؟ (الموظف يهمس في اذنه مع اشارات خاصة) انعم واكرم قد جئت في الوقت المناسب فهذه الحرمة..
الموظف: (يقاطعه) هذه السيدة الجليلة. ستكون ساعدي الايمن.
الملتحي: ها؟ (ثم فجاة) ونعم الاختيار يا سيدي. اخترت واحسنت (يشير الى مريديه)
الملتحون: نعم الاختيار. اخترتم واحسنتم الاختيار.وفقكم الله.. وبارك الله لكم اختياركم.
الموظف: (يفكر.يبتسم) يبدو ان لك اتباعا ومريدين.. مطيعين؟
الملتحي: منذ اللحظة. انا وهم مريدوك اتباعك المخلصون. وخدمك المطيعون. ياسيدي (يهمس الموظف في اذنه يصرخ) انعمْ وأكرمْ اللهم زد وبارك (اشارة لجماعته يتوجهون الى المرأة) سيدتي انا واتباعي في خدمتك ورهن اشارتك (ينحنون)
الموظف: (للمرأة) هل منحت هؤلاء المواطنين. اصحاب الاموال. ضمانات..
المرأة: (بدهشة) ضمانات؟ اية ضمانات سيدي؟
الموظف: ضمانات. صكوك. وصولات. سندات. أي شيء يثبت حقوقهم.
اصوات: لا.لا. دفعنا كل ماعندنا ولم نستلم أي ضمان.
الموظف: "(مشيرا الى تل الاموال) كل هذه النقود ولا وريقة تثبت حق اصحابها. كيف؟
المرأة: لا.. لا.. دفتر صكوك عندي.. ولا اوراق او وصولات.. ولا..
الموظف: أي دفتر يصلح. اية ورقة تنفع (يتناول جريدة يقتطع منها قطعا صغيرة، للملتحي) خذ ايها الشيخ ثبت كل مبلغ هنا.. واسم صاحبه.. ثم وقع..
الملتحي: امرك فوق الراس والعين. تعالوا يا اولاد فقد صار لنا عمل نؤديه.
الموظف: اليّ ايها الناس اليّ. واحد بعشرة. مئة بالالف. (يسحب المرأة) تعالي معي ودعيه معهم. الالف بعشرة الاف. المئة الف بمليون. مليون يا ناس.. مليون دينار. (يتدافع الناس للوصول اليه) واحداً.. واحداً يا ناس.. اصطفوا.. اصطفوا..
المرأة: هات هات فلوسك وخذ الوصل منه. اجل اجل من الملتحي. ولكن على مهلكم يا ناس لا تسحقونا لا تهجموا علينا هجوم الذباب على صفيحة دبس. النظام النظام سأختنق. تعال ايها الشيخ. تعال ساعدنا اعنا.
الملتحي. لبيك ايتها السيدة العظيمة! لبيك (لاتباعه) ويلكم الا تسمعون السيدة تستغيث بنا. السيدة تستنجد بنا. اعينوها. اعيونها (يشرع الملتحون يفرقونهم بالعصى).
الملتحون: اصطفوا يا حمير. اصطفوا يا بغال. طوابير.. طوابير.. هيا.. هيا.. اصطفوا..
المرأة: سيدي. الناس في تزايد مستمر. والمكان ضيق لنخرج إلى الفضاء. إلى الساحة.
الموظف: إلى الساحة يا ناس. إلى الساحة الكبرى للمراهنات.. تعالوا. اتبعوني. لا. لا. تتوقفوا.. راهنوا.. راهنوا.. انها فرصتكم..
احدهم: بماذا نراهن لم يعد لدينا فلس واحد راهنا بكل ما نملك.
الموظف: راهنوا بكل شيء. نقبل كل شيء. كهربائيات. تحفيات. عقارات. اطفال. نساء. ملبوسات. مخزونات. مأكولات.. كل شيء كل شيء. (يخرجون واصواتهم تتردد تمر الشابة مرور الشبح بردائها الوردي الذي تلطخ بالدم.. تهجم مجموعة السود والزرق من سائر جوانب المسرح. عبر رقصات تتسم بالعنف. يتساقط بعضهم على بعض. يدوس بعضهم على بعض. ينهضون بلا مبالاة يواصلون بحثهم عنها بسعار اشد)
المجموعة: لقد اصبناها. ولكننا لم نقتلها. انها هنا. غير بعيدة مختبئة في مكان ما. كالفأرة الجبانة التي تقرض المركب الشامخ. ابحثوا عنها جدوها. (يقلبون الاشياء. يبحثون في كل مكان. يخرجون. بنفس العنف والحركات الصاخبة، مصحوبين باصوات ضاجة. ضربات على الدفوف كما في حلقات الدراويش. ثم تهدأ. رويداً رويداً. وتأخذ مسحة جنائزية. من يمين المسرح تدخل مجموعة الاسود الباهت. ومن اليسار تدخل مجموعة الازرق الغامق_ اليمين واليسار لتحديد مدخل كل فئة حسب_ الموسيقى الجنائزية.. مستمرة. تتعالى بمرو الوقت. السود يحملون لوحا خشبيا مستطيلا بقوائم رقم "1" الزرق يحملون الرقم "2" كل يضعه في مواجهة الاخر. من عمق المسرح يخرج مجموعة الفنانين (المؤلف. المخرج، العاملون) يحملون الرقم "3" يضعونه في الفراغ الكائن بين "1" و "2" يبقى القسم الامامي المواجه للجمهور خاليا. تتبادل المجموعات فيما بينها الحيرة نظرات والعجز عن حل هذا الاشكال تتطوع مجموعة من المشاهدين في ازياء مختلفة تستوعب مع ازياء مجموعة الفنيين. الازياء الشعبية والرسمية لسائر طبقات وطوائف وقوميات المجتمع. وهم يحملون الرقم "4" يضعونه في الفراغ المائل فيتشكل الاتي:
[تنطلق موسيقى خاصة بانغام متباينة. ثم يشرع كل فئة تدفع لوحها حتى تتداخل الاجزاء الاربعة في شكل واحد وتتوحد الموسيقى اذ ذاك في لحن واحد .يبدأ الجميع رقصة موحدة على انغام اللحن الموحد لفترة . ثم تنسحب كل مجموعة الى موقعها . تخفت الانارة على المسرح ،يخرج السود من مخبأهم متلصصين ، يتلفتون هنا وهناك. واذ يتأكدون من غياب الزرق. يلقون بغطاء من قماش اسود على المائدة.. يختفون بسرعة يدخل الزرق. بنفس الطريقة يلقون بغطاء ازرق فوق الغطاء الاسود. دون ان ينتبهوا لوجوده. يختفون.بسرعة. يدخل الزرق بنفس الطريقة يلقون بغطاء ازرق فوق الغطاء الاسود دون ان ينتبهوا لوجوده يختفون ضربات ايقاع خاصة تعود الانارة. تدخل المجموعتان في ان واحد. يجن جنون السود اذ يرون الغطاء الازرق يسحبونه بعنف يتهستر الزرق اذ يرون الغطاء الاسود. يجرونه يمزق كل منهما غطاء الاخر. بحركات راقصة عنيفة. ثم يدخلون في عراك بالايدي. بالارجل. يشتد العراك مع تصاعد الموسيقى بتساقط العديد من المجموعتين…)
الشابة: (صوتها فقط) ان هي الا البداية. سيسيل دم كثير. سيسقط خلق كثير.. (يتوقف العراك)
الكل: (بصوت واحد) هي عادت.. تشمت بنا (تسرع مجموعتا الفنيين والجمهور. تفرق بينهم. يفرشون النصف الايمن من المنضدة باللون الاسود والنصف الاخر بالازرق. يعود كل مجموعة الى مكانها تهدأ الموسيقى.. وتتناغم.. فيرقصون.. فرحاً)
الشابة: (صوتها) الهدوء الذي يسبق العاصفة. الصحوة التي تمهد للفاجعة. كل يشحذ سكين الغدر. كل يتربص للطعن.
الكل: (بصوت واحد) اخنقوا هذا النعيق.. اقتلوا البومة (يتداخل السود والزرق. يندفعون معا للقبض عليها. يفرغ المسرح. تدخل مجموعة الفنيين. يحملون كرسياً ازرق من طراز قديم. وتدخل مجموعة الجمهور بكرسي اسود من طراز حديث. تضع كل مجموعة كرسيها على طرف من المنضدة، في مواجهة الاخر بصمت. ثم ينسحبون الى مواقعهم. يشتد ايقاع الموسيقى بصخب.. يعود السود والزرق مخضلين بالدم وهم يحملون الشابة. تريد كل مجموعة الاستئثار بالجثة واخذها لها..)
السود: نحن قتلناها.. ونحن الاولى بها.. (يسحبونها نحو موقعهم)
الزرق: نحن اوقعنا بها ونحن الاحق بها.. (يسحبونها نحو موقعهم)
(تنشق الجثة الى نصفين تعلق كل مجموعة النصف الى موقعها وفي مواجهة القاعة)
السود: هذا مصير من يعادينا (يدقون المسامير في نصف الجثة)
الزرق: هذا جزاء من يقف ضدنا (يدقون المسامير في النصف الاخر)
السود: كل من يقف ضدنا فهو عدونا (يرقصون)
الزرق: كل من ليس معنا فهو ضدنا (يشتركون معهاً في رقصة موحدة. فوق المنضدة لفترة)
السود: (يعودون الى مواقعهم، يفاجأون بكرسي الازرق) الازرق الخرف. جاء بكرسيه المنقرض
الزرق: (يشيرون الى كرسي الاسود) الاسود الارعن لا يستحي من استاذه الذي علمه.
السود: انه في عناد البغل لا يقتنع انه بات خرقة. تمسح بها الامهات مؤخرات اطفالهن.
الزرق: ما ان انقطع الحليب من حلقه حتى امتلأ بالبصاق. يقذفه في وجه الاعلى منه فلا يسقط الا على وجهه.
السود: يا هؤلاء، يا من تحنطتم ولم تعودوا تشعرون بحركة الزمن من حولكم. ان الدنيا قد تغيرت، الجنين الذي يتكون في ارحام نسائكم بل النطفة التي في اصلابكم سيخرج منها بشر خير منكم الف مرة.
الزرق: ربما.ولكن ليس نغلكم الذي به تتباهون. فهذا الولد العاق . الناكر للجميل . المتنكر للاصل والجذر. لا يعدو اكثر من فقاعة فارغة .
السود: ما اكثر ما تتشدقون . ان ضبعكم العجوز قد ركله الزمن ،ولفظه التاريخ . وان القدر قد اختار شابنا الهمام. ومنحه هبة لنا وللمستقبل ، متوجا دون منازع الى الابد .
الزرق: سنرى عاقبة كل هذه الاوهام التي تشحنون بها نفوسكم الخاوية عند اول مواجهة..
السود: اذن الى المواجهة. الى الفعل. حيث تبيض وجوه وتسود وجوه!!
الزرق: اجل الى الفعل.. الى المواجهة.
مجموعتا الفنيين والجمهور: (صارخين من عمق المسرح. ومن القاعة) لا. لا. مواجهة ولا مقابلة (يبهت السود والزرق، يترقبون) الا بعد وصول هيئة الحكماء.
السود والزرق: (معا) الحكماء مقبلون فقد أرسلنا في طلبهم وفدنا المشترك (وقع خطوات) ها هي وقع خطواتهم. لقد وصلوا (يدخلون حاملين رجلا مسنا مقعدا)
الوفد: المدينة فارغة لم نعثر الا على هذا المقعد. بعضهم في ساحة. المراهنات الآخرون فرّوا.
الكل: يفرون وقت الحاجة اليهم؟ كيف؟ بأي حق؟
الوفد: الجواب عنده (يشيرون الى المقعد)
المقعد: لقد قالوا ان بلدا يدفع فيه العلماء الى قتل بعضهم بعضا. بلد ملعون ونحن نرفض ان نكون شهود جريمة.تلطخ قرننا الجديد بعار لا يمحى مدى الدهر.
الكل: خسئوا! قتل المجرم ليس جريمة. ان قرننا الجديد، يخط وجوده ويرسم ملامحه منذ لحظة الولادة بسطور من نور. الى الجحيم بهم. وبكل من لا يرى.. رأينا. حسبنا هذا الحكيم العاقل، الذي استجاب لنا وجاء يؤازرنا ويشهد لنا.
المقعد: انا لم أجيء راغبا. فقد حملني هؤلاء حملا. ورضخت لهم. لا تجنبا لأذاهم ولا حتى تعلقا بذيول حياتي الغاربة. وانما تعلقا بأمل اني قد امنع وقوع جريمة.
الزرق: جريمة؟ تقولها ملء الفم.. بكل وقاحة؟
السود: تقذفها في وجوهنا، بلا خوف؟
المقعد: كم كنت افرح لو كان لها اسم اخر. ثم ممَّ اخاف؟ علام اخاف؟ ان كل حياتي السابقة والباقية لا تساوي قلامة ظفر أي من العالمين اللذين تنوون ذبحهما. وسنوات عمري التسعين لا تعادل ساعة واحدة من علم الحكيمين الجليلين اللذين تخططون لقتلهما.
الزرق: (مشيرين الى السود) هو من يذبح.. تذبحه سكين رعونته وغروره!
السود: (يشيرون الى الزرق) هو من يقتل، يقتله جهله المتجذر فيه.
المقعد: (يبكي) كلاهما مذبوح.. كلاهما مقتول.. وكلكم خاسرون. كلكم مهزومون.
الزرق: هم المهزومون ونحن المنتصرون.
السود: نحن الغالبون وهم المغلوبون.
المقعد: لا منتصر ولا غالب هناك قاتل وذابح. والقاتل أيضا مقتول، يقتله الندم على قتله صاحبه وخله الأمين. والذابح أيضا مذبوح، تذبحه سكين الإحساس بفداحة الخسارة وبشاعة الجريمة.. (ينتحب) عودوا إلى رشدكم.. يا انتم. انهما معا كانا سراجنا فلا تحكموا علينا بالظلام الأبدي. لا تلقوا بنا في عتمة القبر ونحن أحياء
السود: (واحد من السود بهمس مسموع) فيما يقوله العجوز قدر من الحكمة والصواب.
آخر: (بهمس اعلى) بل فيه كل الصواب والحكمة. ما ضرنا لو تركناهما.. لحالهما.
السود: ثمة افعى.. تسعى بيننا.. فحيحها يملأ الاذان.. ابحثوا عنها.
ازرق: (واحد من الزرق بهمس مسموع) كلامه غير خال من الحق والحقيقة.
آخر: (بهمس اعلى) بل هو الحق والحقيقة لماذا نفرط بهما..
الزرق: فاحت خيانة من بعضنا.. نتانة روائحها تزكم انوفنا.
السود: اقتلوا الافعى.. (يجهزون على الاسودين)
الزرق: اخنقوا انفاس الخيانة (يجهزون على الازرقين)
المقعد: اه يا الهي!! كم من الدماء ستسيل كم من الارواح ستزهق..
الزرق: انت يا جراب النتانة، من تزرع بيننا الخيانة.
السود: من كلماتك الحبلى، ايها الثعبان العجوز. تتوالد الافاعي وتتناسل.
المقعد: (بنبرة حزينة) لم اقل سوى. دعوا المصباحين ينيرا الدرب. دعوا السراجين معا يضيئا. فيبددا ظلمات الحياة. دعوا البدرين معا يشعا ويمزقا عتمة الليل.
السود والزرق معا: كلا. كلا. والف كلا. قد ضقنا ذرعا بهذه الثنائية حسبنا عالمنا.. وكفى
المقعد: (بنبرة تشبه نبرة الشابة. يردد) هواء العالم يكفي لاكثر من رئة. رحم الارض يتسع لاكثر من بذرة. وليتدفق اكثر من نبع للحياة.. ولتتفتح اكثر من زهرة.
السود:.واع.. واع.. انه يردد اقوال الكافرة.. انها تعيش فيه..
الزرق: انها حية.. تتنفس خلاله..
السود: التفت الى اليمين، وانظر ماذا فعلنا بها.
المقعد: (يلتفت يصعق) يا الهي!
الزرق: التفت الى اليسسار..لترى ماذا فعلنا بها.
المقعد: (يلتفت. يصرخ منهارا) ابنتي.. (يتهالك فوق المنضدة بمواجهة الجمهور)
الكل: ابنتك؟ لقد حل دمك. ايها الحيوان النافق.
السود: نحن من ننال شرف قتله (يهجمون عليه)
[تجره كل مجموعة بعنف. فينشق الى نصفين تعلق كل مجموعة النصف الى جانب نصف جثة الشابة. يتدفق من العجوز دم غزير. كشلال ماء.. يستحمون، تحته، بنشوة عارمة ورقصات فرح، يملأون اكفهم. يعبّون يعودون الى اماكنهم.. مخضلين بالدم.. يلطعونه يمتصونه من على ارديتهم..]
السود: الى التحدي ونقش سطور المجد.. الخالد.
الزرق: الى المواجهة. وتحقيق النصر الاكيد.
مجموعتا الجمهور والفنيين: (من داخل القاعة ومن عمق المسرح، بصوت عال) لا.. لاتحدي ولا مواجهة بلا هيئة حكماء. (تخرج مجموعة الجمهور من القاعة. تخرج مجموعة الفنيين من عمق المسرح. يرقصون فوق المنضدة، متداخلين مع السود والزرق. ثم يعود السود والزرق الى اماكنهم. بينما تجلس مجموعة الجمهور. إلى جانب السود وهم يوجهون نظراتهم إلى الزرق وتجلس مجموعة الفنيين إلى جانب الزرق وهم يراقبون السود المجموعتان في مواجهة الجمهور. ينسحب السود والزرق الى الوراء. خلف الكواليس. موسيقى هادئة يدخل الزرق بعالمهم الازرق وهو شيخ طاعن في السن. يسير بصعوبة يسندونه ليحافظوا على توازنه. ويدخل السود بعالمهم الاسود. وهو شاب في مقتبل العمر. ولكن لا يكاد يقوى على الوقوف على قدميه وقد غارت الدماء عن وجهه واصفر لونه. يسندونه بصعوبة ليمنعوه من السقوط)
السود: (نظراتهم على عالم الزرق) جاء العجوز ملبيا نداء موته.
الزرق: (نظراتهم على عالم السود) حضر الميت الذي يسير على قدمين مستعارتين.
السود: لقد فرغت عروقه من الدماء.. وبات جذعا منخوراً
الزرق: جثة محشوة.. في جلد اصفر.. مثل قصبة مأروضة.
(يتواجه العالمان عبر المنضدة الطويلة، ينظران الى بعضهما نظرات اشفاق وحنان. يمد كل منهما يدا مرتجفة نحو صاحبه. تقفز مجموعتا الجمهور والفنيين نمنعهما)
مجموعة الجمهور: لا لا مصالحة ولا سلام. وانما حرب مستعرة حتى يحترق احدهما في اتونها.
مجموعة الفنيين: لا. لا وئام ولا وفاق حتى يندثر احدهما، ويخلي مكانه للاخر…
المجموعتان: (معاً) لا بد ان تستمر اللعبة وتتواصل حتى النهاية.
السود: (يضعون دورقا زجاجيا مليئا بسائل بلا لون. وكأسا. امام عالمهم الاسود) هيا.. هيا. املأ له كأس الموت. ارم به في مزبلة التاريخ.
الزرق: (يضعون امام عالمهم الازرق، قارورة خزفية. وكوزا) اسقه من السحر الذي توجت عمرك بصنعه.. هيا.. هيا.. لاترحم هذا الارعن ولا تشفق عليه (العالمان يرنوان الى بعضهما بالم وحسرة، مجموعتا الفنيين والجمهور تنتفضان)
المجموعتان: (معا) ما هذا؟ انهما يتغازلان. امنعوهما. اعصبو عينوهما.. انهما يخالفان قواعد المنازلة وشروطها (السود والزرق. يمتثلان للامر. مجموعة الفنيين تصب من دورق الشاب في الكاس. مجموعة الجمهور تملأ الكوز) هيا هيا اشرب (مجموعة الفنيين تسقي الازرق مجموعة الجمهور تسقي الاسود) بلا خداع ولا غش انت لا ترى. نحن نرى ونراقب. نراك ونراقبك. (الشيخ يتململ.. يتهالك على المنضدة.. الشاب يترنح)
السود: (بفرح عارم) مات الضبع العجوز. فطس.. خلا لنا الجو. (يرقصون)
الشاب: اه لا.. واحسرتاه على معلمي.. انا.. لم.. (يسقط)
الزرق: مات الارعن.. الى جهنمم وبئس المصير.. بقينا وحدنا السادة (يرقصون)
الشيخ: (بانفاس متقطعة) اه.. وافاجعتي.. بأنبغ تلاميذي.. انا.. انا.. لم.. (تخمد انفاسه تماماً.، يقع الكل في حيرة شديدة. يتبادلون في صمت، نظرات الدهشة)
مجموعتا الفنيين والجمهور: ما هذا الذي يجري؟ امر لا يصدق. لا يصدق البتة. في ثانية واحدة.. و.. و.. بقطرة واحدة لم تكد تمس الشفتين الا قليلا.. و.. يموت كلا الرجلين؟ العالمين.. العملاقين.. انها.. انها.. لمعجزة (يهجم بعض السود والزرق على الانائين يصرخون) لا. لا احد يمسّ شيئا. لابد من تحليل هذا السمّ الفتاك الذي اعداه (بحذر شديد يأخذون الكأس والكوز. يخرج الجميع تاركين الشيخ متهالكا على المنضدة امام قارورته والشاب امام دورقه. يدخل المراهنون يتقدمهم الموظف والمرأة والملتحي، باكياس النقود يجرونها جراً).
الموظف: ما النتيجة؟ من الفائز؟ لقد خرج المتخاصمون ولم ينبسوا ببنت شفة؟
المرأة: اه.. الشاب. يا عيني. قد مات. من راهن عليه قد خسر.
الملتحي: والشيخ ايضا.. لقد خسر انصاره..
الموظف: وحدنا ربحنا (يهربون باكياس النقود. يدخل الفضولي. شبه عار يبكي)
الفضولي: راهنت بكل ما املك من مال واثاث وعقار وحتى الملابس.. نصفه لصالح الشيخ والاخر لصالح الشاب. ان خسر هذا ربح ذاك. ولكن ان يخسر كلاهما.. ذلك ما كان حتى الشيطان قادرا على التنبؤ به. اه.. ما قيمة حياتي بعدما خسرت كل شيء.. الموت بات ارحم.. لا لحق بهما (يشرب بعد تردد من الدورق. ينتظر ان يموت ثم يشرب ثانية) ما هذا.. انه.. انه ماء. ايكون الشاب قد رأف بالشيخ فسقاه ماء بدل السم؟ اذن كيف مات (يشرب من القارورة) ماء هو الاخر.. ماء. اه ان احدهما.. لم يسق صاحبه سوى الماء. يالهما من مخادعين زنيمين متواطئين مع الموظف (يدفع الشاب) انهض.. انهض ايها الكذاب. اعد لي اموالي (يسقط الشاب فيتحسسه) ميت.. انه ميت.. فعلا (يهجم على الشيخ، يتفحصه) اه هو الاخر ميت. كيف. كيف.. ماتا (يضحك بهستيريا) ها ها ها اذا كان كل منهما قد خسر حياته، وهما من هما من العلم والمعرفة والحكمة، بجرعة ماء، فما العجب، ان اخسر انا… مالي واملاكي.. وملابسي.. في لعبة رهان.. ها ها ها ها ها ها (يضحك ويبكي لفترة.. مؤديا رقصة غريبة، دون ان يتوقف عن الضحك والبكاء معا..)