مسرحية من خمسة مشاهد

من أجل صورة زفاف

تحسين كرمياني

 

 

لولاه..أعني صباح الأنبا ري

 لما كانت هذه المسرحية..

 وحده سافر عميقاً في ذاكرتي ووجد الكرسي الذي يستحق..

هل تمكن خيالي المتواضع..

أن يصنع من خشب الكلمات كرسياً يليق بمقامه..

جلس ذات يوم وشهر سيف اللسان بوجه أعاصير الحياة..

رجل..

 لا يبالي بقوة الظلام،ولا جمود البيادق المرتزقة من حوله

ما زال يقول كلمة الحق الملقى على عاتقه

وهو يسافر على حصان التحدي

ليبقى فارساً يبحث عن سوح الفضيلة للمقاومة..!!

***

أخوك الذي  لم تلده الأم

تحسين كرمياني

 

[ترتكز هذه المسرحية على كمية متوازنة من الحقيقة والخيال،لا يجوز الفصل بينهما] 

الشخصيات:

(صباح الأنباري)..(كاتب مسرحي وناقد ومصور)..53 عاماً..

(ئاسوس ميدي)..(قاص وروائي وكاتب مسرحي مرموق)..58 عاماً..

(سعد محمد رحيم)..( قاص وروائي)..48 عاماً..

(بلاسم الضاحي)..(شاعر ومخرج مسرحي )..45 عاماً..

(صلاح زنكنة)..(قاص)..46 عاماً..

 العريس..26 عاماً..

العروس..18 عاماً..

امرأة قروية في الخمسين(أم العريس )..

العقيد ..ضابط التحقيق..في الخمسين من العمر..

الضابط الصغير..22 عاماً..

الضابط الوسيم ..28 عاماً..

شرطة..

خمسة قتلة..

حشود وأصوات بشرية..

ملاحظة:ترد في المسرحية أسماء شخوص وأماكن عابرة وهي:

إبراهيم الخيّاط (شاعر)..

طه الدليمي(شاعر وباحث ومحامي )..

فاضل عبود التميمي(ناقد وباحث أكاديمي)..

سليمان البكري(ناقد وروائي)..

مؤيد(كاتب واعد)..اغتيل على أيدي مسلحين..

(وهم من الأسماء الأدبية البارزة في محافظة ديالى)..

قاعة الوفاء( القاعة الخاصة بمديرية تربية ديالى )..

قاعة خليل المعاضيدي(القاعة الخاصة باتحاد أدباء ديالى)..

(زمرة الاقتحام)..مسرحية لـ(صباح):حازت على جائزة مجلة أدبية مرموقة(الأقلام)للنصوص المسرحية العام ـ 1993 ..وهي مسرحية عالجت الحقيقة بثوب خيالي..

(الخاتم)..مسرحية للكاتب(ئاسوس)حازت على جائزة الدولة للمسرح للعام 2005 ..

***

[ المشهد الأول ]

المكان : (ستديو للتصوير..الواجهة الأمامية معرض زجاجي يطل على تقاطع شوارع..طاولة إلى جهة اليمين عليها جهاز هاتف،طاولة ثانية جنب الأولى فوقها جهاز حاسوب،كرسي دوار خلف الطاولة الأولى،كرسي آخر أمام الطاولة باب دخول إلى صالة التصوير..باب دخول إلى مكان ترتيب الهندام..البابان يوازيان باب الدخول..أريكتي جلوس..سنادين ورود ونباتات ظل..صور شخصية لوجوه فنية وأطفال مرتبة بتناسق على الجدران..ساعة متوقفة..براد ماء حديث)..

الزمان:(ظهيرة يوم خميس)..

***

(تسحب ستارة المسرح ..يتم تسليط الضوء شيئاً فشيئاً مع إيقاع موسيقي متصاعد..يظهر من وراء الزجاج ـ صباح ـ جالساً وراء الطاولة أمامه حفنة كتب وأوراق ـ ئاسوس ـ يجلس أمامه على الكرسي..يظهر شخصان جالسان ـ سعد و بلاسم ـ ظهريهما إلى الجمهور..)..

صباح : (يعدّل من وضعية نظارته)..لتكن أمسيتنا الخميس القادم إذاً..

سعد   : هل يمكننا أن نستعين بقاعة(الوفاء)..

صباح : زرت القاعة وجدتها تحت الترميم..

بلاسم : ولم نستغن عن  قاعة(خليل)إنها تسع الحضور..

صباح : ولا تنسى أنها مكان ملائم وأن تطلب الأمر يمكننا أن نقيم الأمسية في باحة الاتحاد..

ئاسوس: لا أتوقع حضوراً كبيراً بسبب الوضع الراهن..

سعد   : جماعة الاتحاد وحدهم يملئون القاعة..

صباح : مهما يكن لابد من إقامة أمسيتنا يجب أن لا نخضع مسرح محافظتنا لعصا الظروف.

بلاسم  : هل أعددت قائمة الضيوف أستاذ(صباح).

صباح : حقيقة دونت أسماء المساهمين في الأمسية والقائمة قد تطول..

سعد   : غداً أذهب إلى (بغداد)..لدي موعد في مقهى(البرلمان)،بإمكاني أخبارهم..

صباح : (يستدير بكرسيه الدوار نحو ـ بلاسم ـ )..ما هي أخبار بطاقات الدعوة ..؟؟

بلاسم  : صاحب المطبعة هاتفني مرتين وقدم اعتذاره بسبب انقطاع الكهرباء..

ئاسوس : لا أجد هناك داع للبطاقات،نهاتفهم ونكلف أستاذ (سعد)بتوجيه الدعوة لهم شفاهاً،فهم

          زملاؤنا ويقدرون الظرف الراهن وإمكانياتنا المحدودة..

سعد   : سأنشر خبراً في جريدة (المدى)..وأدعو الجميع للحضور..

صباح : ليست هذه مشكلتنا،نريد أن نوجه دعوة للنقاد لتقديم دراساتهم عن المسرحية..

بلاسم  : أقترح أن تقتصر الأمسية على الشهادات فقط بسبب ضيق الوقت..

صباح : هذا الموضوع تناقشنا به أنا وأستاذ(ئاسوس)،صراحة الكل يريد أن يشارك..

ئاسوس: أستاذ(صباح)..سينسق الموضوعات طالما هو من يقوم بتقديم الأمسية..

صباح : تكلمت مع الزميلين (فاء وسين) وأبديا رغبتيهما في المشاركة ببحثين عن المسرحية،أما

         زملاؤنا حكيت معهم بخصوص كثرة طلبات المشاركة وتقبلوا مشكورين وبرحابة صدر

         اعتذاري لعدم إشراكهم وواعدوني بالحضور لإنجاح الأمسية..

سعد   : من ترغب أستاذ(صباح)..أن أدعوه لكتابة شهادته عن(ئاسوس)من أدباء العاصمة..

صباح : رغم علمي أن النقّاد جاهزون بلا تكليف مسبق،كونهم أدرى بشعاب المسرحي(ئاسوس)،فلا

        مانع من صياغة دعوة مختزلة ننضدها ونستنسخها ونرسلها إليهم طالما الوقت يحاصرنا..

بلاسم :اسمحوا لي..(يتقدم نحو الهاتف..يضغط على ستة أرقام..يبدأ بالكلام)..ألو..أنا..(أبو تمام)

       ..أرجوك إن أمكن تبدِّل صيغة البطاقة التي اتفقنا عليها..ماذا تقول..الكهرباء مرة

       أخرى..بوسعك أن  تنضد لنا..(كليشة )..بالحاسوب وأستنسخها إن أمكن حسب العدد

       نفسه،ماذا تقول..أرجوك أن تشتري جلكان(الكاز)وأنا أدفع لك..حبيبي أريد البطاقات بعد

       ساعتين..أو حتى لو ثلاث ساعات..( يضع الهاتف) .لا كهرباء وطني..ولا كاز للمولدة.. صباح : يا جماعة لتكن الدعوة كما قال أستاذ(سعد)عبر الصحف وأنا سأهاتف زملائي المسرحيين

         خلال اليومين القادمين..

ئاسوس: اليوم خميس أستاذ(صباح)وراءه عمل شاق،لنتركه ونكمل حديثنا فيما بعد..

صباح : الأمسية أهم من عملي،مللنا من العرسان..

بلاسم  : أحسدك أستاذ(صباح)أنك رأيت ملامح(عروسات)مدينة بعقوبة عن قرب.

صباح : صدقوني لم أجد غير ملامح مشوهة برداءة الماكياجات..

سعد   : على أقل تقدير تستحضر في ذهنك ما الذي سيجري بعد التصوير..   

[..يضحك الجميع..]

        [أصوات منبهات متداخلة..تقف سيارة عليها زينة..يتحول الشارع إلى ضجيج

        منبهات السيّارات،صوت طبل وموسيقى..يقف كل من ـ ئاسوس و سعد و بلاسم

        ـ يشير لهم(صباح)بالجلوس،يستمر وقوفهم،يفتح الباب..تدخل امرأة قروية

        فرحة..تدخل العروس..يتبعها العريس..تزغرد المرأة..في الخارج..يتحول الشارع

        إلى ساحة رقص ورمي أطلاقات نارية] 

صباح : إلى(المرأة)..أرجوك..خالة هنا محل تصوير،ليس نادي عربدة..

المرأة : يا عيني أريد أن أفرح به..

صباح : بعد التصوير أفرحي كيفما تشائين..

المرأة : عيني هو وحيدي،(خلوني)..أفرح بزواجه..

صباح :(يشير إلى العريسين بالدخول إلى غرفة ترتيب الهندام)عندما تتهيئان اضغطا زر الجرس..

المرأة : يا ولدي الليلة أنام بباب غرفتك،الليلة أقلب الدنيا بفرحي..

صباح : الليلة تنامين بباب الغرفة وغداً تقولين لهم أخرجوا من البيت..

المرأة : (تضرب صدرها بكفيها)..أموت أنا ولا أقول مثل هذا الكلام..

صباح : هذا واقع حالنا يا أمي..

المرأة : لا أحد عندي غيره،مات أبوه في حرب(إيران)..هو وحيدي وعمود بيتي ..

        [يتحول الصخب إلى إطلاق كثيف للعيارات النارية..يقرع الجرس..يدخل ـ صباح ـ إلى

        صالة التصوير ترافقه المرأة].

ئاسوس: ليتنا خرجنا قبل مجيء هذه البربرية..

سعد   : متى نتخلص من هذه الظاهرة البغيضة..

بلاسم : أتعجب وأسأل لم يتخذ شبابنا العنف ولغة الرصاص أدوات تعبير أوان الفرح..

ئاسوس: في ظل النظام الصارم لم يتم معالجة هذه القضية،كيف إذاً تتخلص منها بعد زوال النظام.. 

سعد   : انظروا إليهم،سدوا الشوارع..مجانين.

بلاسم : لأوّل مرة في حياتي أرى شباب يلقون ثيابهم وسط السوق،ألا يخجلون..

ئاسوس: غداً يلقون ما يستر عوراتهم أيضاً..

        [يخرج ـ صباح ـ يرفع نظارته..يخرج من جيبه منديلاً ويبدأ بإزالة العرق المتصبب من

        على وجهه..تخرج المرأة..يخرج العرسان..تتقدم المرأة من الطاولة بعد أن أصبح ـ صباح

        ـ واقفاً وراءها..تحاسبه وتتناول وصلاً..تطلق زغرودة وهي تتجه نحو الباب..لحظة

        يصبحون الخارج تنطلق سيول من الرصاصات النارية تتبعها صرخات جنونية].

صباح : (يشير إلى خارج الصالة)..هذه هي منافع الديمقراطية العالمية..

بلاسم : موكب زفاف واحد شل ثلاثة شوارع ماذا يحصل لو أتت عدة مواكب في وقت واحد.

ئاسوس: لنذهب وكما اتفقنا سنلتقي خلال الأيام القادمة لتهيئة الأمور.

صباح : أجلسوا أرجوكم،لدينا بعض الوقت لنضع اللمسات الأخيرة على إستحضاراتنا.

سعد   : العرسان سيزحفون عليك.

صباح : على ما يبدو..هذا العريس مستعجل جداً ولم يحتمل حتى المساء..

ئاسوس: لنغادر.

        [يتهيئون للمغادرة ..تتوقف مركبات للشرطة]

سعد   : يا ساتر..

صباح : حين تحضر الشرطة لابد من متاعب.

        [يدخل ضابط صغير وبرفقته شرطيان]

الضابط الصغير: من منكم صاحب الأستوديو.

صباح : تفضل.

الضابط الصغير: تفضل أنت معنا.

صباح : ماذا تعني بكلامك.

        [يتقدم الشرطيان من ـ صباح ـ.يحاول أن يضع أحدهما الجامعة في يديه..يرفض ـ

        صباح تسود الحيرة كل من ـ ئاسوس و سعد وبلاسم ـ يخرج ـ صباح ـ معهما..ينظر

        الضابط الصغير إلى الثلاثة..يشير برأسه]

الضابط الصغير: أنتم أيضاً تأتون معي.

ئاسوس: وما دخلنا نحن إن كان هناك خرق حصل في الشارع.

الضابط  الصغير: ستشهدون على ما نريد.

        [يدخل الشرطيان بأيديهم سيور نايلونية،يأمرانهم بالاستدارة  إلى الوراء لربط        

        أيديهم..يرفضون]

ئاسوس: ألا تخجل يا ولد.

الضابط الصغير:(يرتبك)..أنا ولد..هيّا سترافقونني إلى المركز.

سعد   : نحن ضيوف هنا،لسنا من طرف العرس.

الضابط الصغير: ليس هناك متاعب،مجرد استجواب بسيط  وتعودون.

ئاسوس: يا جماعة،من أجل هذا نذرنا أنفسنا،ما قيمة كتاباتنا إذا لم نواجه بها أعداء الإنسان،

        لنرافقهم،هناك سنشهر مبادئنا بوجه الظلام الجديد القادم.

بلاسم : حين تتظافر جهودنا،سنقهر سلاسل الظلام.   

        [يخرج الثلاثة تحت تهديد السلاح]

(ستارة)

 

[المشهد الثاني]

المكان : [غرفة واسعة..طاولة حديدية قديمة..كرسي دوار..وراء الطاولة على الجدار رأس(أفعى)..فوقه ساعة جداريه قديمة بلا زجاج..دولاب حديدي منحني..من سقف الغرفة تتدلى مروحة تدور بصوت مزعج ..أريكة..كرسيان بلاستك..ترمز ماء فوقه كأس زجاجي}.

الزمان :(الساعة العاشرة ليلاً من نفس اليوم).

***

[تزاح الستارة بصمت..يتم تسليط الضوء تدريجياً..تتحرك حزمة الضوء داخل الغرفة..أصوات أقدام تضرب الأرض في الخارج..يفتح الباب..يدخل ضابط برتبة عقيد..كث الشاربين..هندامه غير منتظم،يتجه نحو الطاولة..يلقي(بكاسكيتته)..على حزمة ملفات..يجلس ويبدأ بتقليب الأوراق..يرفع رأسه وينظر إلى الساعة..يضغط زر الجرس..نقرات على الباب..يدخل الضابط الصغير..يؤدي تحية وهو يتقدم..يقف أمام العقيد]

العقيد : هاتوا بهم..

الضابط الصغير:(وهو يتراجع نحو الباب)أمرك سيدي.

         [يخرج دون أن يغلق الباب].

العقيد : (مع نفسه وهو يتلاعب بالأوراق)..حسناً فعل صغيري وجلب معه الشهود لنقضي سهرة

        ممتعة هذه الليلة..

        [يدخل الضابط الصغير..يتبعه كل من ـ صباح و ئاسوس و سعد و بلاسم ـ يغلق الباب

         ..يرفع العقيد رأسه]

الضابط الصغير: سيدي هذا هو صاحب الأستوديو(يشير إلى صباح)وهؤلاء(يشير إلى البقية)هم

                 الشهود ..

العقيد  : (ينظر إليهم تباعاً..يهز رأسه)..وجوه تخفي أسرار،وجوووووووووووه غريبة عن الواقع.

الضابط الصغير : سيدي رفضوا أن يلبسوا الجامعة،يتحدون الحكومة.

العقيد  : (بغضب) هذه جريمة تضاف للقضية المحورية.

صباح : أية قضية أيها العقيد،أم أنّكم مثل الزمرة الراحلة.

الضابط الصغير :(بصوت مرتفع إلى صباح)قل سيدي.

صباح : هو بالفعل سيدك أنت وحدك يا ولد.

العقيد  : (بصوت مرتبك)يبدو أنك تتمرد على القوانين،عن أي زمرة تحكي.

صباح : أية قوانين يا عقيد،الزمرة التي أحكي عنها ولّت،كانت تلبس الناس تهم باطلة.

الضابط الصغير : (إلى صباح بصوت مرتفع)ألم أقل لك قل سيدي.

صباح : لم أطلق هذه الكلمة للسلطة البائدة وتريدني أن اقولها الآن.

العقيد  : ماذا تعني بكلامك..هل تريد مساواتنا بهم.

صباح : هم أيضاً كانوا يسوقون الناس إلى الزنازين بلا تذكرات توقيف وأنتم الآن تفعلون ذلك.

العقيد  : ومن قال نحن نوقفكم.

صباح : سلقتنا داخل محجر بلا ضوء وماء وهواء صالح للبشر،وتقول هذا الكلام.

العقيد  : الكهرباء تعرض لعمل تخريبي والماء توقف جراء ذلك،والهواء النقي تلوث جرّاء تدمير

         أنابيب ضخ النفط،وما دخلنا نحن بذلك.

صباح : لا أريد أجوبة عن شيء لا يعنيني،فقط أريد أن أعرف لم نحن هنا..أريد إجابة واضحة.

العقيد  : وكيف لا يعنيك..ألا تريد كهرباء وماء وهواء صالح للشهيق.

صباح : إن كنتم لا تصونونها،هناك من هو جدير بصيانتها.

العقيد  : وهل تشك بولائنا  للحياة الجديدة.

صباح : إنجازاتكم تبرهن مدى إخلاصكم للناس. 

العقيد  : (بهدوء)لكي لا نخرج من موضوعنا،نريد منك أن تساعدنا،يبدو عليك أنك صاحب غيرة

         وحرص.

صباح : (باستغراب)..أساعدكم في ماذا،ماذا تظنون أنفسكم.

العقيد  : (يقوم من مكانه ويتقدم نحو صباح)..أريد منك أسماء من كان يطلق الرصاص.

صباح : (يسحب شهيقاً عميقاً ويزفر بقوة)..أيها العقيد أنت تطلب الماء من الصحراء.

الضابط الصغير :(يصرخ نحو صباح)..سيدي لا يمزح معك.

صباح : (يحدجه بنظرة غاضبة)..حين يتكلم سيدك عليك أن تريح لسانك.

الضابط الصغير :(محتداً)..سيدي يقول لي أخرس.

العقيد  : (يشير بسبابته نحو صباح)..تمردك سيدفعك إلى متاعب طويلة.

صباح : أنا مصوّر داخل أستوديو وما دخلي بما يجري خارجاً في الشارع.

العقيد  : لا تتعبنا،نريد فقط أسماءهم..ألا تريد أن تساعد القانون،كي تشم هواء عليلاً وتنام تحت

         المبردة.

صباح  : أي قانون يا عقيد.

العقيد  : ألا تريد القضاء على الإرهاب.

صباح : وما دخلي أنا وزملائي بهذا الموضوع.

العقيد  : أنتم تتسترون عليهم إذاً.

ئاسوس: (بغضب)..لن أسمح لك أيها العقيد أن تتكلم هكذا أمامنا،نحن أصحاب مبادئ.

العقيد  : (يتقدم نحو ـ ئاسوس ـ يقف أمامه)..حين أسألك أيها المحترم بإمكانك أن تتكلم.

ئاسوس: ولكنك تخالف مهنتك يا رجل،اعرف حدودك وتكلم معنا بأصول،لسنا كما تظن.

الضابط الصغير : (يشير بسبابته اليمين إليهم)..أنظر سيدي إليهم..أنهم لا يحترمونك.

صباح : حين يسكت هذا الولد الصغير،كل شيء يمضي بسلام.

العقيد  : (ينظر إلى الضابط الصغير)..حسناً عليك بالسكوت لنرى مدى تعاونهم مع الحكومة.

بلاسم : عفواً..أيها العقيد أ..تأذن لي بالكلام.

العقيد  : يبدو أنكم من كوكب آخر،تجهلون أين أنتم..العتب على الحرية التي جلبناها لكم من وراء

         الدنيا.

صباح : أيها العقيد..لا نريد منك أن تعلمنا مبادئ الحرية،نريد أن تبين لنا تحت أيّة ذريعة اعتقلتنا.

العقيد  :(يتقدم نحو الطاولة ويستدير نحوهم)..معاذ الله إن كنتم من أصحاب الجرائر،أنتم هنا من

        أجل سؤال بسيط..تعاونكم  مع القانون يحرركم.      

ئاسوس: (مقاطعاً)..أيّ بسيط هذا..أيّ بسيط ..أيها العقيد،تعاملنا كمجرمين وتقول بسيط.

العقيد  : حسناً أتقبل منك هذا الانفعال يا محترم،ولكن فقط زودني بأسمائهم.

صباح : حسناً ..أنا هنا من أجل سؤال غير مهذب وغير لائق،لكن ما ذنب هؤلاء..(يشير إلى

         زملائه).

العقيد  : (ينظر إليهم)..جئنا بهم ليشهدوا على أنك قمت بتصويرهم.

صباح : (غاضباً)..تصوير من يا عقيد.

العقيد  : مثيرو القلاقل في مدينة بعقوبة.

ئاسوس: عفواً ..معلوماتك غير صحيحة يا عقيد.

العقيد  : حمداً لله أنك لم تقل خاطئة.

صباح : وما الفرق بين المصطلحين.

الضابط الصغير:(يصيح)..سيدي لم يوجه الكلام لك.

صباح : كان من الأجدر بك أن تتدرب على ضبط النفس،قبل أن تبادر بضبط القانون.

الضابط الصغير :(يصرخ)..سيدي أنه يهينني تحت الراية.

العقيد : إلى(صباح)..لا تظنني أرخيت لك الحبل كثيراً.

صباح : قل لجنابه أن لا يتدخل في القضية.

العقيد  : حسناً..(يستدير نحو الضابط الصغير)..راقب وأسمع فقط.

الضابط الصغير:(بتذمر)..أمرك سيدي.

سعد   : حضرة العقيد،نريد أن نعرف جوهر القضية،بدلاّ عن اللف والدوران.

العقيد  : القضية رهن يدي صاحبكم،وأنتم بطبيعة الحال جزء منها.

سعد   : لا أجد هناك ما يستدعي هذا الجدل العقيم،قل لنا بوضوح ماذا تريدون منّا بالضبط.

العقيد  : كيف لا يستدعي الجدل..لقد ساد الفوضى والإرهاب العلني في قاطعي.

صباح : وما دخلنا نحن بقاطعك،لديك شرطة(ينظر إلى الضابط الصغير)وضبّاط

        محترميييييييييييييييين.

العقيد : وصلت الشكاوي إلى فضائيات العالم وتقول لا يوجد مبرر لاتخاذ الإجراءات الأمنية

        اللازمة.

ئاسوس: منذ 8 / 4 / 2003 وفضائيات العالم تعربد وتثير الشائعات والأخبار الكاذبة لتأزيم

         الموقف.

العقيد  : من الممكن أن نخطأ مرة ولكن حين نعالج خطأنا سنردع مروجي الشائعات حولنا.

صباح : أنتم تخطئون دائماً وتأتون بنا لنصحح أخطاؤكم.

العقيد  : ليس هذا بالضبط،هناك وسائل تدفعنا لرد الاعتبار المباغت والسريع.

صباح : أرجو أن لا نكون وسائلكم الخادمة هذه المرة.

العقيد  : لا نريد منكم سوى طلباً بسيطاً لا يكلفك شيئاً.

صباح : قلت لك أنك تبحث عن قطرة ماء في رمال عالج.

العقيد  : يا(صباح)..لا تترك هؤلاء يتنفسون بحرية ولا تدع للفضائيات فرصة لعرقلة حياتنا

         القادمة.

بلاسم : أسمح لي أيها العقيد أن أقول الحقيقة.

العقيد  : (يستدير نحو ـ بلاسم ـ وهو يبسط كفيه)..قل الحقيقة يا أستاذ،لم كل هذا الناقش.

بلاسم : نحن كنّا داخل الأستوديو،نشهد أن ـ صباحاً ـ..كان في لحظة تصوير داخل غرفة

        التصوير حين أطلقوا العيارات النارية في الخارج.

العقيد  : (يهز رأسه وهو ينقل نظره إلى ـ صباح ـ)..يعني أنك تشهد أنه صورهم.

سعد   : (بصورة مباغتة)..لم يصورهم أبداً.

العقيد  : بدأتم تختلفون،اختلافكم ستكشف لي الأسرار.

ئاسوس: دعني أوضح لك الأمور يا عقيد.

العقيد  : أية أمور يا محترم..ـ بلاسم ـ يقول أنّ ـ صباحاً ـ كان يصور لحظة إطلاق العيارات

         النارية.

بلاسم  : أنا أعني كان يصوّر العروسان.

العقيد  : لابد أنهم كانوا في مرمى العدسة.

بلاسم  : كان(صباح)..داخل الأستوديو وليس في الخارج أيها العقيد.

العقيد  : ولم لم يقم بتصويرهم.

صباح : وهل هذه الظاهرة جديدة عليكم.

العقيد  : لا يعنينا حداثة أو قدم الحالة،المهم أننا وجهنا بلاغاتنا للناس بضرورة رصد هذه الحالات

            الشاذة وإخبارنا على أرقام الهواتف المكتوبة على كل جدار من جدران بعقوبة.

سعد   : أنا لا أملك هاتفاً أيها العقيد.

العقيد  :كان الأجدر بك أن تضع هاتفاً في بيتك.

ئاسوس: (يحتج)..يا عقيد..سنبقى نلف وندور ويأخذنا الليل،أختصر لنا مطلبك.

العقيد  : قل لصاحبك ـ صباح ـ أن يذكر أسماءهم لتكونوا بعد غد في بيوتكم.

صباح : (يصرخ)..بعد غد.

العقيد  : (مصححاً)..عفواً أقصد ليس غداً ولا بعد الغد.

ئاسوس: أنت تستهزئ وتهين منصبك ولن نسكت على ذلك.

العقيد  : ألم أقل أنكم لستم من هذا الكوكب.

صباح : سنحملك تبعة هذه القضية ونقاضيك أمام المحاكم حين نخرج.

العقيد  : يبدو أنك عنيد يا صباح.

ئاسوس: أنت تتكلم مع جبل أيها العقيد.

بلاسم : أيها العقيد.. قل لنا الحقيقة،ما ذنبنا وما هو الحل لتسوية سوء الفهم الحاصل.

العقيد : نريد أسماء هؤلاء لكي نظهرهم للعالم على الشاشة ونبين لهم أننا ساهرون وبالمرصاد لكل

        حالة. 

صباح : لدي حل مناسب يا عقيد.

العقيد  : (يبسط يديه)..وما هو حلك المناسب أستاذ.

صباح : حين تأتي المرأة أم العريس للصور بإمكانكم متابعتها ومعرفة منطقة سكناها،تستطيعون

         هناك مسكهم والقصاص منهم.

العقيد  : (مقاطعاً)..أنت تقول أنني لم أصورهم،الآن تقول حين تأتي أم العريس لأخذ الصوّر.

صباح : دعني أكمل كلامي.

العقيد  : (يهز سبابته)..بلا لف ودوران.

صباح : لابد أنهم يحملون كاميرا معهم أو يمكنكم الاستعانة بمصور الفيديو الذي كان يرافقهم.

العقيد  : لا بأس بالفكرة ولكن عليكم أن تبقوا رهن التوقيف عندي حتى يتم استكمال الأدلة الكافية.

ئاسوس: وهل يشمل هذا الأجراء الشهود أيضاً.

العقيد  : أنكم دافعتم عنه وهذا يعني تضليلكم للحقيقة.

سعد   : ألا يحق لنا أن نخرج بكفالات ضامنة أيها العقيد.

العقيد : الوضع الراهن لا يسمح بذلك.

        [يرن الهاتف..يرفع الضابط الصغير السماعة]

الضابط الصغير: نعم..موجود..لحظة من فضلك..(للعقيد)..سيدي.

العقيد  : (يتقدم ويتناول الحاكية)نعم..ماذا..ألقيتم القبض عليهم..كم عددهم..سأتصل بالسيد اللواء

         وأبشره،حتماً ستكافئون على بطولتكم،أثلجتم صدري والله،بالطبع،هاتوا بهم لدي مكان

         حصين.

صباح : وماذا لديك بعد معنا أيها العقيد.

ئاسوس: (إلى صباح)..اتركه يلتقط أنفاسه ويتنفس الصعداء.

العقيد  : (يتوجه إلى النافذة بعد أن يضع الحاكية..يفتح الظلفتين..يسحب الهواء بعمق،يستدير إلى

         الوراء) أتدرون يا جماعة،عندما نمسك بالمجرمين أشعر أن الحياة ترقص فرحاً لنا.

صباح : نهاية كل شر فرح للمسالمين.

بلاسم : أيها العقيد..أجد أن قضيتنا قد انتهت بسلام.

العقيد  : ليس بعد.

ئاسوس: كيف ذلك.

العقيد  : قد لا يكونون هم.

صباح : وقد يكونون هم.

العقيد  : ستتضح الأمور فيما بعد إن كانوا هم أو ليسوا هم.

سعد   : أيها العقيد..أنا واثق أنهم هم  فلا تفسد فرحتك باحتجازنا هذه الليلة.

العقيد  : غداً ـ الجمعة ـ وبعد الغد ـ سبت ـ عطلة رسمية في البلاد،يوم ـ الأحد ـ يمكنني أن

         أساعدكم.

صباح : (يصرخ)..أية مساعدة أيها العقيد،ألم تمسكوا الجناة.

العقيد  : لم العجلة..لنتأكد أولاً إن كانوا هم أو ليسوا هم.

        [طرقات على الباب..يدخل شرطي شاب..يؤدي التحية]

الشرطي: أتينا بهم سيدي.

العقيد  : رجال ونعم الرجال..أدخلوهم.

        [يدخلون خمسة شبان بثياب سود ولحايا غير مهذبة] 

الضابط الصغير:(يصرخ)..أجلسوا لصق الحائط.

العقيد  : (يستدير نحو المجموعة الأولى)..حسناً سنكمل حديثنا فيما بعد.

صباح : وهل بقى لديك حديث معنا أيها العقيد.

العقيد  : ( يشير برأسه إلى الضابط الصغير)خذهم إلى المحجر.

         [احتجاج جماعي من قبل الأربعة..الضابط الصغير يبدأ بدفعهم بعقب بندقية نحو

         الباب..إظلام تدريجي مع موسيقى خافته حزينة]                                     

(ستارة)

 

[المشهد الثالث]

المكان : (غرفة..إضاءة شاحبة..الجدران متآكلة..عليها كتابات متعرجة ومبتورة..ذراع يمتد من منتصف السقف وهو بقايا لمروحة مخلوعة..باب حديدي في منتصفه بموازاة عيني إنسان فتحة صغيرة بمغلاق ..الأرضية كونكريتية داكنة..)

الزمان : (الساعة الرابعة من فجر يوم الجمعة )

***

[ترفع الستارة ـ صباح ـ يذرع الغرفة ذهاباً وإيابا ـ ئاسوس ـ يحدق بغضب باتجاه الباب وهو يجلس القرفصاء،ظهره على الجدار الموازي للباب ـ سعد ـ يستلقي على ظهره على قطعة كرتونية شابكاً كفيه تحت رأسه،ينحت بصره في السقف ـ بلاسم ـ يتكور لصق الجدار من جهة اليمين..رائحة كريهة تزكم الأنوف،يمكن إبراز ذلك من خلال لجوء الشخوص إلى وضع مناديل على أنوفهم بين لحظة وأخرى..الوجوه متعرقة..تسمع أصوات عيارات نارية متقطعة من مناطق متناثرة]

صباح: من أين يأتيني النوم.

ئاسوس: (يدير رأسه)أصبر كما صبرت في ـ زمرة الاقتحام ـ.

صباح: أرجو أن لا يسمعوا شيئاً عن مواهبنا..الشرطة عدوة المسرح.

ئاسوس: ألا ترى أن نبوءتك قد تحققت يا ـ صباح ـ.

صباح: يكفي إلى هذا الحد،أرجو أن لا يستعينوا بمقتلع الأظفار وعصا الكهرباء.

سعد   : أرجو أن لا يعلقنا من أقدامنا هذا العقيد.

صباح: (يشير بسبابته)..إن فعل ذلك أقسم أنني سأبصق بوجهه.

ئاسوس: أرجوك..تماسك ولا تنفعل كما كنت أمام بروفيسور( زمرة الاقتحام).

سعد    : (يرفع رأسه)..أخوان..لماذا نعقد الأمور إلى هذه الدرجة.

ئاسوس: (صباح)..يعشق الاستجوابات والتحديات،ألم يلقن البروفيسور درساً افقده رشده وأنقذ تاريخي المسرحي من التشويه والتهميش والنسيان.

سعد    : نحن أمام الحقيقة ولسنا أمام الورق لنتحدى كيفما نرغب ونشبع رغباتنا بالمعارك الفكرية.

صباح: وما الفرق يا أساتذة..لن أحيد عن مبدئي المناهض في الحياة ولن أخدع القارئ أو المشاهد كما يحلو للبعض،موجز كلامي،لن أرضخ لأية سلطة تجافي الحقيقة.

بلاسم: دعونا نفكر بالخروج من هذا الدهليز أولاً،ثم نقوم بتحويل القضية إلى نصوص ناطقة ضدّهم.

ئاسوس: يا ترى من أين أتوا بتلك الزمرة القذرة.

صباح: شممت من أسمالهم رائحة دماء زكية.

سعد: للحق أقول،خشيت أن أنظر إليهم،في عيونهم قرأت أوراق الجحيم.

ئاسوس: يبدو أنهم لصوص ليل،أو قتلة.

صباح: أرغب أن أفتعل ضجة في هذه اللحظة.

سعد   : أرجوك ـ صباح ـ ليس بوسعنا أن نتحمل الأذى الجسدي.

صباح: وهل تريدونني أن أسكت على هذه الإهانة.

بلاسم: غداً سنعرف القضية كاملة،أنني أشعر بشعلة الموهبة تدفعني لكتابة ملحمة شعرية.

صباح: أي غد يا ـ أبو تمّام ـ ،ألم تسمعه يقول حتى يوم الأحد القادم.

ئاسوس: علينا أن نرسل أخبارنا إلى أهالينا كي يتدخلوا.

صباح: (يتوقف)..من يحمل النقود في جيبه.

سعد: وماذا تفعل بالنقود.

صباح: هات خمسة آلاف.

سعد  : (يخرج رزمة نقود من جيبه..يعد خمسة منها ويناولها إلى ـ صباح ـ ،هل يكفي خمسة.

صباح: (يقترب من الباب،يراقب قليلاً قبل أن ينقر نقرات خفيفة)..من فضلك لدي كلام معك.

        (يفتح شباك صغير وسط الباب)

صوت : (بخفوت)..ماذا تريد.

صباح: خذ هذا عشاؤك.

صوت : ماذا..وأين حصة عمي العقيد.

صباح: لك كل ما تريد،فقط أريدك أن تتصل بهذه الأرقام وتخبرهم بما جرى ولك الأمان والكتمان.             

        (يناوله قصاصة ورق).

صوت : على أتم العجلة.

         (يعود ـ صباح ـ ويجلس قرب ـ ئاسوس ـ)

ئاسوس: وماذا عن(سعد)من يوصل الخبر إلى ـ أم سرمد ـ وهي في بغداد.

صباح: لابد أنها عرفت الخبر من جماعتنا في الاتحاد.

سعد: ربما سيخبرها(صلاح زنكنة)بذلك.

بلاسم: أعتقد أن ـ بعقوبة ـ كلّها عرفت قضيتنا.

صباح: ولكن لا أحد يعرف أننا أبرياء وفي إيّ دهليز نقبع،وما الذي سيحوكون حولنا من أباطيل.

ئاسوس: علينا أن نوصل الخبر إلى الصحافة وإلى مكتب السيد وزير الثقافة.

صباح: لابد أن ـ إبراهيم الخيّاط ـ ..قام بالمهمة على أكمل وجه.

سعد  : لا تنسوا اليوم ـ خميس ـ ..ونحن دخلنا يوم ـ الجمعة ـ.

صباح: (يزفر بصوت)..سننتظر.

         (أصوات أقدام..يفتح الباب..يدخل الشبّان الخمسة..يغلق الباب)

ئاسوس: (يهمس)..لنتجنبهم،يبدو أنهم أشرار.

صباح: (هامساً)..لأجس نبضهم أولاً.

سعد   : أرجوك دعهم،لسنا على مسرح التمثيل.

صباح: (يرفع صوته)..يبدو أنكم أطلقتم النار.

واحد : نعم.

صباح: أدخلتمونا إلى هذا القبر.

واحد : وما دخلنا بكم.

صباح: أنتم سبب وجودنا هنا.

واحد : وهل أنتم من جماعتنا.

صباح: أية جماعة.

واحد : ولم جاءوا بكم إلى هذا المكان إذا لم تكونوا منّا.

صباح: أتوا بنا كي نبوح بأسمائكم.

واحد : (بغضب)..إذاً أنتم سبب اعتقالنا.

بلاسم: لكننا لا نعرف أسمائكم،سجنونا كي نعطيهم أسمائكم.

واحد : وكيف وصلوا إلينا.

ئاسوس: لابد هناك مصادفة حصلت.

صباح: لم أطلقتم النار.

واحد : نفذنا الأوامر.

سعد: أوااااااااااااااامر ..أوامر من.

واحد : أننا نادمون أخوان.

صباح: وما نفع الندم بعد أن أسقطتم الفؤوس على رؤوسنا.

واحد : صدقونا يا أخوان،أننا خدعنا والآن يأكلنا الندم على ما فعلنا.

ئاسوس: وهل قلتم الحقيقة كاملة للعقيد.

واحد  :نعم اعترفنا بكل شيء،وواعدنا أن يكون بجانبنا.

صباح : (بتعجب)..بجانبكم..وماذا قلتم له كي يساعدكم.

واحد : أنا اعترفت له،فهو من عشيرتنا.

سعد  : ماذا قلت.

واحد : أبن عمّي قال للعقيد أنا أطلقت النار.

ئاسوس: لم فعلت مثل هذه الأمور،تعرض حياة الناس للخطر وتدخل نفسك في المهالك.

واحد : قلنا لكم أننا نفذنا أوامر كبيرنا.             

        ( نقرات خفيفة على الباب..يهرع ـ صباح ـ )

صوت : (بهمس)..صباح أين صباح.

صباح: (يهمس)..أسمعك.

صوت : زوجتك اتصلت بالوزير وتقول القضية سيتدخل شخصياً فيها.

صباح: وهل اتصلت بالآخرين.

صوت : نعم وأعتقد أن هناك رجال مهمين سيزورونكم غداً أو بعد غد.

صباح: أشكرك،حين أخرج سأكبر لك صورتك الشخصية مجاناً.

      [يعم الصمت بعد أن ينسحب الصوت..الخمسة يستلقون على بطونهم ويخلدون للصمت أيضاً]

ئاسوس: لنرتح قليلاً.

سعد    : داهمني النعاس.

صباح: لم يبق من الليل سوى هنيهات.

سعد   : أنا سعيد كوني معكم.

بلاسم: أنا من أسير في ـ إيران ـ إلى سجين في ـ بعقوبة ـ باء)..لكم أنا تعيس الحظ أخوان.

ئاسوس: أتتني فكرة مسرحية جديدة.

صباح: وأنا بدأت أفكر بموضوعة تخص أدباء السجون.

بلاسم: أما أنا..سأكتب ملحمة شعرية حول هذه المأساة.

سعد  : ربما روايتي القادمة ستكون عن هذه التجربة المريرة.

ئاسوس: هذه المرة سأبتعد عن الرمز وأصب جام غضبي علناً على كل كائن مسيء.

سعد: اسمحوا لي أن أنال قسطاً من الراحة وأبلور الفكرة في رأسي.

بلاسم: وأنا أيضاً أرغب أن أنام قليلاً.

سعد  : هذا المكان يذكرني بنتانة الملاجئ التي أكلت أعمارنا.

ئاسوس: أرجوك ـ سعد ـ لا تلوث ذاكرتنا من جديد بحروب الهزيمة بعدما تحررت من قذارة المرحلة.

بلاسم: أنا كنت من الشاهدين على أقسى هزيمة حربية لنا.

صباح: أتركوا ذلك الزمن،دعونا نجابه هذه المعركة الحقيقية.

ئاسوس: سنكسبها حتماً.

سعد  : لم أتذكر أنني دخلت معركة وخرجنا منها رابحين.

صباح: قررت أن أقاوم هذه الزمرة حتى النفس الأخير.

ئاسوس: أنت قائدنا يا ـ صباح ـ.

بلاسم: يبدو أننا نسينا النوم.

ئاسوس: (سعد)..مغرم بأدب الحرب،لذلك أرجعنا إلى عصر الملاجئ.

سعد  : أنا أردت أن أقول هذا المكان يشبه ملجئاً حربياً.

صباح: (يجلس)..سأحاول أن أنام بناء على رغبتكم.

بلاسم: وراءنا نهار طويل.

ئاسوس: أنا مشغول بكتابة مسرحيتي الجديدة في ذهني.

سعد : ذاكرتي مقفلة الآن.

بلاسم: سأحاول إذا جفاني النوم بكتابة ملحمتي الشعرية.

صباح: (يستلقي على ظهره..يرفع نظارته)..يجب أن أنام،ليس في ذهني سوى أسلحة مقاومة هذا الظرف اللامتوقع.

                  (إظلام مباشر وبصورة مفاجئة مع ضربة موسيقية مباغتة)

(ستارة)

                                     

[المشهد الرابع]

المكان : (غرفة بثلاثة جدران كونكريتية..هناك كتابات متداخلة وغامضة..الواجهة الأمامية..قضبان حديدية غليظة وصدئة..الأرضية مهملة وهناك أوراق ممزقة وأكياس نايلون وعلب سجائر وقناني بلاستك لمشروبات غازية ملقاة..ثمة باب في جهة اليسار)

الزمان : (ظهيرة يوم الأربعاء)

***                               

 ( ترفع الستارة ..يتم تسليط الضوء تدريجياً..مع موسيقى حزينة..يظهر كل من ـ صباح و ئاسوس و سعد و

    بلاسم ـ واقفين وأيديهم تقبض بعنف على القضبان،يكسو وجوههم شعر غير مهذب وتبرز عيونهم

    إعياء واضح).

صباح: أرجو أن نراهم.

سعد: يبدو أنه إنسان مسالم لا تليق به ملابس الشرطة.

صباح: علينا أن نشكر جهوده،جازف كثيراً من أجلنا من غير مقابل.

ئاسوس: سأجعله بطلاً لمسرحيتي القادمة ـ الشرطي الطيب ـ .

بلاسم: يا أخوان..هل حقاً أننا قضينا أسبوعاً خارج العالم.

سعد  : عشت تحت هطول القنابل ولم أشعر بذرّة ألم قياساً بلحظة واحد داخل هذا السجن المقيت.

صباح: أتمنى أن يفلح ويأتينا بهم..آه..أسمع وقع أقدام قادمة.

       (ينزل الأربعة أيديهم من القضبان وتستدير وجوههم دفعة واحدة نحو الباب)

بلاسم: يبدوا أنهم جاءوا.

ئاسوس: حاولوا عدم إظهار البؤس والتذمر أمامهم كي لا يتأثروا نفسياً لمرآنا.

صباح: (يداعب ذقنه)..هذه اللحايا ستجننهم،من يرانا سيقول يالهم من مجرمين.

       (يسمع صوت فتح مغلاق باب جانبي..يدخل ضابط وسيم ومعه ـ صلاح ـ)

الضابط الوسيم : أرجوكم عدم الإطالة،اختصروا الحوار وركِّزوا على ما هو مهم.

صباح: ولكن..أيها الضابط أين هم.

الضابط الوسيم : (وهو ينسحب)..زميلكم سيوضح لكم كل شيء،علي أن أترقب الأمور.

صلاح: لن أسألكم عن أحوالكم..كل شيء فيكم ينطق.

صباح: يا ـ صلاح ـ قل لنا أين هم.

صلاح: أنهم في الخارج،الوضع متأزم جداً.

ئاسوس: ولم لم يدخلوا معك.

صلاح: لم تنفع كل جهودهم للسماح لهم.

صباح: لكنه واعدنا أن يدخلهم مهما كانت الأسباب.

صلاح: تراجع عن قراره خوفاً من الوشاة.

سعد  : قل لي ـ صلاح ـ هل زوجتي هنا.

صلاح: يوم أخبرتها..أخذت الأطفال وذهبت إلى بغداد،خشت أن يعتقلوها.

ئاسوس: لندع هذه الأمور جانباً..قل لي ـ صلاح ـ أين وصلت قضيتنا.

صلاح: أوصلنا الخبر إلى غرفة السيد وزير الثقافة ولسوء حظكم ..تم تبديل(الوزير)..ونحن بصدد  الوصول إلى وزيرنا الجديد،بالمناسبة وزيرنا الجديد غير مثقف.

صباح: وهل أخبرتم الصحف.

صلاح: القيامة قائمة والمقالات متواصلة،ونشرنا احتجاجاً رسمياً وقع فيه كل الأدباء،ولكن من يقرأ

          الصحف هذا اليوم.

سعد   : ألم تتصلوا بضابط التحقيق.

صلاح: الأدباء خرجوا في مسيرة مسالمة وأقمنا ندوة خاصة من أجلكم،كادت الشرطة أن تعتقلنا.

ئاسوس: وماذا يقولون عنا.

صلاح: سبب عدم إخراجكم هو تعرض ضابط التحقيق إلى اعتداء مسلح بعد يومين من إعتقالكم.

صباح: وهل..!!

صلاح: (مقاطعاً)..قتل سائقه وأصيب هو بجروح طفيفة.

ئاسوس: هذا ليس من صالحنا طبعاً.

بلاسم: وماذا عن قرار قاضي التحقيق،سمعنا أنه بصدد إخراجنا.

صلاح: تم غلق الملف.

سعد   : لم أغلقوه.

صلاح: هناك شكوك بدأت تحوم حولكم.

صباح: (باستغراب)..شكوووووووووووووك.

صلاح: لن أخفي عليكم..تم الترويج على أنكم وراء حادث الاعتداء على موكب ضابط التحقيق،لذلك أرجئوا البت بقرار الإفراج عنكم لحين تجميع الأدلة والشهود.

ئاسوس: وما أخبار محامينا(طه الدليمي).

صلاح: لم يكل ولم يمل..عمل المستحيل من أجلكم.

سعد   : أرجو أن نخرج من هذه القضية بسلام،بدأت أشعر بمجهول قادم لابتلاعنا.

بلاسم: وماذا فعل عمي الشيخ ـ برهان ضاحي ـ.

صلاح: مازال يواصل جهوده العشائرية.

صباح: هذا الضابط لم تنفع معه الجهود الجانبية.

صلاح: آه ..تذكرت..لقد أمسكوا  القتلة.

سعد   : قتلة من.

صلاح: قتلة ـ مؤيد سامي ـ .

صباح: (يتنفس الصعداء عبر شهيق عميق وزفير صائت)..خبر سار جداً يا ـ صلاح ـ .

صلاح: سمعت أنهم هنا معكم في هذا السجن.

صباح: هنا..هنا أين..

صلاح: معكم في هذا السجن.

ئاسوس: أرجو أن لا يكونوا هم تلك الزمرة.

سعد  : ربما كانوا هم،لقد شممت منهم رائحة دم زكية.

صباح: ليتني كنت أعرف أنهم كانوا هم،لمزقتهم بأسناني.

بلاسم: خبرنا يا ـ صلاح ـ ،هل أنت متأكد أنهم كانوا هنا في هذا السجن.

صلاح: ماذا بكم أراكم مذهولين.

صباح: ماذا بنا..لقد كانوا معنا في نفس الغرفة.

صلاح: ألم تتعرفوا عليهم،ألم يبوحوا بجريمتهم.

ئاسوس: كنت أخالهم لصوص ليل.

سعد  : ألم أقل لكم أنهم أشرار.

بلاسم: دعونا عن هذه القضية،لنتعرف إلى مصيرنا.

صباح: لقد فار دمي..ليتني عرفت أنهم كانوا هم.

بلاسم: وما يجدي نفعاً إن عرفنا أم لم نعرف،سينالون جزاءهم العادل.

صباح: لو كنت أعلم أنهم كانوا هم لشربت واحداً واحداً دماءهم.

صلاح: المهم غداً سيأتي وفد من أدباء العراق ويقدمون مذكرة احتجاج رسمية إلى المحافظة.

ئاسوس: تقول صحف البلاد أقامت مناحة ولم تنفع..ما جدوى المذكرة.

صلاح: ولدي بشارة لك يا ـ ئاسوس ـ .فازت مسرحيتك ـ الخاتم ـ .بجائزة المسرح لهذا العام.

صباح: ربما سينفعنا هذا الفوز،خصوصاً أننا نستعد للاحتفاء بأستاذنا ـ ئاسوس ـ .

سعد  : رغم أننا داخل زنزانة..مبروك لك هذا الفوز أستاذ ـ ئاسوس ـ.

ئاسوس: ليتهم بدّلوا هذه الجائزة بحريتنا.

        (صوت الباب..يدخل الضابط الوسيم نصف جذعه الأعلى) 

 الضابط الوسيم : أرجو أن تنتهوا..ربما سيصل الضابط الصغير.

صلاح: لا تخشى بإمكاني أن احشره بنفخة واحدة داخل الزنزانة.

الضابط الوسيم : ليس هذا وقت مزاح يا ـ صلاح ـ،لا أحد يسلم من لسانه.

صلاح: سننتهي من أجلك أيها الجميل.                

       (يختفي الضابط الوسيم)                    

ئاسوس : ليس بوسعنا أن نتحمل أكثر مما تحملنا.

صباح: قل لأستاذ ـ طه الدليمي ـ .أن يحاول على الكفالة.

صلاح: العقيد العنيد يرفض الكفالة.

سعد  : ألم تتكلموا معه.

صلاح: يرفض مقابلة أي شخص حول قضيتكم.

بلاسم: قل لعمي الشيخ  ـ برهان الضاحي ـ أن يؤثر عليه.

صلاح: قلت لكم أن محاولة الاغتيال عرقلت قضيتكم.

ئاسوس: بلغ سلامنا للأهل وقل لهم أن يبذلوا الغالي والنفيس من أجل حريتنا.

صباح: حريتنا ..حريتنا الثقافة في البلد يا ـ صلاح ـ .

سعد  : المهم أن نخرج من هنا يا ـ صلاح ـ .

صلاح: حين تخرجون أريد صورة لكم،سأعلقها داخل غرفة اتحاد أدباء ديالى.

        (يفتح الباب..يدخل الضابط الوسيم)

الضابط الوسيم :انتهى الوقت أرجوكم.

صباح: لن ننسى لك هذا المعروف يا جميل.

الضابط الوسيم : اعذروني،لم أستطع السماح لعائلاتكم الدخول.

صباح: أتعبناك كثيراً معنا.

الضابط الوسيم : كان من الممكن أن أقدم خدمة أكثر من هذا..

ئاسوس: أنت أبن حلال.

الضابط الوسيم : روحي الشعرية رهن طلباتكم.

بلاسم: يبدو أنك شاعر..أخلاقك توحي بذلك.

الضابط الوسيم : أكتب وأنشر ولدي باقة قصائد غير منشورة.

بلاسم: أقسم لو خرجنا من هنا بسلام..سأطبع ديوانك الشعري على نفقتي الخاصة.

صلاح: لو لم يكن شاعراً لما تمكنت الدخول إلى هنا. 

ئاسوس: سندعمك في موهبتك ..كن كما أنت..لا تدع هذه الملابس تطغي على روحك                             الرهيفة،فالموهبة غذاؤها الأخلاق والتواضع وحب الناس.

         (أصوات زعيق مركبات الشرطة في الخارج) 

الضابط الوسيم : لقد وصل صاحب اللسان الطويل.

الجميع : (بصوت يائس)..لا تنسونا يا ـ صلاح ـ .

         (الضابط الوسيم يمسك يد ـ صلاح ـ ويخرجان)

صباح: هل حقاً أننا تعساء لهذه الدرجة،أم أن ثقافتنا في خطر.

بلاسم: ربما لأنني معكم.

سعد: كلّما أتناول حبة ـ هيل ـ .يتم اعتقالي في نفس اليوم.

ئاسوس: وما علاقة ـ الهيل ـ .بالزنزانات يا ـ سعد ـ .

3: تناولت حبة ذات يوم وبعد ساعة قادني انضباط عسكري إلى التسفيرات .

بلاسم: أرجو أن لم يطل بك الاعتقال كثيراً هذه المرة .

سعد  : ربما هذه المرة أطول من سابقتها..

     (يدخل الضابط الوسيم مرتبكاً يأخذ الجميع للخروج من باب خلفي صغير)

(ستارة )

 

[ المشهد الخامس ]

المكان : (غرفة العقيد)

الزمان : (ظهيرة يوم الخميس)

***

( ترفع الستارة..موسيقى..يتم تسليط الضوء تدريجياً..الغرفة كما كانت في المشهد الثاني،لم يطرأ عليها أي تغير..باستثناء أكوام من الصحف متراكمة خلف الطاولة وعلى الأرض..وقع أقدام..يفتح الباب..يدخل العقيد..مضمد الرأس مع كفه اليمين..يدخل وراءه الضابط الصغير والضابط الوسيم..يجلس العقيد وراء الطاولة..الضابطان يقفان متقابلين أمامه).

الضابط الصغير : كيف توافق سيدي على ذلك،أنهم يتحدوننا.

العقيد : (يشير بسبابته نحو ركام الصحف).أنظر إلى هذا الهراء،لو أبقيناهم أسبوعاً آخراً،سندفن أحياء.

الضابط الصغير : ( ينظر إلى أكوام الصحف على الأرض خلف الطاولة)..سيدي أنهم آذوك ولم يحترموك.

العقيد : أخشى أن أكون ضحية سهلة إن خالفت الأمر.

الضابط الصغير : سيدي رفضوا إطاعة الأوامر وتكلموا بغير لياقة بوجهكم الكريم.

العقيد : (يهز رأسه)..أحياناً علينا أن نخضع لأمر ليس لصالحنا،إن كانت القضية وراءها خسارة           

            شخصية على المستوى المهني،ثم أننا أمام زمرة مثقفة وراءها أقلام لا ترحم.

           (أصوات بشرية تتداخل..تتضخم شيئاً فشيئاً..يصغي  العقيد والضابطان يديران وجهيهما                  باتجاه النافذة..)

الضابط الصغير : سيدي يبدو أنه تشيع آخر،هذه الظاهرة بدأت تتسع.

العقيد : (ينظر إليه ويكتفي بهز رأسه).

الضابط الصغير : سيدي يجب أن نتدخل قبل أن يتحول التشيع إلى مناسبة لإطلاق العيارات النارية.

العقيد : حدسي يقول غير ذلك.

الضابط الوسيم : سيدي يبدو أنك نسيت.

العقيد : (كمن يستدرك)..ماذا..نسيت.

الضابط الوسيم : ألم تروج الصحف عنه.

العقيد : عن ماذا روجت هذه المرة.

       (تستحيل الأصوات المتداخلة إلى هدير بشري يتماوج..يتجه   الضابط الصغير إلى                       النافذة..يزيح الستائر..يفتح الدرفتين..)

الضابط الصغير : (يصرخ)..سيدي حشود بشرية تطوقنا.

العقيد : (بارتباك)..هيئ الشرطة للمقاومة فوراً.

         (الضابط الصغير يندفع خارجاً)

صوت : (نريد عدالة..عدالة..لا تقتلوا ثقافتنا).

صوت : ( هؤلاء رموز مدينتنا..مدينتنا بعقوبة..).

صوت : (أنهم يقتلون الجمال يا عالم..الجمال والحرية والثقافة..).

صوت : (نريدهم الآن..الآن..الآن..).

         ( تتداخل الأصوات ويتعذر فهم الكلمات )

الضابط الوسيم : سيدي هؤلاء أدباء المحافظات جاءوا راجلين من مقر اتحاد أدباء المحافظة.

العقيد : خروج على القانون يعني.

الضابط الوسيم : سيدي هؤلاء أدباء ومثقفون.

العقيد : هم..سبب بلائنا.

(يدخل الضابط الصغير..يناول العقيد ورقة..ينهض ويبدأ قراءتها وعلامات الدهشة تكسو عينيه..).

العقيد : ما الذي يحصل من حولنا.

الضابط الصغير : سيدي مسيرة احتجاج ضدنا..وهذه الورقة ألقوها من وراء الجدار.

العقيد  : حاول أن تمنع أصحاب الكاميرات من التصوير،حطموا كاميراتهم إن قاوموا.

الضابط الصغير : حجزنا كاميراتهم سيدي.

العقيد : حسناً فعلت..قبل أن يألبوا العالم علينا..(إلى الضابط الوسيم) أجلبهم.

       (يخرج الضابط الوسيم..) 

الضابط الصغير : سيدي أنظر كم من الناس حشدوا حوالينا..أنهم يثيرون الفتن والإرهاب.

       (يدخل الضابط الوسيم..يؤدي التحية..يدخل تباعاً ـ صباح و ئاسوس وسعد و بلاسم ـ                 متهالكون)

العقيد : (ينظر إليهم)..أرجو أن تقدروا عملنا الأمني والخطأ وارد دائماً.

صباح: (بصوت متهدج)..فعلتم بنا ما فعلتم وتطلب منا التقدير أيها العقيد.

العقيد : في عملنا كل شيء وارد،هدفنا هو سيادة القانون ولابد من وجود أخطاء غير مقصودة.

ئاسوس: أنتم في مرحلة جديدة من الحياة،مرحلة حاسمة وليس أمامكم أدنى فرصة للخطأ.

العقيد : عندما نتعاون،كل شيء يمضي بهدوء وسلام وعدم إعطاء خسارات.

صباح: أتدري أيها العقيد أنت قتلت رغبة وحلم.

العقيد : ( يقترب من ـ صباح ـ)..ألا ترى أن الأحلام يجب أن تؤجل هذه الأيام لضبابية الرؤية               من جهة ومن ناحية أخرى حتى يتم توفير المناخ الملائم بعد أن يسود الأمن.

        (يتواصل الصخب في الخارج) 

سعد: أيها العقيد،حين يكون الحلم نبيلاً بإمكان المرء رؤيته من وراء الحجب.

العقيد : لا أخالفك في الرأي،ولكن أنتم ترون الوضع الراهن وما يجري من خروقات ليست بشرية.

صباح: نحن نحاول أن نعمل من جهة أخرى لصناعة السلام وبث الوئام وأنتم تعرقلون جهودنا.

العقيد : ليس الأمر رهن أيدينا..نحن نؤدي ما نؤمر به،أنتم تعلمون جيداً أننا جهة تنفيذ.

       (تهدأ الأصوات..)

بلاسم: كنت أسيراً في أيران،لم أجد فرقاً في التعامل بينكم وبينهم.

العقيد : (يلتفت إليه)..كل ما تقولونه حق،ليتكم تعرفون حدود صلاحياتنا في ظل الاحتلال.

ئاسوس: أيها العقيد،لنترك هذا الحوار العقيم جانباً،قل لنا..لم طلبتنا.

العقيد : أريد الصفح منكم قبل أن نخرجكم إلى النور.

سعد  : (فرحاً)..هل حقاً نغادر السجن أيها العقيد.

ئاسوس: (إلى ـ سعد ـ)..أرجو أن لا تتناول حبات ـ الهيل ـ بعد اليوم.

بلاسم: أنت تذكرني بلحظة تحريرنا من زنزانة الأسر أيها العقيد.

صباح: (يهز كفه اليمين)..أنا لن أفرح معكم.

سعد: ومتى فرحت في دنياك لكي تفرح معنا اليوم يا عزيزي ـ صباح ـ.

ئاسوس: ـ صباح ـ يفرح حين يحقق انتصارات مسرحية أو عندما ينقذ شخصية مثقفة من آفة

            النسيان،ويخلده في عمل مسرحي صامت أو صائت.

العقيد : حقاً أنتم لا تستحقون هذا العناء،ولكن الخطأ واقع حال ظروفنا هذه الأيام.

صباح: كان يمكن أن نكون الآن هناك.

سعد  : حلمك سيتحقق في الأسبوع القادم.

صباح: أنتم تهيمون في وادي وأنا في وادي يا أخوان.

ئاسوس: أرجو أن لا تتيه كثيراً.

بلاسم: في الأسبوع القادم سنقيم احتفالاً كبيراً.

صباح: منذ فترة وأنا أخطط لهذا اليوم بالذات وأنتم تتكلمون بكل بساطة،كأن القضية لا تشغلكم.

سعد: خطط للأسبوع القادم،التأخير لا يضر بالأحتفائية.

العقيد : أرجو أن تناقشوا قضيتكم فيما بعد.

صباح: قتلت حلمي أيها العقيد.

العقيد : (يضحك)..أزرع حلماً جديداً ما دمت تملك ذاكرة حلومة في هذا الزمن.

صباح: ( يقترب من ـ ئاسوس ـ)..أتعرف تاريخ هذا اليوم.

ئاسوس: من يدخل السجن ينسى التاريخ والجغرافيا.

صباح: اليوم عيد ميلادك يا رجل.

ئاسوس: (باستغراب)..آه..يا لك من مطارد دقيق لكل تفاصيل حياتي.

صباح: (يستدير نحو العقيد)..أعددت مفاجأة لرمز مدينتنا ـ ئاسوس ـ،لكنك قتلتها.

العقيد : أتمنى أن تكون حياتك القادمة كلها مفاجآت يا ـ صباح ـ.

سعد   : أيها العقيد،لنترك هذه النقاشات جانباً ونتكلم بما يخصنا.

ئاسوس: ـ صباح ـ ..كلّما نغلق باباً نراه يفتح غيره.

العقيد : أرجو أن يفتح هذه المرة باب خروجكم.

صباح: ومن يدري،ربما نجد رهط شرطة يستقبلوننا.

العقيد : آه ..لم أجد مثلك شخصاً يصطرع داخله الحلم واليأس بكميات متوازنة.

صباح: حياتنا أصبحت ـ أميبية ـ.

سعد   : ـ صباح ـ ..أرجوك ..أرجوك ..أنني أشم رائحة الحرية.

صباح: لكنني لا أشمها..

بلاسم: إحساس غريب بدأ يدغدغني.

العقيد : (يتقدم نحو الطاولة.. يرفع ورقة ويبدأ بهزها أمام الجميع)..هذا قرار إطلاق سراحكم.

سعد   : (فرحاً)..أرجوك أيها العقيد أن تتلوه عبر مكبر الصوت لتفرح نساءنا معنا.

العقيد : يا للأسف جهاز مضخم الصوت عاطل.

الضابط الصغير : سيدي ..بطارياته منتهية.

الضابط الوسيم : سيدي بدلنا البطاريات.

العقيد : ولم لا يعمل.

           (تبدأ الأصوات من جديد بالارتفاع)

الضابط الصغير: آه..تذكرت..سيدي البطاريات أخرجتها لتشغيل جهاز الراديو الصغير  في                                 غرفتك.

العقيد : (يهز رأسه)..حقيقة حصل سوء فهم،أنا بدوري أقدم اعتذاري عن كل ما بدر من المنتسبين.

صباح: وما نفع الاعتذار.

العقيد : على كل،ستخرجون واحداً واحداً بعد التوقيع على القرار.

       (يوقع ـ صباح  و ئاسوس وسعد و بلاسم)

بلاسم: أشعر أنني ولدت للمرة الثالثة من جديد.

سعد  : سأحتفل هذا المساء وأسهر حتى منبلج الفجر.

ئاسوس: أما أنا سأباشر بكتابة مسرحيتي الجديدة.

صباح: سأتصل بالزملاء وأكلفهم بكتابة البحوث يوم الأمسية سيكون يوم فرحي.

     (يبدأ الجميع بالخروج ـ صباح ـ يدفع ـ ئاسوس ـ إلى خارج المسرح ثم يدفع ـ سعد ـ           ثم ـ بلاسم ـ ترتفع الأصوات في الخارج مصحوبة بالزغاريد،يقف ـ صباح ـ يسحب              نفساً عميقاً..يرجع إلى الوراء..يرن الهاتف ..يتقدم ويقف أمام العقيد..يرفع العقيد حاكية               الهاتف..)

العقيد : نعم ..ماذا تقول..أتمزح..أرجوك قل أنني أمزح..لا..لا..لم يخرج بعد..لم هذا..(يلقي نظرة في عيني ـ صباح ـ)..كيف ذلك..ألا يوجد حل..حسناً..حسناً(يضع حاكية الهاتف)..يقترب من ـ صباح ـ يحدق في عينيه يستدير ويقترب من الطاولة..يتوقف برهة قبل أن يلتفت إلى الوراء)

العقيد : (إلى ـ صباح ـ)..هناك امرأة رفعت شكوى عليك.

صباح: (باستغراب)..امرأة.

العقيد : تقول أنك ضيعت عليها صوّر ليلة زفاف أبنها.

صباح: (يضحك وهو يستدير ورافعاً كلتا يديه)..أيّ زفاف..سأصور لها العشرات تعويضاً.

العقيد : (يلفظ حسرة)..لقد اغتالوا أبنها العريس يا ـ صباح ـ.

صباح: (بانفعال)..ماذا..أرجو أن لا تقول أنني أعرف الجناة.

العقيد : ليس هذا يا  صباح ـ.

صباح: أرجوك دعنا نغلق أبواب النقاشات الجانبية.

العقيد : المرأة فقدت أبنها العريس جراء العيارات النارية.

صباح: كل يوم نفقد جملة شباب لا أحد يهتم بالأمر.

العقيد : المرأة تريد الصوّر.

صباح: الصوّر في الأستوديو وليس في جيبي يا عقيد.

العقيد : ـ صباح ـ ..الصوّر احترقت وهناك مذكرة توقيف بحقك.

       ( ينهار ـ صباح ـ على الأرض ..ضربة موسيقية عنيفة مع إظلام مفاجئ)

***